أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر حمّش - من لهيب الذاكرة المهاجرة














المزيد.....

من لهيب الذاكرة المهاجرة


عمر حمّش

الحوار المتمدن-العدد: 2242 - 2008 / 4 / 5 - 04:50
المحور: الادب والفن
    



مواسمنا في عسقلان

عمر حمّش تقول راويتي الطاعنة:
واعلم يا ولدي أنّ لنا في بلادنا – قبل أن يطردنا اليهود – مواسم أفرحت الكبير قبل الصغير، وأعدّت لها الملابس الزاهية من قبل أيام، واستعرض لها ما اشتهي وطاب، وأنّ أعظم شهورنا كان شهر نيسان، الذي فيه البلاد تغدو حديقة، والفضاء يعبق بأريج الأزهار، والأمواج الهادئة تتهادى مختالة على صفحة بحر عسقلان الوسيعة! وأننا يا ولدي تعودنا - قبل مجيء اليهود - أن نقسّم أسابيع نيسان الأربعة، ونصنّفها أبا عن جدّ، تصنيفا مدروسا لا يختلّ!
فالجمعة الأولى أسميناها التائهة، ذلك علامة بدء شهرنا الجميل، أمّا الثانية فالنبات، على تقدير أنّ الأرض تستكمل زينتها فيها، وتفصح الأنواع عن تلاوينها، وتبدأ مجدل عسقلان باستحلاب مكنونات البساتين، وأزهار جنبات الحوا كير، المتسللة تحت أكعاب أشجار الصبار الهائلة!
أمّا الثالثة، فخصصناها يا ولدي لزيارة القبور، للترحم على الأرواح المغادرة، والتذكر لمآثرهم، واستجداء الخالق أن يعطف في شأن مخا ليقه!
والرابعة الأخيرة، وهي مربط الحصان في الشهر كلّه، فكانت الحلوات، نسبة لما يجري فيها من ابتهاج، ورمزا لما يصرف فيها على صناعة وشراء الحلويّات!
وأهمّ ما في ذلك الأسبوع نصفه الأخير، من الثلاثاء إلى مساء الخميس، ففي الثلاثاء كانت المجدل تستقبل الآلاف المؤلفة من فلسطين، فتصطحبهم إلى شاطئها الجميل، المعدّة منذ أيام خيامه، والمنتشرة عليه بسطاته، لتستعرض عسقلاننا أسرارها، وتعلن في إبرة أيوب أبهى زينتها ، وتبدأ بممارسة ألعابها، فأولئك الفرسان يتسابقون، وهناك الأولاد يتأرجحون، وزمر الرجال - بهنادي الألاجا أو الشامي - يتبارون، أو يرقبون جمال الصّبايا الفتّان، وهنّ بثياب الحرير، يهزجن أحلى المواويل، ويناشدن البحر منح الشفاء مثلما منح من قبل - ببركة الله - أيوب العليل، وللعاقر كانت يا ولدي فرصة الحمل العزيز!
كلّ هذا والبحر هادئ رقراق يؤدي طقوسا متسقة مع الموسم المعتاد، ويقلّب على شاطئه ويدحرج الصّغار!
تقول راويتي الطاعنة:
ويستمر الأمر إلى المساء، فيبدأ الناس بالانتقال - وليس الرحيل - إلى تلال عسقلان التاريخية، ويبيتون ليلتهم في رمالها الذهبية، تحت أشجار الجميز العملاقة!
وفي الصباح يتدفق الخلق من جديد، على مواسم وادي النّمل الشهيرة، فيتزاحمون كما النّمل على التلال، ويبدؤون من جديد، لا شيء يعكر صفوهم، ولا مكرهة تفسد غبطتهم، وما كان جرى على البحر يجري على التلال، منذ الصباح إلى أن يقطف البحر قرص الشمس الجميل!
عندها يا ولدي يحتشدون، كأنّهم إلى ساحة وغى ذاهبون، وفي لحظات يمسون جيشا عرمرما، تقودهم فرق الدراويش المرعدة، والفرق الكشفية صاحبة الطبول الهادرة، والمدائح تنطلق إلى عنان السماء، وتسمع بين الحين والأخر أشخاصا يهدرون:
- دستور يا حسين!
ذلك موسم سيدنا الحسين يا ولدي، الذي كان - قبل مجيء اليهود - يبدأ مساء الأربعاء، يقود جحافله شيخ مجدلي، فيخرج على الناس ممتطيا فرسه، رافعا من فوق عمامته البيضاء( سنجقه ) يجاوره عشرات الفرسان، والمشايخ، ويمضي الركب العظيم، مومضا في بقايا غسق الشمس المغادرة!
وتقول وهي تهتز:
وعند خروج السنجق العالي من ضريح سيدنا الحسين، تنصفق الكاسات ، والطبل يجنّ، وزفة ( السنجق ) تحتدم من الحسين إلى المجدل!
واعلم يا ولدي أنّ موسم الحسين في بلدنا كان أعظم المواسم، لا يضاهيه ما كان يجري في فلسطين كافة من مواسم وأعياد!
أمّا الزفة فتدخل البلدة، وكلّ جوقة آتية ترفع رايتها، وتصدح بضرب صوانيها، حتى يصلوا جميعا إلى باب مسجدنا المملوكيّ، وعندها يدخل الشيخ ( بالسنجق ) ويرفعه فوق المنبر، ثمّ يبدأ الخلق بالعودة حالمين!
فيكون في الصباح يوم الخميس، وهو يوم الحلوى يا ولدي، المنتشرة بكلّ أنواعها كالقرعية الصفراء، والشيشية البيضاء، وكذلك ( الطقاطق ) الأخرى كالفزدق، والبندق، والجوز، واللوز، والقطين، والزبيب، فينتشر أهالي القرى على البسطات، يشترون لعوائلهم بالأرطال، فتكون مؤونة لشهور!
وتدمع محدثتي العجوز، وتضرب كفا هزيلة بكف:
أما أهالي المجدل يا ولدي فكانوا يبدؤون بتبادل الأطباق المحملة بحلوى الموسم، ( وطقاطقه ) وترى الناس يهنئون الناس، والنسوة يقبلن النسوة، كأنهم في أعظم يوم!
وتتنهد راويتي والدمع يجري في عينيها الرانيتين إلى البعيد، وتتمتم:
كلّ هذا قبل أن يطردنا إلى المخيمات اليهود!

[email protected]



#عمر_حمّش (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- علاج / قصة قصيرة جدا
- شبق / قصة قصيرة جدا
- سراج / قصة قصيرة جدا
- قصص قصيرة
- دنيا الحمير / قصة قصيرة
- عفريت الفضة / قصة قصيرة
- عودةُ كنعانَ / قصة قصيرة
- سيف عنترة
- حكاية عمران مع لوح الصفيح / قصة قصيرة
- عذراء حارتنا
- تابوت
- منْ يغلقُ النافذة ؟
- خيط القمر / قصة قصيرة
- حمامة الفتى / قصة قصيرة
- جوادٌ أبيض / قصة قصيرة
- ابن آدم/قصة قصيرة


المزيد.....




- وفاة الفنان المصري المعروف صلاح السعدني عن عمر ناهز 81 عاما ...
- تعدد الروايات حول ما حدث في أصفهان
- انطلاق الدورة الـ38 لمعرض تونس الدولي للكتاب
- الثقافة الفلسطينية: 32 مؤسسة ثقافية تضررت جزئيا أو كليا في ح ...
- في وداع صلاح السعدني.. فنانون ينعون عمدة الدراما المصرية
- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عمر حمّش - من لهيب الذاكرة المهاجرة