أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبدالاله سطي - سؤال التغيير السياسي في المغرب















المزيد.....



سؤال التغيير السياسي في المغرب


عبدالاله سطي

الحوار المتمدن-العدد: 2215 - 2008 / 3 / 9 - 09:04
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


مقدمة
إن تغييرا سياسيا من نوع ما. يجري باستمرار في كل مجتمع، استجابة لظروف داخلية وخارجية متغيرة مختلفة، من ضمنها العلاقة بالطبيعة والمجتمعات الأخرى، وتفاعل المجموعات داخل كل مجتمع، والتحول المستمر في الملاكات من خلال اختفاء الأجيال القديمة وصعود أجيال جديدة، وتبعا لنمط المجتمع المعني، قد تنجم تغيرات سياسية هامة بوجه عام عن إدخال تكنولوجية جديدة، عن التجارة أو الحرب عن انقلاب في "القصر"، أو تغير في الأسرة الحاكمة، أو صعود إمبراطور كفؤ أو عاجز، أو ظهور قائد موهوب بشكل استثنائي، عن حركات ثقافية وفكرية، عن صعود وهبوط فئات اجتماعية معينة، بما فيها طبقاته، وفئات دينية وثقافية ونخب تمثل مصالح اجتماعية متميزة(1)، وقديما قال الفيلسوف اليوناني هراقليطس "إن التغيير قانون الوجود والاستقرار موت وعدم"، ومثل لفكرة التغيير بجريان الماء فقال "إنه من المستحيل أن ينزل الإنسان إلى النهر مرتين فإن مياه جديدة تأتي من حوله"(2)، وكما قال هيكل إن شيئا ما يتحرك ليس لأنه في لحظة ما هنا ولحظة ما هناك ولكن فقط لأنه في نفس اللحظة الواحدة هنا وهناك لأنه في نفس الوقت موجود وغير موجود في ذات المكان(3).
فالنظم الاجتماعية والسياسية تتغير عبر الزمان حتى وأن الزمن والتغيير يعتبر شيئا واحدا، فالزمن سباق متتابع عبر الزمن ليس له بداية ونهاية والتغيير هو تعاقب الاختلافات عبر الزمن في كيان قائم(4)، وإذا كان علماء السياسة والاجتماع قد اتفقوا على كون التغيير الاجتماعي والسياسي هو عملية جوهرية وحتمية في أي نظام سياسي، إلا أنهم قد تفاوتوا في إبراز آليات وأسباب التغيرات السياسية والاجتماعية.
فالبعض ركز على العلاقة بين المراحل السوسيواقتصادية ودرجات التغيير السياسي (النظرية الماركسية)، والبعض الآخر ركز على المداخل السوسيوثقافية (غرامشي)، وهناك من ركز على العلاقة الجدلية بينه بين التحول في طبيعة النخب وتأثيره على عملية التغيير (باريتو)، فيما ذهب آخرون للتركيز على المؤسسات والهيئات السياسية ومدى مساهمتها في التحديث السياسي... إذن تتعدد مداخل التغيير وتختلف باختلاف تفسيرات وتوصيفات الفلاسفة والباحثين الذين تتعدد مشاربهم الفكرية والإيديولوجية.
وتعد دراسة التغيير السياسي من المحاور المفصلية في العلوم السياسية، فقد كان "أوكست كونط" قد ميز بين نظريتين لفهم النظم السياسية والاجتماعية النظرية الاستتاتيكية والنظرية الدينامية، تمثل الوحدات الرئيسية للتحليل السوسيوسياسي في القسم الأول النظم الأساسية كالاقتصاد أو الأسرة أو السياسة...
ويفهم علم الاجتماع في هذه الحالة على أنه دراسة العلاقة المتبادلة بين هذه النظم، وفي هذا يقول كونت: " إن أجزاء المجتمع لا يمكن أن تفهم منفصلة عن بعضها كما لو كان لكن منها وجود مستقل، وعلينا بدلا من هذا أن ننظر إليها على اعتبار أنها تربط بينها علاقة متبادلة، وأنها تكون كيانا كليا، يفرض علينا أن نتناولها في علاقاتها بعضها البعض... في القسم الثاني (النظرية الدينامية)، فيرى أنه إذا كانت الاستاتيكاهي دراسة كيفية تداخل أجزاء المجتمع، وتفاعلها مع بعضها البعض، فإن الديناميكا يجب - في رأيه- أن تركز على مجتمعات كاملة وتتخذها وحدة التحليل السوسيولوجي، والهدف من ذلك أن نوضح كيف تطورت هذه المجتمعات وتغيرت عبر الزمن(5)، فبدون إدراك سليم لتطور المجتمع حسب كونط تكون فكرتنا عن الاجتماع البشري ونظمه مجافية للصواب.
ومنذ عقد الستينات توالت الاهتمامات الهادفة لبلورة نظريات تفسيرية كلية لإشكالية التغيير السياسي، كما ارتبطت بهذه الدراسة عدة مفاهيم، نذكر منها التحديث السياسي، التنمية السياسية... وتعود جذور أبرز نظريات التغيير السياسي إلى الكتابات الأنجلوسكسونية، في حقل علم السياسة التي كانت حصيلة الاهتمامات والدراسات التي قام بها عدد من علماء الاجتماع والسياسة والتي شملت الدول الحديثة الاستقلال في كل من آسيا وإفريقيا، حيث وضع هؤلاء مجموعة من المقتربات العلمية الجديدة، تعتمد على محاور نظرية منها: التطور السياسي، والتحديث والتنمية السياسية المرتبطة بالمدرسة الوظيفية Fonctionnalisme، ومفهوم التغيير الاجتماعي المرتبط بالمدرسة البنيوية structuralisme(6)، في محاولة لتجاوز المنظوريين النظريين في الدراسات السياسة القديمة وهما، المنهج القانوني التقليدي، ثم المنهج الماركسي.
وإذا كان التغيير السياسي حسب "بوتومور" استجابة لظرف التحول في الملاكات من خلال اختفاء الأجيال القديمة وصعود أجيال جديدة، وتغيير في الأسرة الحاكمة... هل شكل انتقال السلطة أو بالأحرى وراثة مؤسسة العرش من طرف الملك محمد السادس في 23 يوليوز 1999، نقطة انعطاف في النسق السياسي المغربي مهدت لأحداث تحولات تدريجية جذرية سواء في أولوياته أو قضاياه أو في توازناته وتحالفاته وصراعاته أو في علاقاته وتفاعلاته مع محيطه؟ أم أن الاستمرارية كانت هي الغالبة؟
فالتحولات السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعرفها المغرب، تكشف عن وجود دينامية سياسية جديدة، في كيفية تصريف القرار السياسي، وضبط العلاقات بين الفاعلين، ثم في كسب الشرعية، هذا في ارتباط مع المعطى الموضوعي المتمثل في ضبط عملية انتقال السلطة وتداعياتها على صعيد دينامية النسق السياسي.
إن ما يمارس الآن في بلادنا – في عهد محمد السادس- من الناحية الموضوعية تحول موضوعي وتطور في بنيات مؤسسات الدولة (هيئة الإنصاف والمصالحة، مدونة الأسرة، المبادرة الوطنية للتنمية البشرية...)، ومحالة لتركيب مشهد سياسي جديد، والوضعية السياسية والاجتماعية تختلف عن وضعية ما قبل 1999، إذا هناك تغيير قد يكون عميقا وإذ ذاك يمكن أن ننعته بالتغيير البنيوي، أي أنه يمس أسس النسق الاجتماعي ويقلب ترتيب الأشياء، وقد يحدث قطيعة بل وينتج تبدلا كاملا حيث يتغير منطلق النظام ذاته، وقد يكون تغييرا عرضيا، أي أنه لا يمس الأشياء في عمقها، وبالتالي يكون نظاما يحافظ على نفسه ويعيد إنتاج ذاته، أي بعبارة أخرى وبتعبير "بوتمور" نظام يعيد خلق نفسه باستمرار(7).
فإذا كان الأمر كذلك ما هو التوصيف الممكن تقديمه للتغيير السياسي في عهد محمد السادس؟ وما هي الأدوات والآليات التي من الممكن أن تفيدنا في هذا التوصيف؟
إن مساءلة هذه التحولات سوسيولوجيا تقتضي منا نوع من الدقة واعتماد نموذج راهني قابل لذات المساءلة، لذا نقترح معالجة إشكالية التغيير السياسي في عهد محمد السادس على ضوء انتخابات 7 شتنبر 2007، إذا اعتبارنا العملية الانتخابية تشكل جوهر للنظام الديمقراطي، وأن النظام السياسي يكون ديمقراطيا حينما يتم اختيار الجماعات التي تتخذ القرار عبر انتخابات نزيهة، شفافة ومنتظمة يتنافس فيها المرشحون حول أصوات الناخبين بكل حرية كما يصفه "صامويل هانتغتون" في كتابه الموجة الثالثة، وعملية التغيير السياسي من نظام تقليدي إلى نظام حديث، ومن نظام استبدادي إلى نظام ديمقراطي، تقتضي أن تخضع في سيرورتها إلى هذه المعادلة كعنصر مركزي للتحديث المنشود.
فإلى أي حد كانت انتخابات 7 شتنبر 2007 تعبير عن التغيير السياسي في المغرب؟ وهل شكلت هذه الأخيرة مرحلة لتوضيح المسار السياسي للعهد الجديد بالمغرب؟ ثم كيف يمكن قياس التغيير السياسي في المغرب من خلال نموذج انتخابات 2007؟
وما هي النظريات والوصفات التي يمكن اعتمادها لفهم المسلسل السياسي الراهن؟
I. في سبيل تجاوز الأطروحات التقليدية في تحليل النظام السياسي المغربي:
يمكن حصر الأطروحات التي عالجت طبيعة النظام السياسي المغربي، منذ الاستقلال وإلى اليوم في ثلاث أطروحات (8): الانقسامية، الصراع الطبقي، الاستبداد.
أولا- الأطروحة الانقسامية: وكما يلخصها صاحبها "جون واتربوري"، في كتابه "أمير المؤمنين، الملكية والنخبة السياسية" والتي ينطلق فيها من تصور النظام السياسي المغربي كبنية تقوم على وجود تعددية في الفاعلين السياسيين يشكلون تحالفات مؤقتة ومتقلبة هذه التعددية تتسم أيضا بغياب فاعل سياسي رئيسي قادر على إلغاء منافسيه.
هذه البنية سوف تساهم في استمرار النظام السياسي دون أن تلحق تغييرات في أسس البنيوية.
ثانيا- أطروحة الصراع الطبقي: يمثل هذه الأطروحة جيل الماركسيين الذين ينظرون للنظام السياسي كأداة للسيطرة الطبقية، وتمثيل لمصالح الطبقة السائدة على حساب الطبقة المسودة، التي تحاول أن تنتزع مصالحها الشيء الذي يدخلها في صراع مع النظام القائم، ويمثل هذه الأطروحة العديد من الكتابات الماركسية من أبرزها "الاختيار الثوري" للمهدي بن بركة.
ثالثا- أطروحة الاستبداد: التي يعد عبد الله حمودي أحد المعبرين عنها من خلال كتابه "الشيخ والمريد"، والذي يحاول من خلاله أن يربط ما بين طبيعة النظام السياسي وبين وجود بنيات ثقافية تقليدية ذات مرجعية تاريخية قديمة تجعل من السلطة السياسية متمركزة حول شخص واحد، وتعتقد هذه الأطروحة أن النظام السياسي يستند إلى مقومات ثقافية تمارس في شكل طقوس تكرس في ذاكرة المحكوم علاقات انطلوجية مبنية على الخضوع وإعادة إنتاج السلطوية بمفهومها السياسي والاقتصادي والاجتماعي والنفسي(9).
من خلاصة هذه الأطروحات نستنتج إما بشكل مباشر أو ضمني أن الإمكانية الواحدة للتغيير الممكن أو المرتقب لن تأتي إلى من خارج النظام السياسي القائم(10)، فالأطروحة الانقسامية تقول بوجود بنيات مترسخة لا تسمح بالتغيير أي الجمود، إلا على أنقاض النظام السياسي القائم، ثم أطروحة الصراع الطبقي لا ترى مخرجا من هيمنة النظام السياسي ذي الأصول الطبقية إلا بالثورة، أطروحة الاستبداد لا تجيب على سؤال كيف سوف يتحول هذا الشيخ إلى سلطة ديمقراطية ولا المريد إلى مواطن حقيقي.
إذن هذه الأطروحات النظرية التقليدية تبقى عاجزة عن فهم طبيعة التحولات السياسية الراهنة لماذا؟ لأنها نظريات تندرج في إطار ما يسميه أوكسبت كونط بالنظرية الستاتيكية التي تدرس النظام وهو ثابت جامد لا يتحرك، فهي تسعى فقط إلى فهم النسق السياسي وتحديد طبيعته ومكوناته والسيرورات الداخلية له والوظائف المرتبطة بذلك، لكنها تبقى في منأى عن دراسة تطور النسق والتغيرات التي تعرفها مكوناته وعناصره التي تطال أيضا العلاقة بين الفاعلين، وهذا ما يندرج في إطار النظرية الدينامية حسب أوكسبت كونط التي تدرس النظام السياسي وهو في حراك.
كما أن الانطلاق من الزمنية الممتدة من 1999 إلى 2006 لدراسة الوضعية السياسية المغربية، كمدخل لفهم طبيعة النظام السياسي القائم، يستدعي مقولات ومفاهيم وطروحات تتلاءم مع فضاءات التفكير وخطابات المحللين السياسيين الذين يلتقون عند مقولة الانتقال الديمقراطي.
ومن الوصفات التي يمكن التماسها لفهم التجربة السياسية المغربية الحالة، نظرية التغيير السياسي التي يقدمها "صامويل هانتغتون" كإحدى النظريات البارزة في مجال التغيير السياسي(11).
يعتبر صامويل هانتغتون أن دراسة التغيير السياسي تتم من خلال دراسة العلاقة بين المشاركة السياسية والمؤسسة السياسية، ولفهم آليات اشتغال مفهوم التغيير السياسي لصامويل هانتغتون في الحقل السياسي المغربي، نستند إلى دراسة لهذا الأخير(12) التي يحدد من خلالها النسق السياسي في خمس مكونات:
1- الثقافة: وهي تصنع القيم والمواقف والاتجاهات والرموز والمعتقدات، والتي تؤكد السياسات المتبعة وتفرض هيمنتها في المجتمع.
2- البنيات: أي المنظمات الرسمية، التي من خلالها يصوغ المجتمع القرارات المتعلقة بممارسة السلطة، الأحزاب، الهيئة التشريعية، التنفيذية.
3- المجموعات: أي التشكيلات الاجتماعية والاقتصادية الرسمية وغير الرسمية التي تصوغ المطالب التي تطرح على البنيات السياسية.
4- القيادات: وهم أفراد المؤسسات السياسية والمجموعات الذين يلعبون أدوار وريادية في التوجيه والتأطير والتقرير.
5- السياسات: وهي مختلف أنماط وأشكال العمل الحكومة، والموجه لضبط عمليات توزيع المنافع، وتطبيع الإجراءات العقابية داخل المجتمع.
إن مقاربة التغيير السياسي، حسب صامويل هانتغتون، تتم عبر تحليل آليات اشتغال هذه المكونات، فكل مكون يشتغل في علاقة بباقي المكونات، فالتغيرات التي تحدث في تلك المكونات الخمس وكذلك التأثير المتبادل فيما بينها، يكشف إذا حصل، درجة التغيير في النسق، لهذا ستشكل هذه المكونات، عماد تحليلنا للعملية الانتخابية بالمغرب، ومدى تعبيرها عن حقيقة التغيير السياسي بالمغرب، وذلك بوضع مؤشرات إجرائية لقياس درجات التقدم والتراجع في انتخابات 7 شتنبر 2007 كنموذج معتمد في هذه الدراسة.
II. انتخابات 7 شتنبر 2007 كمدخل لقراءة التغيير السياسي في المغرب:
إذا استحضرنا مختلف التجارب الانتخابية التي عرفها المغرب منذ الاستقلال، وما رافقها من نواقص وخروقات وانتقادات، تهم دور السلطة السياسية، كما تهم دور الأحزاب السياسية. أدركنا حجم الاختلالات في الممارسة الانتخابية بالمغرب، والتي تتفاوت في درجة تأثيرها على المنهجية الديمقراطية، تبعا للتطورات السياسية والدستورية التي عرفها المغرب، وهي تتراوح بين تغييبها لأسسها الجوهرية وإنكارها، وعدم استحضارها في اللعبة السياسية خطابا وممارسة، لاسيما أن الممارسة السياسية المغربية ظلت محكومة لفترات طويلة بالإقصاء الحاد المتبادل بين السلطة السياسية والأحزاب الفاعلة، وبين عدم احترامها لبعض أسسها(14).
وإذا كانت انتخابات 2002 التشريعية التي تعد أول انتخابات في عهد الملك محمد السادس وأول انتخابات التي شكلت توافقا سياسيا على نزاهتها وحياد السلطة، بخلاف الممارسات السلبية السالفة الموسومة بغياب الشفافية وحضور السلطة كمنافس بارز في العملية الانتخابية، من أجل صنع أغلبيات برلمانية تدافع عن الخيارات الملكية.
سواء عبر إنشاء حزب جديد قبيل الانتخابات أو عبر التحكم في النتائج الانتخابية من خلال تسخير تقنيات التقطيع الانتخابي، أو من خلال المزج بين الاقتراعين المباشر وغير المباشر، والتي مكنت من تهيئة أغلبيات مريحة للتشكيلات الحكومية، وإفراز نخبة سياسية تستند في غالبيتها إلى فعل إداري، أكثر من استنادها إلى امتداد حزبي جماهيري فعلي(15).
فكيف يمكن مساءلة انتخاب 7 شتنبر 2007 من زاوية الرهانات المحايثة لهذه الانتخابات في سياق مسلسل تحولات النظام السياسي؟
هل شكلت انتخابات 7 شتنبر 2007 دعامة لتكريس التحولات السياسية للعهد الجديد؟ ثم كيف يمكن قراءة هذه التحولات على ضوء هذه الانتخابات؟
اعتبرت انتخابات 7 شتنبر 2007 كمحك لامتحان مسلسل التحولات السياسية في عهد الملك الجديد، باعتبارها أول انتخابات تعرف حضور مراقبين دوليين، بالإضافة إلى تأكيد الخطابات الرسمية على حياد السلطة فكانت النتائج:
1- تأكيد المراقبين على أن هذه الانتخابات جرت في جو يوصف بالنزاهة والشفافية، والدليل عدم اعتراض الأحزاب السياسية على نتائج الانتخابات أو التشكيك فيها كما كان يجرى سابقا؛
2- لكن بالمقابل وردت بعض التقارير التي ساقت جملة من الاتهامات بحدوث عمليات لشراء الأصوات في كلا بعض المناطق الريفية والمدينية على حد سواء؛
3- اعتبرت نسبة المشاركة الأضعف في التاريخ الانتخابي المغربي، حيث بلغت نسبة الممتنعين عن التصويت حسب الأرقام الرسمية نسبة 63%، وأن نسبة من أدلوا بأوراق ملغاة وصلت 17%، من بين 37% من المشاركين في العملية الانتخابية.
إن محاولة النفاذ إلى الدلالات التي تقدمها لنا هذه النتائج ومساءلتها سوسيولوجيا انطلاقا من العناصر التركيبية/ المفاهيمية التي قدمها لنا صامويل هانتغتون لقياس مدى التغيير الذي يطرأ على نسق سياسي معين، يقتضي بداية إبراز الإشكالية الانتخابية في المغرب.
فلحظة التعبير التمثلي تعد مرحلة شاخصة في قياس مدى التحول داخل النظام السياسي المغربي وخاصة على صعيد تحديد جوهر العلاقة بين مختلف الفاعلين أو بالأحرى بين المؤسسة الملكية ومكونات الحقل الحزبي، غير أنها تقترن بدءا بالإشكالية المركزية المتمثلة في المنافسة السياسية داخل النظام المغربي(16).
ولعل مضمون تدني نسبة الإقبال لدى الناخبين جاء على الرغم من الجهود المكثفة التي بذلتها الحكومة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني لتشجيع المواطنين على إدلاء بأصواتهم، هذا إلى جانب قيام المؤسسات الحكومية والعديد من المنظمات غير الحكومية بتنظيم حملات توعوية إرشادية للمواطنين، خاصة في أحياء المدن الفقيرة(17).
رغم ذلك كان التراجع عن الذهاب لصناديق الاقتراع، وشكل العازفون عن التصويت ما يمكن الاصطلاح عليه بحزب منافس آخر، ومن بين ما يؤشر على ضعف المشاركة هذا:
1- عجز الأحزاب السياسية عن كسب ثقة المواطنين، جراء تآكل قيمتها السياسية والاجتماعية، وتراجع جاذبية خطاباتها وقدرتها على التأثير، وهذا ما يمكن التعبير عليه من خلال حالة عدم الرضا الشعبي عن سياسات مجلس النواب، باعتبارها مؤسسة فاشلة وأن معظم الأحزاب الممثلة فيها لا تقدم ما يمكن أن يعبر عن حاجيات ومشاكل المواطنين.
2- غياب ثقافة سياسية واجتماعية مكرسة للقيم الإيجابية للعمل السياسي ولمبادئ المواطنة والمسؤولية والديمقراطية والسلوك المدني الموجه بذلك للتفكير والممارسة(18).
فقد أصبحنا نلاحظ بزوغ ثقافة موسومة بالرداءة وتكرس سلوكات الفساد المالي والسياسي، كقيم مضادة للقيم الديمقراطية والحداثة، بحيث نجد المواطنين في كثير من الحالات هم من يطلب من المرشحين مقابل مالي من أجل الصوت الانتخابي(19).
3- تفاقم الأزمة الاجتماعية والاقتصادية وتدني قدرة المواطن المعيشية، جعله لا يعير اهتماما للشأن السياسي المغربي، بانغماسه الكلي في همومه اليومية، وهذا ما يفسره ارتفاع نسبة البطالة ليصل إلى النسبة الأعلى بين دول شمال إفريقيا في العقدين الأخيرين، كما أن الجهود المتواصلة لتخفيف حدة الفقر لم تترك تأثيرا ملموسا واقعيا لتحسين مستوى معيشة الفقراء في البلاد(20). فضعف الأداء الإنجازي للعمل الحكومي في المجمل، أضعف التجاوب الشعبي مع السياسات العامة للدولة.
4- تضاءل الآمال التي عقدها الشعب المغربي بوجود بدائل عبر حركة الإصلاح التي حدثت عام 1998 بشكل كبير، بتشكيل حكومة التناوب، هذا إلى جانب ظاهرة البلقنة، فالمواطن حائر بين 33 حزب، تتداخل برامجهم وخطاباتهم، وأهداف محصورة في مجملها على مستوى القول بعيدة عن أرض الواقع، مما افقدها مصداقيتها وقدرتها على التغيير في مخيلة المواطن.
تطرح المسألة الانتخابية في المغرب إذن، إشكالية هل الانتخابات تشكل الديمقراطية؟ إذا كان كذلك، فهل نتائج انتخابات ودلالاتها العامة توحي بتحول حقيقي في المغرب نحو الديمقراطية؟ يجيبنا صامويل هانتغتون هنا بقولة في كتابه الموجة الثالثة، إن النظام السياسي يكون ديمقراطيا حينما يتم اختيار الجماعات التي تتخذ القرار عبر انتخابات نزيهة، شفافة ومنتظمة يتنافس فيها المرشحون حول أصوات الناخبين بكل حرية. وإذا كانت الانتخابات المغربية لسابع من شتنبر وسمت من قبل المراقبين بالنزاهة والشفافية، هل هي موسومة بالتنافسية؟ هذا ما يحيلنا إلى القول بأن النفاذ إلى الدلالات السياسية والإيديولوجية للانتخابات في المغرب، تجر الباحث إلى مقدمة أساسية لا محيد عنها تتمثل في بلورة تقابل موضوعي بين طبيعة الفعل الانتخابي وجوهر الفعل السياسي أو طبيعة السلطة السياسية، فهذا التقابل يبقى عامل إثراء لكل نقاش يسمى إلى ملامسة آفاق الممارسة الانتخابية ودلالاتها المباشرة(21).
إذ يحيلنا هذا الإشكال إلى ذلك السؤال الفلسفي القديم، من يؤسس من؟ المجتمع أم الدولة؟ هل الديمقراطية تبتدئ من المجتمع لتفرز لنا مؤسسات الدولة؟ (عن طريق العملية الانتخابية مثلا)، أم تبتدئ من الدولة أي من أعلى هرم في السلطة، لتخلف المجتمع الديمقراطي؟ من خلال هذه المعادلة يمكن قراءة الواقع الانتخابي، ومن خلال الأرضية الموضوعية المفرزة له إن على صعيد التصور أو على مستوى آليات التفعيل.

III. الإستراتيجية الانتخابية من منظور المؤسسة الملكية على ضوء انتخابات 7 شتنبر 2007:
في أول خطاب للعرش بعد وصوله إلى سدة الحكم في 30 يوليو 1999 كان الملك محمد السادس منطقيا إلى أبعد الحدود مع الهندسة الفكرية والإيديولوجية العامة التي رسمت ملامح الحكم في المغرب خاصة في عهد ولده الحسن الثاني (1961- 1999) الذي كرس هيمنة الملكية على الهرم المؤسسي والدستوري طيلة فترة الحكم.
فبتأكيده أن الملك سيظل "الموجه المرشد الناصح الأمين الذي يعلو فوق كل انتماء يكون العاهل المغربي قد حدد الفلسفة العامة للسلطة في المغرب ومن خلالها تصور الملكية حول ذاتها وجوهر تفاعلها أو ردود فعلها إزاء باقي شركاء الفعل السياسي(22).
وعلى الرغم من الإصلاحات التي طالت المشهد السياسي خلال العهد الجديد، لا يزال الملكية هي اللاعب الرئيسي في النظام السياسي المغربي، ويبقى المجلس التشريعي محررا من أية سلطة إشراف حقيقي، واللحظة الانتخابية في الممارسة السياسية المغربية لا تجسد لحظة ولادة مشروعية سياسة جديدة، بل تجسد لحظة تكريس استراتيجيا سياسة مرسومة سلفا، بالإضافة إلى ذلك فإن نظام الانتخابات الوطنية والقائم على نظام التمثيل المحاصصي عادة ما ينتج عنه برلمان مفكك، تكون مرجعيته للقصر(23).
وتتمثل معالم الإستراتيجية السياسية للمؤسسة الملكية في ارتباطه بالشأن الانتخابي في إحداث نوع من التمييز بين التمثيلية العليا للملك والتمثيلية الدنيا للفاعلين الانتخابيين(24). فالملك هو الممثل الأسمى للأمة ورمز وحدتها... الفصل 19 من الدستور، إذن هناك تفاضلية بين التمثيليتين.
وإستراتيجية المؤسسة الملكية تصب في إحداث وتكريس هذا التمايز بين التمثيلية العليا للملك والتمثيلية الدنيا للأحزاب والفاعلين الآخرين التي تأتي في مرتبة أدنى يكرس هذه الفرضية أيضا من خلال نمط الاقتراع اللائحي بالتمثيل النسبي على أساس أكبر بقية الذي أحدث سنة 2002.
ويبدو أن هذا النمط من الاقتراع هو الأكثر تطابقا مع فكرة التمثيلية الدنيا للفاعلين الانتخابيين، فهذه الفكرة وجدت مشروعيتها في "بلقنة" المشهد الحزبي حيث كان من المستحيل أن تتمكن أي قوة انتخابية من الحصول على الأغلبية "المطلقة" أو تقترب منها(23).
هذه التراتبية يمكن قراءتها على ضوء انتخابات 7 شتنبر 2007 ونتائجها، من خلال بلقنة الخريطة السياسية، فمن أصل 33 حزب خاضوا صراع المنافسة الانتخابية لم يستطع الحصول على مقاعد برلمانية سوى 23 حزب أول حزب منها حصل على 52 مقعدا وآخرها حصل على مقعد واحد، هذه البلقنة تجيبنا عن الإستراتيجية السياسية للمؤسسة الملكية، فليس بإمكان أية قوة سياسية أن تدعي تمثيلها للشعب المغربي ما دام لم يستطع أي حزب الحصول على أغلبية برلمانية واضحة، وما دام أول حزب سياسي حصل على حوالي 500 ألف صوت من أصل كتلة ناخبة تجاوز عددها 17 مليون ناخب في شعب يصل عدد أفراده حوالي ثلاثين مليون نسمة(26).
تحيلنا أيضا دلالات العزوف السياسي وضعف المشاركة السياسية إلى قراءة أيضا فرضية التراتبية التمثيلية، فنسبة الممتنعين عن التصويت التي بلغت 63%، إذا أضفنا لها نسبة من أدلوا بأوراق ملغاة وقدرت في 17% من بين 37% من المشاركين في العملية الانتخابية. تكون نسبة من أدلوا بأصواتهم محصورة في 20% من كتلة الناخبين البالغة 17 مليون ناخب أي أقل من 4 مليون ناخب، هذه هي النسبة التي تمثلها التشكيلة البرلمانية الحالية، وتبقى المؤسسة الملكية التي لا تخضع لعملية الانتخاب هي الممثل الأسمى بين باقي الفاعلين الآخرين.
إذن، فاللحظة الانتخابية في المغرب لحظة لتكريس التمثيلية الدنيا للأحزاب والبرلمان، وتكريس للتمثيلية العليا للمؤسسة الملكية وتموقعها في البناء المؤسساتي والسياسي.
لكن لا يمكن اعتبار هذه هي القراءات الوحيدة التي تمكن من فهم دلالات انتخابات 7 شتنبر في سياق التحولات السياسية التي تعرفها بلادنا، بل هناك محددات أخرى بارزة قد تساعدنا في فهم هذه التجربة.
وهي محددات سلطة المال وسلطة الدين، فإذا كانت مختلف الاستحقاقات التي شهدها المغرب منذ أولى التجارب التشريعية سنة 1963 وسمت بميل حاد إلى التشكيك في نتائجها ومصداقيتها، واتهام السلطة السياسية بالتدخل المريب في نتائجها، أجمع المراقبون على أن انتخابات 7 شتنبر 2007 شكلت إلى حد ما قطيعة مع التجارب السابقة، باتسامها بالشفافية والنزاهة، حياد السلطات الإدارية، لكن هذا الحياد السلبي سوف ينقلنا من معادلة الدولة التي كانت تؤثر في المجتمع وتحدده عن طريق التلاعب بالعملية الانتخابية، بالشكل الذي يتماشى مع اختياراتها وتوجهاتها الإستراتيجية، على معادلة الصراع داخل المجتمع ذاته، صراع ثنائي ما بين المال والدين وماله من تأثيرات على نتائج اقتراع 7 شتنبر 2007.
IV. انتخابات 7 شتنبر من سلطة الدولة إلى سلطة المال والدين:
إن فهم الظاهرة الانتخابية في المغرب على ضوء انتخابات 7 شتنبر 2007 تدفع إلى الانطلاق من فرضية تراجع الدولة عن التحكم في الجسم الانتخابي، والانتقال بالانتخابات إلى لعبة ثنائية بين سلطة المال والدين.
فقد يمكن أن يقال أن المغرب ودع آفة التزوير (أو أوشك على توديعها) وتقدم نحو تنظيف البيئة الانتخابية من ملوثاتها لولا آفة أخرى كانت تنمو وتستشري في تلك البيئة فتزيدها تلوثا وفسادا، هي آفة الاستعمال غير المشروع للمال في العمليات الانتخابية قصد شراء الأصوات وتزوير إرادة الناخبين، إنها آفة المال السياسي أو المال الحرام... الآفة التي تدشن الانتقال في عملية التزوير من الدولة إلى المجتمع نفسه!(27).
إذن فهذا التحول الذي طال ظاهرة الفساد الانتخابي التي لم تعد مرتبطة بالسلطات العمومية، بقدر ما أصبحت مرتبطة بممارسات بعض الأحزاب السياسية نفسها، حيث تم الانتقال من مرحلة الإفساد إلى مرحلة الفساد، قد خلق اتجاهات جديدة لمعادلات السياسة الانتخابية، أصبح معها تقاطب النقاش والاقتراحات يأخذ بعدا جديدا(28)، هو معادلة سلطة المال، التي تجلت أسمى تعبيراتها من خلال حفلات الولائم، و(بيوت الرحمة) التي فتحت أبوابها مع شروع الحملة الانتخابية، ثم التحول إلى مظهر الاستفادة الآنية من المرشح، كما حدث مع الناخبين في إحدى مناطق دكالة، بطلبهم من المرشح شراء آنيا بدون وعود " لمحرك رفع المياه" مقابل التصويت(29). فالناخب أصبح هو المبادر إلى طلب المقابل المادي للصوت الانتخابي، حيث تحولت العملية الانتخابية معه إلى طقوس تعني الاستفادة من الولائم المقامة، بالإضافة على مقابل مادي قد لا يكلفه فقط طلبه من المرشح. فهو عقد متفق عليه ما بين الناخب والمرشح، يخلف لنا ناخبا برغماتيا/ نفعيا همه من العملية الانتخابية ليس البرامج ولا الرهانات السياسية للأحزاب، إنما همه الأساسي هو الاستفادة الآنية من المرشح، ولعل تفسير ذلك يعود إلى فقدان الثقة في خطابات المرشح ورؤياه، فتكون الاستفادة المادية الآنية أضمن من أي سلوك آخر شبيهة بآليات دكان الحي.
يقابل سلطة المال وتأثيراتها على العملية الانتخابية، سلطة أخرى مضادة تجد تعبيرها من خلال ما تسميه السوسيولوجية "مونيا بناني الشرايبي"، بالحس المدني البارز من خلال بعض الحملات الانتخابية التي يقودها الإسلاميون في المغرب ضد عمليات بيع الأصوات وشرائها، بالاستناد في ذلك إلى مفاهيم مقتبسة من القاموس الإسلامي، مثل مفهوم "الأمانة" و"الشهادة"، يرجع بالأساس على تقليد سيعاد إنتاج معناه أكثر منه إلى تعارض مع الديمقراطية(30).
ولعل هذا الصراع ما تؤكده واقعة دائرة تيفلت الرماني، في منطقة تسمى "دوار الضبابة" التي تعتمد بالأساس في جزء من رواجها الاقتصادي على المخدرات والمشروبات الروحية، وهو ما عملت السلطة على محاولة تكسيره خلال السنوات الماضية، هذا الدوار قاد الحملة في السابع من شتنبر إلى جانب مرشحين معروفين باستعمال المال والنفوذ، كانوا يوزعون العديد من الوعود على سكان منها حمايته بممارسة لنشاطه الاقتصادي السابق الذكر، لكن ما حملته مكاتب التصويت فيه أوضح أن "دوار الضبابة" قاد الحملة مع ذوي النفوذ والمال وصوت لصالح حزب العدالة والتنمية الحامل لخطاب الدين ومحاربة الفساد(31).
هذا أيضا ما لوحظ خلال الحملة الانتخابية بدائرة فاس نجد الأفراد المحسوبة على فئات ما سحي الأحذية، ومتشردي الأحياء الهامشية، لوحظت وهي تتجاوب بشكل كبير مع خرجات حزب العدالة والتنمية الدعائية، فكان يكفي إعلاء صوت الله أكبر حتى يجمع المرشح أكبر حشد جماهيري.
ومن التفسيرات الأخرى أيضا للتجارب مع حزب العدالة والتنمية ذي التوجه الإسلامي، - الذي حقق 47 معقد خلال اقتراع 7 شتنبر- استفادة هذا الأخير من انطوائه تحت لواء المعارضة في مجلس النواب منذ عام 2002، متجنبا الإحباط الشعبي الذي ظهر جليا تجاه الأحزاب المنتمية إلى الائتلاف الحكومي، بالإضافة إلى ما تقدم، فإن أعضاء عزت العدالة والتنمية في البرلمان أصبحوا أكثر نشاطا وتأثيرا في السنوات الأخيرة مركزين جهودهم في المجلس التشريعي على قضايا اجتماعية واقتصادية مهمة، منها على سبيل المثال الفساد والبطالة والفقر(32).
إذن، من الملاحظ أن تحليل انتخابات 7 شتنبر 2007 من هذه الزاوية يقودنا إلى استنتاجين:
أولا: انسحاب الدولة من المنافسة السياسية الانتخابية، كما كان سابقا، عن طريق ضلوعها في هندسة توجيه نتائج الاقتراع، حيث شكلت العملية الانتخابية رهان للدولة الباحثة عن تعزيز لمشروعيتها، في لحظة التنازع والصراع الحاد مع مشروعات أخرى منافسة.
ثانيا: هذا التحول في موضوع السياسة الانتخابية وتجاذبات الفعل الانتخابي، سيفرز لنا واقعا انتخابيا آخر تحكمه معادلة الصراع بين سلطة المال والدين، التي شكلت العنوان البارز لانتخابات 2007، فالمرشح أصبح يكفيه إعلاء صوت الله حتى يجمع أصوات الناخبين، أو إعلاء صوت المال والاحتكام إلى منطق الزبونية لجمع الأصوات.
V. استنتاجات على سبيل الختم:
إن استثمار مفهوم صامويل هانتغتون للتغيير السياسي لفهم الحالة المغربية على ضوء انتخابات 7 شتنبر، من خلال خمس مكونات تشكل كما حددها في (الثقافة، البنيات، المجموعات، القيادات، السياسات) بنية النسق السياسي. والتي من خلال التأثير المتبادل فيما بينها يكشف، إذا حصل، درجة التغيير في النسق. يؤدي إلى عدة استنتاجات، تجعل نقطة تمفصل الانتخابات والتغيير/الديمقراطية، في التجربة المغربية منطلقها.
فمن خلال دراسة معظم هده المكونات داخل النسق السياسي المغربي، وتمفصلها مع التجربة الانتخابية ل 7 شتنبر 2007، كما أسلفنا. بتحليل موقع الفاعلين الأساسيون في العملية الانتخابية، والبنية الثقافية للناخب المغربي، ثم السياسة الانتخابية ورهاناتها من خلال السياق السياسي المغربي، وبنيات صناعة القرار السياسي ثم التراتبية التمثيلية للمشهد السياسي في المغرب..ودرجة التغيير الذي مس هده المكونات خلال عهد محمد السادس. يمكن الخروج بمجموعة من الاستنتاجات :
أولا : إن عملية التصويت إذا كانت قد عرفت تراجع الدولة كطرف أساسي في المعادلة الانتخابية من خلال التدخل في تحديد نتائج الاقتراع. فإن سلطة المال قد شكلت معادلة بارزة في استمالة الناخبين، وبالتالي فالثقافة الانتخابية لدى الناخب، لازالت لا تتم نحو هدف محدد هو الفصل بين البرامج السياسية المتنافسة وترجيح كفة مرشح على حساب آخر.
ثانيا: تكريس السلطة بيد الملك، غياب معايير المحاسبة والمراجعة، فلازال الحكم في عهد محمد السادس، يقوم على ملكية هي اللاعب الرئيسي في النظام السياسي المغربي، من خلال صفة التمثيلية الأسمى للأمة، مما يجعل سلطة تدبير القرار السياسي خارج دائرة التنافس الانتخابي، حيث يبقى المجلس التشريعي محروما من أية سلطة إشراف حقيقية.
ثالثا: السياسة الانتخابية في عهد محمد السادس، تعبير عن إستراتيجية ورهانات السلطة السياسة في تمفصلها مع تحولات الحقل الانتخابي، الذي أصبح قائما على نظام الاقتراع النسبي باللائحة مع الاحتفاظ بأكبر بقية. وتقطيع انتخابي يتلاءم مع ذات الإستراتيجية التي لا تسمح بإفراز أغلبية برلمانية واضحة، مما ينتج برلمانا مفككا تكون مرجعيته للقصر.
رابعا: ضعف التأطير الحزبي وفقدان الثقة في الفاعل الحزبي، سينعكس بجلاء على نسبة التصويت التي بلغت أدنى مستوياتها بالمقاربة مع التجارب السابقة بنسبة وصلت إلى 37%، مما ينعكس سلبا على الناخب، وعلى إمكانية تحوله إلى مواطن قادر على الاضطلاع بدوره كذات حقوقية أمام الدولة، وفي جميع الأحوال فهذه الحالة السوسيوذهنية لا يمكن إلا أن تنتج سوى تمثلات سلبية عن السياسة والسياسي وبالتالي عن الانتخابات والديمقراطية، تغذيها التفاوتات السوسيواقتصادية والثقافية الكبرى، ومختلف أشكال الإقصاء الاجتماعي التي أصبحت أعمق من أن تتمكن من المساواة أمام صناديق الاقتراع من إخفائها(33).
وبعد فإن التساؤل عن إمكانية أو حدوث التغيير، من خلال مفهوم التغيير كما اعتمده "صامويل هانتغتون" على التجربة الانتخابية المغربية لـ7 شتنبر 2007 في عهد محمد السادس. يؤدي بنا إلى النتيجة التالية، أن التغيير لم يمس لا البنيات ولا الثقافة السياسية للناخب ولا القيادات ولا سلوكات الفاعلين الحزبيون، ثم ولا المعادلة السلطوية بين الممثل الأسمى والممثل الأدنى. إذا استثنينا الحياد السلبي للدولة خلال عملية الاقتراع، التي تعتبر إفراز لسياسة انتخابية ملائمة لإستراتيجية الدولة رهاناتها من خلال نمط الاقتراع والتقطيع الانتخابي.
وإذ أن التغيير السياسي المأمول نحو ديمقراطية تشكل الانتخابات الشفافة والمنتظمة التي يتنافس عليها الناخبون بكل حرية، من أجل اختيار الجماعات التي تتخذ القرار كما عددها "صامويل هانتغتون"، لا تزال وتيرة تحقيقه بطيئة واتجاهها يكتنفه الغموض، وهذا يعود إلى التأثير المتبادل المحدود بين مكونات النسق السياسي المغربي.
الهوامش
(1) توم بوتومر، "علم الاجتماع السياسي"، ص 104.
(2) حسني عبد الحميد أحمد رشوان، "التغيير السياسي والتنمية السياسية في المجتمعات النامية"، ص 51.
(3) محمد أحمد الرعبي، " التغيير الاجتماعي بين علم الاجتماع البرجوازي وعلم الاجتماع الاشتراكي"، الطبعة الرابعة 1991، ص 37.
(4) حسني عبد الحميد رشوان، مرجع سابق، ص 51.
(5) فاروق محمد العادلي، "علم الاجتماع"، دار المعارف، القاهرة، مصر، ص 13.
(6) محمد البوزيدي، "التغيير السياسي، ملاحظات حول مقتربات التحليل الأنجلوسكسونية"، المجلة المغربية للقانون والاقتصاد، ص 131.
(7) توم بوتمور، مرجع سابق، ص 112.
(8) انظر عبد الحي المودن، مجلد مقدمات، عدد 36 خريف 2006، ص 6 وما بعدها، ومداخلة في ندوة التشريع البرلماني ودولة القانون غير منشورة.
(9) المنار السليمي، "فرضيات ممكنة لقراءة مؤشرات التحول السياسي بالمغرب"، أبحاث السنة 22، العدد 57، ص 21.
(10)عبد الحي المودن، "إصلاح الدستور في ضوء النظريات السائدة في تحليل النظام السياسي المغربي" مرجع سابق، ص 7.
(11)من المصنفات التي تم اعتمادها لفهم نظرية صامويل هانتغتون في التغيير السياسي نقترح:
 صامويل هنتغتون، "نظام سياسي في مجتمعات متغيرة".
 صامويل هنتغتون، "الموجة الثالثة".
 محمد البوزيدي، "التغيير السياسي ملاحظات حول مقتربات التحليل النجلوساكسونية".
 محمد بادي: "آليات اشتغال مفهوم التغيم في الحقل السياسي المغربي".
 مصطفى الخلفي، "منهج التغيير السياسي لدى "صامويل هنتغتون""، قراءة في بعض أعماله، وجهة نظر العدد 3 ربيع 1999.
(12)مصطفى الخلفي، مرجع سابق، ص 51.
(13)نفسه، ص59.
(14) محمد الرضواني، "تشكيل الحكومة في المغرب: المنهجية الديمقراطية والحسابات السياسية"، مجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 17، ص 127.
(15) نفسه، ص 32.
(16) يونس برادة، "الإشكالية الانتخابية في المغرب"، مجلة فكر ونقد العدد 93، ص 46.
(17) عمرو حمزاوي، "7 شتنبر نتائج ومضامين"، دفاتر سياسية، نوبر 2007، العدد 95/96، ص 8.
(18) مصطفى محسن، "المشاركة السياسية وأفق التحول الديمقراطي في المغرب المعاصر، نحو قراءة سوسيولوجية نقدية للأبعاد والدلالات"، المجلة العربية للعلوم السياسية، العدد 17، ص 13.
(19) هذا التوصيف نابع عن مشاركة الطالب الشخصية في معاينة عملية الحملة الانتخابية، بمدينة تاونات.
(20) عمرو حمزاوي، مرجع سابق، ص 8.
(21) يونس برادة، مرجع سابق، ص 47.
(22) نفسه، ص 48.
(23) عمرو حمزاوي، مرجع سابق، ص 8.
(24) محمد ضريف، "الإستراتيجية السياسية للمؤسسة الملكية على ضوء اقتراع 7 شتنبر 2007"، مجلة منار الهدي، العدد 10 شتاء 2008، ص 10.
(25) نفسه، ص 12.
(26) محمد ضريف، مرجع سابق، ص 16.
(27) عبد الإله بلقزيز، المساء، عدد 374، 01-02/12/2007، ص 13.
(28) حسن طارق، دفاتر سياسية، عدد 95/96، 2007، ص 5.
(29) المنار السليمي، دفاتر سياسية، عدد 95/96، 2007، ص 4.
(30) غني هيريمي، "المرور إلى الديمقراطية"، ترجمة صلاح الوديع تقديم ومراجعة ممنبيه بناني الشرايبي، منشورات مكتبة المواطنن باريس 1996، ص 6/7.
(31) المنار السليمي، مرجع سابق، ص 5.
(32) عمرو حمزاوي، مرجع سابق، ص 9.
(33) محمد الهامشي، تجديد السلطوية بقواعد ديمقراطية، وجهة نظر، عدد 33/34، صيف خريف 2007، ص17.
المراجع الأساسية:
1) الكتب:
صامويل هنتغتون، "النظام السياسي في المجتمعات المتغيرة"، ترجمة سمية علو عبود، دار الساقي، بيروت 1993.
حسني عبد الحميد أحمد رشوان، "التغيير السياسي والتنمية السياسية في المجتمعات النامية"، دارسة في علم الاجتماع السياسي، المبحث الجامعي الحديث محطة الرسل، الإسكندرية، طبعة 1988.
فاروق عمد العادلي، "علم الاجتماع"، دار المعارف، القاهرة، مصر 1977.
محمد أحمد الزعبي، "التغيير الاجاتماعي بين علم الاجتماع البرجوازي وعلم الاجتماع الاشتراكي"، الطبعة الرابعة 1991.
صامويل هنتغتون، "الموجة الثالثة".
Samuel Hurtingtom : 3eme vague « les démocratisations de la fin du XXeme sicele », faraduit par Français Burges Ed. nouveau horizon, 1996.
2) الصحف والمجلات:
مجلة مقدمات، عدد 36، 2006.
مجلة أبحاث، عدد 57، 207.
المجلة العربية للعلوم السياسية، عدد 17، 2007.
مجلة فكر ونقد، عدد 93، 2007.
مجلة دفاتر سياسية، عدد 95/96، 2007.
مجلة وجهة نظر، عدد 33/34، 2007.
مجلة منار الهدى، عدد 10.
المجلة المغربية لعلم الاجتماع السياسي.
الفهرس
مقدمة
I-في سبيل تجاوز الأطروحات التقليدية في تحليل النظام السياسي المغربي:
II-انتخابات 7 شتنبر 2007 كمدخل لقراءة التغيير السياسي في المغرب:
III-الإستراتيجية الانتخابية من منظور المؤسسة الملكية على ضوء انتخابات 7 شتنبر 2007:
IV-انتخابات 7 شتنبر من سلطة الدولة إلى سلطة المال والدين: 14
V- استنتاجات على سبيل الختم
الهوامش
المراجع الأساسية:
الفهرس



#عبدالاله_سطي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- إلى أين يسير المغرب؟
- المغرب وحالة استعطاف الديمقراطية3
- المغرب وحالة استعطاف الديمقراطية2
- المغرب وحالة استعطاف الديمقراطية
- ريش الطير لا يطير...
- خمس أطروحات حول انتخابات 7 شتنبر 2007
- الدستور المغربي لا يمنح للملك السلطة المطلقة في تعيين الوزير ...
- عن أي انتخابات تتحدثون..
- الانتخابات مشات وجات والحالة هي هي
- لننتخب الدستور
- العلاقة بين السلط في النظام السياسي المغربي 2/2
- العلاقة بين السلط في النظام السياسي المغربي 1/2
- -أحكم أربي أحكم-
- استراتيجية التنمية البشرية في المغرب8
- استراتيجية التنمية البشرية في المغرب7
- استراتيجية التنمية البشرية في المغرب6
- استراتيجية التنمية البشرية في المغرب5
- استراتيجية التنمية البشرية في المغرب4
- استراتيجية التنمية البشرية في المغرب3
- استراتيجية التنمية البشرية في المغرب2


المزيد.....




- اختيار أعضاء هيئة المحلفين في محاكمة ترامب بنيويورك
- وزير الدفاع الأميركي يجري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الـ -سي آي إيه-: -داعش- الجهة الوحيدة المسؤولة عن هجوم ...
- البابا تواضروس الثاني يحذر من مخاطر زواج الأقارب ويتحدث عن إ ...
- كوليبا: لا توجد لدينا خطة بديلة في حال غياب المساعدات الأمري ...
- بعد الفيتو الأمريكي.. الجزائر تعلن أنها ستعود بقوة لطرح العض ...
- السلاح النووي الإيراني.. غموض ومخاوف تعود للواجهة بعد الهجوم ...
- وزير الدفاع الأميركي يحري مباحثات مع نظيره الإسرائيلي
- مدير الاستخبارات الأمريكية يحذر: أوكرانيا قد تضطر إلى الاستس ...
- -حماس-: الولايات المتحدة تؤكد باستخدام -الفيتو- وقوفها ضد شع ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبدالاله سطي - سؤال التغيير السياسي في المغرب