أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شمخي جبر - المثقف والمؤسسة والشاعر البهلوان















المزيد.....

المثقف والمؤسسة والشاعر البهلوان


شمخي جبر

الحوار المتمدن-العدد: 2294 - 2008 / 5 / 27 - 09:58
المحور: الادب والفن
    


حين اخترقت وفود الشعراء المشاركين في المربد الرابع،السوق الكائنة بين فندق المربد وقاعة عتبة بن غزوان ،كان الناس يشيرون الى الوفود متهامسين (هؤلاء جماعة الحكومة،لايختلفون عن السياسيين المفسدين والفاسدين والقتلة الطائفيين )تذكرت هذا وانا اسمع تصريحات وكيل وزارة الثقافة ، وترديده لمفردات (صولة المربد) و(صولة الشعراء) و(صولة الثقافة) وكأني به يذكرنا بمقولات صدام حسين (للكلمة والبندقية فوهة واحدة) كلاهما تقتل الناس او تحرض على قتلهم او تبررره .هكذا كانت الثقافة والمثقفون ادوات بيد السلطة.
ويبدو ان وزير الشعراء عاد مرة ثانية ولكن بثوب جديد. لان السلطة دائما بحاجة الى مهرجين يرفهون عن رموزها او ابواق تردد مقولاتها او تدبج لها المدائح وتبرر اعمالها وليست بحاجة الى المثقف صاحب الموقف النقدي.
والشعراء اثبتوا وبكل جدارة انهم اهل للعب دور البوق والمهرج في كل الازمان لهذا تقربهم السلطة وتقيم لهم المهرجانات. الشاعر ومنصته او منبره،وصوتياته وقوافيه كان الاكثر حضورا لدى امة البحور وتفعيلاتها وقوافيها،هو كرباج القبيلة وزعيمها واداة الذب عنها.
اذ بقت الثقافة العربية ،حبيسة الادبية او الشعرية تحديدا ،بل كانت الاكثر تمثيلا للثقافة العربية وشعريتها وعقلها الشعري التطريبي. هناك من يقول ،ان الشاعر هو حامل هموم المجتمع وصوته والمعبر عن اماله والامه ، وتتمسك هذه المقولة بمن سبقها من مقولات ،كمقولة الشعر ديوان العرب ، وهذا التفات الى عصور كان فيها الصوت الشعري هو الصوت الوحيد المدوي في صحراء العرب .
تلك الحقب ألقت بالمسؤولية الثقافية على عاتق الشاعر وحده. فدرسنا التاريخ وحقبه من خلال الشعر،ودرسنا السياسة شعرا وحتى الدين درسناه من خلال الشعر . اذ كان لكل عصر شاعره او شعراءه لكن لم يكن لذلك العصر مثقفيه وكانت للشعر اغراضه (المديح والهجاء والرثاء )ويروي د.غازي القصيبي في كتابه (عن قبيلتي احدثكم) اضطر الشعراء إلى التنقل بين الدويلات لعرض خدماتهم على حكام هذه الدويلات ،وظهر “شعراء الكدية” أو التسول ،بل هناك من يبتزون بشعرهم فيمدحون وإن لم يعطوا قاموا بالهجاء المقزز - وأصبح الشعراء لا يكتبون إلا بمقابل, وقد نظم المتنبي قصيدة مديح حصل بمقابلها على دينار ولذلك تم تسميتها بـ “القصيدة الدينارية”.

ماذا يقتبس الشاعرمن وادي عبقر ؟هل يقتبس غير جمرات ماتلبث ان تنطفيء؟ ويقتبس النبي من الوادي ذاته جمرات تزداد توهجا على مر الزمان، (والشعراء يتبعهم الغاوون الم ترهم في كل واد يهيمون يقولون مالايفعلون)حتى قيل انهم شعراء ،بياعوا كلام،بل قالت العرب ان الشعر اجمله اكذبه، فاقترن جمال الشعر بمدى كذبه واقترن الشاعر بالكذاب .. واي جمال هذا الذي لايكون الا كاذبا؟ واي نبوءة ننتظرها من كذابين(يقولون مالايفعلون)هل يمارس الشاعر تنويما مغناطيسيا على متلقيه؟ الم يقترن الشعر بالسحر؟وانه ننفثات من الجن لايعول عليها،فوادي عبقر لاتسكنه الا الجن وارواح الشعراء.كذابون اولئك الذين يقولون : اتقينا (سيف المعز) فتلقفنا دراهمه ودنانيره، اذ لايوجد سيف، بل هي الدراهم التي تهفوا اليها القلوب ،وقد قال السيد المسيح( سميت الاموال اموالا لان القلوب تميل اليها )لم يستطع المعرفي في الثقافة العربية ان يجاري الادبي وخصوصا الشعري في مجال تمجيد رموز الاستبداد وافعالهم مهما كان انحطاطها، ابتداء من الشعر العربي في العصرين الاموي والعباسي وامتداداتهما الحديثة والمعاصرة. فكثيرا ماتترك الثقافة غير الشعرية او التي لاتقع ضمن الاصناف الادبية الشعرية على الهامش من اهتمام( المثقفين العرب ) اقصد الادباء العرب ومؤسساتهم،فعلى هامش الملتقيات والمهرجانات الشعرية تناقش اهم القضايا الجوهرية والتي تمس حاضر الامة ومستقبلها.
وكان الادب في العراق ،لاسيما خلال الحقبة الصدامية قريبا من خطاب السلطة اكثر من أي وقت مضى الا ماندر، حتى ان مقالات هاني وهيب وصباح ياسين وصباح سلمان وغيرهم من مثقفي السلطة والمبشرين بمشروعها والداعين له والمدافعين عنه،لم تستطع ان ترقى الى حضوة واثر قصائد عبد الرزاق عبد الواحد وعلي الياسري ورعد بندر ولؤي حقي وتطول قائمة هذا الرهط الشعري،الذي كان الركن المتين لثقافة النظام المنهار والتي كرست عبادة الفرد وتمجيد الدكتاتورية وتحويل الثقافة الى بوق دعاية ينفخ فيه حملة القرب الشعرية . والشعرية وحدها لايمكن ان تنتج ثقافة عظيمة،بينما يمكن ان تنتج الثقافة شعرية عالية و شعراء عظام وبين الشعري والمعرفي،يكون المازق الذي يضع الشعراء الثقافة العراقية فيه اذ يصبح الشعري وليس المعرفي اداة الفحص والقراءة للواقع فيبقى الحلم الشعري مفارقا للواقع،مع غياب النظرة العقلانية،والتمسك بالتهويمات والرؤى الوجدانية والرومانسية، التي قد تأخذ طابعا تخديريا او تطهيريا في معالجة الواقع .
ولان ثقافتنا هي ثقافة الشعراء الذين كانوا يبحثون عن وزير للشعر او وزير للادب، ووجدوه في بعض الاحيان ولكنهم الان يبحثون عنه داخل المؤسسات ومن خلالها، وهذا مانجد عليه المثقف في العراق،بعد انهيار النظام السابق،فالمثقف مازال يحن الى الرعوية والرعاية ،اذ لايستطيع العيش الا في كنف السياسي ورعايته .
والأحزاب السياسية تريد أسماء المثقفين وخبراتهم لاستخدامها في مشاريعها السياسية،وهي تشتري المثقفين وتفسدهم من خلال ابعادهم عن العمل الثقافي الحقيقيّ . لانها تريدهم أبواقاً ومرتزقة ، وهتّافين ، فأصبح المثقف محبوسا في القفص الذهبي للحزب لايستطيع ان يغرد الا على اغصان وسائل اعلامه ومؤسسته الثقافية ، فخسرت الثقافة ،اولا ، والسياسة ثانيا ، اذ لم تعد فاعلة في الوسط الاجتماعي او قائدة للتغيير بل متخلفة كثيرا عنه . اذ اصبح المثقف مساهما فعالا في خلق راي عام مهادن للسلطة، بل عمل وبكل ما أتي من قوة في تدجين المشهد الاجتماعي وتوطينه على الاستبداد والاستسلام، وكان الفاعل المؤثر في عملية منح الشرعية للسلطة، فلم يكن حصة للمجتمع بل حصة للسلطة التي ابتلعت كل شيء.وكانت هناك قطيعة تامة لعملية التماهي بين المثقف والجمهور، ففي الوقت الذي كان فيه الجمهور يعاني الامرين، كان الشاعر يتباهى بأنه شاعر القادسية او شاعر ام المعارك.وللاجابة عن سؤال ، من أكل المثقف ؟ نقول ان المؤسسة هي التي أكلته ومؤسسة السلطة بالذات، فتجشئته مخرجا ليس له علاقة بالثقافة ، حولته الى منتج لتشويه الوعي .ومازالت تمارس هذه الآلية ضده .فاصبح اداة تسليع للثقافة التي حولها الى اداة تبجيل جوهر القوة السلطوية وترويض الضمير العام واشباع الغرور السلطوي، واصبح كل من يقف بوجه هذا التيار وكل ماهو خارج الحزب ودولته وسلطته وثقافته شيطانا او متامرا او خائنا ،فخسرت الثقافة كثيرا وخسر المجتمع اكثر ، وهو ما افقد المواطن العادي احساسه بالانتماء الي ثقافة تسودها الفوقية والشعارية ،اذ اصبحت الثقافة اداة تضليل الجماهير بدلا من ان تكون مصباحها.
وبقى المثقف بعيدا عن الوسط المجتمعي ،فكان بين موقفين، اما موقف الاستعلاء على المجتمع وثقافته بحجة مواكبة التطور تارة أوبحجة الانقلابية و الثورية،او رفع شعار الحداثة والتحديث تارة اخرى،ويعد الاستعلاء احد اهم اسباب الهوة التي تتسع يوما بعد اخر بين المثقف والمجتمع،فضلاعن ان موقف المجتمع منه لايقل خطورة عن هذا، اذ كان مشوبا بالريبة والشك ،بأعتباره أبن السلطة المدلل وآلتها وعصاها التي تجلد بها المجتمع.وأمتد الموقف المجتمعي حتى شمل المؤسسة الثقافية ومخرجاتها، اذ مازال المجتمع يرى ان كل مايصدر منها هو ثقافة تعبوية وتمجيد للسلطة التي ظل ينظر اليها بعين الريبة والشك.
وهنا تحضرني مقولة رائعة تعبر عن هذا الموقف بدقة، قالها احد العاملين في دار الشؤون الثقافية( ان دار الشؤون الثقافية حتى لو طبعت القرآن فأن المواطن لايشتريه) لهذا بقى الناس يتجهون الى الكتب المطبوعة والمنشورة في بيروت او القاهرة مثلا، لانهم يعتقدون ان ماينشر في العراق لايمكن ان يخرج عن توجهات السلطة او الافلات من رقابتها،وهو لايتجاوز البرامج الدعائية والترويجية لخطاب السلطة.في الوقت الذي كان على المثقف، الاعتراف بالواقع وما فيه لا لتبريره بل للعمل من اجل تغييره، ولابد من التعامل مع الواقع السسيولوجي والثقافي بواقعية وموضوعية،وقراءته قراءة نسبية ونقصد بها بالنسبة لهذا الواقع ومتطلباته ،لا على وفق اطروحات ايديولوجية وضعت لمعالجة واقع اخر، وكم وقعنا بهذا المطب في استجلاب واستيراد الافكار،من دون اخذ الواقع بنظر الاعتبار هكذا تعامل الماركسيون مع الواقع وكذلك القوميون واخيرا الاسلاميون ، في القفز على الواقع وعدم اخذ وقائعه السسيولوجية والثقافية بنظر الاعتبار.ماذا قدت السلطة للثقافة غير احتوائها وتشويهها والعمل على انحرافها عن مساراتها واهدافها الحقيقية.مازالت امتدادات الثقافة الصدامية ورموزها هم الذين يديرون المؤسسة الثقافية ،وان ارتدوا قمصان الثقافة الديمقراطية التي تبدوا فضفاضة عليهم،واخيرا اقول اذا كان الصنم سقط يوم التاسع من نيسان فمازالت بقاياه وشضايا تلملم نفسها وتفعل نفس الاليات القديمة في تشويه الثقافة وتحويلها الى ثقافة سلطة وليس سلطة ثقافة.
ملاحظة : نشرت احدى الصحف هذه المادة بعد حذف اكثر من نصفها .



#شمخي_جبر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العنف ضد المرأة ..أشكاله ومصادره وآثاره
- المرأة العراقية بين قانون (188) لسنة 1959 والمادة (41)
- هل طرح نظام صدام مشاريع للاصلاح السياسي؟
- الاسلاميون والتحولات الديمقراطية
- التمييز الذكوري المجتمعي لايسمح للمرأة بالوصول الى مراكز صنع ...
- قلق الهوية
- الانتخابات.. والامانات التي لابد ان تسترجع
- العقل الخرافي وتسليع المقدس
- المثقف دون طوق نجاة
- الفيدرالية ليست حلا
- الإعلام و الأفكار المستحدثة
- الشعبية والشعبوية بين التضليل وافساد الاذواق
- عقدة الخوف
- دور الثقافة والمثقف في التغيير الاجتماعي والسياسي
- الكتاب الشهري والمطبوع الأول للحوار المتمدن: افاق النهوض بال ...
- مواطنون من الدرجة الثانية
- أحجار في طريق الديمقراطية
- المواطنة خط شروع واحدة نحو الحقوق والواجبات
- امرأة اسمها دعاء
- جذور الحرب الأهلية ... لبنان،قبرص،الصومال، البوسنة


المزيد.....




- مصر.. الفنان محمد عادل إمام يعلق على قرار إعادة عرض فيلم - ...
- أولاد رزق 3.. قائمة أفلام عيد الأضحى المبارك 2024 و نجاح فيل ...
- مصر.. ما حقيقة إصابة الفنان القدير لطفي لبيب بشلل نصفي؟
- دور السينما بمصر والخليج تُعيد عرض فيلم -زهايمر- احتفالا بمي ...
- بعد فوزه بالأوسكار عن -الكتاب الأخضر-.. فاريلي يعود للكوميدي ...
- رواية -أمي وأعرفها- لأحمد طملية.. صور بليغة من سرديات المخيم ...
- إلغاء مسرحية وجدي معوض في بيروت: اتهامات بالتطبيع تقصي عملا ...
- أفلام كرتون على مدار اليوم …. تردد قناة توم وجيري الجديد 202 ...
- الفيديو الإعلاني لجهاز -آي باد برو- اللوحي الجديد يثير سخط ا ...
- متحف -مسرح الدمى- في إسبانيا.. رحلة بطعم خاص عبر ثقافات العا ...


المزيد.....

- أبسن: الحداثة .. الجماليات .. الشخصيات النسائية / رضا الظاهر
- السلام على محمود درويش " شعر" / محمود شاهين
- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - شمخي جبر - المثقف والمؤسسة والشاعر البهلوان