الضجة التي قامت من جانب تركيا حول رفضها أعطاء الأكراد حق التمتع بحقوقهم القومية والوطنية ومن ضمنها الفيدرالية ، من حق الأتراك أن يرفضوا مايشاؤون ويصرخوا كيفما يريدون ، ومن حقهم أن يعرفوا أن الشعب العراقي لاينتظر موافقتهم حين يقرر مايريده ومافيه مصلحة شعبه وماسيحقق الأستقرار ويجسد الأخوة والتحالف الحقيقي في الشراكة الوطنية بين العرب والأكراد في العراق .
ومن حق الأتراك أن يرفضوا الفيدرالية لأنها لن يتم تطبيقها في بلادهم ولاتناسبهم أمام أضطهاد الأكراد الاتراك وغبن حقوقهم القومية والوطنية وشن الحرب الشعواء عليهم .
من حق تركيا أن ترفض كل مايريده أهل العراق فلها خصوصياتها ولنا خصوصياتنا .
ولها أن تعرف أن العراقيين عرباً وأكراداً ألتحموا في نضال وطني ضد السلطات الشوفينية التي كانت تصرخ بصوت مبحوح تتنادى بالوحدة العربية وحق العرب في التوحد وتستكثر على الأكراد أن يتعلموا بلغتهم القومية وأن يحكموا أنفسهم بأنفسهم وأن يساهموا حقاً في شراكة العراق وأن يكونوا مواطنين حقيقيين لامن الدرجة الثانية ، من حق الأتراك أن ينتبهوا للفيدرالية التي سيمنحها شعب العراق للأكراد العراقيين ، لانها ستكون النورس الذي يضيء سماء الحق والحقوق في المنطقة ، والضوء الذي سيملأ سماء الأكراد أينما حلوا وسكنوا يصرخ في ضمائرهم أن ساعة الحق قد أزفت وأن الدنيا تغيرت فلاأحد يسمع الصوت البعيد ، وليس سوى صوت الشعب العراقي وهو الذي شارك الأكراد العراقيين في حمل البندقية وأستشهد من أولاد وشباب العرب ماجعل الأرض الكردية تحتضن رفاتهم بحميمية الوطن وجهاد العراق كله من أجل تحقيق الحق والحقوق ، من أجل الديمقراطية للعراق والفيدرالية التي أقرها بالأجماع برلمان أكراد العراق ولم يتبق سوى الخطوة الوطنية الكبرى في أقرار الفيدرالية ضمن الدستور المدني والديمقراطي لدولة العراق القادمة .
ومثلما أطلقت تركيا أنفعالها برفضها الفيدرالية رغم أنها ليست طرفاً قانونياً في بلدي ولايحق لها أن تتدخل في خصوصيات العراق ، مثلما لايحق لي أنا العراقي التدخل في الخصوصيات التركية ، وبالرغم من أن تصريحها ورفضها ليس له أية قيمة تذكر ، فأن قرار العراقيين يبقى فوق كل التصريحات والرغبات والتمنيات المريضة .
ومثلما أطلقت تركيا هذا الرفض أطلقت أيران رفضها للفيدرالية ناسية أنها بالأضافة الى كونها ليست طرفاً ولايحق لها أن تتدخل في الشأن العراقي وتحترم مشاعر ورغبات العراقيين ، فقد تناست السلطات الأيرانية ما أمر به الله من أعطاء كل ذي حق حقه ، وأن الأسلام من الأديان التي تبشر بضمان حقوق أتباع بقية الملل والأديان من غير المسلمين فكيف بهذه الشريحة العراقية المناضلة المتشكلة من الكرد وهم من المسلمين والمسيحيين والأيزيديين في ربوع كردستان العراق .
لأن من ابسط مقومات حقوق الأنسان في العصر الراهن الأهتمام بحقوق الأنسان حيث أصبح من الأمور التي يتم تقييم سلوك السلطات ، حتى صارت النظم السياسية والأقتصادية والأجتماعية تقاس بمدى ماتحققه هذه النظم لمواطنيها من حقوق .
لقد ولى زمان الصمت والظلم والأعتراض والتنكر لحقوق الغير ، ولو تمعنا بشيء من التجرد لما وجدنا غبن لقومية أو فئة أو ديانة سوى ماوجد في البلدان المتخلفة والتي تدعى نامية جزافاً .
أن قيمة الشعوب ضمن المجتمعات تشكل قيمة عليا يحترمها الأسلام والأنسانية وليس علينا سوى الأقرار بحق هذه الشعوب في الحياة فالحقوق وحدة واحدة لاتتجزأ ولايمكن فصلها عن بعض والحقوق الأ،سانية واحدة ، وليس جديداً ما أورده الأ‘لان العالمي لحقوق الأنسان الصادر ، ومن الغريب أن نجد أقراراً دولياً لحقوق الأقليات والقوميات في الغرب ونلمس مدى التنكر والأجحاف لشعوب شقيقة لم تطلب سوى بحقها في الحياة الكريمة وأن تشعر بمواطنتها وبمشاركتها في وطن ناضلت وجاهدت وكافحت من اجله ، تناضل الدول من أجل اعلاء كلمة الأنسان ضمن نطاق القيم العليا التي أقرتها الدول بالأجماع وبنفس الوقت نجد تردياً في الفكر والسلوك من زاوية الأعتراف بهذه الحقوق من بعض العقليات التي لم تزل أسيرة الشعارات الوهمية التي زرعها ساطع الحصري أو ميشيل عفلق أو دعاة الشوفينية والعنصرية ، ومن الغريب أن تنسى أيران أن من اهم متطلبات ومقومات العدالة أخحترام قيمة الشعوب وحقها في تقرير مصيرها وأختيار نموذج الحكم الذي تراه متناسباً مع ارادتها ومطلبها ومسايرة لظروف زمانها وهذا الأمر يعتبر من قبيل الواجب الذي تمليه الضرورة الأسلامية وهو مظهر اساسي من مظاهر العقيدة الأسلامية .
فأذا أقررنا بحق الشعوب في الحياة وحقها في العيش بأمان وحقها في التعلم وأبداء الرأي وحرية العقيدة وحرية الفكر مما يؤدي بالتالي الى أقامة النظام الديمقراطي الذي يؤدي بالنتيجة الى القناعة بحق الكرد في أن يؤسسوا لهم شكل دستوري من أشكال الحكم سبقتنا اليه العديد من الدول الفقيرة والغنية ونجحت تجاربها في هذا الشكل من الحكم ، بل وكان سبباً من أسباب نموها وأزدهارها وقوتها .
لمن ننتظر من الأخوة الأتراك والأيرانيين أن يوافقوا على منح شعبنا الكردي الحكم الذاتي ولاالفيدرالية ، ولم ننتظر أذنا منهم حين قمنا بمقاتلة السلطات الشوفيينية العراقية ، ولم ننتظر موافقتهم حين تلقت صدور أخوتنا الرصاص في أرض وثرى كردستان العراق ، لم ننتظر منهم أذناً لنتعلم كيف نقوم بحكم العراق فلم يعودنا التاريخ أن نقبل من غيرنا أن يعلمنا ما يجوز ومالايجوز فنحن أكثر خبرة من أيران وتركيا في هذا الأمر ويقول المثل العراقي
( ماحك جلدك مثل ظفرك ) ويقول الشاعر ( لاتشكو للناس جرحاً انت صاحبه لايؤلم الجرح الا من به الألم ) ، وعليه فأن قضية الفيدرالية ليست سوى قضية عراقية وطنية لن يقبل المواطن العراقي لغيرة أن يتدخل بها وليصرخ من يصرخ وليقل مايريد لنفسه ولشعبه ، لكننا في العراق أستوعبنا الدرس وتعلمنا السبيل الذي تحقق به الشعوب أهدافها ووسائلها المشروعة ، ولن يقبل شعب العراق سوى بالفيدرالية للأكراد لكونها ليست المطلب الكردي الذي تنادى به البرلمان الكردي بالأجماع قبل سقوط الطاغية ، انما لأنها مطلب عراقي وحلاً لكل الأشكالات التي يعاني منها العراق ودواء ناجع لجرح عراقي نازف لابد من أن يلتئم ، بالأضافة الى كونه حق أنساني ينبغي ليس فقط أقراره وأحترامه ، بل النضال والأصرار على تحقيقه من العرب في العراق قبل الكرد .
أذ ليس من المعقول أن تكون شعوباً اكثر فقراً وتعليما من العراق سلكت دروب الديمقراطية وأنتهجت الفيدرالية شكلاً لحكم بعض الشعوب في بلدانها مع بقاء توحدها وتماسكها وأعتزازها ببلدها مثلما يطرحه أكراد العراق اليوم ، في حين تجد من يصرخ من بلدان الجوار دون مبرر ودون أن يكون أي تأثير لهذا الصراخ .