أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي البزاز - «محمود صبري بين عالمين» لبهجت صبري: الجدارية الغائبة














المزيد.....

«محمود صبري بين عالمين» لبهجت صبري: الجدارية الغائبة


علي البزاز

الحوار المتمدن-العدد: 2331 - 2008 / 7 / 3 - 10:33
المحور: الادب والفن
    


الدفاع عن المستضعفين وتقويم تنكّر التاريخ للعدالة الاجتماعية عاملان رئيسان ووجهان للثقافة العراقية منذ الخمسينيات المنصرمة. اليسار، الوطن، التنديد بالجوع أينما كان: بؤر فنية لتلك الثقافة التي حاولت وقتذاك إعلان طهرانية الإبداع بموهبة فذّة وقفت ضد سحر المساحيق وغواية التجميل، أي مع المرئي، ناسية غير المرئيّ، الذي هو حاسة البصر عند الفن.
ضد ومع
فيلم «محمود صبري بين عالمين» للعراقي بهجت صبري يجعل المُشاهد المتتبع لتجلّيات الثقافة العراقية يستنتج حضور هذين العالمين (ضد ومع). يقول محمود صبري (مؤلّف «نظرية واقعية الكم»): «عبر قراءتي برتولد بريخت تغيّرت فكرتي الفنية/الاجتماعية عن العالم، التي تصوّر الظواهر الاجتماعية المرئية إلى فكرة تشهد تفاعل الإنسان مع الظواهر الذرية، كتفاعل ذرات الأوكسجين مثلاً. أدعو إلى تدريس مادة الفيزياء في أكاديميات الرسم لمساعدة الفنان على فهم الذرّة، التي هي أساس عالم اليوم». ويقول بريخت: «على المبدع أن ينشغل إلى جانب فنّه بأحد العلوم الحديثة ليعينه على الإبداع واستبطان العالم».
هذا الاهتمام بالعلوم الحديثة، وخاصّة تكنولوجيا الذرّة، صميم «نظرية واقعية الكمّ»، أي استفادة الفن من العلم. إنها نقطة شديدة الحساسية، تُعتبر تطوّراً كبيراً في البناء الفكري لمحمود صبري الذي عُرف بكونه مناضلاً ضد الفوارق الاجتماعية وامتهان الإنسان: يدعو إلى التآخي مع التكنولوجيا، أي مع الآلة التي هي بداية «اغتراب الإنسان»، وبالتأكيد في الفكر الاشتراكي المتشدّد آلهة الشرور كلّها. ليس الفن وحده الذي يعتبر الآلة ـ نتاج التكنولوجيا مطرقة تهديد كما يقول إكزوبري، بل الأديان أيضاً، لأنها تشغل المؤمن عن العبادة، ويتجلّى فيها الشيطان، لكنها الممهدة أيضاً ليوم القيامة، بعد أن تمتلئ الأرض جوراً. بُغض الآلة فيه شوقٌ وحبّ كبيران ليوم الميعاد.
هناك مرحلتان في حياة محمود صبري تتفقان بقدر ما تختلفان على صعيد النشأة الاجتماعية والفنية: الأولى هي التربية العراقية البحتة، لذا يستعمل الفيلم الموسيقى العراقية كإطار لسرد تفاصيلها منذ ولادته في محلة «المهدية» في بغداد، وهي المرحلة الاجتماعية كما يسمّيها وتمثّلها لوحة «الجنازة» (1952 ـ 1962) وجدارية «وطني» التي نفّذ تخطيطاتها في موسكو عام ,1961 وحال انقلاب 1963 الأسود دون إنجازها في بغداد. إن جدارية جواد سليم «نصب الحرية» (1959) تكاد تكون إلى جانب جدارية فائق حسن في ساحة الطيران الجداريتان الوحيدتان العالقتان في ذاكرة الفن العراقي، وها الفيلم يكشف تخطيطات منجزة بالألوان لجدارية محمود صبري الذي لم يستفد من حضوره لعقد مقارنة بين العملين مثلاً، أو حتى لاستنطاق آرائه حول مجايلة الفن العراقي ومسيرته. تبدأ المرحلة الثانية عام 1971 في براغ، مع المعرض الشخصي لما سُمّي بإعلان «واقعية الفن» بيان للفن الجديد، وهو تجربة بلاستيكية تشرح التفاعلات والعمليات الذرية للظواهر المرئية، مركّزاً على ألوان الطيف الذري ومبتعداً عن ألوان الطيف الشمسي المترابطة مع بعضها البعض بنسب معينة (لوحة «ماء، معدن، هواء»). يصف صبري نظريته بالقول إن «المرسم الفني يوازي المختبر العلمي. حين يرسم الفنان، ففنه يحضر محلولاً كيماوياً. واقعية الكمّ تجعل الإنسان يفهم العالم من خلال الظواهر الذرية، بينما اقتصرت نظرة الفن سابقاً على الظواهر الاجتماعية المرئية. لا توجد قوانين ثابتة في الفيزياء». وهو يدرك سبب عدم الترويج لنظريته: «العرب، منذ ألف عام، أمّة أدبية وجدانية على صعيد التأليف. تندر التقاليد العلمية في قيمنا وثقافتنا، وواقعية الكمّ نظرية فنية تستفيد من العلم والتكنولوجيا». الموسيقى التصويرية في هذا الجزء غريبة لبثّ انطباع بان الفنان أصبح بنظريته تلك عالميّ الانتماء.
معضلة
منذ البداية، أدرك المخرج بهجت صبري معضلة فيلمه المتمثّلة بالجانب العلمي في بنيته، ما اضطره إلى كسر الرتابة باستعمال صُوَر الأرشيف ولقطات من لندن وموسكو. نجح حيناً وأخفق أحياناً أخرى، لأن البناء الدرامي أريد له سلفاً شكل المقابلة التلفزيونية، وقد ضُيّعت مادة بحثية ممتازة وفيلم وثائقي للمخرج عن الفنان نفسه. ففي مقابلة أجريت عام 1985 مع الفنان الروسي ديمتري جلينسكي جاء أن محمود صبري سافر إلى موسكو ليدرس الفن فكان محطّ رعاية الفنان ألكسندر دينك واهتمامه، الذي قال لتلاميذه: «أرى تأثير محمود صبري في تجاربكم، وليس تأثيري». مع مادة وثائقية ممتازة كهذه، كان يُمكن توجيه الفيلم إلى منحى درامي مختلف تماماً، بولوج الزمن الفلسفي والفيزيائي في التجربة الفنية. كما أن تبجيل الفيلم لمحمود صبري كمفكّر أولاً ثم كفنان (جاء في التعريف: مفكّر وفنان) وجّه الإيقاع أكثر إلى الجانب العلمي منه إلى الفن.
إن الفنان أوحى للمفكّر بـ«نظرية واقعية الكم»، والعكس غير صحيح. أغفل الفيلم تماماً الجانب المتلقّي الآخر: مقابلات مع فنانين وعلماء فيزيائيين ونقاد مع أو ضد. إذ ليس من المعقول أن يُسمع طرف واحد يتحدّث على سجيته عن آرائه التي أثارت جدلاً بين معارض ومؤيد، من دون معرفة ما قدّمته هذه النظرية للفن بعد ثلاثين عاماً على إعلانها، لا سيما أنها نظرية إشكالية ذات وجوه عدّة، فنية وفيزيائية وتكنولوجية.
تواجه الأفلام الوثائقية التي تصوّر الفنانين صعوبات مضاعفة، وتقف السينما أمام ثنائية مزدوجة: صورة تتحدّث عن صورة (لوحة)، وكاميرا عدستها الفرشاة.



#علي_البزاز (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المهرجان الدولي للأفلام الوثائقية في أمستردام - : يدعمون الا ...
- فيلم - ستاب هورست- للهولندي اميل رفروا يحيا التعصّب في الحيا ...
- أين الغابة يا أيتها الزهرة التي حديقتها بين قوسين؟ سعدي يوسف ...
- أدباء ومثقفون عرب في مهرجان -الكلمة الحرّة- في أمستردام / ال ...
- فيلم -العودة الى الينابيع - لجودي الكناني / التعبير مالك الج ...
- خضوع- للهولندي تيو فان غوغ
- جدال حول فيلم -فتنة- للهولندي خيرت فيلدرز هاوي تطرّف لا يتكل ...
- الذاكرة بيت غير جغرافي مفاتيحة الماضي
- شكرا امريكا للعراقي عادل جودة
- السلطان والمدينة : تحولات الحياة والملك في امبراطورية آل عثم ...
- مهرجان الفيلم الوثائقي العالمي في امستردام IDFA ...تفاهم عال ...
- الفيلم الوثائقي-الكتابةالاولى- هذا الذي راى كل شيء فغني بذكر ...
- مهرجان ميلانو للسينما العراقية... مخرجون يخترعون الصور كي لا ...
- الحكمة مزينة بالضوء وبالموسيقي.. وريادة النوع
- الفيلم الوثائقي ( بلاد مابين الحربين ) *العراق منهوب الكرامة
- الفيلم الوثائقي - سندباديون - تيتانك عراقية معاصرة
- الفيلم القصير - المهد -عدالة السلوك
- الفيلم العراقي القصير - الليلة الثانية بعد الالف - الحكاية ا ...
- الفيلم الوثائقي – الدرامي - ذاكرة وجذور - ذاكرة الثلج االحار
- أحقاً كان الزرقاوي مُطارداً ؟


المزيد.....




- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...
- إيران: حكم بالإعدام على مغني الراب الشهير توماج صالحي على خل ...
- “قبل أي حد الحق اعرفها” .. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 وفيلم ...
- روسيا تطلق مبادرة تعاون مع المغرب في مجال المسرح والموسيقا


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - علي البزاز - «محمود صبري بين عالمين» لبهجت صبري: الجدارية الغائبة