أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم خليل العلاف - الدكتور محمد الهاشمي 1910- 1996 والتأريخ لحركة الفكر العربي والاسلامي















المزيد.....


الدكتور محمد الهاشمي 1910- 1996 والتأريخ لحركة الفكر العربي والاسلامي


ابراهيم خليل العلاف

الحوار المتمدن-العدد: 2242 - 2008 / 4 / 5 - 06:38
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


ابتداء لابد لي أن اعتذر للأستاذ الدكتور محمد الهاشمي (1910 ـ1996) رحمه الله وهو في قبره، لأنني لم اكتب عنه كل هذه السنوات التي مرت وتقدر بأكثر من 45 عاما ، أي منذ أن تتلمذت على يديه وانأ طالب في قسم التاريخ بكلية التربية ـ جامعة بغداد .. فالهاشمي كان رئيسا للقسم في حين تولى الأستاذ الدكتور حسين أمين أطال الله عمره ومتعه بالصحة والعافية مسؤولية مقررية القسم .. وقد عرفت أنا الهاشمي عن كثب ، مؤرخا منصفا وأستاذا جليلا وأبا رحيما ؤروفا بالطلبة .. ولايمكن أن أنسى وينسى زملائه حركة رأسه الدائمة وهو على منصة التدريس .. كنا نحبه ونحترمه ونجله ، وكان يقابلنا الشعور نفسه وللأسف فقد عرفته مقلا في إنتاجه التاريخي .. فهو متخصص بتاريخ الحضارة العربية والإسلامية وقد ركز على الفكر العربي الإسلامي في تدريسه لنا هذه المادة المهمة . وكم كنت متألما لأنني فقدت سجل محاضراته في مادة الفكر العربي المقررة علينا آنذاك عندما كنا في المرحلة الرابعة ، لكن ألمي سرعان ما تبدد عندما وقعت يدي على نسخة من كتابه: ((الفكر العربي .. جذوره وثماره)) والذي نشر في الكويت سنة 1975 فوجدت أن جزءا كبيرا منه هو نفسه المحاضرات التي كان يلقيها علينا .. والى جانب محاضراته فقد كنا نقرأ له العديد من المقالات والبحوث في مجلة كلية التربية الموسومة: (الأستاذ) والتي لاتزال تصدر حتى يومنا هذا،وكذلك في مجلة اتحاد المؤرخين العرب الموسومة : (المؤرخ العربي ) .
ولد الأستاذ الدكتور محمد الهاشمي في مدينة النجف الاشرف سنة 1910 .. وأكمل دراساته الأولية فيها .. وبعدها دخل دار المعلمين العالية وتخرج فيها ثم سافر إلى المملكة المتحدة ليحصل على الدكتوراه في التاريخ الإسلامي من جامعة لندن سنة 1949 .وقد كتب عنه صديقنا الأستاذ حميد المطبعي في موسوعة أعلام العراق في القرن العشرين ، الجزء الأول ، دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد سنة 1995 بضعة اسطر وقال انه كان أستاذا في كلية التربية بجامعة بغداد وقد تقاعد سنة 1975 . وهو عضو اتحاد المؤرخين العرب ونال وسامه الذهبي وقد ابتدأ حياته العلمية بتأليفه كتاب بعنوان (الأبطال الثلاثة) نشره سنة 1933 . كما ترجم عددا من الكتب منها كتاب: ( من جنة عدن إلى نهر الأردن) (1941) وكتاب (أبو العلاء المعري) (1944) . فضلا عن كتابه المشار إليه أعلاه والذي يدور حول جذور وأسس الفكر العربي والإسلامي .
كان الهاشمي من المؤرخين الذين يعتقدون بان التاريخ وسيلة مثلى يمكن استخدامها لخلق وتنمية وتطوير الوعي الحقيقي بكافة إشكاله لدى الناس .. ويبدو انه كان يتقارب في هذا الاعتقاد مع العديد من زملائه ومجا يليه المؤرخين العراقيين والعرب عموما .. كان يرى بان التاريخ أداة للبناء ، لبناء الأجيال لذلك كان يركز في محاضراته على الأوجه المشرقة لتاريخنا العربي والإسلامي والقصد من ذلك تربية جيل قادر على مواجهة التحديات المختلفة أيا كانت ومن أية جهة خرجت .
خلال العام الدراسي 1962 ـ1963 لم يكن في قسم التاريخ بكلية التربية ـ جامعة بغداد سوى ثلاثة من التدريسيين الذين يحملون مرتبة الأستاذية (البروفيسور) وكان محمد الهاشمي احدهم ، أما الاثنان الآخران فهما الأستاذ الدكتور زكي صالح والأستاذ الدكتور جواد علي والثلاثة من خريجي الجامعات الغربية ( البريطانية والأمريكية) ، لذلك كان القسم آنذاك يتصف بالرصانة العلمية ، والقدرات الأكاديمية عالية المستوى .. ويقابل ذلك ، طلبة كانوا على درجة متقدمة من الوعي والشعور بالمسؤولية العلمية إلى جانب حبهم وعشقهم لمواد التاريخ التي كانوا يدرسونها آنذاك .
منذ أواخر الخمسينات واوئل الستينات من القرن الماضي ، كان لمجلة الأستاذ ، هيئة مشرفة على تحريرها وإصدارها تتألف من أربعة أساتذة من بينهم الدكتور محمد الهاشمي رئيس قسم التاريخ ، أما الثلاثة الآخرين فهم الأستاذ كمال إبراهيم عميد الكلية والدكتور جابر ألشكري رئيس قسم الكيمياء والدكتور محمد جواد رضا المدرس في قسم التربية وعلم النفس.
كنت لا اخفي إعجابي بكتابات محمد الهاشمي المتميزة بطابعها الفكري والفلسفي ، فعلى سبيل المثال قرأت له وانأ طالب في الكلية مطلع الستينات من القرن الماضي بحثا بعنوان: ((وجهة العالم الإسلامي)) منشور في مجلة الأستاذ (المجلد الخامس بعدديه 1956) .والغريب ان المقال لم يكن مهمشا ولا منصصا وإنما كان يحمل أفكارا مهمة ، ومنها أن العالم الإسلامي يمثل مركزا جغرافيا مهما وذلك لوقوعه في ملتقى ثلاث قارات مما جعله يسيطر على المضايق والمسالك الواقعة في طرق المواصلات البرية والبحرية والجوية في العالم . ثم انه حد وسط بين الشرق وما فيه من أديان ومثل عليا وثقافات قديمة ، وبين الغرب وما توصل إليه من تقدم مادي وأدبي وأساليب متنوعة في الحكم . هذا إلى ما فيه من موارد بشرية وطبيعية وفيرة مما جعل له قيمة اقتصادية عظيمة قد تفوق ما له من أهمية سياسية وعسكرية ، لهذا كان لانتساب الجماعة الإسلامية المتضامنة بعضها مع بعض ، بدينها وعاداتها وثقافتها ، إلى إحدى الكتل المتنافسة اليوم ( يقصد آنذاك) في العالم اثر غير قليل في التوازن الدولي .
ثم يعود ليقول إن الدور الذي يتوقع أن يقوم به العالم الإسلامي ، سواء في الحقل السياسي أو الاقتصادي أو غيرهما ، لايمكن أن يكون ذا اثر فعال في التوازن الدولي إذا ما بقيت الأحوال الداخلية لهذا العالم على ما هي عليه من الارتباك والفوضى والتناقض أحيانا .
وإذا كان الوضع قبل (50) عاما كانت هكذا فكيف الوضع ألان .. ليته كان حيا ليرى ما هو عليه العالم الإسلامي من ضعف وتخلف وخضـوع للإرادة الأجنبية .
ويلتمس الأستاذ الدكتور محمد الهاشمي بعض الميول والاتجاهات التي يمكن أن تؤثر في هذا العالم فيقول أنها تتلخص بمجريين احدهما ماضي الإسلام الحافل بالإحداث والتطورات الخطيرة التي كانت لها أعظم الأثر في تكييف حياة المجتمعات الإسلامية . وثانيهما المدنية الغربية التي رافق انتشارها في الشرق عموما ، وفي العالم الإسلامي خصوصا ، تغير بعض المفاهيم والقيم التي كانت سائدة فيه منذ أجيال عدة .
ثم يقول إن العالم الإسلامي كان ، خلال فترة طويلة من العصور الوسطى ، خاضعا لقوة سياسية وعسكرية واحدة . وكانت هذه القوة من جملة العوامل التي ساعدت على ربط هذا العالم المترامي ألأطراف المليء بالأجناس والألوان والثقافات المختلفة ، في كتلة واحدة امتازت بالحيوية والانسجام . وقد كان الدين الإسلامي الذي تبنى هذه القوة ، أو تبنته هي ، اليد الطولى في دعم هذه الوحدة ، وذلك بفضل ما أوجده في نفوس الناس من وعي شامل وعزيمة صادقة جعلتهم يشعرون بالترابط فيما بينهم ، وينصرفون إلى العمل المشترك في أوسع مجالاته . ويقف الأستاذ الدكتور محمد الهاشمي على السر في ذلك الترابط والنهوض فيقول: ((ان الإسلام ، كدين من جهة ، وكأسلوب عام للحياة الاجتماعية من جهة أخرى ، كان موفقا إلى حد بعيد في إيجاد الحلول الصحيحة للمشكلات الأساسية التي تعرضت لها المجتمعات الإنسانية منذ أقدم العصور والتي مازال يعالجها علماء العصر الحاضر وساستهم )) .
والدكتور الهاشمي يرى أن في مقدمة المشكلات التي لازال العرب والمسلمين يواجهونها أمران أولهما مسألة التضارب بين م صالح الأغنياء والفقراء . وثانيهما مسألة ازدواج الشخصية التي كثيرا ما تكون سببا في نشوء العقد النفسية في الأفراد والجماعات فمبادئ الإسلام راعت حالة العمال والفقراء والمحرومين ففرضت الزكاة وحرمت الربا ومنعت كل ضروب الغش وأشارت إلى الخطر الناجم بسبب تعاون الأغنياء والحكام على حساب الفقراء والضعفاء .. وبهذه الوسائل استطاع الإسلام أن يجد بين الطبقات والشرائح الاجتماعية المختلفة مجالا للتعاون القائم على أساس تبادل المنافع .
ويرفض الدكتور الهاشمي أن يقال بان الإسلام بنى تعاليمه وشعائره على أساس نظري ويؤكد بان الإسلام لم يقسم حياة الإنسان الى عالمين متباعدين ، عالم الدنيا وعالم الآخرة ، بل فرض الحياة وحدة متصلة واستمد تعاليمه وشعائره من هذه الوحدة المتصلة التي تربط بين الروح والجسد . لهذا جاءت قوانينه سهلة ذات طابع واقعي .
كان الدكتور الهاشمي في رؤيته للتاريخ العربي والإسلامي واضحا ، فهو قد قرر بان قوانين الإسلام اتسمت بصفتين متباينتين هما صفة الثبوت المستمدة من قداسة مصدرها الإلهي ، وصفة التجدد المستمدة من ضرورة ملاءمتها للحياة العملية وضرب مثلا على ذلك أن الصحابة والتابعين كانوا إذا ما جوبهوا بمشكلات جديدة في حياتهم اليومية ، سواء عندما كان الإسلام مقتصرا على الجزيرة العربية أو عندما اتسع في مشارق الأرض ومغاربها ، يلجأون إلى النصوص المتوفرة في الكتاب والسنة وان لم يجدوا فأنهم يستنبطون منها بطريق الاجتهاد والحلول اللازمة .
ويعيب الدكتور الهاشمي على الحكام الذين سيطروا على مقدرات الأمة في العصور المتأخرة أنهم أصبحوا فاتري الهمة قليلي التضحية ، الأمر الذي أفسح المجال للأغنياء الذين استأثروا بمعظم الخيرات فشاركهم الحكام وأصبحت معظم الثروة محصورة في أيدي فئة قليلة في حين باتت الأكثرية الساحقة من الناس في وضع حرج جراء العوز والفقر والحرمان فانتشرت بينهم الأمراض المعدية وتفشى فيهم الجهل وانحط مستواهم العقلي وتفككت بينهم الروابط الاجتماعية ، وبهذا فقد العالم الإسلامي أهم عنصر من عناصر الانسجام والتقارب الذي تميزت به طبقاته المختلفة في العصور الأولى . وقد تعاون الجهل والفقر والمرض والشعور بالحرمان على انتشار الأوهام والخرافات والآراء الرجعية بين الناس وكنتيجة لهذه الحالة الاجتماعية اختفى رجال العلم الحقيقيون من الميدان وساد الجهلاء والذين دفعهم جهلهم إلى مجاراة الأوضاع الفاسدة وتأييد الحكام المستبدين .
كانت تلك الأوضاع سببا في ركود الأحوال الداخلية في العالم الإسلامي واستمرار الأساليب البعيدة عن روح الإسلام في الحكم وتوزيع الثروة وتصور البعض أن الإسلام وكأنه عقيدة الاستسلام في حين أن الإسلام هو عقيدة الثورة والتوثب ، وثمة أمثلة كثيرة تثبت أن تاريخ الإسلام طافح بالثورات والانتفاضات .
أما النتيجة الأخرى لفقر المسلمين وجهلهم وتقبلهم الأوضاع الفاسدة فكانت متمثلة بانصرافهم إلى التمسك بالشكليات والمظاهر الخارجية للدين ، وقد كانت هذه الظاهرة والظاهرة التي سبقتها سببا في اتهام كثير من الباحثين الأوربيين ، المسلمين بأنهم مفطورين على تحمل الظلم وفساد الحكم وإنهم متعصبين وغير متسامحين .. ويقينا يقول الدكتور الهاشمي أن هذا الاعتقاد لايستند إلى دليل صحيح وذلك لان شدة تمسك المسلمين بالمظاهر والقشور إنما كان على حساب تهاونهم في حقائق الدين الجوهرية .
أما ما يتعلق بأثر المجرى الثاني في حياة الأمة وهو الاحتكاك بالغرب ، فقد قال الدكتور الهاشمي إن الاحتكاك بالحضارة الأوربية كان في المراحل الأولى منه مقتصرا على الميدانين الاقتصادي والثقافي .. وقد شعر المسلمون بعد هذا الاحتكاك بتفوق الغرب ، في نظمه وأساليبه في هذين الميدانين ، فاندفعوا الى التخلي عن تراثهم القديم واخذوا يميلون إلى اقتباس الأساليب الحديثة ، غير أن إساءة بعض الأوربيين استغلال هذا التفوق من جهة ، والغزو الأوربي للمشرق الإسلامي وما رافقه من ويلات ومصائب من جهة أخرى ، احدثا رد فعل في العالم الإسلامي الذي اخذ يتخوف من هذه الحضارة ويشك في تقديرها وينظر إليها نظرة ازدراء ومقت أحيانا .. وكان اعتقاده هذا سببا في انتشار القلق والبلبلة الفكرية في داخل البلاد الإسلامية .. وزاد هذه البلبلة أن الغرب نفسه لم يقف من العالم الإسلامي موقفا ثابتا وإنما كان يغير اتجاهه من حين إلى آخر بحسب ما تمليه عليه مصالحه السياسية . وقد أكد هذا التبلبل فشل الغرب في تطبيق النظم الديموقراطية في معظم البلاد الإسلامية وقد سبب هذا فراغا في الحياة السياسية وخيبة أمل في نفوس كثير من الناس وخاصة المثقفين منهم الأمر الذي أفسح المجال للانقلابات المفاجئة .
ورسم الدكتور الهاشمي صورة لمستقبل العالم الإسلامي منذ قرابة ال (45) عاما وكأنها ، لعمري ، صالحة ألان عندما قال : ((وإذا أردنا أن نكون فكرة عن مستقبل العالم الإسلامي ... فيمكن أن نتصور في المقام اتجاهين ، فيرى بعض الناس أن طبيعة الحياة المتناقضة التي يتخللها الفساد والتبلبل تحمل في ثناياها بذور ضعفها ولأجل هذا فأنهم يعتقدون أن العالم الإسلامي مقبل ، كنتيجة حتمية لأوضاعه الراهنة على تبدل جوهري يتناول جميع مظاهر حياته ، وهم يسعون في زيادة البلبلة الفكرية وتعميم الارتباك والتناقض ليصلوا بالعالم الإسلامي إلى النتائج الحتمية المنتظرة في أسرع وقت ممكن .. وهناك فريق آخر لايؤمن (بحتمية الظواهر التاريخية) وهؤلاء يعلقون أهمية كبيرة على الصدف والاستثناءات التي تقرر مصير العالم الإسلامي . ولكن هناك حقيقة واضحة لايختلف فيها اثنان وهي أن العالم الإسلامي لايمكن أن يكون أداة حقيقية في التوازن الدولي ما لم تنسق جهوده وإمكاناته تنسيقا يتفق والغاية التي يراد توجيهه إليها في المستقبل .
إن التنسيق ذاك يتوقف ، من وجهة نظر المؤرخ الدكتور محمد الهاشمي رحمه الله على أمرين : احدهما التخفيف من حدة التناقض الاقتصادي الموجود داخل هذا العالم .. وثانيهما التخفيف من حدة التدخل الأجنبي في كل صغيرة وكبيرة من شؤون هذا الجزء الحيوي من العالم .. وكأنه يتحدث اليوم (2008) ، فيقول : ((التجاريب المتعددة أثبتت أن التدخل القائم على أساس فرض السيطرة بواسطة الإرهاب والقوة يسبب كثيرا من المشكلات .. كما انه لاينسجم مع النهضة الفكرية التي شملت شعوب العالم كنتيجة لانتشار الثقافة العامة . ويختم رأيه بالقول أن الإصلاح يصطدم مع مصالح الطبقة المتنفذة في الداخل والتي راحت تملك كل شيء في حين أن الأكثرية يعيشون في الفقر والحرمان والقلق على المستقبل .. كما أن الإصلاح السياسي يواجه بكثير من العقبات . وإذا لم يحدث أي تبدل جوهري في أحوال العالم الإسلامي فليس من المعقول أن تجد الديمقراطية طريقها إليه .
في دراسته الموسومة : ((مرونة الإسلام)) التي نشرت في مجلة الأستاذ (المجلد 15 ،1969) يضع رؤيته الثاقبة للمراحل التي رافقت تطور الإسلام ويقول إن الظروف الجغرافية كانت عاملا فعالا في تكييف حياته .. ويضيف إلى ذلك حقيقة معروفة وهي أن الجزيرة العربية التي انبثق منها الإسلام ، والتي احتضنته طيلة قرون ، كانت قد تعرضت لنهضة فكرية شاملة ، قبيل ظهوره بقليل وذلك بسبب اختلاط أهلها بسكان الأقطار المتحضرة المجاورة لهم ، خلال رحلاتهم التجارية إليها ، وكانت الحروب (الاستعمارية) بين الفرس والروم عاملا آخر في زيادة الاختلاط والاحتكاك . فقد لجأ إلى بلاد العرب بعض سكان العراق وسوريا فرارا من الظلم الذي لحقهم في بلادهم . كما هاجر إليها آخرون طلبا للرزق بالتجارة ، او بممارسة بعض الحرف والصنائع أو غير ذلك .. وبالجملة فالعقلية العربية كانت قد أعدت لتقبل مبدأ شامل ، وعقيدة واسعة ، تضم أجناس البشر جميعهم ، وتساوى بينهم في الحقوق والواجبات ، وتسمو بأفكارهم إلى المرحلة التي تجعلهم يعظمون كل من عبد الله من أبناء البشر ، ومهما كان جنسه ولونه ، ومهما اختلفت إشكال عبادته . وكأن الأستاذ الدكتور محمد الهاشمي بيننا اليوم ، ليدرك أية صعوبات وعراقيل داخلية وخارجية يواجهها العالم الإسلامي ..ليقرر حقيقة مهمة وصل إليها بعد بحث تاريخي شاق ، وهي أن العالم الإسلامي يضم أمما متعددة وشعوبا متباعدة ، تتفاوت تفاوتا جوهريا في تركيبها الاجتماعي ، وفي صفاتها الموروثة ، وفي المرحلة الحضارية التي وصلت إليها ، وهذا مما جعل من الإسلام دينا عالميا ، والعوامل التي مهدت لذلك تكمن في طبيعته المرنة ، وفي القالب الذي صيغت فيه تعاليمه فضلا عن الظروف التي رافقت تطوره . أما الأمر الأول فيمكن استظهاره من تحليل الإسلام للظاهرة الدينية ، ومواقفه من الديانات الأخرى ، فالظاهرة الدينية ، في عرف الإسلام ، تنبع من إدراك الإنسان لوجود الله ، ووحدته ، والاخوة البشرية ، وهذا الإدراك وثيق الصلة بحياته المادية والروحية وهو خاضع للتعيير والتبديل ، من وقت إلى آخر ، حسب الظروف والملابسات .. فالله يبعث الرسل ويزودهم بالشرائع ليهدوا الناس إلى الخير ويباعدوا بينهم وبين الشر ، ويأخذوا بأيديهم الى المستوى اللائق بكرامة الإنسان . وهذا هو السبب في أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم رأى في شريعته أداة ، يوقظ بها النزعة الخيرة في النفس الإنسانية لتسير بها في الاتجاه الصحيح الذي يؤمن لها الاستقرار والاطمئنان . أما الأمر الثاني الخاص بالقالب الذي صيغت فيه تعاليم الإسلام فان ذلك لايحتاج إلى تدليل ، ذلك أن هذا القالب يمتاز بالسهولة والبساطة وقد فسر الإسلام كل شيء حتى مسالة خلق الكون ،والصراع القائم بين الخير والشر بصور منتزعة من واقع حياة الإنسان المشحون بالقوى المتنافرة ، تلك القوى التي تخضع في النهاية لقوة عليا تسيطر عليها ، وتكون لها الغلبة .. فالصلاة مثلا تعبير عن شعور الإنسان بعظمة الكون ، وتأديتها على وجه رتيب تأكيد للنظام الخلقي الذي يهدف إلى ضبط النفس ، وغرس روح الطاعة والنظام فيها ومنعها من التيه في مجالات العالم المادي . وقد أوضح القرآن ن الكريم هذه الحقيقة بقوله : ((وأقم الصلاة ، أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر )) . والحج إلى مكة مثل آخر لبساطة هذا الدين وفطرية تعاليمه ، ,عدم تعقيدها ، ذلك انه أنموذج عملي للإخوة الإنسانية التي تجمع شعوب الأرض كافة ، وهذه المزايا ساعدت على انتشار الإسلام في أقطار بعيدة جدا عن مهده ، وفي ظروف صعبة وجدت تعاليمه فيها استجابة من الناس .
مع أن انتاج الدكتور محمد الهاشمي التاريخي وخاصة في مجال الفكر العربي والإسلامي ليس بالكثرة التي كنا نعتقدها ، لكن في ما كتبه ، بالرغم من قلته ، يؤكد أصالة هذا المؤرخ ، وعلميته ، وموضوعيته ، وانفتاحه الفكري على تيارات عصره ، وتفاعله معها بعمق ووضوح .
* المادة هذه موجودة ضمن موسوعة المؤرخين العراقيين المعاصرين التي يعدها كاتب السطور اعلاه وتنشرها مجلة علوم انسانية (الالكترونية) http://www.ulum.nl
مركز الدراسات الإقليمية –جامعة الموصل



#ابراهيم_خليل_العلاف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حمادي الناهي والصحافة الساخرة في العراق المعاصر
- جماعة رواد الادب والحياة في الموصل :فصل من تأريخ العراق الثق ...
- جماعة الصحيفة 1924-1932 فصل من تأريخ حركة الفكر والثقافة الع ...
- بواكير العمل الصحفي في الموصل
- اليساريون في العراق هم ليسوا الشيوعيين فقط !!
- هل نحن بحاجة الى الاصلاح والتغيير ؟ وكيف؟
- الدكتور محمود عبد الله الجادر وحركة التحقيق التراثي في العرا ...
- الصحافة الالكترونية ودورها في اقامة المجتمع الديموقراطي
- المؤرخون الاسرائيليون الجدد ومحاولة اعادة كتابة تاريخ فلسطين ...
- الدكتور احمد عبد الستار الجواري 1924-1988 وجهوده في خدمة الل ...
- العلاقات الاردنية -الاسرائيلية :نشأتها وتطورها
- الدولة في الفكر الغربي الحديث :رؤية تأريخية
- الدكتور محمود علي الداؤود (1930- )ودوره في تأصيل الدراسات ال ...
- الدكتور فيصل السامر 1925-1982 ودوره الفاعل في تطوير المدرسة ...
- كلية الحقوق (العراقية ) في 100 عام من عمرها 1908-2008
- الدكتور يونان لبيب رزق والمزاوجة بين التأريخ والصحافة
- زهاء محمد حديد والفن المعماري العالمي
- رجاء النقاش ودوره في حركة الثقافة العربية المعاصرة
- فؤاد التكرلي (1927-2008 )وتأريخ العراق المعاصر
- الجذور التأريخية لنشأة وتطور ( القطاع الخاص) في العراق حتى ص ...


المزيد.....




- جملة قالها أبو عبيدة متحدث القسام تشعل تفاعلا والجيش الإسرائ ...
- الإمارات.. صور فضائية من فيضانات دبي وأبوظبي قبل وبعد
- وحدة SLIM القمرية تخرج من وضعية السكون
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /25.04.2024/ ...
- غالانت: إسرائيل تنفذ -عملية هجومية- على جنوب لبنان
- رئيس وزراء إسبانيا يدرس -الاستقالة- بعد التحقيق مع زوجته
- أكسيوس: قطر سلمت تسجيل الأسير غولدبيرغ لواشنطن قبل بثه
- شهيد برصاص الاحتلال في رام الله واقتحامات بنابلس وقلقيلية
- ما هو -الدوكسنغ-؟ وكيف تحمي نفسك من مخاطره؟
- بلومبرغ: قطر تستضيف اجتماعا لبحث وجهة النظر الأوكرانية لإنها ...


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - ابراهيم خليل العلاف - الدكتور محمد الهاشمي 1910- 1996 والتأريخ لحركة الفكر العربي والاسلامي