أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - ضفاف البوح - 6 -















المزيد.....

ضفاف البوح - 6 -


غريب عسقلاني

الحوار المتمدن-العدد: 2248 - 2008 / 4 / 11 - 10:33
المحور: الادب والفن
    


غريب عسقلاني - صفاف البوح - 6 -

- 6 -

الطائرة الزنانة تطلق أزيزاً يتوحش. فأحداث النهار تشير الى قصف مؤكد.. هي الآن تصوّر.. غزة عارية على لوحة الرادار، والصياد يده على الزناد يفتش في الزوايا عن هدف, يا ترى من سيكون الهدف، أين سيكون الهدف.. شاشة التلفاز أمامي تحيا وتموت، تومض ثم سرعان ما تذهب للسواد.. الإرسال لا يعيش مع الأزيز.. هي تكنولوجيا المرحلة، تطلق المعلومات والأخبار مثل نهر يقذف النفايات.. تحبس اللحظة مثل دمعة حائرة.. والقلوب بانتظار القصف خبراً عاجلاً، في الفضائيات وفي زعيق عربات الاسعاف اللاهثة..
الليلة وعلى غير ميعاد هاتفتني شمس.. مات الهواء بيننا أكثر من مرة ثم عاد الى الحياة.. مارسنا اللهاث حتى شبق الموت المنتظر:
- ربما تقصف الأباتشي الليلة؟
- فلتذهب الى مكان آمن.
- كل الأماكن مرصودة.. أنتِ الآن فقط مكان الأمان..
ساد صمت خلته دهراً.. قفزت شمس عن حال الزنانة والأباتشي، أخبرتني انها مازالت تقتضي آثار وردة في فضاء الاسكندرية وقد جندت معارفها والأصدقاء وكل من يعرف دهاليز المدينة.. قالت:
- هل مازلت تذكر عباس الصعيدي، بواب العمارة خادم ماريا الأمين؟
- يا الهي هل مازال عباس على قيد الحياة!!
- يرتعش كل مافيه بقايا ذاكرة تخبو وتضئ.. لكنه للأسف مات.
- كيف..
- ربما كان عباس حكاية..
عباس يحفظ بعض أخبار ماريا، يحتفظ في جيب صدره بمرآة صغيرة. قال إنها مرآة شنطة كانت ماريا تطل فيها تطمئن على زينتها.. المرآة هدية من باشا شاغلها كثيراً في صالون مدام صيدناوي الشهير..
حدثها عباس عن موت خريستو الأرمني في عبث الضحك.. وخريستو لم يحرر أرضه ولا عاد الى أرمينا، ظل في الاسكندرية يقضي الليل مع ولع السكارى، يصحو على صدر ماريا الأميرة.. لم ينجبا بنتاً أو ولد..عاش ضيفاً عابراً حتى انتهت الرحلة، ينشد بعض راحة قبل الانطلاق، لم يمتطي مركباً ولا فرد شراعاً في وجه ريح تأخذه الى حيث يريد..
- عباس الحكيم أخبركِ بذلك أم أنتِ أدركتِ الحقائق؟
سحب أزيز الزنانة صوت شمس, غاب ثم عاد.. صحت أسأل:
- من أي بوابات الاسكندرية غادرت ماريا؟
- ماريا لم تأخذ غير حقيبة صغيرة بها بعض ملابس، بعض صور علقت صورة خريستو على صدرها، يرافقها الى ميناء رأس التين عباس, والصبية وردة التي لم تنقطع عن زيارتها.
قصفت الأباتشي.. دبت حمولتها, انفجار ربما شرق المدينة ربما غرب المدينة ربما أسفل بيتي.. كل شئ ماد يأخذه الارتجاف.. صوت شمس يصرخ هلعاً من بعيد..
- إنه الموت أليس كذلك يا غريب..هل أنت بخير؟
- إنه يا شمس بعض موت سقط على المدينة.
رحت أضحك، بعض الموت, الموت الليلة يتجرأ, بعضه مات، بعضه ينتظر الموت.. شمس تصرخ:
- كيف تضحك.. لا تفعلها مثل خريستو..
أنا أضحك في أرض الوطن، لم أفعلها كما فعل خريستو خارج معادلة الصراع، لن أضيّع ماتبقى من العمر في وهم الرؤى، وأعود الى الوطن على جناج حلم، لن أنتظر مثل خريستو أطياف وهم بعد فوات الأوان:
- أكملي يا شمس..
صمتت شمس، وصلتني على نهنهة بعيدة. مثل رجفة عباس الذي توقف عند سيرة وردة، أطبق شفتيه صام عن الكلام، أطبق شفتيه قبل أن يدخل في الغفوة تمتم:
- أنت يا سيدتي وردة.
- أنا شمس جئتك أبحث عنها.
- أنت وردة..
أخرج من جيب صدره مرآة ماريا.. قال:
- انظري فيها، استعيدي وجهك يا وردة يا بنت البحار مرسي..
دخل عباس الغفوة.. نام ..
أخبرها حفيد عباس أن تعود بعد أسبوع عندما يصحو، ربما تجد الاجابة عن بعض الأسئلة..
عادت الأباتشي تمخر عباب الهواء في سقف المدينة..
صوت شمس يرعش على دفق نحيب:
- عندما عدت الى عباس.. ردني عند الزقاق صوت المقرئ يتلو آيات بينات، دخل عباس الغفوة.. مات لم يكن في جيبه غير مرآة ماريا..
ومازالت شمس تحدق في مرآيا الاسكندرية تبحث عن وجه ماريا.

***

في الأزمنة البيضاء لازمني الاحساس أن رواية تكتبني، وأنا المسير في دروبها طائعأً ومختالاً سعيداً.
من يستدعي من!!
السؤال داخلي يرقص على ايقاعات أعشقها، شكلت بعض نبضي الهارب مني الى الدهاليز.. اعجب من حالي.. لماذا تحضرني الايقاعات بعد أن انفرط معظم عمري، ووصل بي الزمان الى محطة ما قبل الوصول.
الأزمنة البيضاء محجوبة خلف ستائر رهيفة شفافة، انزاحت عند لحظة كشف، وصارت دفقات وجد وشوق ,شمس تنتظر على الأرصفة لاستقبال عشاق لا يصلون.
شمس مسروقة بين غياب وحضور.
امرأة من ضوء، أرى مساحاتها البيضاء عند رصيف ما، في محطة ما، كان وصولي اليها صدفة/ فجأة أو قدر.
ما الذي وصلني منها لحظة لامست كفها كفي. الضوء سكن صدري تحمله بحة أشبه ما تكون بالأثير.. لا أزمنة ولا أمكنة ولا محطات انتظار، لا غياب ولا وصول.. زادنا نبض الكلمات تنمو أسطراً، تصبح حياة تتشبث بالحياة. نصعد الى الطابق العلوي نطل من شرفتنا على سكان الأرض، نرى أمكنة لا يعرفها غيرنا، ونعيش أزمنة بخيارات لا يدركها سوانا.. على خط الهاتف أسأل شمس إعادة تشكيل مفاتيح الرواية التي كتبتني/ كتبتها، والتي قد تمكنهم من الإمساك بنا فيذهبون مع غرائز التأويل الى دروب عقيمة قالت شمس:
- المهم أن تفضي البوابات إلى بياض.
أنتشي. البياض يسكنني، شمس تهديني الرواية، تطلق يدي..
- ربما أغير ملامح بعض الأمكنة.
- الأمكنة مشاع للجميع.
- ليس كل من يرد الأماكن يترك آثار خطاه، يزرع في الدروب أجنة رائحته في التراب.
قالت:
- غلبتني، فالأمكنة لا تفارقني، ورائحتك تتبعني، ليس من مثلك يعشق تضاريس الأمكنة.
- أنت الرواية والمكان.. هل نسيت؟!
- ماذا يتبقى من روايتنا إذا غادرتها الأزمنة والأمكنة.
- أنا وأنت وحالات الأثير..
- .........
راحت شمس إلى الصمت، والهاتف قتيل في يدي، لا نبض لا رعشة لا لهاث لا حرارة أو فرح أو حتى جليد من نزيف.
- هل تسمعيني؟ أم أنه حبل الهواء يلعب معنا أو يلعب بنا
- إني أقلّب في ما سمعت وما ستقول.
قلت أدخل معها الاختبار:
- ماذا لو غيرت اسمك في الرواية؟
شهقت. برد الهاتف. صار في موت الجليد.
- تغتال روحي يا غريب؟!
شمس تلحق روحها، عصفورة تأتي عشها. تسكن قلبي لا تساوم، ضاق حبل الهاتف بي، ضج فيَّ جنوني.. شمس تبحث عني في زمن الحضور وأنا أصعد إلى حيث هجعت هناك.
وسلام دون كلام قال الهاتف في يدي قبل أن يعبر عتمة الصمت، وأنا أسأل دون صوت:
- من تكوني يا امرأة وأنا كيف أكون.
هاتف يأتيني يقول:
- ربما تجد الإجابة في بياض الأسئلة.

***

"من رأى حبات الندى.. تتقافز تلثم جلدي، وأنا أعطش في البحر، تغمرني ملوحته..عاشقة أمسكت ملاذها أشق وجه الماء بكفي، الماء يعبر مسامات جلدي..
ع الرمل.. قطي يخمش قدمي العارية، انهره.. يختفي تحت الأريكة، قطي تعلم كيف يشاغبني، أي روح تسكنه.. أضمه الى صدري تذهب عيناه بعيداً.
عالمي الليلة مع الندى والبحر وقطي والأُثير.. وترانيم نشوة.."
***
تحدثني عن حكاية مثيرة مع صديقها الذي يقسم أنه رآها عند ترعة المحمودية فوق الجسر تصعد إلى حافلة الركاب، ترتدي ثوباً متواضعاً وقد كبرت عشر سنين.. نادى عليها أكثر من مرة لم تلتفت اليه ولا أعارته اهتمام. شمس تؤكد أنها لم تطأ تلك المنطقة، لم تقطع الجسر إلا مسافرة. شمس تصرخ:
- كيف رآني الصديق هناك..
ومضت وردة في رأسي مثل برق.. قلت:
- وربما كان على حق.
- هي خيالات كاتب يبحث مثلك عن رواية.
- وربما رآها أو صادفها تلك المرأة.
- صادف من؟
ماذا أقول..ربما أنا من دخل دائرة الجنون..
بعد أيام اتصلت لائذة بي تلهث تقول، إن صديقها رآها ثانية في المنشية تتسوق، شمس غاضبة تؤكد لي أنها لم تتسوق يوماً من المنشية..قلت:
- ربما كان رآها تلك المرآة.. ربما كان على حق.
- من هى!
***
"في الليلة زارتني في المنام.. صديقة لم أتعرف عليها تحدثنا طويلاً عن وجعي، ألوذ بها من غد ثقيل الظل
أبحث عن دفء, فيما صديقتي هاربة من أيامها ومن الطبيب الذي يسألها كل مرة:
- هل في عائلتك من هربت شرايين قلبه؟
لم أحدثها عن أحلامي التي سكنت صدري، ألم دفين يغربني عن ذاتي..كنت أتفرس في وجهها أتعرف عليه، عندما صحوت لم أجد صديقتي، ولكني رأيت شريان قلب يئن على وسادتي وأحلاماً تفر بعيداً.
لا أدري لماذا انطبع على الوسادة وجه دعد.
يا الهي تحضر دعد.



#غريب_عسقلاني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ضفاف البوح - 5 -
- ضفاف البوح - 4 -
- ضفاف اليوح - 3 -
- رواية ضفاف البوح - 2 -
- رواية ضفاف البوح - 1 -
- سبع قصص قصيرة جدا
- صور تشغل العقل قبل العين
- مكان السيرة وسيرة المكان
- الشربيني المهندس يدرج الصور
- رسائل الزاجل الأسير إلى زكي العيلة
- سمندل فؤاد الحلو
- رسائل الزاجل الأسير إلى سهيلة بورزق
- هواجس ما بعد الليلة الأخيرة
- مساحات على لوح اسود
- العري عند الحقائق الأولى
- المخيم والعزف على وجع قديم
- الواقعي والمتخيل في قصص القاص الفلسطيني عمر حمش
- البحث عن أزمنة بيضاء - 11 -
- البحث عن أزمنة بيضاء -10 -
- البحث عن أزمنة بيضاء - 9 -


المزيد.....




- عوالم -جامع الفنا- في -إحدى عشرة حكاية من مراكش- للمغربي أني ...
- شعراء أرادوا أن يغيروا العالم
- صحوة أم صدمة ثقافية؟.. -طوفان الأقصى- وتحولات الفكر الغربي
- وفاة الفنان العراقي عامر جهاد
- الفنان السوداني أبو عركي البخيت فنار في زمن الحرب
- الفيلم الفلسطيني -الحياة حلوة- في مهرجان -هوت دوكس 31- بكندا ...
- البيت الأبيض يدين -بشدة- حكم إعدام مغني الراب الإيراني توماج ...
- شاهد.. فلسطين تهزم الرواية الإسرائيلية في الجامعات الأميركية ...
- -الكتب في حياتي-.. سيرة ذاتية لرجل الكتب كولن ويلسون
- عرض فيلم -السرب- بعد سنوات من التأجيل


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - غريب عسقلاني - ضفاف البوح - 6 -