تكشرت الأنياب وتصايحت الأصوات النكرة تتناخى للوقوف بوجه الحق والحقيقة في مواجهة مطالبة الكرد بتحقيق الفيدرالية .
هناك من يخطيء ويتصور أن الفيدرالية هي قضية تخص الكرد وحدهم وفي الحقيقة أنها قضية أولية من قضايا العراق .
وللتبسيط نقول أن تاريخ العراق السياسي سجل بشكل يدعو للفخر نضال الشعب العراقي من أجل منح الأكراد حقوقهم المشروعة مهما كانت التوصيفات القانونية لهذه الحقوق ، وحتى نكون أكثر تبسيطاً علينا أن نفهم أشكال الأتحاد السياسي بأعتبار أن دولتنا العراقية هي دولة تتشكل من العرب والكرد والتركمان والأقليات القومية الأخرى .
وتكون الدول في العالم على أربعة اقسام الأول الدول البسيطة وهي الدولة الموحدة والثاني الدول المركبة وتعني الدولة الأتحادية والتي تجتمع ضمنها دولتين أو ولايتين تحت سلطة واحدة أو على شكل اقليمين أو دولتين متحدتين ضمن قيادة مركزية واحدة بالأضافة الى الأتحاد ( الكونفدرالي ) والذي يعني أرتباط دولتين بمعاهدات تلتزم بها بموجب اتفاقيات أقتصادية أو عسكرية أو سياسية مع أحتفاظ كل منهما بشخصيته الدولية المستقلة ، والنوع الأخير وهو الفيدرالية والذي يعني أما بأسلوب حكم على أقليم معين يتمتع بخصوصية قومية أو تاريخية أودينية وهذا الأمر نابع من حق الشعوب في تقرير مصيرها ، ويكون الأقليم متمتعاً بالفيدرالية ضمن الدولة الواحدة مع تمتعه بأستقلال أداري دون أن تنسلخ عن الدولة المركزية .
فالنظام الفيدرالي للأكراد لايعني الأنسلاخ عن الدولة العراقية ولايشكل تجزئة للسيادة أو للكيان الوطني ولايشكل دعوة للأنفصال ، انما تتشكل السلطة المركزية العراقية وتتبعها الحكومة الفيدرالية سواء الكردية أو العربية وفقاً للضرورات والمبررات السياسية والقومية التي ترسم شكل الدولة العراقية القادمة التي سيقررها الشعب العراقي .
كانت القضية الكردية من أول القضايا التي ناضلت الجماهير العراقية بكل أحزابها الوطنية من أجل تحقيق مطالبها العادلة ، وقدمت الحركة الوطنية الشهداء والضحايا من أجل تحقيق هذه المطالب الشعبية العادلة ، كما ناضل الكرد منذ سنوات طويلة من أجل تحقيق هذه الحقوق فأعطوا الالاف من الشهداء ومسحت قرأهم وأبيدت مدنهم ودمرت بيئتهم وتشرد شعبهم ونقيت الالاف منهم في الصحارى ولم يكلوا ولم ينزعوا صبرهم ومطالبهم من اجل حقهم الوطني ، وليس اكثر تأكيداً ما أقدمت عليه الحكومات العراقية الشوفينية المتعاقبة من محاولة القضاء على حركتهم الوطنية بالحديد والنار ومواجهة شعب الكرد بقوات الجيش العراقي النظامي بقدراتها التسليحية وبقوتها الكبيرة التي لم تستطع أن تقضي على حركتهم المسلحة بالنظر لكونها نابعة ليس فقط من بين الجماهير الكردية والعربية وأنما لانها نابعة من الحق والأصرار على تحقيق المطالب المشروعة .
ولهذا فقد تعاقبت الحكومات الشوفينية دون أن تستطع القضاء عليهم أو أخفات صوتهم ، ولذا عمدت سلطة البكر – صدام الى مهادنتهم والأستسلام لهم والرضوخ الى تنامي قوتهم وعرض أسلوب الحكم الذاتي كوسيلة من وسائل تمتعهم بحقوقهم وحلاً لمشكلتهم ، وبالرغم من كون الحكم الذاتي لم يكن يلبي الطموح الكردي ولايحقق نصف مطالبهم المشروعة ولكونهم يطمحون في حلول تفيد مستقبل العراق فقد جنحوا للموافقة على الحكم الذاتي ، ولكن نية السلطة لم تكن سليمة ونظيفة فبادرت على أفراغ الحكم الذاتي من محتواه الحقيقي وجعلته حبراً على الورق وجولته من نظام قانوني الى ورقة باهتة وخاوية تصب في خدمة مخططات السلطة ونظرتها الشوفينية للقضية الكردية ، كما نهجت منهجاً تأمرياً وتخريبياً مع القيادة الكردية للشعب الكردي ومن ثم صار الأمر أن تقوم القيادة العراقية بالمساومة من أجل التفريط بسيادة العراق وكرامته وأراضيه من أجل عدم أعطاء الكرد حقوقهم المشروعة
( اتفاقية الجزائر بين صدام وشاه أيران ) .
وأذا كنا أصحاب ضمائر حية ونتمتع بالوجدان العراقي وبالحس الوطني والذاكرة الحية سندرك أننا أمام حقوق لايمكن نكرانها ولايمكن تجاوزها مهما كانت الظروف واولها حقوق الشعب الكردي وخصوصيته العراقية في قوميته ولغته وتقاليده وحقه في الحياة .
وأذا كنا نحترم حقوق الأنسان فأننا سنلتزم بصوت الأكراد في البرلمان الكردي الذي عقد جلسته في العام 1992 وقرر أن تكون الفيدرالية ضمن الدولة العراقية الواحدة .
أن هذا الأمر يعزز حرص الأكراد على وحدة العراق فقد كانت الظروف الواقعية تدعو الأكراد أن يملئوا الفراغ السياسي بعد هزيمة قوات صدام في حرب الخليج الثانية وفراغ منطقة كردستان من القوات العسكرية والأمنية والأستخبارية والحزبية الموالية للسلطة ، حينها تناخى الكرد لمليء هذا الفراغ دون تفريط بسيادة ووحدة العراق ، وقد قامت القيادات الكردية بأدارة الأقليميبن ( السليمانية أو اربيل ودهوك ) خير أدارة ناجحة وموفقة لخدمة الأنسان في المنطقة بأن عكست الوجة الايجابي في قضية الأعمار والأستقرار في حين كانت سلطة صدام تنهج الأرهاب والموت والدمار بين صفوف الشعب العراقي المقموع .
وأذا كنا ننظر الى القرار الذي أصدره البرلمان الكردي ( بالأجماع ) على مطلب الفيدرالية بأعتباره يحقق طموحهم في تقرير مصيرهم داخل وحدة الدولة العراقية مع تمتعهم بنوع من الأستقلالية ضمن شكل من أشكال الحكم الدستوري ، فأن القرار لايدعو للتخوف أو التشكيك أو الريبة بل أن الأمر لايعدو غير تثبيت حق من حقوق الأنسان وحلاً جذرياً لمشكلة أستعصت على العديد من السلطات ولم تكن سوى القضية العراقية الأولى بعد تخلص العراق من سلطة الدكتاتورية والطغيان .
اننا امام عملية نشترك بها جميعاً في رسم معالم الدولة العراقية القادمة من خلال رسم نصوص الدستور العراقي القادم ، وهذا الدستور ينبغي أن يكون متلائماً مع حلول ناجعة لمستقبل العراق ، كما يضمن حقوق الناس ويرسم مستقبلهم دون تفريط بوحدة العراق ، وبحث قضية الفيدرالية دون أن نضع الاتهامات والشكوك الذي يحاول بعض أن يضعها كعملية عصي تعرقل المسيرة لايصب في خدمة القضية العراقية ، وبغض النظر عن الأفكار الساذجة والسطحية التي يطرحها بعض من ذوي الأفكار الشوفينية والنظرة الضيقة فأن الفيدرالية صيغة قانونية دستورية عراقية تعزز الى حد بعيد المجتمع المدني وحقوق العراقيين وتؤكد البناء العراقي الديمقراطي الموحد .
ان على شعبنا العراقي أن لاينسى نضال الكرد وتضحياتهم الجسام ومطالبتهم بالحقوق المشروعة ومايلبي هذه الحقوق ، وأن على من يرسم نصوص الدستور أن يستوعب حق الكرد في الحياة المشتركة وفي العراق ، وأن على البرلمان العراقي القادم أن يضع بعين الأعتبار أقرار البرلمان الكردي لحقه في أختيار النموذج القانوني في الحكم ضمن سيادة الدولة التي سيتحدد نوع نظامها السياسي وفقاً للأنتخاب الحر والمباشر ودون أن ننسى أن الشعب هو مصدر السلطات وهو من يمنح الشرعية .
أن الأصوات التي خرجت تدعو لغمط حقوق الكرد أو التي تدعو الى عدم منحهم الفيدرالية أو انها ليست في وقتها المناسب أنما يدعون الى عدم أستقرار العراق ، والى عدم منح كل ذي حق حقه ، ويدعون دون أن يعوا الى عودة اسلوب انظمة الحكم الشوفيني في عدم التفكير بمنح الحقوق ومن يستكثر الحقوق على الكرد لايلزمه شيء في عدم منح غيرهم حقوقهم مستقبلاً .
لذا فلن تكون الفيدرالية البعبع الذي يخيف القليل من الناس بقدر ماتكون حلاً جذرياً وطريقاً قانونياً من طرق وأساليب الحكم في اشكال السلطات ووسيلة تؤدي الى الأستقرار وبناء المستقبل العراقي المنشود وقد حان وقتها في ظل الظروف العصيبة التي نمر بها في العراق .
الحريص على مستقبل العراق من ينظر الى كل القضايا من وجهة احترام حقوق الأنسان وليس من زوايا شخصية وآنية مظلمة ، ومن يريد الخير للعراق عليه ان يوسع نظرته من اجل مستقبل العراق فالكرد في العراق لم يزلوا الجزء الشقيق الشريك الحقيقي في هذا الوطن وحتى تكون الشراكة حقيقية وفعليه علينا ان نعطي حق الشريك في هذه الشراكة حتى يؤمن بحقه في الحياة العراقية المشتركة التي لم تثبت سلطة عراقية واحدة منذ تأسيس الحكم الوطني ولحد اليوم انها حقاً تؤمن بحق الكرد المشترك في الحياة العراقية فعلاً لاقولاً .