أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق قديس - زوج غير مرغوب فيه















المزيد.....

زوج غير مرغوب فيه


طارق قديس

الحوار المتمدن-العدد: 2329 - 2008 / 7 / 1 - 08:31
المحور: الادب والفن
    


كما في كل خميس من كل أسبوع ، وبعد أن مرَّ وقت طويلٌ من العمل الروتيني الشاق ، فرغ شوقي أخيراً لزوجته ناهد ، والتي انتهت هي بدورها من أعباء عمل آخر كانت هي أيضاً تقوم به دعماً لأسس بيت الزوجية الذي دخلاه سوياً منذ أكثر من سنة.

ها قد فرغ الإثنان لبعضهما وهَمَّا بالخروج للعشاء في أحد المطاعم الفاخرة بناء على ترتيب مسبق ما بينهما ، إلا أن قبيل خروجهما رن جرس الباب ، رن رناتٍ عديدة ، سريعة ، ومتتالية تلفت الانتباه . بسرعة فتح شوقي الباب ، وإذ بعدد من الجنود والمخبرين يتدفقون إلى الداخل ، فيما سقط هو على الأرض من شدة الاندفاع ونظراته لا تكاد تفارق ذلك السيل الجارف الذي اندفع عبر الباب وانتشر في كل أنحاء المنزل.

بعد حين دخل أحدهم .. لا بل دخل الضابط ، وتحديداً الضابط فؤاد ، إن شوقي تعرف إليه بسرعة فقد تشرف سابقاً بالتعرف إليه في زيارة مماثلة قبل شهرين بالتمام والكمال.

انحنى الضابط ، ومدَّ يده لشوقي لكي يساعده على النهوض وهو يلقي التحية عليه ومن ثم على زوجته الواقفة بعيداً .. نهض شوقي ، بادله التحية ، وحاول أن يعرف منه سرَّ الزيارة المباغتة تلك ، إلا أن الضابط تجاهل سؤاله وابتدأ بتفقد المكان ، ابتدأ بالنظر إلى جدران المنزل ، والإطمئنان إلى وجود صورة للقائد معلقة في كل غرفة من غرف المنزل حتى بيت الراحة ، إلى أن استوقفه أحد الجنود هامساً في أذنه اليمنى وهو ينصت إليه باهتمام ويهز رأسه بشكل مستمر . على أثر ذلك قاده الجندي إلى حيث يريد ، وكل من شوقي وناهد ينظر للآخر باندهاش.

كانت غرفة النوم هي المحطة المنتظرة ، فهناك أشار الجندي إلى صورة للقائد ملقاة على أحد المقاعد بعيداً عن مكانها المخصص على الحائط ، عندها اقترب منها الضابط ، عاينها ، ومن ثم انهال بالأسئلة على شوقي طالباً منه تفسيراً لعدم وجود الصورة في مكانها .. والسبب في ذلك هو المرسوم الذي أصدره القائد قبل تسعة أشهر والقاضي بإلزام كافة المواطنين بتعليق صورته في كل غرفة من غرف المنزل ، وعلى أحد الجدران، وبمقاس معين ، والذي تقوم الدوائر المختصة على ضوئه بتفتيش كل المنازل للتأكد من التزام المواطنين به ، حيث سيعتبر المواطن غير الملتزم بمضمون المرسوم مواطناً غير صالح ، يعرض نفسه لإنزال عقوبات مالية متفاوتة قد تصل مع تكرار الواقعة إلى الحبس مع الأشغال الشاقة.

حاول شوقي عبثاً إفهام الضابط أن ما حدث قد تم نتيجة تنظيف زوجته للحائط ، وأنها قد نسيت أن تعيد الصورة إلى مكانها فقط . عندها ثارت ثائرته ، ثارت ثائرته وهو يقول بعصبية أنه لا يهمه من نسي الصورة على المقعد ، لأنه هو رجل المنزل وليس السيدة ناهد ، كما وأن العذر هذا مرفوض وغير مقبول البتة لسبب آخر ، وهو أنه لا يمكن للإنسان أن ينسى قائده ، أن ينسى الشخص الذي أقر هذا المرسوم ليكون إلى جانبه في كل مكان ، وفي كل زمان ، وصولاً لتحقيق الأمن والأمان لكل مواطن على أرض الوطن.

عندها أعاد الضابط الصورة إلى مكانها ، ثم اقترب من شوقي بعد أن أخرج من جيبه دفتر تحرير المخالفات ، وقال له بصوت هادئ لا يخلو من نبرة الوعيد :

- إن هذه هي المخالفة الثانية التي ترتكبها يا سيد شوقي ، وفي أقل من ثلاثة أشهر ، مما يعني أن المخالفة الثالثة لن تكون غرامة مالية فقط ، وإنما سيضاف إليها الحبس كعقوبة تأديبية ، لذا حاذر في المرة القادمة جيداً من عاقبة الإهمال.

قال هذا وهو يربت على كتفه بقوة ، ثم حرر له المخالفة ، ووضعها بين يديه ، ليخرج بعدها من المنزل وكتيبته المدججة بالسلاح تاركاً شوقي وزوجته في حيرة من أمرهما.

لم يستطع شوقي ولا ناهد في تلك الليلة أن يكملا مخططهما ، لأن مزاجهما قد تعكر لدرجة لم يعودا قادرين على التركيز ، إلا أن ناهد استطاعت أن تتمالك نفسها مجدداً، وتمكنت من خلال لباقتها اللامتناهية ، وأنوثتها المتوهجة ، وكلماتها الدافئة ، ولمساتها الساحرة أن تجد مخرجاً لها ولزوجها من هذا الجو الكئيب ، ألا وهو قضاء الليلة معاً ، وإضفاء الطابع الرومانسي على علاقتهما المسائية ، دون الحاجة إلى رؤية وجه النادل ، أو سماع صخب مرتادي المطعم ، أو احتمال ضجيج الموسيقى في صالة الديسكو المجاورة له.

لقد تمكنت ناهد من جرِّ زوجها إلى الفخ بكل سهولة ، تمكنت من إيصاله إلى فراش الزوجية بجاذبيتها المعهودة ، طاردة كل الأفكار الشريرة من رأسه ومن جسده .. ومعها ابتدأت حرارة السرير في الصعود ، وحرارة جسديهما في الارتفاع والارتفاع ، حتى ظن كلاهما أنهما سيصلان من شدة الاندماج إلى حدِّ الذوبان ، إلا أنه وفي غفلة من الزمن ، قفز شوقي من فوق ناهد ، وكأن شبحاً ما قد ضربه على قفاه .. لقد قفز شوقي من فوق ناهد ، بل من فوق السريركله والعرق يتصبب منه ، والارتباك بادٍ على وجهه تاركاً ناهد تطلق السؤال تلو الآخر :

- ماذا جرى يا شوقي ؟ ماذا حلَّ بك ؟

حاول شوقي أن يكتفي بقوله : " لا شيء يا ناهد ، لا شيء ! " ، إلا أنه وأمام إلحاح زوجته ، أسر لها بالحقيقة ، أسر لها بأنه ليس لديه القدرة بأن يستمر معها في هذا الوضع في ظل وجود شخص آخر ! ذهلت ناهد لها الجواب فما من شخص آخر غيرهما في الغرفة ، غير أنها فهمت قصده عندها شرح لها أن صورة القائد هو ما يعنيه ، فهذه الصورة الخشبية المعلقة على الحائط لم تعد مجرد إطار خسبي فقط ، بل أصبحت عيناً للقائد يمكن له بحجتها أن تداهم شرطته المنزل في أي لحظة ودون استئذان، مما أدى إلى زرع الخوف والرعب في نفسه بل لربما في نفوس كل المواطنين أيضاً، لذا فهو قادر على المتابعة ، ولعل هذا ما يفسر سبب إخفاقه في ممارسة حقوقه الزوجية معها كلما همَّ بها منذ قرابة التسعة أشهر.

لم تقتنع ناهد بهذا التبربر السخيف - على حد تعبيرها – واكتفت بشتمه، وتوبيخه ، واتهامه بأنه رجل ضعيف ، غير قادر على ممارسة الحياة الزوجية بشكلها الطبيعي لدرجة تمنعه من إنجاب الأطفال ، الأمر الذي أدى بها في النهاية إلى لملمة ثيابها في حقيبتها الكبرى ، وترك منزل الزوجية متجهة إلى بيت أبيها دون أن تنصت إلى توسلات زوجها الذي علم في نهاية المطاف هو أيضاً أنه لم يعد زوجاً مرغوباً فيه.

لم تطل الأيام بشوقي أو ناهد بعيداً عن بعضهما ، فقد تطورت الظروف بشكل متسارع من حولهما ، حيث تمكن انقلاب مفاجئ من إزاحة القائد عن الحكم ، وإسقاطه إلى الأبد ، لتسقط معه كل الصور ، في الشوارع ، في الميادين ، في الدوائر الرسمية ، في المقاهي ، في المكتبات ، وحتى التي في بيوت الزوجية ، وهو ما أدى بشوقي على الفور ولحظة سماع نبأ نجاح الانقلاب إلى تحطيم كل صور القائد التي في منزله ، ومن ثم الذهاب إلى منزل أبي ناهد محاولاً استرضاءها بشتى الوسائل والسبل ، لينجح بعد مجهود مضنٍ في استعادة زوجته وحياته المستقرة ، وليشهد بعد أقل من سنة مولد ابنته سارة ، ثم سلوى ، ثم سمير ، وليدرك في نهاية المطاف أن صورة القائد الهمام كانت في جوهرها خير وسيلة للحد من كثرة الإنجاب ، وأكثر فعالية من كل الطرق التي يمكن أن يتوصل إليها العلم الحديث!



#طارق_قديس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حيثيات الاستقالة
- وداعاً يا حقيبة السامسونايت !
- أوباما- ماكين - إسرائيل
- فتح الإسلام .. من نهر البارد إلى العبدة
- باب الحارة
- رصاصة في الفم
- الجريمة والعتاب
- بيروت خيمتنا الأخيرة
- الحب في الوقت الضائع
- لمن تُخبئينَ هذا الجسد؟
- قطعة السُكَّرْ
- عالم بلا نساء
- سارقة الأضواء
- في بيتنا إرهابي!
- وخير جليسٍ في الزمان .. !
- البحث عن بطل
- لبنان والديمقراطية المغدورة
- رحيل في المستحيل
- دعوة إلى حفل تنكري
- أنا وأنتِ وثالثنا (قرداحي)!


المزيد.....




- -نظرة إلى المستقبل-.. مشاركة روسية لافتة في مهرجان -بكين- ال ...
- فادي جودة شاعر فلسطيني أمريكي يفوز بجائزة جاكسون الشعرية لهذ ...
- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- الأربعاء الأحمر -عودة الروح وبث الحياة
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - طارق قديس - زوج غير مرغوب فيه