لايمكن لقانوني أن يتقبل القرار الذي أصدرة الحاكم المدني للقوات الأمريكية المحتلة للعراق بأعتبار الطاغية العراقي البائد صدام حسين ( أسير حرب ) أو أنه يتمتع بوضع أسير حرب بالنظر لمخالفته للواقع والظروف التي تم فيها القبض على الدكتاتور العراقي ، بالنظر لأنتهاء المعارك العسكرية وأيقاف العمليات العسكرية بقرار من قوات الأحتلال الأمريكي ، وبالتالي لايمكن أن يكون الرئيس المقبوض عليه في جحور أطراف مدينة الدور من أسرى الحرب .
وأذا كانت الأدارة الأمريكية والحاكم المدني تبحث عن تخريج قانوني في عملية القبض على الرئيس البائد ، فانها تقع في ذات المطب حين تبعد الملف والقرار عن رغبة العراقيين أصحاب المحنة الحقيقية في محاكمة الطاغية .
لقد طرحت الأدارة الأمريكية عدة مرات قضية محاكمة صدام دولياً أمام المحافل والمحاكم الدولية ، وقد تصدى لها القضاة والحقوقيين العراقيين في أكثر من مؤتمر ومحفل دولي مبينين مساويء ذلك وأصرار العراقيين على محاكمته عراقياً ومن قبل قضاة عراقيين وأمام المحاكم العراقية وتطبيق قانون أصول المحاكمات الجزائية والعقوبات العراقييين وحتى قبل أن تسقط السلطة البائدة .
ولجأت الأدارة الأمريكية الى طروحات عدة بديلة عن هذا منها على سبيل المثال لاالحصر أنشاء محاكم دولية – عراقية مشتركة أو أنشاء محاكم عراقية مع قضاة دوليين جوبهت جميعها بأصرار عراقي بأن تكون المحاكمة عراقية ووطنية وعلنية وفق أحكام القانون ويكون بالتالي قرار الحكم عراقياً وقدمت المجموعة القانونية والقضائية العراقية من الأدلة والأسانيد مايساعدها في طرحها ويدعم حججها .
وحين أقرت الأدارة الأمريكية أخيراً بالأستجابة للمطلب العراقي الذي اجمعت عليه كل القوى والأحزاب الوطنية في محاكمة الرئيس البائد محاكمة عراقية عادلة فأنها جانبت الأبتعاد عن الخطأ في تقدير مطلب عراقي جماهيري أجمعت عليه كل القوى ، وحين أقرت الأدارة الأمريكية بأن المحاكمة ستكون عراقية فأنها
ولأسباب خاصة بها لم تمنح القاضي دارا نور الدين عضو مجلس الحكم الانتقالي والمسؤول عن الملف القانوني والقضائي الفرصة في البدء بالتحقيقات وترتيب أمور المحاكمة العراقية .
وأبقت المتهم صدام تحت سيطرتها ومسؤوليتها على أساس أنها تحقق معه من قبل وكالة المخابرات المركزية أو مكتب التحقيقات الفيدرالي .
في عملية القبض على صدام وحتى في عملية أصدار اوامر القبض وتخصيص الجوائز والمنح المالية التي تمنح لمن يساعد في القبض عليه أن جميع هذه القرارات كانت أمريكية منفردة لاعلاقة لها بالجانب العراقي صاحب المصلحة الحقيقية في القضية ، مع أن بالأمكان أناطة الامر بالقضاء العراقي ليصدر قراره بأصدار أوامر بالقبض وأجراء التحري عن المتهم الهارب وتنسيب المواد القانونية التي تتناسب مع بعض أو عدد من الأتهامات ، وحين يتم القبض عليه عليه يكون ذلك الفعل تنفيذاً لأمر قضائي عراقي ومذكرة أذن بالقبض أصولية وتتطابق مع نصوص أصول المحاكمات الجزائية .
وباتت الناس تعرف أن صدام حسين متهم بقضايا جرائم الحرب وجرائم الأبادة البشرية وجرائم الخيانة العظمى للعراق وجرائم القتل العمد الشخصية او بأصدار الأوامر دون وجه حق أو قانوني وجرائم السرقة والأختلاس والأستحواذ على المال العام وأستعمال الأسلحة المحرمة دولياً كيمياوياً وغازات ومواد أخرى وجرائم الأبادة الجماعية في المقابر ودفن الأحياء وقتل الأسرى من المدنيين وجرائم الأنفال وحلبجة ولاأريد أن اعدد الأـهامات حتى لاتملا الحيز المحدود لهذه الكلمة الموجزة .
كما عرف الناس أن صدام حسين بالأضافة الى أتهاماته العراقية العديدة فهو متهماً بقضايا جرائم الحروب .
وحين صرحت أدارة الأحتلال أن المحاكمة ستكون عراقية فأنها أعطت الضوء الأخضر للعراقيين بأن تقوم بتسايم المتهم لهم بعد الأنتهاء من تحقيقاتها أو من أستلال المعلومات منه ، وعلى هذا الأساس صرح المسؤولين بأن المحاكمة ستبدأ بعد ستة أشهر في هذه الجرائم وأمام محكمة عراقية تتشكل من خمسة قضاة عراقيين يرأسها قاضي وأعضائها أربعة قضاة وهي محكمة العصر كما أسمتها المراجع القانونية والقضائية العراقية بالنظر لفداحة الجرائم والأتهامات التي تحيط بالمتهم وكونها من القضايا الجديدة في المنطقة حين تتم محاكمة أحد أعتى وأشقى وأقسى الطغاة في العالم بعد أن تم القبض عليه حياً ودون مقاومة .
أن اعتبار المتهم صدام يتمتع بوضع أسير حرب لايمكن أن يتناسب مع وضعه القانوني ولايمكن تبريره بأن أسير الحرب يمكن له أن يقابل أهله ومحامية خلال فترة أسبوع من الآسر وأن يتناول طعامة المعتاد وأن يعيش في أجواء صحية ممكنة وأن يقبع في أماكن فوق الأرض وأن تضمن محاكمته من قبل محكمة تتوفر فيها الحياد والعدالة واالأستقلالية وأن لايجبر على أعطاء موضوعات حساسة وأن لايتم ترحيله الا الى دولة محايدة .
أن الهدف المعلن من أجراء المحاكمة العراقية ليس بقصد الأنتقام من المتهم أنما بتحقيق العدالة التي يتطلبها تطبيق قانوني سليم ، فالقوانين العراقية النافذة لاتمنع المحامي من مقابلة موكلة ولاتمنع من أحترام كرامة المتهم كما لاتمنع مقابلة أهله الا أذ1 كانت هناك ضرورة لسرية بقاء المتهم معزولاً بقرار قضائي مسبب وحقه في محاكمة علنية مالم يقرر القاضي خلاف ذلك ، كما تكفل القوانين العراقية حق المتهم بأحترام أنسانيته وكرامته ورعايته الصحية بالأضافة الى توفر العدالة والتطبيق القانوني السليم في المحاكم العراقية وهي جزء مهم من مفاصل القضاء العراقي ، لذا فأن اعتبار المتهم بمثابة أسير الحرب لايمكن أن يكون متجانساً مع الواقع أو قريباً من الحقيقة ويتجرد من المعنى الذي تريده الأدارة الأمريكية حول المتهم ولكن دون أن توضح صراحة ماذا تريد من قرارها هذا ؟
أن القرار المنفرد الذي أتخذه الحاكم المدني للأحتلال الأمريكي للعراق دون التشاور مع مجلس الحكم الأنتقالي يدلل على نية مسبقة للأدارة الأمريكية تسعى بأتجاه تأثير القرار السياسي على القرار القضائي وماتفكر به الأدارة خارج عن سياق ماتفكر به الجماهير العراقية وبالتالي سيتعارض مع مطلب عراقي مهم من مطالب العراقيين ليس بقصد الأنتقام من المتهم الغارق حتى أذنية بالأتهامات ، وأنما بقصد أظهار العادالة وتحقيق سيادة القانون وتعزيز مكانة القضاء العراقي .
وأذا تم أعتبار المتهم أسير حرب فهل أن المحاكم الجنائية العراقية هي المختصة في محاكمة أسرى الحروب ؟ وأذا كانت الأدارة الأمريكية أعتبرت المتهم صدام بمثابة أسير حرب فهل يعني هذا أن قوانين الحرب لم تزل سارية في العراق لحد أعلان صدام أسير حرب ؟
أننا بحاجة ماسة لترسيخ أسس النظام الجنائي الدائم للعدالة في العراق ، وبحاجة لتطمين أبناء العراق من أن الطاغية سيحاكم عراقياً وهذا مايتخوف منه بعض شراذم السلطة البائدة وبعض من يتمنون عودة الطاغية للسلطة خلافاً للواقع والحتمية التاريخية في العراق .
كما أن التدخل في تكييف الوضع القانوني للمتهم بعيداً عن أستشارة القضاء العراقي ليس من العدالة في شيء ولايدخل في باب الحكمة والتطبيق القانوني السليم .
أن جرائم الحرب تدخل فيها الأنتهاكات الجسيمة لأتفاقيات جنيف الصادرة في 12 /آب / 1949 بمافيها جرائم القتل العمد والتعذيب أو المعاملة غير الأنسانية وأجراء التجارب البيولوجية وتعمد أحداث معاناة شديدة و ألحاق أذى خطير بالجسم أو بالصحة وألحاق تدمير واسع بالممتلكات والأستيلاء عليها دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك مخالفة للقانون وأرغام المدنيين في العمل العسكري وحرمان الأسرى في المحاكمات العادلة والحبس غير المشروع والأبعاد والنقل غير القانوني وأخذ الرهائن والهجمات ضد السكان المدنيين والمواقع المدنية ، واما الجرائم ضد الأنسانية فيدخل في نطاقها القتل والأبادة والأسترقاق والأبعاد والأضطهاد القائم على أساس ديني أو عرقي وأرتكاب الجرائم ضد التجمعات المدنية .
فهل يصلح صدام حسين أن يكون متهماً بجرائم الحرب أو الجرائم ضد الأنسانية ؟ أم انه سيكون يتمتع بوضع أسير الحرب كما قرره الحاكم المدني الأميركي للعراق بشكل منفرد ؟