عزيز باكوش
إعلامي من المغرب
(Bakouch Azziz)
الحوار المتمدن-العدد: 2266 - 2008 / 4 / 29 - 09:38
المحور:
الادب والفن
الرسالة وصلت ، وستنشر قريبا
عندما نقرت ذات مساء كئيب نقرتين ، كنت قد كتبت في نافذة محرك البحث العملاق اسم رئيس تحرير جريدة عربية أسبوعية تصدر من لندن.
مسح العملاق كوكل حوالي 20 مليار صفحة في ثوان ، وقدم خلاصة بحثه كمبدع يشتهي دواخله الظليلة، في حوالي 10 صفحات.
ومع أن الربيع قد حل والظلام كذلك ، فقد داهمني رجف مثير لا حد لمـداه ، الخارج ، رياح عاتية تخلخل أعمدة النور، وتعزف على أسلاكها نغمات حزينة ، الداخل ، دفء وفضاء ازرق ينتشر في تهالك ، كان فمي متيبسا ، وهدير الحاسوب الهادئ يبعث اطمئنانا غامضا ، سربلت جسدي المرتبك بخمائل جاكيت من الدان الأبيض المترهل اتقاء لنزلة لبرد محتملة . أشرت الصفحة الأولى ، ثم شرعت في ضبطت بياناتي الرقمية بدقة ، لان الأمر يتعلق بإرسال تقرير مفصل حول ندوة متعثرة ذات بعد كوني ، أرفقت الرسالة بديباجة في 20 كلمة وصورتين ، وكنت حريصا أن لا يتجاوز عدد كلماته الألف. أرفقت الصور ، وكبست زر الإرسال في نشوة . وما هي إلا لحظات، حتى دق ساعي بريد الياهو باب بريدي قائلا في أدب : لديك بريد جديد سيدي .
وكما هو شان كل رسالة ، مررت بنزوات غريبة من التفنن في تثبيت بيانات، واستدعاء خدمات حذف وتعديل بسرعة متناهية ، لكن الذي يحدث ليس مدهشا ، فالرسالة حروفها رموز وعلامات على شكل مناجل حصاد ، ولا بد من تشفير ها الى لغة الضاد ، والغريب في المسالة أن" عرب وينداوز" كنظام فك ، لا يتيح إمكانية قراءة الرسائل وفك ألغازها، في الكثير من الأحيان ، مما يحتم الاستغاثة ببرمجية أخرى تدعى "الاونيكود 8 .
كان الجواب ضمن كم هائل من الرسائل المزعجة حقا ، لذلك فان فتحها والاطلاع على فحوى بعضها في تقديري ، لا يعدو مجرد ضياع للوقت والجهد، لذلك انصرفت لتوي الى رسالة جواب من رئيس تحرير جريدتي العربية المفضلة ، شفرتها ، وقرأت سطرا واحدا ، بلا مقدمات :
الرسالة وصلت ، ستنشر قريبا.
انزرعت في وعيي لحظتئذ مشاتل من أمل وشيك ، وشرع البياض يتسع في عيناي ،فيما اهتزاز حلقات ضوء كفيف على سطح هاتفي المحمول يفتن حد الهوس .
ولما كانت الجريدة ورقية ، ولها رديف الكتروني يصدر قبل توزيعها في أسواق العالم بيومين ، فقد حرصت على مدى أكثر من شهرين على تفقد بريدي مساء كل الجمعة ، وهو الوقت الذي يستسمح فيه رئيس تحريرها قراءه الكرام بعرض مواد العدد الجديد بمودة على روابط دقيقة رقمية بيديفية .
لكن في لحظة، وبعد طول انتظار ،استبد بي الياس ، قررت إشعار الجريدة ، قمت باستدعاء العنوان ، ضبطت بيانات الإرسال ، وكتبت :
سيدي الفاضل، اعتذر عن إزعاجكم ، فقد مضى أكثر من شهر ، ومادة التقرير الصحفي لم تر النور. وبالنظر الى أن التقرير استوفى أجله ، واستنفذ محتواه ، فالرجاء عدم نشره لانتفاء الفائدة .
اعتمد تفهمكم سيدي ، كما أتفهم زحمة العمل الصحفي المربكة، مع مودتي الكريمة.
وكبست زر الإرسال. ثوان فقط جاء الرد:
" الرسالة وصلت ، ستنشر قريبا "
عزيز باكوش
#عزيز_باكوش (هاشتاغ)
Bakouch__Azziz#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟