أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - الله والرسل والجنس البشري















المزيد.....



الله والرسل والجنس البشري


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 2223 - 2008 / 3 / 17 - 08:13
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


ما هى وجهة نظر الدين البهائي من هدف الوجود الإنساني ؟ وما هي حقيقة طبيعة الجنس البشري ؟ ما دور الدين في تطورنا الروحي ؟ وأيضا ما هو " الخير "وما هو " الشر " ؟ وما هي مسئوليتنا تجاه الخالق سبحانه وتعالى ، وما هو المعنى الروحي للحياة ؟

المفهوم البهائي للطبيعة الإنسانية :
يعيش العديد من الناس حياتهم دون التفكر بالحياة نفسها أو بماذا تعني بالنسبة إليهم . وقد تكون حياتهم مليئة بالأنشطة والفعاليات . قد يتزوجون وينجبون أولادا ويزاولون أعمالا تجارية أو يصبحون علماء أو موسيقيين وكل ذلك دون الوصول إلى درجة من الإدراك لماذا هم يقومون بذلك . فحياتهم ليست لها أهداف عامة ، وهم بذلك عاجزون عن تفسير وقائع وأحداث في حياتهم ، وقد لا يحملون فكرة واضحة عن طبيعتهم الخاصة أو هويتهم الإنسانية ، ومن يكونون حقاَ .

أشار حضرة بهاء الله بان الديـن السماوي الحق هو وحده الذي يمكن أن يعطي الهدف من الوجود الإنساني . وان لم يكن هناك خالق لهذا الكون وإذا كانت الحياة الإنسانية هي ناتجا لنظام " القوة المحركة الحرارية "Thermodynamic system كما يؤكده العديد من الناس اليوم ، فلن يكون للحياة هدف . إن كل فرد يمثل وجودا ماديا مؤقتا وهو بمثابة حيوان واع يحاول أن يمضي حياته بأقصى ما يتوفر له من الملذات وبأقل قدر من الآلام والمعاناة التي يمكن تفاديها . إنها فقط علاقة الإنسان بخالقه والهدف الذي حدّده الله لمخلوقاته هو ما يجعل للحياة معناها الحقيقي . وقد شرح لنا بهاء الله هدف الله سبحانه وتعالى من خلق العباد بالعبارات التالية :

" ان هدف الله من خلق الإنسان هو معرفته ولقاؤه . وقد ذكر هذا الأمر بكل وضوح في جميع الكتب الإلهية والصحف المتقنة الربانية من غير حجاب ".

علينا أن ننظر إلى الحياة على إنها عملية من كشف للسعادة الروحية والنمو . ففي المراحل الأولى من حياته يمر الإنسان بمرحلة من التعليم والتدريب ، فإذا ما نجح فيها تحققت له الوسائل الروحية والذهنية الأساسية الضرورية لاستمرار ونموه . وعندما يصل الإنسان إلى سن البلوغ يصبح مسئولا عن نموه اللاحق الذي يعتمد كلياَ على جهوده التي يبذلها بنفسه . وفي معترك الحياة اليومية نستطيع أن نعمق مفهومنا تدريجيا بالمبادئ الروحانية التي تقوم عليها الحقيقة ، وهذا المفهوم يجعلنا نرتبط بأنفسنا وبالآخرين وبالله سبحانه وتعالى بشكل اكثر تأثيرا وفاعلية . وبعد موت الإنسان تستمر الروح الإنسانية في النمو والتطور في العوالم الغيبية الإلهية وهي عوالم روحانية اعظم شأنا من عالمنا الحاضر مثلما عالمنا الحاضر اعظم من عالم الجنين في رحم الأم .

الجملة الأخيرة هذه مبنية على المفهوم البهائي حول الروح والحياة بعد الموت . طبقا للتعاليم البهائية فان حقيقة طبيعة الإنسان هي روحانية حيث إن هناك روحا إنسانية مرتبطة مع الإنسان وخالقها هو الله سبحانه وتعالى . هذا الروح هو وجود غير ملموس ولكنه مرتبط أو متعلق بجسم الإنسان ويعمل هذا الأخير كأداة له في العالم المادي . تتكون أو تبعث الروح الإنسانية مع تكوين النطفة في رحم الأم وتستمر في الوجود حتى بعد وفاة الإنسان . إن الروح هي مرآة تعكس شخصية الإنسان وحياته ومشاعره .

وما الغرض الرئيسي من وجود الإنسان ألا تطور ورقي الروح وبروز قدراته . هذا التطور يؤدي إلى التقرب إلى الله عز وجل ، وأما القوة المحركة له فهي العلم والعرفان الإلهي ومحبة الخالق . وكلما عرفنا الله وآمنا به تزداد محبتنا وعشقنا له وبالتالي نستطيع أن نكون علـى اتصال قريب مع الخالق جل وعلا . وكذلك الأمر كلما اقتربنا اكثر واكثر منه تصبح شخصيتنا اكثر صفاء ونقاء وبالتالي فإن أعمالنا وأفعالنا تعكس السمات والصفات الإلهية بصورة اكبر .
وقد ذكر حضرة بهاء الله بان مقدرة الروح على كسب النعوت والصفات الإلهية هو الأصل الحقيقي للروح وهو ما يعني بان البشرية قد خلقت " على مثال الله " . إن السجايا الإلهية ليست خارجة عن نطاق روح الإنسان بل كامنة ومستترة فيها مثل البذرة التي تكمن فيها لون ورائحة وعبير الزهر ومع النمو تبرز وتتحلى هذه الصفات .
يقول حضرة بهاء الله :
" أن كينونة وحقيقة كل شئ قد تجلتا باسم من الأسماء وأشرقتا بصفة من الصفات وأما الإنسان فهو مظهر كل الأسماء والصفات ومرآة لكينونته وقد اختصه الله بهذا الفضل العظيم والرحمة القديمة ".
تشير الآثار البهائية إلى الرقي والتطور التدريجي للروح وتسميه " بالتقدم الروحي " . وهو ما يعني اكتساب القدرات للعمل بموجب مشيئة الله والتعبير عن الصفات والكمالات الإلهية في تعاملنا سواء مع أنفسنا أو مع الآخرين . يعلمنا حضرة بهاء الله بان السعادة الحقيقية والدائمة هي تلك السعادة التي تتعلق بالسعي الحثيث نحو التطور والرقي الروحي .
فالإنسان الذي يتعرف على طبيعته الروحية ويسعى جاهدا لتطوير وتنمية روحه أطلق عليه حضرة بهاء الله لقب " مجاهد " أو " سالك سبيل الحق ". وقد أتى حضرة بهاء الله على وصف بعض ميزات المجاهد الحقيقي بما يلي :
" على الشخص المجاهد … في جميع الأحوال أن يتوكل على الحق وان يبتعد عن الخلق وينقطع عن عالم التراب ويلحق برب الأرباب ولا يرجح نفسه على الآخرين ويمحو الافتخار والاستكبار من قلبه ويتمسك بالصبر والاصطبار ويجعل الصمت شعاره ويحترز عن الحديث غير المجدي لان اللسان عبارة عن نار غير مشتعلة والكلام الكثير سم هالك . النار الظاهرية تحرق الأجساد أما نار اللسان فتهتك الأرواح والأفئدة . اثر النار الأولى تبقى لفترة قصيرة أما الثانية فتبقى لمدة قرناَ كاملاَ . على المجاهد في سبيل الله أن يعتبر الغيبة ضلالة كبيرة ولا يقترب منها مطلقا لان الغيبة تطفئ سراج القلب المنير وتقتل حياة الروح . كما عليه أن يقتنع بالقليل ويبتعد عن الكثير ويعتبر لقاء المنقطعين غنيمة والبعد عن الباذخين والمتكبرين نعمة . عليه أن يذكر الله في الأسحار ويسعى بكل همة واقتدار في سبيل محبوبه .. وما لا يرضاه لنفسه عليه أن لا يرضاه لغيره ولا يقل ما لا يفعل .. عليه أن يتسامح مع الخاطئ والعاصي ولا يحتقر نفسه لان حسن الخاتمة مجهول . وقد يفوز العاصي حين الموت بجوهر الإيمان ويشرب من خمر البقاء ويعرج للملأ الأعلى . وقد ينقلب المطيع والمؤمن عند صعود روحه ويقع في اسفل دركات النيران .
" إن المقصود من جميع هذه البيانات المتقنة والإشارات المحكمة أن يرى السالك والطالب كل شئ فانيا عدا الله وغير المعبود معدوما ، لان ذلك من صفات العظام ومن سجية الروحانيين التي ذكرت في شرح صفات المجاهدين والذين يسلكون في مناهج علم اليقين . وعندما يحقق السالك المخلص والطالب الصادق هذه المقامات يمكن أن نطلق عليه لفظ المجاهد الحقيقي " .
وضَح لنا حضرة بهاء الله بان الدور الرئيسي والروحي للدين هو الوصول إلى فهم حقيقي لطبيعتنا البشرية والى معرفة إرادة الله وهدفه من خلقه . إن المبادئ الروحانية المرسلة إلينا من جانب الحق تبارك وتعالى بواسطة الأنبياء والمرسلين تعمل على هدايتنا نحو فهم اشمل واعمق للجوانب الروحانية المختلفة للحياة . هذه المبادئ تساعدنا على فهم قوانين الحياة والوجود . وفوق ذلك يجب علينا أن نبذل كل الجهد لنحقق وننفذ تعاليم هؤلاء الأنبياء والمرسلين بما يطور قدراتنا وطاقاتنا الروحانية . مثال على ذلك عندما يريد شخص أن يتخلص من التعصب والخرافات نتيجة أيمانه بتعاليم حضرة بهاء الله تكون النتيجة زيادة المعرفة ومحبة الإنسان لأخيه الإنسان وبالتالي يؤدي هذا إلى مساعدة الفرد على الحياة بشكل اكثر تأثيرا ونفوذا .
ويؤكد لنا حضرة بهاء الله بأنه لا يمكن أن ننمو ونتطور روحيا دون مجيء الرسل ومعهم الأحكام والقوانين الإلهية لخير البشرية . وبدونهم يبقى المعنى الروحي للحياة مستورا حتى لو بذلنا جهدا كبيرا في كشفه . ولهذا السبب يرى البهائيون بان الأديان السماوية هي بمثابة المفتاح الضروري للنجاح والفلاح الروحي في الحياة .
وحول تأثير الأنبياء ومظاهر أمر الله على تطوير ورقي الروح البشرية يقول حضرة بهاء الله :
" لقد علم وثبت من هذه الكلمات والإشارات بأنه لابد أن يظهر في عالم الملك والملكوت كينونة وحقيقة ويكون واسطة للفيض الكلي لمظهر اسم الألوهية والربوبية حتى يربي جميع الناس في ظل تربية هذه الشمس الحقيقية ويتشرفوا ويفوزوا بهذا المقام والرتبة المودعة في حقائق الأشياء . ولهذا ظهر الأنبياء والأولياء بين الناس في جميع العهود والأزمنة بكل قوة ربانية وقدرة صمدانية ".
طالما يوجد للدين أبعاد اجتماعية فإن أهل البهاء يعتقدون بان التقشف والابتعاد عن الناس وعن الاتصال بالمجتمع ومعاشرة الإنسان يعد أمراَ غير ضروري ولا يساعد على النمو الروحي (على الرغم من إن الانزواء بين الحين والآخر قد يكون أمراَ منطقياَ وصحياَ) . ونظرا لأننا مخلوقات اجتماعية فان رقينا وتطورنا يعتمد على ارتباطنا بالآخرين . وفي الحقيقة فان ارتباطنا الوثيق ومعاشرتنا الحميمة مع الآخرين وبصورة علاقة ملؤها المحبة والخدمة والتعاون هو أمر ضروري لعملية النمو الروحي . وقد ربط حضرة بهاء الله بين هدف الله للبشرية وبين جانبّي الدين الروحاني والاجتماعي حيث قال :
" إن هدف الله سبحانه وتعالى من إرساله للمرسلين هو أمران . الأمر الأول هو تحرير الناس من ظلمة الجهل وهدايتهم إلى نور العلم والمعرفة ، والأمر الثاني إيجاد السلام وتحقيق الرفاهية للجنس البشري ووضع الطرق والأساليب للوصول إلى ذلك".
وبعبارة أخرى فإذا ما سار التطور الاجتماعي في خطاه السليمة فانه بالتأكيد تعبير جماعي عن تطورنا الروحي . يقول حضرة بهاء الله :
" خلق الجميع لإصلاح العالم ، لعمر الله إن شؤون حيوانات الأرض لا تليق بالإنسان ، إن شأن الإنسان هو الرحمة والمحبة والشفقة والصبر مع جميع أهل العالم".
أما بالنسبة لروح الإنسان وعلاقته بالجسد فيقول حضرة بهاء الله :
" معلوم لديك أيها الجناب بان الروح في رتبته قائم ومستقر ، وان شاهدنا ضعفا في المريض فهو لأسباب مانعة وإلا فان الروح لا تضعف .. ولكن بعد خروج الروح من الجسم يظهر بقدرة وقوة وغلبة لا شبيه لها .. لاحظوا الشمس خلف السحاب فهي مضيئة ومشرقة ولكن وجود السحاب يجعل نورها ضعيفا . يجب تشبيه روح الإنسان بهذه الشمس حيث جميع أشياء الأرض مثل جسمه تقوم بالاستفاضة والإشراق من ذلك النور ويستمر هذا ما لم توجد أسباب مانعة وحائلة تحجب نور الشمس وبعد الحجاب يلاحظ نور الشمس ضعيفا .. إن روح الإنسان بمثابة الشمس التي تنور الجسم ومنه يستمد الجسم قوته وعافيته".
إن الروح الإنساني يستمر في الحياة بعد موت الإنسان جسدياَ ، وهو في الحقيقة أبدى وخالد . يقول حضرة بهاء الله :
" فاعلم انه يصعد حين ارتقائه إلى أن يحضر بين يدي الله في هيكل لا تغيره القرون والاعصار ولا حوادث العالم وما يظهر فيه ويكون باقيا بدوام ملكوت الله وسلطانه وجبروته واقتداره".
وحول موضوع بقاء وخلود الروح شرح لنا حضرة عبد البهاء بان جميع الموجودات المحتوية على عناصر مختلفة هي عرضة للانحلال والتفكك حيث قال حضرته :
" ليس للروح مجموعة عناصر أو ذرات ، إنما هو جوهر قائم بذاته لا يتجزأ ، ولذلك فانه أبدى ولا يخضع للقانون المادي في الوجود".
أشار حضرة بهاء الله بان الإنسان لم يكن له وجود قبل بدء حياتنا على هذه المعمورة . ولا يحل روح الإنسان في نفوس متعددة بل أن روح الإنسان دائم الترقي في الملكوت الإلهي بعيداَ عن العالم المادي . يقضي الجنين تسعة اشهر في رحم الأم ويعد نفسه لدخول هذا العالم . ويكون الجنين خلال تلك الفترة قد اكتسب أجزاءه العضوية مثل العيون والأطراف الأخرى اللازمة له للعيش في هذا العالم . وبالمثل تعتبر حياتنا المادية هذه مثل الرحم للدخول في العالم الروحاني . وعلى ذلك تعتبر حياتنا مرحلة إعداد من خلالها نحصل على القدرات والطاقات الروحية والفكرية اللازمة للعيش في العالم الآخر .
الفرق في الحالتين أن نمو الجنين في رحم الأم هو أمر ليس اختياريا ولكن النمو الفكري والروحي للإنسان في هذا العالم يعتمد بشكل أساسي على جهود وفعاليات الفرد . يقول حضرة بهاء الله :
" إن الخالق الواحد الأحد قد خلق البشر جميعا متساوون ومّيز الإنسان على جميع الكائنات . وعلى هذا فان النجاح والفشل والكسب والخسارة يعتمد على جهود الإنسان وكلّما زاد كفاحه ازداد تطوره ".
غالبا ما تتحدث الآثار البهائية عن الألطاف والعنايات الإلهية لبني البشر وتبيّن بان التجاوب اللائق للإنسان حيالها هو أمر ضروري دائما لجذب هذه الألطاف والبركات لأرواحنا وإحداث أي تغيير جـذري داخل نفوسنا . قال حضرة شوقي أفندي بأنه " على الرغم من عظمة وشموخ البركات الإلهية ولكنها يجب أن تدعم بجهود فردية ومستمرة وإلا لا يمكن لها أن تكون مؤثرة أو ذات ميزة حقيقة ." وعليه ، فانه طبقا للمفهوم البهائي لا يعتبر مفهوم النجاة والخلاص عطية إلهية لنا وإنما هو عبارة عن حوار متبادل استهله الحق تبارك وتعالى ولكنه بحاجة إلى مشاركة إنسانية نشطة وفطنة .
ونظراَ لأن الطبيعة الإنسانية هي روحية في جوهرها فان أساس قدراتنا ينبع من الطاقات الكامنة في أرواحنا . بعبارة أخرى فإن شخصية الإنسان وقدراته الفكرية والروحية تكمن في الروح حتى لو تم التعبير عنها بواسطة الحواس الخمس خلال فترة حياته القصيرة على الأرض . من القرائح التي أشار إليها بهاء الله أولا : العقل الذي يمثل القدرة على التفكير السديد والبحث والتحري . ثانيا : الإرادة وهي تمثل القدرة على العمل بإرادة شخصية .
ثالثا : العاطفة أو القدرة على الحس والإدراك والتروي المدروس والميل نحو التضحية الذاتية (وتسمى أحيانا الإيثار) .
فهذه القوى والمواهب تعتبر ميزة فريدة في الجنس البشرى أما الحيوانات وصور الحياة الأخرى فلا توجد لديها القوة الناطقة كتلك التي يمتلكها الإنسان . ومع أن حياة الحيوان هي شكل من أشكال الذكاء والعاطفة ، ألا إنها لا ترقي إلى الوعي والشعور الإنساني وتتصرف الحيوانات طبقاَ لغرائزها التي تتحكم بجانب من بنيتها الجسدية ولكنها لا تملك قوة الفكر الواعي والبحث والتحري العقلاني أو الإرادة التي تميّز الوجود الإنساني . حتى ان الحيوان لا يدرك سبب وجوده .
يبيّن لنا الدين البهائي بصورة واضحة بان الوجود الجسدي للإنسان قد تطور وارتقى تدريجياَ من مراحل دانية إلى مراحل أعلى حتى وصل إلى ما هو عليه في وقتنا الحاضر من زينة وكمال ، فالكرة الأرضية مكان نشأة الإنسان وتطوره مثلما رحم الأم هو منشأ الجنين . وفي هذا الخصوص يقول حضرة عبد البهاء :
" ولا شك إن النطفة البشرية ما أخذت هذه الصورة دفعة واحدة وما كانت مظهر قوله تعالى (فتبارك الله احسن الخالقين) لهذا أخذت حالات متنوعة بالتدريج وظهرت في هيئات مختلفة حتى تجلت وهذا الجمال والكمال والحسن واللطافة ، إذا صار من الواضح المبرهن إن نشوء الإنسان ونموه على الكرة الأرضية حتى بلوغه هذا الكمال كان مطابقا لنشوء الإنسان ونموه في رحم الأم بالتدريج وانتقاله من حال إلى حال ومن هيئة وصورة إلى هيئة وصورة أخرى".
ومع ذلك أكد حضرة عبد البهاء بان الجنس البشري خلال مراحل تطوره وتكامله الطويلة كان ومازال مميزا عن الحيوان حيث قال حضرته :
" تمر نطفة الإنسان مجالات مختلفة ودرجات متعددة حتى ينطبق عليها قوله تعالى (فتبارك الله احسن الخالقين) وتظهر فيها آثار الرشد والبلوغ . وعلى هذا المنوال كان وجود الإنسان على هذه الكرة الأرضية من البدء حتى وصل إلى هذه الحال من الهيئة وجمال الأخلاق بعد أن مضت عليه مدة طويلة واجتاز درجات مختلفة ، ولكنه من بدء وجوده كان نوعا ممتازا . كذلك نطفة الإنسان في رحم الأم كانت في أول أمرها بهيئة عجيبة فانتقل هذا الهيكل من تركيب إلى تركيب ومن هيئة إلى هيئة ومن صورة إلى صورة حتى تجلت النطفة في نهاية الجمال والكمال ، ولكنها عندما كانت في رحم الأم وفي تلك الهيئة العجيبة - التي تغاير تماما ما هي عليه الآن من الشكل والشمائل - كانت نطفة نوع ممتاز لا نطفة حيوان وما تغيرت نوعيتها وماهيتها أبدا".
وعلى هذا فان العنصر الإنساني ومنذ مراحله الأولية على الرغم من تشابهه لبعض الحيوانات بشكل سطحي وبسيط فانه يعتبر مميزا وأعلى مرتبة من غيره من الكائنات ، كما يعتبر وجود الروح للإنسان أو النفس الناطقة ميزة خاصة به كما شرح سابقا .
وعلى أي حال ، فان جسم الإنسان مكون من عناصر مختلفة وتؤدي وظائف متعددة مثلما الحال في الحيوانات ، ويتعرض هذا الإنسان خلال حياته إلى معاناة وبحاجة إلى رغبات جسمية مثل الحيوانات منها : الجوع ، الرغبة الجنسية ، الخوف ، الألم ، الغضب ، المرض العضوي والفكري .. الخ . هذا الوضع يؤدي إلى خلق توتر وجهد داخل أنفسنا حيث إن احتياجاتنا الجسمية ورغباتنا تدفعنا إلى التصرف مثل الحيوانات ، بينما تدفعنا طبيعتنا الروحية نحو أهداف ومرام أخرى . شرح حضرة بهاء الله بان العمل والمثابرة لكبح جماح رغباتنا الجسمية وتوجيهها للاتجاه الصحيح هو أمر ضروري لعملية نمونا وتطورنا . ومن اجل الوصول إلى درجة الكمال والاعتدال في الحياة يجب التوفيق والتلاؤم بين احتياجاتنا الجسمية والروحية .
يجب علينا أن نجهد في أن تسيطر طبيعتنا الروحانية على الرغبات الجسمانية ، وإلا ستسيطر رغباتنا الجسمية على حياتنا ، ونصبح بالتالي كالعبيد لهذه الرغبات ونفقد الكثير من قدراتنا وطاقاتنا الروحية . فالشخص المدمن على المخدرات والمشروبات الكحولية على سبيل المثال لا يستطيع أن يطّور قدراته الروحية إلا إذا تحرر من تلك الآفة . وأيضا إذا انصّب اهتمامنا على الأمور المادية وركزنا كل فكرنا في ذلك فان هذا سيسلب الكثير من وقتنا وطاقاتنا اللازم لتنمية وتطوير طبيعتنا الروحية .
وعلى عكس ما تذهب إليه بعض المذاهب الدينية والفلسفية ، فان الدين البهائي لا يقر بأن الرغبات الجسمانية للإنسان شريرة أو سيئة ، ذلك لان مخلوقات الله سبحانه وتعالى خير محض في جوهرها . وفي الواقع إن الهدف الرئيسي لجسم الإنسان وقدراته هو أن يكون أداة جيدة لتطوير وتنمية روحه . ومع استمرار تحكم الروح بطاقات وقوى جسم الإنسان يصبح الجسم وسيلة للتعبير عن الإمكانات الروحية له . وما الأهواء النفسية والشهوات الإنسانية إلا ذلك هما العائق الوحيد لرقي الروح وتقدمها .
فمثلا تعتبر الرغبة الجنسية عطية إلهية للإنسان ، وان المكان الصحيح والوحيد للتعبير عنها ينحصر في الزواج الشرعي الصحيح وهو تعبير قوى عن السجية الروحية للمحبة . ومع ذلك فان نفس هذه الرغبة الجنسية لو أسيء استخدامها يمكن أن تؤدي إلى الانحراف والفساد وحتى إلى أفعال مدمرة وهدامة .
ونظرا لان الجسم هو المكان لتجلّي الروح الإنساني فمن الأهمية الاهتمام والعناية به . فحضرة بهاء الله لا يشجع على الزهد والتقشف وإنما ركز على المحافظة على صحة الجسم ، ولهذا نلاحظ بان الآثار البهائية احتوت على عدد من الأحكام العملية الخاصة بالعناية بالجسم مثل : التغذية السليمة ، الاستحمام المنتظم .. الخ . هذه الأحكام وغيرها من أحكام وتعاليم ومبادئ الدين البهائي يأخذ مبدأ الاعتدال فيها حيّزا كبيرا من حيث الأهمية ، لان الأمور تكون ذات فائدة ومنفعة عندما نعتدل في إجرائها مضرة عندما نتطرف في تنفيذها .
تقر الآثار المباركة على نحو بيّن بان هناك بعض العناصر العضوية الخارجة عن تحكم الإنسان مثل النقص الوراثي أو نقص التغذية أثناء الطفولة ، وتؤثر بشكل كبير على نمو الفرد خلال حياته . ولكن هذه المؤثرات المادية ليست دائمة ولا تستطيع إيذاء الروح ، وفي أسوأ الحالات يمكن لها أن تعوّق مؤقتا عملية النمو الروحي وحتى هذا التأثير يمكن له أن يتوازن نتيجة أية تطورات سريعة . في الواقع تشرح الآثار المباركة البهائية بأنه غالبا ما تكون عزيمة الإنسان وشجاعته وكفاحه ضد نقائصه النفسية والجسمية والذهنية هي التي تنمي طاقاته الروحية وتنعشها وهذه النقائص تعد نعمة في ثوب نقمة وتساعد الإنسان على نموه الروحي . وبناء عليه فان الاعتقاد بان الحالة الجسمية للإنسان يمكن أن تؤثر على عملية النمو الروحي له ولو بصورة مؤقتة إلا إنها شديدة يغاير الاعتقاد بان الإنسان عبارة عن مزيج من الجينات وعناصر بيئية طبيعية طبقا لاعتقاد العديد من الفلاسفة الماديين . يقول حضرة عبد البهاء :
" كل موجود لابد له من أن يكون أما في حالة ارتقاء أو في حالة تدني ، فليس هناك في الكائنات توقف ، ذلك لان جميع الكائنات لها حركة جوهرية .. وكذلك الحال في عالم الأرواح فإذا لم يتحقق للروح الرقي فهو توقف ، ولكن التوقف ممتنع لان الحركة من لوازم الوجود الذاتية التي لا انفكاك لها .. من الواضح إن الروح لا توقف لها ولا تدن ، ولما لم يكن للروح تدني فلابد لها من الترقي ، وبالرغم من إن المراتب محدودة إلا إن الفيوضات الربانية غير محدودة والكمالات الإلهية غير متناهية ، ولهذا فالروح في رقي دائم لان اكتسابها للفيض مستمر".
إن موضوع تطور الإنسان من خلال الكفـاح والمعاناة قد ورد في الكثير من الآثار البهائية . ومع أن العديد من حالات المعاناة ناتجة عن إهمالنا ويمكن تجنبها ، ألا أن هناك مقداراَ معينا من المعاناة ضروري لأية عملية للنمو . في الواقع نفهم وندرك بان المعاناة والتضحية هما عنصران رئيسيان للوصول إلى النجاح المادي والفكري . وبناء عليه يجب أن لا نستغرب لـو قلنا بان كفاحنا نحو الوصول إلى النمو الروحي يتطلب توفر هذه العناصر نفسها . يقول حضرة عبد البهاء :
" كل ما هو هام في هذا العالم يتطلب اعتناء شديداَ من طالبه . وعلى كل مكافح أن يتحمل الصعاب والمشقات إلى أن يصل إلى مقصده ويحقق النجاح الكبير . هذا هو حال كل من يتعلق بهذا العالم . أما ما يتعلق العالم الآخر فهو أعلى مرتبة وشأنا".
وهذا يجعلنا نتطرق للحديث عن المفهوم البهائي للعلاقة بين الخير والشر في الإنسان ويصفها لنا حضرة عبد البهاء بقوله :
" إذ ليس في الفطرة شر بل كلها خير حتى الصفات والأخلاق المذمومة الملازمة لذاتية البعض من النوع الإنساني فإنها في الحقيقة ليست مذمومة . مثلا يلاحظ في بداية حياة الطفل الذي يرضع من الثدي إن آثار الحرص بادية منه كما يشاهد منه أيضا آثار الغضب والقهر ، وإذا يقال إن الحسن والقبح كلاهما فطري في الحقيقة الإنسانية وهذا مناف للخير المطلق الذي هو في الخلقة والفطرة . فالجواب إن الحرص الذي هو طلب الزيادة صفة ممدوحة لو استعملت في موضعها ،فمثلا لو يحرص الإنسان على تحصيل العلوم والمعارف وعلى أن يكون رحيما ذا مروءة وعدالة فان ذلك ممدوح جدا . ولكن هذه الصفات لو استعملت في غير موضعها لكانت مذمومة ، إذا صار من المعلوم انه لا يوجد في الفطرة شر أبدا".
ولهذا لا يقبل الدين البهائي مفهوم " الخطيئة الأصلية " أو أية عقيدة أخرى تعتبر الناس في الأصل مذنبين أو فيهم الشر أو إن عنصر الشر ضمن عناصر الإنسان الطبيعية . فجميع القوى والملكات الكامنة فينا هي مواهب وبركات إلهية وذات نفع بشكل عام لنمّونا وتطوّرنا الروحي . وبالمثل فان التعاليم البهائية ترفض وجود ما يسمي بالشيطان أو الإبليس أو أية قوى شيطانية . ولكن يمكن تفسير الشر على انه غياب الخير وان الظلام هو حجب النور وان البرودة تعنى غياب الحرارة. ومثلما الشمس مصدر الحياة في النظام الشمسي فان هناك قوة عظمى وقدرة في الكون واحدة ، هي تلك التي ننعتها " بالله " جل وعلا .
وعلى أي حال إذا بعدنا عن الله سبحانه وتعالى بمحض إرادتنا أو لم نبذل الجهد الكافي لتطوير قدراتنا الروحية تكون النتيجة النقص والبعد عن الكمال . قد تكون أحيانا في حياتنا أو في حياة المجتمع نقائص يمكن أن نطلق عليها " نقاطا سوداء ".هذه النقاط هي النقائص والبعد عن الكمال . وقد وضح حضرة عبد البهاء بأن " الشر هو النقص ".
إذا قام النمر بقتل والتهام حيوان آخر لا يسمى هذا عملا شريرا لأن ذلك تعبير عن غريزة النمر من اجل بقائه . أما إذا قام إنسان بقتل وأكل لحم أخيه الإنسان فان هذا العمل يعتبر شريرا وإجراميا وهو عمل لا يعبر عن طبيعتنا الحقيقية لأننا نستطيع عمل خلاف ذلك .
وبما أننا مخلوقات لم نصل لدرجة الكمال بعد فإن أمامنا احتياجات جوهرية علينا تلبيتها . هذه الاحتياجات جزء منها مادية وملموسة وجزء آخر روحية وغير ملموسة . إنها إرادة الحق التي جعلتنا هكذا ووضعتنا في هذه الرتبة . ولان محبة الله لخلقه عظيمة وواسعة فإنه سخر لنا كل شئ لتلبية احتياجاتنا . أما إذا قمنا بتلبية بعض احتياجاتنا بطرق غير مشروعة أو غير صحيحة متعمدين أو عن جهالة ، نكون عندها قد تصرفنا بخلاف طبيعتنا الحقيقية وأوجدنا داخل أنفسنا شهوات جديدة تتعارض واحتياجاتنا الحقيقية . وفي هذا الخصوص يقول حضرة عبد البهاء :
" .. الاستعداد على قسمين : استعداد فطري واستعداد اكتسابي ، فالاستعداد الفطري الذي خلقه الله كله خير محض إذ ليس من شرّ في الفطرة أما الاستعداد الاكتسابي فهو سبب حصول الشر ، مثلا خلق الله جميع البشر ووهبهم قابلية واستعداداَ ليستفيدوا من الشهد والسكر ويتضرروا ويهلكوا من السم ، فهذه القابلية والاستعداد كلاهما فطري أعطاهما الله لجميع النوع الإنساني على حد سواء ولكن الإنسان يشرع في استعمال السم قليلا قليلا ويتناول منه كل يوم مقدارا ويزيد عليه شيئا فشيئا حتى يصل الأمر إلى انه لو لم يتناول كل يوم درهما من الأفيون لهلك وانقلب استعداده الفطري انقلابا كليا فانظروا كيف يتغير الاستعداد والقابلية الفطرية تغيراَ جذرياَ حتى يتحول إلى العكس بسبب تفاوت العادة والتربية فليس الاعتراض على الأشقياء من جهة الاستعداد والقابلية الفطرية بل من جهة الاستعداد والقابلية الاكتسابية".
بيّن لنا حضرة بهاء الله بان الكبر والغرور والأنانية هي من عظائم المعّوقات للنمو الروحي للإنسان . الكبر يعني المبالغة في رفع شأن وأهمية الإنسان لنفسه وهذا يؤدي إلى الإحساس بتفوق الإنسان على الآخرين . إن الشخص المتكبر والمغرور يشعر بأنه يسيطر تماما على حياته وعلى الظروف المحيطة به كما انه يتطلع إلى القوة والسيطرة على الآخرين لان هذه القوة والسيطرة تحفظ له الإحساس بالتفوق والتعالي الموهوم الذي يشعر به . وعلى ذلك يعتبر الكبر والغرور عائقا أمام النمو الروحي لأنه يدفع بالإنسان المغرور إلى تصور طموحات عديدة ويحاول تحقيقها ولكنها مبنية على أوهام وخيالات باطلة في ذهنه .
بعبارة أخرى ، إن المفتاح لدراسة وفهم الأخلاقيات والسلوكيات البهائية يبدأ بدراسة الفكر البهائي لحقيقة التطور الروحي . فما يفضي إلى الرقي الروحي هو الخير ، وما يؤدي إلى إعاقته هو الشر بذاته . وبناء عليه ، فمن وجهة النظر البهائية فان معرفة الخير من الشر أو الصواب من الخطأ يعني الوصول إلى مرحلة معينة من العلم والمعرفة الذاتية التي تتيح لنا درك ومعرفة الشيء المساعد لتطورنا الروحي والشيء المعيق له. ولا يمكن الحصول على هذا النوع من العلم والمعرفة إلا من خلال تعاليم الأنبياء والمرسلين .
أكد حضرة بهاء الله كراراَ ومراراَ بأن الدين السماوي هو وحده القادر على إنقاذنا من وهدة الخطيئة والنقيصة . والسبب في ذلك أن الله جلت قدرته أرسل الأنبياء والمرسلين ومظاهر أمره ليضيئوا لنا الطريق للرقي الروحي وان ينعشوا قلوبنا بمحبة الله لكي ندرك طاقاتنا الحقيقية ونبذل الجهد حتى نبقي على وصال مع الله . هذا هو طوق النجاة الذي يأتي به الدين . إلا أن كل ذلك لا يجنّبنا الوقوع بشيء من " الخطيئة الأصلية " ولا يحمينا من بعض القوى الشيطانية وإنما يحررنا من طبيعتنا الدانية ويفك قيودنا التي تجلب لنا اليأس لنا وتهدد حياتنا الاجتماعية بالدمار وتنّور طريقنا نحو سعادة حقيقية ومرضية .
حقاَ إن السبب الحقيقي وراء كل ما يعانيه العالم من محن وأزمات وتعاسة تعصف به على مدى واسع هو أن البشرية ابتعدت عن الدين الحقيقي والمبادئ الروحانية . إن العلاج الوحيد وطريق النجاة في أي عصر كما يعتقد البهائيون هو الرجوع إلى الله مرة أخرى والإيمان برسوله لذلك العصر واتباع تعاليمه وأحكامه . أشار حضرة بهاء الله بأنه لو نظرنا إلى أحوالنا في وضعنا الحالي سندرك في نهاية الأمر ونقر بأننا لا نملك لأنفسنا شيئا . فكل ما نحن عليه أو نملكه من جسم مادي وروح ما هو إلا من خالقنا عز وجل . ولأن الله قد وهبنا كل هذه العطايا ، فإننا في المقابل نشعر بالالتزام تجاه سبحانه وتعالى . قال حضرة بهاء الله بأن للعباد وظيفتين تجاه الخالق عز وجل :
" إن أول ما كتب الله على العباد عرفان مشرق وحيه ومطلع أمره الذي كان مقام نفسه في عالم الأمر والخلق ... إذا فزتم بهذا المقام الاسنى والأفق الأعلى ينبغي لكل نفس أن يتبع ما أمر به من لدى المقصود لأنهما معا لا يقبل أحدهما دون الآخر".
وفي مقام آخر ذكر حضرة بهاء الله اتباعه بأن تلك الوظيفة التي منحنا الله إياها ما هي إلا لمنفعتنا ومصلحتنا . إن الله ليس بحاجة إلى أدعيتنا وطاعتنا لأنه غني عن العالمين . وعلى ذلك يجب أن نكون مطمئنين بان كل ما يفعله الحق تبارك وتعالى هو لخير البشر ونابع من محبته اللامتناهية لمخلوقاته ولا مصلحة له في ذلك . يقول حضرة بهاء الله :
" وكلما أمرت به عبادك من بدايع ذكرك وجواهر ثنائك هذا من فضلك عليهم ليصعدن بذلك إلى مقر الذي خلق في كينوناتهم من عرفان أنفسهم وانك لم تزل كنت مقدسا عن وصف ما دونك وذكر ما سواك ".
باختصار إن السبب الروحي لحياتنا على هذه الأرض هو الإعداد نفسيا وروحيا لان حياتنا هي مرحلة تطور يجب من خلالها أن نركز على تطوير وتنمية حياتنا الروحية الفطرية وقدراتنا الفكرية والذهنية . ونظراَ لان هذه القوى والقدرات هي الاستعداد الفطري لروحنا الخالد ، لذا فإنها أبدية وعلينا أن نجاهد في تطويرها . وطالما أن الروح هو الجانب الوحيد الذي يبقى لنا إلى الأبد ، فانه يستحق منّا مثل تلك المجهودات . فكل شيء يدعم تطورنا الروحي هو خير محض وما يعيقه هو شر مقيت .
أرسل الله تعالى الأنبياء والمرسلين ليوضحوا لنا المبادئ الحقيقية التي تحكم طبيعتنا الروحية . من أجل أن نتنعم بحياة ناجحة سعيدة يجب أن نتوجه إلى الرسالة السماوية ونقبل بتعاليم الأنبياء والمرسلين ومظاهر أمر الله . وبعملية النمو هذه يستطيع الفرد أن يعكس بصورة اكمل تلك الصفات الإلهية ويتقرب إليها . وفي نفس الوقت إن المبادئ الاجتماعية التي أتى بها الأنبياء والمرسلون إن تم تطبيقها بشكل جيد وصحيح فإنها تساعد على خلق جو اجتماعي مناسب لعملية النمو الروحي . إن خلق جو اجتماعي كهذا يعتبر من وجهة النظر الروحية ذلك الهدف الأساسي للمجتمع الإنساني .
وضع لنا حضرة بهاء الله معياراَ أخلاقياَ عالياَ ودعانا إلى المجاهدة والمكافحة بكل قدراتنا للوصول إليه . وبما أن الله جل وعلا قد وهب لنا الإرادة الحرة فإننا في نهاية الأمر مسئولون أمامه عن تصرفاتنا وأعمالنا . إن الله عادل ولا يحمل علينا ما لا طاقة لنا به وفي نفس الوقت انه عطوف ورحيم ويغفر الذنوب ويسامح من يتوب إليه توبة صادقة . في تعبير رائع وجميل يصف حضرة بهاء الله السجايا الأخلاقية والصفات الروحانية للأفراد ويدعو اتباعه إلى السير على هذه النهج بقوله المبارك :
" كن في النعمة منفقا وفي فقدها شاكرا وفي الحقوق أمينا وفي الوجه طلقا وللفقراء كنزا وللأغنياء ناصحا وللمنادي مجيبا وفي الوعد وفيا وفي الأمور منصفا وفي الجمع صامتا وفي القضاء عادلا وللإنسان خاضعا وفي الظلمة سراجا وللهموم فرجا وللظمآن بحرا وللمكروب ملجأ وللمظلوم ناصرَا وعضدَا وظهرَا وفي الأعمال متقيا وللغريب وطنا وللمريض شفاء وللمستجير حصنا وللضرير بصرا ولمن ضل صراطا ولوجه الصدق جمالا ولهيكل الأمانة طرازا ولبيت الأخلاق عرشا ولجسد العالم روحا ولجنود العدل راية ولأفق الخير نورا وللأرض الطيبة رذاذا ولبحر العلم فلكا ولسماء الكرم نجما ولرأس الحكمة إكليلا ولجبين الدهر بياضا ولشجر الخشوع ثمرا".



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بعض من المبادئ البهائية
- المفهوم البهائي للذات الإلهية
- الإنسان والعلم والدين
- تعالوا معاً نقول كلمة حق لدعوة الحق
- أثر الدين في المجتمعات
- استقرار السلام العالمي بين البشر
- البشرية بحاجة إلى من يداوى عللها ويبرئ أمراضها فهل يتعظ البش ...
- الحضارات الإنسانية نابعة من النفحات الروحانية
- الإعراض والاعتراض عبر التاريخ
- -دين الله واحد أما شرائعه فمختلفة-
- البهائية لثقافة المعلومة
- استمرار الظهور الإلهي
- -كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه- ...
- الكلمة الإلهية
- التعاليم البهائية في الحياة بعد الموت
- البهائية-ماذا تكون
- جاء رب الجنود-وعاد المسيح فى مجد أبيه- وفاض النبأ العظيم- هب ...
- المظاهر الإلهية
- يَومُ الله
- -هذا دينُ اللهِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ...-


المزيد.....




- لمتابعة أغاني البيبي لطفلك..استقبل حالاً تردد قناة طيور الجن ...
- قادة الجيش الايراني يجددن العهد والبيعة لمبادىء مفجر الثورة ...
- ” نزليهم كلهم وارتاحي من زن العيال” تردد قنوات الأطفال قناة ...
- الشرطة الأسترالية تعتبر هجوم الكنيسة -عملا إرهابيا-  
- إيهود باراك: وزراء يدفعون نتنياهو لتصعيد الصراع بغية تعجيل ظ ...
- الشرطة الأسترالية: هجوم الكنيسة في سيدني إرهابي
- مصر.. عالم أزهري يعلق على حديث أمين الفتوى عن -وزن الروح-
- شاهد: هكذا بدت كاتدرائية نوتردام في باريس بعد خمس سنوات على ...
- موندويس: الجالية اليهودية الليبرالية بأميركا بدأت في التشقق ...
- إيهود أولمرت: إيران -هُزمت- ولا حاجة للرد عليها


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - الله والرسل والجنس البشري