أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - جواد البشيتي - صحافة الموت وموت الصحافة!














المزيد.....

صحافة الموت وموت الصحافة!


جواد البشيتي

الحوار المتمدن-العدد: 2316 - 2008 / 6 / 18 - 11:28
المحور: الصحافة والاعلام
    


إذا كان لا بدَّ لـ "الموت" من أن يشغل حيِّزاً في صحافتنا اليومية فَلْيَشْغُل؛ ولكن على شكل "خبر"، صغير الحجم، مستوفٍ عناصر ومقوِّمات "الخبر"، وفي موضع ثابت من الجريدة، فلقد حان لـ "ثقافة الموت"، في مجتمعنا، أن تتغيَّر، وأن تكافح وتصارع ما غزاها من "فيروسات الفساد".

عندنا، لا أكْثَر من الشيوخ الذين يتوفَّرون على إصدار فتاوى التحريم والتحليل؛ وإنْ كان جُلُّها، أي كُلُّها تقريباً، في أمور وقضايا لا وزن لها بميزان المصالح الحقيقية، والحاجات الفعلية والأساسية، للمجتمع، أفراداً وجماعات، فَلِمَ يُحْجِمون عن "تحريم" كل ما يتنافى مع "الإكرام الحقيقي (والشرعي)" للميِّت، وهو "دفنه"؟!

إنَّني لم أسمع، ولم أرَ، شيخاً مُفْتياً لديه من الجرأة ما يكفي ليفتي قائلاً إنَّ "ثقافة الموت"، على ما نراها يومياً، في صحافتنا اليومية، أي في "الإعلان التجاري"، حجماً وموضوعاً، ليست من "الحلال" دينياً، بل هي "مُحرَّمة" شرعاً.

أعلم أنَّ فتواه لن تنزل برداً وسلاماً على "أرباب العمل" في جرائدنا اليومية، والذين يزنون "الجريدة"، أي "السلطة الرابعة" و"صانعة الرأي العام" و"مرآة الحقيقة".. افتراضاً وزعماً، بميزان يكاد أن يكون تجارياً صرفاً، ضاربين صفحاً عن "الحقيقة الإعلامية الكبرى" وهي أنَّ الصحافة يمكن ويجب أن تتضمَّن "التجارة"؛ ولكنَّها يجب ألاَّ تَعْدِل أبداً "التجارة".

إنَّهم مع "الموت"، على أن يُحْسِن عزرائيل اختيار الأرواح التي يقبضها، أي أن تكون للأثرياء، فذوو هؤلاء هم وحدهم الذين في مقدورهم التسبُّب بازدهار الجريدة تجارياً عبر زيادة مساهمة الموتى في "الإعلان التجاري".. إنَّهم يطلبون مزيداً من هذا الموت الذي يحيي العِظام من صحافتنا اليومية وهي رميم!

"الجريدة" هي للأحياء وليست للأموات؛ إنَّها لمشتريها وقارئها، الذي من حقِّه، حتى بحسب شريعة "الاقتصاد البضاعي"، أن يَجِدَ فيها ما يلبِّي احتياجته الفكرية والثقافية في المقام الأوَّل؛فهُنا، وهُنا فحسب، ينبغي للجريدة أن تقيس وزنها، وتكتشف ذاتها، وتختبر قواها الإعلامية والفكرية، وتؤدِّي رسالتها، فيقال، بعد ذلك، وبفضل ذلك، إنَّها جريدة كان لها مساهمة جيِّدة في "تفسير" العالم، وفي "تغييره"، من ثمَّ.

لقد عاثت فيها "الروح التجارية" فساداً، حتى اتَّخَذت من القول "الإعلان التجاري هو روح الجريدة" مبدأً لـ "فلسفتها الإعلامية"!

و"كبار المُعْلنين التجاريين" ليسوا بتجَّار فحسب، فإنَّ لهم من النفوذ والتأثير في "البوصلة" السياسية والفكرية للجريدة ما يجعل الحرية الصحافية التي تتمتَّع بها الجريدة، وعلى ضآلتها سياسياً، تجري بما تشتهي مصالحهم، فهذا "الخبر"، أو ما شابه، يجب ألاَّ يُنْشَر؛ لأنَّ في نشره ما يُغْضِب مٌعْلِناً تجارياً كبيراً، فيَغْضَب (إعلانياً) على الجريدة!

أُنْظُر إلى "التصنيف الطبقي" للجرائد عندنا، فماذا ترى وتكتشف؟ إنَّكَ ترى وتكتشف أنَّ الجريدة الأولى هي الأولى إعلانياً، والثانية هي الثانية إعلانياً، والثالثة هي الثالثة إعلانياً، فـ "حجم المبيعات"، بوصفه ثمرةً لـ "حجم الإعلان"، هو الميزان، والمقياس، والمسطرة.

احْجِبْ "الإعلان" فتحتجب الجريدة عن الصدور، وعن الوجود، وكأن لا مقوِّم آخر من مقوِّمات الحياة لديها!

حتى "الأسماء" من "الإعلاميين"، ومن "رجال الفكر والقلم"، شُهرتهم من شهرة جريدتهم، التي شهرتها من حجم الإعلان التجاري، الذي أكبر أصحابه عزرائيل!

هناك، أي في أوطان الصحافة الصحافة، نرى "الكاتب" يَحْمِل "الإعلان التجاري" على جناحيه، أي يملك من ثمار الزواج بين القلم والورقة ما يجعل الجريدة مثمرة، شُراةً وقرَّاءً وإعلاناً تجارياً؛ أمَّا هنا فنرى "الإعلان التجاري" هو الذي يَحْمِل "الكاتب" على جناحيه!

"عزرائيل السياسي" قبض الروح السياسية والفكرية والثقافية والمهنية لصحافتنا اليومية، فلا عجب بعد ذلك إنْ حلَّت في "جسدها" الروح التجارية الصرف، وإنْ رأت أوهام السعادة والحرية والسلطة الرابعة وسلطة صناعة الرأي العام.. تُزْهِر في "وادي الدموع"، الذي تفضِّل تسميته "شارع الصحافة"!

كان يجب أن يكون للمواطن، وللمجتمع، جريدة، فأصبح للإعلان التجاري جريدة؛ كان يجب أن يكون للأحياء والحياة جريدة، فأصبح للأموات والموت جريدة.

إنَّها "ثقافة حُبِّ المباهاة والتفاخر والتميُّز.."، في كل ما ينبغي لنا، حضارياً، أن نربأ بأنفسنا عنه"، تغزونا، عقلاً، وشعوراً، وسلوكاً، وصحافةً؛ فمنها نبتني القبور للموتى على شكل قصور، والقصور للأحياء على شكل قبور؛ ومنها نجعل (أي نحاول جَعْل) أسيادنا في الحياة الدنيا، أسيادنا في الحياة الآخرة، فالفقير يظل فقيراً حتى في الموت، والغني يظل غنياً حتى في الموت، فلذاك "إعلان" في حجم النملة، ولهذا "إعلان" في حجم الفيل، لذاك حزن المُحبِّين، ولهذا حزن المنتفعين، وشتَّان ما بين الحزنين!

إنَّني، وبلسان شريعة "الاقتصاد البضاعي"، أقول: ليس من حقِّ الجرائد اليومية أن تتطاول على حقوق مشتري وقارئ الجريدة، والتي منها أن يرى في صفحاتها ما له مصلحة في أن يراه، وحاجة إلى أن يراه؛ وإكرام الميِّت لن يكون، ويجب ألاَّ يكون، بجعل موته يلتهم رُبْع صفحات الجريدة!



#جواد_البشيتي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جدل -الأزمة السكانية- في مصر!
- خطوة سعودية قد تكون تاريخية!
- -الفشل الوشيك- و-التحدِّي الكبير-!
- نمط استهلاكنا مهدَّد ب -الصَّوْمَلَة-!
- ظاهرها -كتابة- وباطنها -إملاء-!
- أما حان للولايات المتحدة أن تستقل عن العراق؟!
- عسكر تركيا يلبسون -حجاب العلمانية-!
- عَصْرٌ من الجوع.. و-الطاقة الذُّرَوية-!
- هذا هو كل متاعهم الفكري!
- -حزيران-.. -سلام الهزيمة- و-هزيمة السلام-!
- -أزمة اولمرت- هي خير عُذْر!
- اولمرت.. كم أنتَ مسكين!
- خطاب نصر الله في ميزان الخطأ والصواب!
- الأُميَّة الديمقراطية!
- مفاوضات للسلام أم لاجتناب مخاطر حرب؟!
- -الأمن الغذائي- أوَّلاً!
- القوميون العرب الجُدُد!
- عندما -يُعرِّف- الرئيس بوش الدول!
- سنة فلسطينية حاسمة!
- إنَّما -التعريب- كلمة يراد بها -التدويل-!


المزيد.....




- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي / كرم نعمة
- سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية / كرم نعمة
- مجلة سماء الأمير / أسماء محمد مصطفى
- إنتخابات الكنيست 25 / محمد السهلي
- المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع. / غادة محمود عبد الحميد
- داخل الكليبتوقراطية العراقية / يونس الخشاب
- تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية / حسني رفعت حسني
- فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل ... / عصام بن الشيخ
- ‏ / زياد بوزيان
- الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير / مريم الحسن


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الصحافة والاعلام - جواد البشيتي - صحافة الموت وموت الصحافة!