|
لما تصبح التهدئة انتصارا .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2339 - 2008 / 7 / 11 - 11:10
المحور:
الارهاب, الحرب والسلام
استطاعت قوة الاحتلال الإسرائيلية ، بفعل الحصار الهمجي الذي فرضته بالحديد والنار على قطاع غزة إثر انقلاب حماس على السلطة الوطنية الفلسطينية وانفرادها بالسلطة والإدارة ، استطاعت أن تجبر حماس على الرضا بما لم يكن من قبلُ مطلبا . بل أفلحت إسرائيل في جر حماس إلى القبول بما ظلت تتهم ،على خلفيته ، السلطة الفلسطينية ب"الخيانة" و "التواطؤ" . إذ أعلنت حماس إثر فوزها في الانتخابات ألا تفاوض ولا تهدئة مع إسرائيل ، ولتكن المقاومة الخيار الوحيد لحمل إسرائيل على التنازل عن حقوق الفلسطينيين . بسبب هذه المواقف التي لا تراعي المصالح العليا للشعب الفلسطيني في ظل الأوضاع الدولية التي خلقتها الحرب على الإرهاب والمواقف الرسمية والشعبية في أوربا وأمريكا من العمليات "الاستشهادية" التي أصرت حماس على تنفيذها رغم نداءات التهدئة . فكان الجدار وكان الحصار بدءا على الرئيس عرفات ثم على عموم الأراضي المحتلة ، فعمليات التدمير وجرائم القتل الجماعي والانتقائي الذي استهدف رموز المقاومة بمن فيهم رموز حماس وقادتها . ولم يفلح وعيد حماس بـ"زلزلة" الأرض تحت أقدام العدو ، بل انتهج العدو شراسة القتل والتجويع والإبادة الجماعية الممنهجة . كل هذا الحصار والدمار والتقتيل لم يكن ليبلغ مداه في الهمجية لولى تعنت حماس وعنترية قادتها الذين لم يدركوا حجم المسئولية الوطنية والتاريخية إزاء شعب فلسطين وقضاياه المصيرية . لقد أخطأت حماس ليس فقط في حق أعضائها ومناضليها الذين قدمتهم بالجملة إلى آلة القتل والاغتيال الصهيونية ، بل كذلك وأساسا في حق الشعب الفلسطيني الذي فرضت عليه خيارها الوحيد في المقاومة ، ودفعته قسرا إلى الموت بكل الأسباب إلا الطبيعية منها . إن كل قيادة حماس مسئولة بالدرجة الأولى على ضمان وحماية المصالح العليا للشعب وللوطن وفي مقدمتها الحياة والأمن . وهذا أمر أخطأت حماس تقديره وتدبيره لما هيأت لقوى الاحتلال كل الفرص والذرائع للإفراط في التقتيل الهمجي دون أدنى حرج إزاء الرأي العام الدولي الذي كان متعاطفا مع الشعب الفلسطيني في نضاله ومقاومته ضد الاحتلال الصهيوني . وبعد كل هذه الخسائر في الأرواح والممتلكات والدعم الخارجي ، العربي والدولي ، أُجبرت حماس على "الواقعية" خصوصا لما يئست من المتاجرة بمأساة الفلسطينيين في غزة إثر الانقلاب وتداعياته التي منها جريمة الحصار وفواجعه ، وخاب مسعاها في جر الدول العربية إلى حرب مع إسرائيل انتقاما لحماس التي لم تهنأ بنعيم السلطة وجاهها ؛ بعد كل المآسي التي جرها تعنت حماس وعنجهيتها على فلسطينيي غزة أساسا ، رجعت إلى صوت الحكمة فقبلت بالتهدئة وحرصت على ضمانها . بل رأت فيها "انتصارا" على لسان أبو زهرة الذي صرح لقناة بي بي سي "نحن في حماس نعتبر هذا الاتفاق هو انتصارا للإرادة الفلسطينية وهو دليل على فشل كل الرهانات على إضعاف حركة حماس " . طبعا الانتصار الحقيقي هو انتصار حماس على نفسها المتعنتة التي جرت الدمار على قطاع غزة وقتلت أبناءه بمثل ما تفعل إسرائيل أو أشد . وهذا ما أكده حمدي شقورة نائب مدير المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان بوصفه للأوضاع المترتبة عن انقلاب حماس على السلطة بأنها "أشبه بنكبة جديدة وتدمير للقضية الفلسطينية" بسبب "التراجع غير المسبوق في أوضاع حقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزة". فالإحصائيات التي أوردها المركز الحقوقي الفلسطيني تفيد بقتل 118 فلسطينيا في غزة في الفترة ما بين 17 يونيو 2007 و1 يونيو 2008 في حوادث انتهاكات لحقوق الإنسان فيما قتل في الفترة نفسها 30 فلسطينيا في الضفة الغربية. فماذا ينتظر من حركة انقلابية أسقطت 163 قتيلا للاستيلاء على السلطة إلا تعميق المأساة وتسطير "صفحات سوداء في التاريخ" بتعبير حمدي شقورة. بالتأكيد لم يكن السيد هنية يسمع نداء القادة العرب بتغليب مصلحة الشعب الفلسطيني ورفع المعاناة عنه ، كما لم يستوعب ،في حينه ، أن الشعارات التحريضية وخطب الجمعة "الجهادية" لن تجلب الطعام ولن توفر الأمن ولن ترفع الحصار . إذ ظلت حماس أول من يخرق أي اتفاق تهدئة تبرمه السلطة الوطنية الفلسطينية مع الاحتلال منذ ما قبل فرض الحصار على الراحل ياسر عرفات الذي قضى دفاعا عن حق حماس وحماية له. وجاء اليوم الذي يدعو فيه السيد هنية كل الفصائل إلى احترام اتفاق التهدئة بحجة أن"الفصائل والشعب قبلوا بالتهدئة لتحقيق مصلحتين.. الأولى وقف العدوان الإسرائيلي، والثانية رفع الحصار، لذلك نتمنى على الجميع احترام هذا التوافق". إنها مأساة شعب يعمقها قادة يفتقرون إلى الحكمة والتبصر ، ويدفعونه ـ الشعب ـ إلى تأجيل المطالبة بحقوقه المصيرية والاكتفاء باستجداء الخبز والدواء . أليس هنية من جعل أولويات الفلسطينيين تركز على رفع الحصار قبل غيرها لما أعرب عن أمله باحترام التهدئة "حتى يحقق شعبنا الفلسطيني ما يتطلع إليه من إنهاء المعاناة، ورفع الحصار المفروض، واستكمال مشروع التحرر الفلسطيني" . جميل إذن أن يدرك قادة حماس المصلحة الفلسطينية العليا وسبل حمايتها ، وهم الذين اتَّهموا الرئيس عرفات وخلفه محمود عباس بالتواطؤ ضدها . وجميل كذلك أن ينبري الناطق باسم الحكومة الفلسطينية المقالة طاهر النونو إلى تحذير باقي الفصائل من مغبة انتهاك التهدئة كما ورد في بيانه الذي أصدره باسم الحكومة المقالة التي "تحذر من العبث بالمصلحة الوطنية العليا لصالح حسابات فئوية ضيقة تحاول الربط بين الخلاف الفلسطيني الداخلي وبين تحقيق التهدئة، ورفع الحصار بشكل يتساوق مع مصلحة الاحتلال". وجاء اليوم الذي تشدد فيه حكومة حماس المقالة أنها "لن تسمح لمن يطلق عبارات التخوين وصكوك الوطنية وفقا لمزاجه الحزبي التحكم بمصلحة شعبنا وخرق الإجماع الوطني، حيث ستتخذ التدابير اللازمة لحماية الشعب من أصحاب الرؤى الضيقة المرتهنة بالاحتلال". إجراء لم يمارسه الراحل عرفات رغم كاريزميته ، ولو يلجأ إليه الرئيس عباس رغم التزاماته ، وستطبقه حماس تحت ذريعة المصلحة العليا التي كانت حماس أول من عصف بها . لأن مصلحة الشعب تتوقف على وحدة فصائله .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(5)
-
جماعة العدل والإحسان وإشكالية الترخيص القانوني .
-
هيبة الدولة من كرامة المواطن .
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(4)
-
الإرهاب وتنوع الخطط والمخططات .
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (5)
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (4)
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (3)
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (2) .
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (1)
-
أية إستراتيجية لمواجهة الإرهاب ؟
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(3)
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(2)
-
بلال التليدي : كبر مقتا أن تقول ما لا تفعل !!
-
ماذا لو شملت عقوبة الإعفاء من المهام كل المقصرين ؟
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(1)
-
على هامش فرار الإرهابيين : الدول لا تبنى بالعواطف .
-
مواقف الأحزاب والمنظمات الحقوقية والإعلام في مواجهة الإرهاب
...
-
المال -السايب- يشجع على النهب والتبذير .
-
الإسلاميون واليساريون أية علاقة ؟
المزيد.....
-
لماذا تعتمد شركات عملاقة على الصين بالتصنيع وكيف تؤثر الرسوم
...
-
سانا: مقتل سبعة مدنيين في غارة إسرائيلية قرب العاصمة السورية
...
-
مأساة الفيضانات المناخية في إسبانيا بالصور
-
تحقيقات في هتافات -معادية للسامية- في مظاهرة بهانوفر
-
بوشيلين: القوات الروسية تتقدم في اتجاه كراسنوليمانسكي وتواصل
...
-
نجل ترامب ينشر مقطع فيديو عن اقتراب انتهاء المساعدات الأمريك
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اصابة ضابطين بجروح خطيرة في جنوب غزة
-
زلزالان يضربان سواحل كوبا خلال اقل من ساعتين (فيديو)
-
رئيس الأركان الإسرائيلي يصدق على توسيع العملية البرية في جنو
...
-
بعد فوز ترامب.. سعي أوروبي لأمن مستقل
المزيد.....
-
لمحات من تاريخ اتفاقات السلام
/ المنصور جعفر
-
كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين)
...
/ عبدالرؤوف بطيخ
-
علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل
/ رشيد غويلب
-
الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه
...
/ عباس عبود سالم
-
البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت
...
/ عبد الحسين شعبان
-
المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية
/ خالد الخالدي
-
إشكالية العلاقة بين الدين والعنف
/ محمد عمارة تقي الدين
-
سيناء حيث أنا . سنوات التيه
/ أشرف العناني
-
الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل
...
/ محمد عبد الشفيع عيسى
-
الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير
...
/ محمد الحنفي
المزيد.....
|