أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - ضفاف البوح - 8 - القصل الأخير















المزيد.....

ضفاف البوح - 8 - القصل الأخير


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2252 - 2008 / 4 / 15 - 10:55
المحور: الادب والفن
    


- 8 -

على غير ميعاد شمس تأتيني لاهثة:
- وردة في الإسكندرية يا غريب.
آه يا وجع القلب..أخت روحي ما زالت هناك، غادرت رأس التين لم تطردها المدينة.. هل مشت مثلي طويلاً في الطرقات، وهل تاهت كما تهت بين أرصفة الموانئ والمحطات الغريبة، وردة ما زالت هناك..
رجف قلبي.. شهق الهواء خشوعاً أو ذهولاً..
شمس على الخط صامتة, بيننا فقط اللهاث, أقطعه.. أصرخ:
- كيف عرفتِ؟!
صديقها المرجوم بالتشابه، وجدها اليوم في محطة الرمل تنتظر الترام فانطلق إليها مثل سهم قبل أن تأخذها العربة.. رأى عن قرب امرأة أخرى صبت في قالب شمس..كل ما زاد عليها لحم تغضن عند زاوية الفم، جيدها ما زال وضاءً ولكن على شيء من تهدل، حدق فيها,.. حدقت فيه السيدة على غير غضب من صياد مشاكس, علقت على فمها بسمة شجعته على السؤال قال: - أختها أنت يا سيدتي, أم أنا وقعت في أسر التشابه.
صارت البسمة ضحكة وقفت عند أطراف السؤال:
- أخت من يا رجل؟ "يخلق الله من الشبه أربعين".
- امرأة أعرفها جيداً لكأنكما يا سيدتي توأمان، سبحان من أودع في الأرحام النطف..
- لست أول من يخبرني عن امرأة تشبهني.. من هي..؟
- فلسطينية اسمها شمس تقيم هنا في الإسكندرية.
سرحت المرأة نحو البحر.. مسحت الماء حتى المنارة.. جالت ببصرها سكنت في مرقد الصيادين..رعشت شفتيها على زمّة, ربما حضرها طيف بعيد.. قالت ما يشبه الهمس:
- هل شمس هذه تعرف رجل يدعى غريب؟
وقف الصديق، فاغراً فاه وقد ألجمه السؤال عن الرهان.. صعدت المرأة إلى الترام قالت مودعة:
- أخبر شمس أنك اليوم قابلت وردة ..
زحف الترام نحو محطة ثانية..صاح الصديق على رجاء:
- هل نلتقي ثانية يا سيدتي
لوحت المرأة مودعة:
- دعها للصدف ..
***
اليوم زرت مواقعاً لم آخذك إليها، عندما كنتِ في غزة، كانت النوافذ إليها مغلقة والطرق مسدودة بالبنادق والموت المحتمل، اليوم زرت أراضِ ومواقع كانت مستوطنات..لا حواجز..لا بنادق..لا جنود يلوكون لغة عرجاء وموت، رحلوا عن الأرض والماء والهواء، لكنهم لم يغادروا رعشة القلب ورجفة الأعصاب في ذكرى المصائب والنوائب..
اليوم اعتمرنا الطواقي بيضاء ناصعة يضحك على جبينها علم الوطن، وعبرنا المستوطنات التي افترشت نصف أرض القطاع، تمطت وتنطعت لأربعة عقود خلت وما خلت من غلّهم فينا.. ليلهم طال، ولم يطلع الفجر علينا إلا بعد أن صوبنا الحجر.. خرجوا فوق الموت.. تركوا الأرض أشبه ما تكون بالمقبرة.. هدموا / نسفوا ما قد أقاموه من معاقل ومراكز وبنايات سكن. لا طرقات ولا طيور تحط على أغصان الشجر..
عند شجرة أخذتني الرجفة..نحروا جذعها مالت.. ربما نامت على ذراع من فروعها تستقبل الجفاف، تصعد على وجع الذبح.. تبتسم.. أخبرتني وهي في النزع الأخير من فصل النهايات .
- أني أودعت بذوري في التراب، بانتظار أول الغيث في فصل الشتاء، وبذوري تحمل روحي تملأ الأرض ثراء وبهاء..
دمعتي احترقت مثل يباس الشجرة، قلبي يصعد فوق الآهة يهتف:
"مع أول غيث أزرع في حضنك قرنفلة تنشر عطر روحك في المكان"
فجأة يا شمس قفزتِ صرت في المكان، خال صدركِ ينبض في دمي:
- وحدك تأتي يا غريب دون أن تصحبني..
هبطت طاقية، يضحك العلم على جبهتها، صارت قرنفلة في كف امرأة خالها يرقص يصعد على صفحة خدها قنديل شوق.. وأنا أهتف يسمعني كل من حضر المكان:
- هذه شمس سيدة العرائس.
وأخذتك يا شمس عروساً راغبة في الوصال، وأنا وأنت الشاهدان على أرواح تلظت بالفراق..
هل عشت يا شمس معنى بهاء الروح في وجد الوصال؟..

****
ربما في حلم يقظة..
أطبقت رموشها.. يأتي يفترشان الأرض بساطا..يراقبان زحف الأمواج.. قلقان..هو يقلب علبة الثقاب، أنفاسه تركب عينيه.. ترحل خلف الأفق.. هي تستجمع قواها تهرب منه إلى البحر، تلحق مراكبه.. تسكن في الحكاية..
يسألها عن الحالة التي يعيشانها.. ترد شاردة:
- السؤال يعذبني منذ التقينا.
رشفت دمعتها ودت لو يأخذها إلى صدره، يصبحا كيانا واحداً لكنه ظل مبحراً خلف الأفق.. أخذتها القشعريرة، هل ضمها إلى صدره أم هو الآن يضم وردة.. ؟!
***
في قلب الانتظار.
والليل يزحف نحو منتصف الليل..
تسمع دقات ساعتها المصلوبة على جدار الزمن، تلمّ جسدها المتكوم على رمال الشاطئ، تطلق روحها في الأثير.. تقبض على جذوة البوح، كان هنا معه.. هل يصعد الليلة إلى شرفتها تصلها كلماته معاتبة:
- لِمَ لم تصعدي.. هل أخذتك الأرض من المواعيد ؟
تنقبض مساماتها.. جلدها يفتح المسافات الأرضية، تقرأ رحلة الفراق على ضوء عينيه، أو حتى على ضوء زهرة سيجارته التي تعشق رائحتها تسمعه من جديد يهمس:
- أني أراك جميلة.
- جميلة فقط
- أنت جميلة و ...
يصمت ..
هل يراني هناك على الشاطئ.. في حضن الزيتونة.. عند الحواجز.. في الطرقات المغلقة.. عند المعابر..
رنين الهاتف يعبر بها إليه..
ها هو قد أتى فهل يحضرني الكلام..
***
في غزة نرقص على إيقاعات غريبة.
هل تخيلت يا شمس كيف يكون الرقص على نغم الطائرات المغيرة، تسحب الهواء من الرئتين، تأخذ الأعصاب خارج البدن.. هل جربت الذعر، ورأيت كيف تخرج الشهقة من الصدر حمامة ذبيحة يترصدها غراب أسود..
أي حياة يحياها المرء هنا؟
الجنون ما نعيش أو هو العبث..!
الليلة كانت حارتنا تشهد عرسا، فاختلط العتابا والزغاريد مع صوت القصف وصافرات سيارات الاسعاف..
من ينقل من، وبأي عريس تحتفي حارتنا، ذلك الذي قضى شهيداً، أو من سيذهب آخر الليل إلى حضن عروسته لانجاب وليد جديد.. الأمر سيان فالذي ذهب عند الله حي يزرق، والوليد الآتي بعد مخاض يعيش الشقاء فيرزق.. هل ترك الشهيد وصيته للحوامل أن يضعن صبيانا حتى لا يبقى مكانه على الأرض شاغرا دون فارس..
من مثلنا يلاعب أطفاله ببقايا الدبابات وفوارغ الطائرات، ننثرها حكايات وضحكات وسط أخبار الدمار والموت، نعامل الطفل رجلا بالغا، نطلب من الطفلة ما نريد من امرأة ناضجة هنا يا شمس في الوطن كل شيء مباح إلا الفرح.. فالفرح توشح بأردية سوداء، البياض فقط في قماش الكفن، في خبايا النفوس، الناس هنا يحملون قناديلهم وسط العتمة يمضون في الظلام.. فالحياة حكاية بسيطة غير مكلفة، تبدأ بالموت وتنتهي بالموت أيضا. الناس طوال القامة قصار العمر، ما بين الموت والموت رجفة خوف وهلع وذكريات يتداولها الناس ألماً ثم يطرد الألم ما مضى من ألم..
أهرب من حالي إليكِ على حبل الهواء, تصبح الحياة أكثر أماناً وبهاءً، نسرق بعض الوقت من وقت القصف في حضن الدمار، فاحفظي ما بيننا في قلبك العامر، وتزودي بها إن شئتِ، ربما أشواق الحياة، تأتي بكِ إلى الوطن يجذبك السؤال، تعالي حتى تشهدي كيف يكون الترقب خيط أمل.
والآن وحدي لا يسعفني الكلام، عندما نلتقي على حبل الهواء ربما ينداح الكلام.
***
هاتفني، ضحكته واسعة مثل بحر..هكذا مانديلا دوما ليس في جعبته غير الأمل..
- أنا بانتظارك في مكتبي لا تتأخر..
- هل الأمر مهم أم هو الشوق للحكايا.
- لا تتأخر.
رجل يحمل ما خف من لحم، وما قسي من عظم..يقدمني لسيدة يسكنها حزن قديم:
- هذه دعد يا غريب.
أخذتني اللوثة.. قبلت رأس السيدة، ضمني عميد الأسرى إلى صدره ربت على ظهري قال:
- دعد أخت يوسف المنسي.. صاحب الحمامة هل نسيت؟
حط على المرأة سهوم وسكون، وجرى على خديها نهرين من دموع قالت:
- ماذا تعرف عن يوسف يا أخي؟
- يوسف يسكنني منذ تعرفت على شمس.
- ما زالت هناك؟
- شمس غربية يسكنها يوسف مثل فرسان الحكاية.
رددت دعد تحدث نفسها:
- شمس ويوسف كانا حكاية وما زالا حكاية.. هل ما زالت شمس حمامة..
يدها راجفة..قدمت صورة أخرجتها من حقيبتها:
- هذه شمس يوسف والأخرى الواقفة بجانبها أنا..
- احفظيها تحفظي يوسف يا دعد.
- هذه نسخة عن الأصل كما طلب العميد مانديلا. هي لك.. رحت أحدق في الصورة. إمرأتين في عتبات الصبا قبل عشرين سنة أو يزيد، يا إلهي شمس مع دعد أم هي وردة الواقفة في الصورة مع دعد..كدت أصرخ إنها وردة.. ولكني أمسكت: كيف تدرك دعد ما أقول، والعميد ربما يأخذه الضحك حتى يقلب على قفاه من خيالات كاتب مثلي يبحث عن روح رواية..
لكنه الطائر الذي اجتاز السراب وحط على رأسي في محطة سيدي جابر، يعود ينقر جلد يافوخي.. يذكرني.
من كانت في انتظارك على الرصيف؟
شمس التي ذهبت إليها مع قطار الحكايات. أم هي وردة قفزت عند المحطة أيهما يا غريب؟
اعترف الآن يا شمس أنني عندما رأيتك أول مرة أخذتني الحيرة، كنت على يقين أنني مع امرأة أعرفها.. لكنها الصورة يا شمس لا تترك مجالا للجدل، شمس يوسف قبل أكثر من عشرين سنة هي وردتي التي كانت قبل أكثر من ثلاثين سنة.
قالت دعد:
- هل تحدثني عن شمس؟
- ليس الآن يا سيدتي..انتظريني في الرواية.
أما أنت يا شمس لن أطيرّ لك رسالتي اليومية على شاشة الحاسوب.. فرسالتي اليوم أبلغ من كل كلام، صورة يحملها الأثير.. صورة تضحك في وجه الفضاء واعذريني أنا ضعت بين امرأتين أصل وأصل أو ربما أصل وصورة.
انتهى
أكتوبر 2005/ غزة



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضفاف البوح - 7 -
- ضفاف البوح - 6 -
- ضفاف البوح - 5 -
- ضفاف البوح - 4 -
- ضفاف اليوح - 3 -
- رواية ضفاف البوح - 2 -
- رواية ضفاف البوح - 1 -
- سبع قصص قصيرة جدا
- صور تشغل العقل قبل العين
- مكان السيرة وسيرة المكان
- الشربيني المهندس يدرج الصور
- رسائل الزاجل الأسير إلى زكي العيلة
- سمندل فؤاد الحلو
- رسائل الزاجل الأسير إلى سهيلة بورزق
- هواجس ما بعد الليلة الأخيرة
- مساحات على لوح اسود
- العري عند الحقائق الأولى
- المخيم والعزف على وجع قديم
- الواقعي والمتخيل في قصص القاص الفلسطيني عمر حمش
- البحث عن أزمنة بيضاء - 11 -


المزيد.....




- موعد امتحانات البكالوريا 2024 الجزائر القسمين العلمي والأدبي ...
- التمثيل الضوئي للنبات يلهم باحثين لتصنيع بطارية ورقية
- 1.8 مليار دولار، قيمة صادرات الخدمات الفنية والهندسية الايرا ...
- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - ضفاف البوح - 8 - القصل الأخير