أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد أيوب - قراءة في كتاب الإمبريالية الجديدة 4 / 5















المزيد.....


قراءة في كتاب الإمبريالية الجديدة 4 / 5


محمد أيوب

الحوار المتمدن-العدد: 2263 - 2008 / 4 / 26 - 10:11
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


قراءة في كتاب الإمبريالية الجديدة
دافيد هارفي ، ترجمة : وليد شحادة .
عرض وتقديم : د . محمد أيوب

- 4 -
التراكم بنزع الحيازة
يتخذ تراكم رأس المال مظهرين:
1 – يتعلق الأول بسوق السلع والمكان الذي ينتج فائض القيمة، هنا يكون التراكم عملية اقتصادية بحتة بحيث يسود السلام بين الرأسمالي والعامل، ولكن حق الملكية يتحول من خلال التراكم إلى الاستيلاء على ملكية الآخرين، ويصبح تبادل السلع استغلالا وتصبح المساواة حكم طبقة معينة، مما يؤكد ضرورة دراسة الأسباب الكامنة وراء هذا التحول.
2 – بينما يتعلق الثاني بالعلاقات بين الرأسمالية وطرق الإنتاج غير الرأسمالية التي تظهر في المجتمع الدولي، وتتمثل وسائل الرأسمالية في السياسة الاستعمارية والنظام الدولي للإقراض والحروب.
وهذان المظهران للتراكم الرأسمالي مترابطان عضويا بحيث يستحيل تقييم الدور التاريخي للرأسمالية دون دراسة المظهرين السابقين.
ولما كانت القيمة التي يتلقاها العمال في مقابل إنتاجهم أقل من أن تكفي لإنفاقهم مما يؤدي إلى نقص في الاستهلاك (زيادة العرض وقلة الطلب) وبالتالي تراكم رأس المال حيث يقوم أصحاب رأس المال بإعادة استثمار أموالهم بدلا من إنفاقها في الاستهلاك ويلجئون في سبيل ذلك إلى التجارة مع التشكيلات غير الرأسمالية، وإذا رفضت هذه التشكيلات هذه التجارة فإنها تجبر على ذلك بقوة السلاح، وهذا هو صميم الإمبريالية، ولا بد هنا من إبقاء الأقاليم غير الرأسمالية على حالتها لتبقى سوقا استهلاكية حتى ولو اضطرت الدول الرأسمالية إلى استخدام القوة من أجل ذلك.
وفي مقابل مقولة نقص الاستهلاك هناك مقولة فرط التراكم التي ترى أن انعدام فرص الاستثمار المربح هو أساس المشكلة، وقد تكون قلة الطلب جزءا من المشكلة، ويشكل التوسع الجغرافي أساس النشاط الإمبريالي بحيث يساعد على استقرار النظام لأنه يعزز الطلب على بضائع الاستثمار وبضائع الاستهلاك في أماكن أخرى.
تحفظات كارل ماركس:
اعتمدت نظرية كارل ماركس حول فائض القيمة(تراكم رأس المال) على افتراضات كلاسيكية منها: وجود سوق تنافسية حرة مع ترتيبات تتعلق بالملكية الخاصة والحقوق الفردية وحرية العقد وهيكلة القانون بضمان الدولة التي تضمن سلامة الأموال باعتبارها مخزن للقيمة ووعاء للتداول، وبذلك بقي دور الرأسمالي كمنتج للسلع ثابتا بينما تحول العمال إلى سلعة تجري مقايضتها بالقيمة التي تناسبها.
ويرى ماركس أن تحرير الأسواق لن ينتج دولة متناسقة يشعر كل مواطن فيها أنه أحسن حالا، ولكنه ينتج نوعا من التمييز وعدم المساواة، ويؤدي إلى حالات من عدم الاستقرار تؤدي إلى أزمات مزمنة ومستعصية ناتجة عن فرط التراكم، بينما ترى لوكسمبورج أنه من الخطأ إعادة أسباب التراكم القائم على النهب والخديعة والعنف إلى مرحلة أولية من التراكم البدائي لأن هذا النوع من التراكم أصبح خارج الرأسمالية باعتبارها نظاما مغلقا، وتستعيض لوكسمبورج عن ذلك بمفهوم التراكم عن طريق نزع الحيازة.
وقد قامت رؤية ماركس للتراكم البدائي على سلسلة عمليات منها خصخصة الأرض وتهجير الفلاحين منها بالقوة وتحويل كل أنواع الملكية (المشاع والملكية المشتركة وملكية الدولة) إلى حقوق ملكية خاصة وتحويل القوى العاملة إلى سلعة، إضافة إلى عمليات استعمارية لمصادرة الثروات وتحويل المبادلات والضرائب إلى نقد وخصوصا في الأرض وتجارة الرقيق والربا والديون القومية ونظام التسليف باعتباره الوسيلة الأساسية للتراكم البدائي، وتقوم الدولة التي تحتكر العنف بدعم وتشجيع هذه العمليات، كما تسعى في الوقت نفسه إلى إبقاء المنطق الإقليمي والمنطق الرأسمالي للقوة مجتمعين معا على الرغم من التناقض القائم بينهما، ومن هنا اختفت النشاطات الزراعية التي تعتمد على العائلة لتسيطر عليها الشركات الزراعية الكبرى، ولم تختف مع ذلك تجارة الرقيق( وخصوصا تجارة الجنس)، والخلاصة هي أن التراكم البدائي يستدعي مصادرة المنجزات الاجتماعية والثقافية الموجودة قبلها وتحييدها مما يؤدي إلى المواجهة، بيد أن الصراع وطريقة تشكيل الطبقة العاملة يختلف من مكان إلى آخر في هذه المواجهة، فالطبقة العاملة تصنع نفسها دون أن يكون ذلك من واقع خياراتها.
أما الرأسمالية المعاصرة فقد اتسمت بمزايا محورية منها الترويج للتعامل بالأسهم والسندات والتلاعب بالاستثمارات لجمع الأموال من صغار المستثمرين وتدمير الأصول الثابتة والاستيلاء على أصول الشركات عن طريق دمجها ببعضها أو استيلاء شركات على شركات أخرى إضافة إلى عمليات الغش والتدليس في الشركات ونزع حيازة الأصول عن طريق الانقضاض على صناديق التقاعد عند انهيار الشركات وهبوط سعر الأسهم، وقد كان انهيار شركة إنرون الأمريكية سببا في حرمان الكثيرين من حقوقهم التقاعدية.
(وقد قامت هذه الشركة في فلسطين ببيع حصتها في شركة توليد الكهرباء إلى شركة مورغانتي الأمريكية وذلك بعد أن استعادت رأس مالها وحققت أرباحا كبيرة لتعلن إفلاسها بعد ذلك) *
وقد ظهرت آليات جديدة في مسيرة التراكم عبر نزع الحيازة، من هذه الآليات: حقوق الملكية الفكرية بحيث تحولت الأشكال الثقافية والإبداع الفكري إلى سلع مما يعني نزع حيازتها كما هو الحال في نزع الثروات العامة وتحويلها إلى شركات، كما في حال خصخصة المياه والمرافق العامة واستخدام قوة الدولة في تنفيذ مثل هذه العمليات بالقوة ، وتعتبر سياسة إبطال حقوق الملكية المشتركة مثل الحق في راتب تقاعدي من الدولة، والرفاه والرعاية الصحية، وتحويلها إلى الشركات الخاصة من أسوأ أنواع نزع الحيازة.
يساعد التراكم بنزع الحيازة في حل مشكلة التراكم بواسطة تحرير مجموعة من الأصول بما فيها القوى العاملة بكلفة قليلة جدا، بحيث يقبض رأس المال المفرط في التراكم على هذه الأصول ويحولها إلى استعمال مربح، وهذا يعني السيطرة على الأرض وإحاطتها بسياج وطرد سكانها لخلق بروليتاريا دون أرض وتحرير الأرض في نطاق الخصخصة ( خصخصة الإسكان والاتصالات والنقل والمياه).
وقد فتح انهيار الاتحاد السوفييتي وانفتاح الصين فرصا جديدة لتحرير أصول كانت غير متاحة قبل ذلك، وهناك وسيلة أخرى إضافة إلى تحرير الأصول هي إدخال المواد الخام الرخيصة كالنفط إلى نظام نزع الحيازة مما شجع على غزو العراق واحتلاله.
وقد ازداد بروز التراكم بنزع الحيازة بعد سنة 1973م كتعويض عن المشكلات المستعصية لفرط التراكم الناشئ عن توسع إعادة الإنتاج، والوسيلة الأولى لهذا التطور هي الأنظمة المالية وعمليات التنظيم والتنسيق التي تسبب حدوث دورات خفض القيمة وبالتالي التراكم بنزع الحيازة، وقد ساعد ذلك على انفتاح مناطق جديدة أمام التطور الرأسمالي والأشكال الرأسمالية لسلوك السوق كما حدث في كوريا الجنوبية وتايوان وفي الصين بقوة أكبر بعدهما، ولا بد هنا من توافر شرطين:
الأول: هو اعتماد تجارة أكثر حرية ونظام مالي جديد.
والثاني: هو الطريقة التي تستعمل فيها سلطة الدولة باعتبارها لاعبا رئيسيا في التراكم بنزع الحيازة.
الخصخصة: العنصر الفعال للتراكم بنزع الحيازة:
تحتاج الليبرالية الجديدة إلى جيل كامل من عمر الإنسان لتصبح اتجاها سائدا في التطبيق الاقتصادي، وقد تمكنت الليبرالية الجديدة من تأسيس خزانات فكرية خاصة بها، وقدمت سلسلة من التحليلات الاقتصادية والمقالات والكتابات النقدية اللاذعة، ولم تحظ هذه الحركة بالاهتمام إلا بعد ظهور الأزمة العامة لفرط التراكم في السبعينيات، فقد عملت مارجريت تاتشر بالتعاون مع ريجان على تحويل نشاطات الدولة بعيدا عن نظرية دولة الرفاه باتجاه الدعم المطلق لظروف تراكم رأس المال، هنا غير صندوق النقد الدولي والبنك الدولي سياستهما مما ساعد الفكر الليبرالي الجديد في مسيرته القصيرة المنتصرة مبتدئا بالعالم الأنجلو أمريكي والتوجه بعد ذلك إلى بقية العالم، ولما كانت الخصخصة وتحرير السوق هما شعار الليبراليين الجدد؛ فإن النتيجة الحتمية لسياسة الدولة تقوم على تطويق وضم العناصر المشاع كالماء والهواء والأرض، لتطلقها بعد ذلك إلى السوق ليستثمرها رأس المال المفرط في التراكم، ويحسنها ويطورها لتدخل في عمليات المضاربة.
وقد كانت مشاريع الإسكان في بريطانيا أول مجموعة تتم خصخصتها في عهد مارجريت تاتشر، وبدا الأمر وكأنه هبة تقدمها الدولة للطبقات الفقيرة التي رأت فيها فرصة لكي يتحول أفرادها من مستأجرين إلى مالكين، هنا دخلت المضاربات سوق الإسكان؛ فقد أخذ المضاربون يغرون ذوي الدخل المحدود بالرشوة أو بالإكراه لإبعادهم عن المناطق المهمة في المدن ليحولوا المساكن العمالية إلى أحياء راقية، مما أدى إلى ظهور البؤس والتشرد الاجتماعي في أحياء المدن بسبب فقدان فرصة الحصول على منزل بسعر معقول، فقد أدت خصخصة المرافق العامة في بريطانيا إلى إحداث تحولات جذرية في العلاقات الاجتماعية وإعادة توزيع الثروة لما فيه خير الطبقات العليا دون أدنى اهتمام بالطبقات الدنيا، فقد أدت خصخصة المياه في جنوب أفريقيا إلى أن يدفع المستهلك ثمن الماء الذي يستهلكه بدلا من توصيله إليه مجانا، وبالتالي فإن الفقراء سيحرمون من هذه الخدمة بسبب عدم قدرتهم على الدفع، وقد أجبرهم ذلك على الحصول على المياه من مصادر غير صحية أدت إلى انتشار الأوبئة (الكوليرا)، كما أدى دخول منتجات زراعية رخيصة من أمريكا إلى المكسيك إلى ضرب المحصول المحلي لعدم قدرته على المنافسة، وقد أدى ذلك إلى ترك المزارعين لمزارعهم والالتحاق بجيش العاطلين عن العمل في المدن المكتظة بالسكان، ( وقد حدث مثل ذلك في فلسطين حين ضربت بريطانيا سوق القمح بإدخالها قمحا رخيص الثمن مما أفقد الأرض قيمتها في نظر المزارع بعد عجز الفلاحين عن دفع ضريبة الأرض ورسوم تسجيلها في دوائر تسجيل الأراضي "الطابو" )*
يرى روي أن الخصخصة تعني نقل الثروة العامة المُنتَجَة من الدولة إلى الشركات الخاصة، وهذه الثروة تتضمن الموارد الطبيعية كالأرض والغابات والمياه والهواء التي هي أمانة للشعب لدى الدولة، ويشكل انتزاعها وبيعها عملا بربريا من أعمال نزع الحيازة، مما يؤدي إلى المعارضة والتمرد.
الصراع على التراكم بنزع الحيازة:
أدت ولادة الرأسمالية إلى مراحل من العنف أو ما يسمونه التدمير الخلاق، وعلى الرغم من أن العنف في صراع الطبقات أمر مكروه؛ فإنه يلغي العلاقات الإقطاعية ويطلق الطاقات الإبداعية ويفتح المجتمع على تيارات قوية من التغيير التكنولوجي والتنظيمي ويقضي على الجهل والمعتقدات الخرافية ويستبدلها بالتنوير العلمي وتحرير الإنسان من العوز والفاقة، وهذا يعني أن التراكم البدائي كان ضروريا، على الرغم من بشاعته، ليصل النظام الاجتماعي إلى حالة تصبح فيها الرأسمالية ونوع من الاشتراكية البديل الممكن.
وقد رأى كارل ماركس في النظام الرأسمالي الناشئ شيئا تقدميا، فقد ازدادت قوة البروليتاريا وحققت مكاسب مادية في مستوى المعيشة بحيث أنها لو خيرت بين البقاء في العمل الصناعي وبين العودة إلى الفقر في الريف لاختارت الخيار الأول.
ولكن التراكم البدائي الذي يمهد السبيل أمام توسع إعادة الإنتاج يختلف عن التراكم بنزع الحيازة الذي يدمر ويعطل السبل المفتوحة، وقد أدى التراكم البدائي إلى نوع من نزع الحيازة في ظل الاشتراكية في البلدان التي لم تمر بمرحلة النظام الرأسمالي، وقد أدى ذلك إلى نوع من العنف عندما قمعت المعارضة السياسية بالقوة بعد تطبيق برامج التعاونيات الزراعية في الاتحاد السوفييتي والصين ودول أوروبا الشرقية، وعليه فإن حركات التمرد ضد التراكم بنزع الحيازة لم تعجب أحدا مما جعل من الصعب على اليسار أن يحقق موقعا قياديا في هذه الحركات لأن بعض حركات التمرد اتخذت موقفا معاديا للسياسة الاشتراكية، وظهرت منظمات غير حكومية تكرس جهودها من أجل قضية واحدة فقط، مثل البيئة ووضع المرأة والحقوق المدنية وحقوق العمال والقضاء على الفقر، وقد تلقت هذه المنظمات التمويل من جماعات تعمل من أجل تحقيق هدف انتشار التبادل في السوق، وقد رفضت هذه المنظمات غير الحكومية أن يكون لها شكل تنظيم سياسي، وفضلت البقاء كحركة اجتماعية داخل الدولة تسعى لتشكيل كتلة سياسية تكون فيها ثقافات السكان الأصليين محور نشاطها، وبذلك تحاول تحقيق ما يشبه الثورة السلبية ضد المنطق الإقليمي للقوة، وقد حولت هذه الحركات مسار التنظيم السياسي بعيدا عن الأحزاب السياسية، والتنظيمات العمالية التقليدية باتجاه تكوين مجموعة ديناميكية سياسية أقل تركيزا في عمل اجتماعي في المجتمع المدني، وما فقدته هذه الحركات من تركيز كسبته في علاقاتها واتصالها بسياسة الحياة اليومية مما زاد من قوتها، ولكنه جعل من العسير عليها أن تبتعد عن أمور خاصة محلية لتحاول فهم السياسة الكبرى لما يعنيه التراكم بنزع الحيازة.
وقد كان كارل ماركس على حق حين قال إنه يوجد في بعض الأحيان شيء تقدمي في التراكم البدائي، وإنه لا بد من كسر البيض لكي نقليه، وهذا يستدعي بالضرورة مواجهة الخيارات الصعبة بشكل مباشر، كما رأى اليسار الاشتراكي الماركسي أن البروليتاريا هي العنصر الأهم في التغير التاريخي، لأن التناقض الرئيسي يكمن بين رأس المال وبين القوى العاملة في مسائل الإنتاج، وهي الأداة الأولى لتنظيم العمال والنقابات والأحزاب السياسية التي تسعى لكسب سلطة الدولة وتغيير هيمنة الطبقة الرأسمالية، ومن هنا جاء التركيز على الصراع الطبقي داخل ميدان تراكم رأس المال الذي يعني التوسع في إعادة الإنتاج، وقد حققت القوة المتنامية لتنظيمات العمال تحسينات في المستوى المعيشي في دول الغرب، ولكن هذه التحسينات لم تحقق تغييرات ثورية، ومن المؤسف أن التنظيمات المناضلة من أجل حقوق المرأة بقيت خارج إطار نشاط اليسار التقليدي الذي أهمل العلاقة بين الصراعات الداخلية لتحسين الأوضاع الاجتماعية وبين عمليات التهجير الخارجية مما جعل الحركات العمالية تقف موقف الدفاع عن النفس وخصوصا بعد أزمة 1973ممما أضعف تأثير هذه الحركات، ومن الجدير بالذكر أن التطور الرأسمالي في شرق وجنوب شرق آسيا لم يحدث إلا في ظل غياب حركات نقابات العمال المستقلة أو لأن هذه الحركات قمعت بالقوة، وأن الحركات الشيوعية والاشتراكية سحقت في أندونيسيا بعد أن أطاح سوهارتو بنظام سوكارنو حيث لقي حوالي مليون شخص مصرعهم.
وقد أدى نشوء رأس المال التمويلي والتجارة الحرة وتنظيم الدولة للتدفق عبر الحدود في أسواق رأس المال المتحرر إلى جعل التنظيمات العمالية أقل ملاءمة للأوضاع، وقد قمعت الحركات الثورية بالقوة العسكرية كما حدث في تشيلي، وظهر نوع جديد من المقاومة يحمل رؤية تختلف عن الاشتراكية والشيوعية، وقد تمثلت هذه المقاومة في ثورة الشعوب المهمشة وليس ثورة الطبقات، ولا يعني ذلك أن هذه الثورات هي اشتراكية بالضرورة، وهذا يختلف عن التقليد الماركسي للانتقال الاشتراكي الذي يعطي أنظمة ما بعد الرأسمالية مضمونها الحقيقي المتمثل في بنية قومية تتجمع بداخلها التوجهات الثلاثة للاشتراكية والرأسمالية وسلطة الدولة وتتنازع في الوقت نفسه ( قانون وحدة المتناقضات).
- 5 –
القبول بالقسر
أدت سهولة انتقال رءوس الأموال عبر المكان وعبر شبكات من الاعتماد المتبادل مكانيا إلى ظهور الشركات المتعددة الجنسيات وأصحاب الأموال والدخل العالي من الأسهم والسندات، وقد أدى ذلك إلى ظهور طبقة رأسمالية من قوميات مختلفة ركزت اهتمامها على وول ستريت وغيره من المراكز في لندن وفرانكفورت التي رأت فيها مكانا آمنا تضع فيه رءوس أموالها، وقد توجهت هذه الطبقة إلى الولايات المتحدة لتحمي لها قيمة ثرواتها وحقوق ملكيتها عبر العالم، ولم تعط هذه الطبقة أدنى اهتمام للانتماء المكاني أو القومي أو للتقاليد، وقد هبت الطبقات الوسطى للدفاع عن الأرض والأمة وتعبئة المنطق الإقليمي للقوة لتصون نفسها من التأثيرات الضارة لرأس المال، وعاد الشعور القومي والعرقي إلى الظهور من جديد، وقد التقى أفراد النخبة في دافوس سنة 1996م بعد ازدياد قلقهم من الموجة المتصاعدة ضد العولمة داخل الديمقراطيات الصناعية، كما ظهرت حركة مناهضة للعولمة تهاجم سلطان رأس المال والمؤسسات الرئيسية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، وتسعى لاستعادة عناصر الحياة المشاع، وتطالب بحيز مكاني ينتعش فيه التباين القومي والإقليمي والمحلي، وقد انحازت هذه الحركة إلى مؤسسات المجتمع المدني في محاولة منها لإحداث تغييرات في المنطق الإقليمي للقوة بعد أن رأت انحياز الدولة إلى جانب الممولين وقيامها بدور رئيسي في سياسة التراكم بنزع الحيازة، وقد تعرضت حركات الاحتجاج التي ظهرت في العالم للقمع بقسوة من طرف الدولة، واندلعت حروب متفرقة في العالم بتورط أمريكي.
وقد حاولت بعض الحكومات بسط سيطرتها على الحركات الاجتماعية وتوجيهها عبر قنوات معينة بعضها ثوري وبعضها يتكيف مع النظام الليبرالي الجديد للقوة، وقد أدى ذلك إلى تعدد الحركات الاجتماعية وتنافرها، وقد كشف الانهيار الاقتصادي سنة 1999م عن أن رأس المال التمويلي هو رأس مال وهمي ليس له تغطية، وبدا واضحا أن إمبريالية الليبرالية الجديدة بدأت تضعف من الداخل، وأن قيمة الأصول الثابتة في وول ستريت لا يمكن حمايتها، مما يطرح سؤالا حول نوع العلاقة بين المنطق الإقليمي والمنطق الرأسمالي للقوة، وما نوع الإمبريالية التي ستنشأ عن هذه العلاقة؟
وقد مارس التحالف بين المحافظين الجدد وبين التجمع الصناعي والعسكري ضغطا على الرئيس كلينتون ليكون مستعدا لخوض حربين في وقت واحد ضد الدول المارقة، ويأتي العراق في مقدمة هذه الدول بسبب ما يملكه من ثروة نفطية ولأنه يشكل خطرا بقيادته لحركة علمانية عربية تهيمن على منطقة الشرق الأوسط وتجعل الاقتصاد العالمي رهينة لبسط نفوذها على تدفق النفط، ولكن حرب الخليج الأولى لم تغير النظام في بغداد، وقد تبنى كلينتون سياسة تغيير النظام بواسطة عمل خفي وعقوبات اقتصادية ظاهرة ومكشوفة، ولكن المحافظين الجدد رأوا أن هذه الأساليب لن تفلح في إسقاط النظام، فكان ما فعلوه في أفغانستان مقدمة لما يمكن أن يفعلوه في العراق، حيث يرغب المحافظون الجدد في إعادة بناء العراق وفق الأسس التي طبقت في اليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وذلك بتحرير النظام الاقتصادي وفتحه أمام التطور الرأسمالي من أجل تشكيل مجتمع استهلاكي على النمط الغربي ليكون العراق نموذجا للشرق الأوسط كله، بعد وضع البنى التحتية والمؤسساتية والسياسية تحت إدارة أمريكية ثم تنقل تدريجيا إلى إدارة عراقية عميلة وضعيفة على نمط الحزب الليبرالي في اليابان، وأن يبقى العراق منزوع السلاح تحت حماية القوات الأمريكية المتواجدة في منطقة الخليج، وسيستغل النفط العراقي في إعادة بناء العراق وتسديد نفقات الحرب بعد توريده بثمن بخس يتم استلامه بالدولار بدلا من اليورو وذلك لمساعدة الاقتصاد العالمي على استرداد عافيته.
وقد بدأ المحافظون الجدد بالحديث عن إيران وسوريا، وهنا أعلنت بريطانيا عن رفضها المشاركة في أي عمل عسكري ضد هذين البلدين؛ مما حدا ب "دونالد رامسفيلد" إلى الإعلان أن أمريكا ليست بحاجة إلى بريطانيا في تنفيذ أهدافها وأنها ستمضي وحدها إن لزم الأمر وذلك من أجل انتزاع نوع من الإذعان من سوريا وإيران للوجود العسكري الأمريكي في المنطقة، وتكون عند ذلك قد ضمنت رأس جسر داخل الأراضي الأوراسية ومناطق إنتاج النفط الذي يمكن أن يغذي الاقتصاد العالمي لخمسين سنة قادمة على الأقل ، وفي حال تعزيز علاقات أمريكا مع دول أوروبا الشرقية وتركيا والعراق فإنها تضمن وجودها على خط يشطر الكتلة الأوروبية الآسيوية إلى شطرين بحيث تبتعد أوروبا الغربية عن روسيا والصين، وبذلك تضمن أمريكا سيطرتها على العالم عسكريا واقتصاديا من خلال النفط في عالم يسوده النظام في ظل السلام الأمريكي على أمل أن تزدهر جميع القطاعات تحت مظلة رأسمالية حرية الأسواق.
ولكن طموحات إدارة بوش تواجه معارضة داخلية قوية في المجتمع وفي القوات المسلحة، ومع ذلك فإن ميزان القوى الآن يميل لصالح المحافظين الجدد، ومن المرجح ألا تستمر هذه الحال طويلا لأن وضع المحافظين الجدد مرتبط بتطورات الوضع في العراق وباحتمال ظهور تحالف قوي بين ألمانيا وفرنسا وروسيا والصين، ولن يخسر هذا التحالف معركته في مواجهة الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تخرج بريطانيا من تحالفها مع أمريكا، وستسقط الحكومات الأوروبية التي تحالفت مع أمريكا كما حدث في أسبانيا وإيطاليا، وستزداد معارضة أمريكا داخل الأمم المتحدة لتصبح أمريكا أكثر عزلة، ولذلك تخلت أمريكا عن فكرة الهيمنة بالقبول لصالح الهيمنة بالقسر والعنف والإكراه.
أما عن تأثير مشروع المحافظين الجدد على الوطن العربي خاصة والإسلامي بصفة عامة، فإن استمرار أي تقارب أمريكي مع الوطن العربي لا بد وأن يستند إلى حل مقبول للقضية الفلسطينية، وسيشكل الإخفاق في ذلك ضربة للمصالح الأمريكية في الوطن العربي الذي سيصبح مصدرا لأعمال عنف متفرقة ضد إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية على حد سواء.
وفي الختام يصل المؤلف إلى نتيجة مفادها أن المعركة مع المحافظين الجدد يجب أن تحسم داخل الولايات المتحدة بانتصار المعارضين لمشروع الهيمنة ونزع الحيازة بالقسر.
انتهى



#محمد_أيوب (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قراءة في كتاب الإمبريالية الجديدة
- الخروج من عنق الزجاجة
- قصص قصيرة جدا 2
- قصص قصيرة جدا - د . محمد أيوب
- لجبهة الشعبية في الذكرى الأربعين لانطلاقتها - د . محمد أيوب
- في ذكرى الأربعين - د . حيدر عبد الشافي - مسيرة عطاء متواصل
- نفحات شعرية
- غزة تحت خط القهر
- في ذكرى حرب حزيران
- شركة توزيع الكهرباء في محافظات غزة تساؤلات تحتاج إلى إجابات ...
- في الذكرى 59 للنكبة
- شركة توزيع الكهرباء والانقطاع المتكرر للتيار
- زغردي يا امرأة - خاطرة ،
- أوقفوا هذا الجنون
- هذا الوطن ليس لنا - خاطرة
- عزوف - خاطرة ،
- العراق وفستان مونيكا
- قراءة في قصيدة أفين شكاكي - في يدي أفق ماطرة -
- أمطار غزيرة وآمال كبيرة
- التاسع والعشرون من أكتوبر والذكريات المؤلمة


المزيد.....




- اخترقت غازاته طبقة الغلاف الجوي.. علماء يراقبون مدى تأثير بر ...
- البنتاغون.. بناء رصيف مؤقت سينفذ قريبا جدا في غزة
- نائب وزير الخارجية الروسي يبحث مع وفد سوري التسوية في البلاد ...
- تونس وليبيا والجزائر في قمة ثلاثية.. لماذا غاب كل من المغرب ...
- بالفيديو.. حصانان طليقان في وسط لندن
- الجيش الإسرائيلي يعلن استعداد لواءي احتياط جديدين للعمل في غ ...
- الخارجية الإيرانية تعلق على أحداث جامعة كولومبيا الأمريكية
- روسيا تخطط لبناء منشآت لإطلاق صواريخ -كورونا- في مطار -فوستو ...
- ما علاقة ضعف البصر بالميول الانتحارية؟
- -صاروخ سري روسي- يدمّر برج التلفزيون في خاركوف الأوكرانية (ف ...


المزيد.....

- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي
- فريديريك لوردون مع ثوماس بيكيتي وكتابه -رأس المال والآيديولو ... / طلال الربيعي
- دستور العراق / محمد سلمان حسن


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - محمد أيوب - قراءة في كتاب الإمبريالية الجديدة 4 / 5