أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - المظاهر الإلهية















المزيد.....


المظاهر الإلهية


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 2188 - 2008 / 2 / 11 - 07:27
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن التعاليم البهائية تشير إلى أن القوة المحرّكة لجميع أشكال التطور الإنساني منبعها الفيض الإلهي الذي يأتي به الرسل ومظاهر أمر الله . قد لا يتفق البعض على أن التاريخ الإنساني قد تأثر بشدة بما جاء به مؤسسو أديان العالم العظام . إن الآثار العظيمة التي أوجدتها الحضارة المسيحية وحضارة بوذا وموسى ومحمد صلى الله عليه وسلّم لا نراها في تعدد الثقافات والأنظمة المختلفة فحسب ، بل في المثل التي خلّفتها حياة هؤلاء المرسلين للجنس البشري أيضا . وحتى اؤلئك الذين لم يؤمنوا بهم أو يتبعوهم فقد اقروا بعظمة ونفوذ وتأثير تلك الرموز على حياة الأفراد والعامة .

إن إدراك الأثر العظيم الذي تركه مؤسسو الأديان الرئيسية العظيمة على التاريخ البشري يقودنا بالطبع إلى التساؤل الفلسفي حول ماهية طبيعتهم . انه موضوع يعد أحد اكثر المواضيع إثارة للجدل في فلسفة الدين وقد وضعت له عدة إجابات . فمن جانب ينظر البعض إلى مؤسسي الأديان على انهم فلاسفة أو مفكرون عظام ولكنهم تقدموا في علومهم وتبحّروا اكثر من غيرهم من فلاسفة عصرهم . ومن جانب آخر أعلنوا بأنهم مبعوثون من جانب الحق تبارك وتعالى وأن روح الحق قد حلّت بهم وهناك نظريات عديدة أخرى تقع بين هاتين النظريتين(1) .
(1) إن البحث الموضوعي لهذه القضية الهامة التي يسميها البهائيون المظهر الإلهي أثارت الكثير من التساؤلات لدى المتشددين في الأديان الأخرى . فقد دأب اتباع كل دين بتعظيم وتجليل رسولهم ونبيهم ورفع مكانته لتكون فوق الآخرين . ومثالا على ذلك ، هناك الكثير من المسيحيين يعتبرون السيد المسيح هو تجسيد للذات الإلهية وان الله قد حل بالسيد المسيح وان سيدنا موسى عليه السلام اقل منه مكانة أما الرسول محمد (ص) فهو دجال وكذاب . إن غالبية اليهود يرون موسى عليه السلام بأنه مبعوث سماوي للبشرية ويعتبرون السيد المسيح رسولا باطلا . والمسلمون يرون إن موسى وعيسى عليهما السلام من الرسل المبعوثين من جانب الحق تبارك وتعالى ولكن غالبيتهم يرفضون دعوة بوذا والأديان الرئيسية الأخرى . ويعتقدون إن محمـد هو خاتم الأنبياء وان القرآن هو آخر كتاب سماوي
وعلى ذلك ليس مستغربا أن تعالج الآثار البهائية هذا الموضوع بشكل مركّز وهو موضوع يخص اصل الدين بالتحديد . طرح حضرة بهاء الله المفهوم البهائي لطبيعة مظاهر أمر الله بشكل مسهب في أحد كتبه الرئيسية المعروفة بكتاب الإيقان .
ذكر حضرة بهاء الله بان جميع الأنبياء والمرسلين والمبعوثين من لدى الله لديهم نفس حالة العلم بالغيب والعلم بما وراء الطبيعة ويحملون نفس المقام الروحاني . كما انه لا فرق بينهم مطلقا ولا يعلو أي منهم على الآخر . وحول مظاهر أمر الله ومهابط الوحــي يقول حضرة بهاء الله :
" هؤلاء الهياكل القدسية هم المرايا الأولية الأزلية الذين يتحدثون عن ذلك الغيب المنيع وعن كل أسمائه وصفاته وان العلم والقدرة والسلطنة والعظمة والرحمة والحكمة والعزة والجود والكرم وجميع هذه الصفات ظاهرة من هؤلاء الجواهر الاحدية . لم تكن هذه الصفات خاصة للبعض دون الآخر وإنما اتصف جميع الأنبياء المقربين والأصفياء المقدسين بهذه الصفات وبهذه الأسماء .. قد تظهر بعض هذه الصفات في تلك الهياكل النورية بالشكل الظاهر وقد لا تظهر ولهذا إن لم تظهر صفة حسب الظاهر في تلك الأرواح المجردة فان ذلك لا ينفي وجود تلك الصفة الإلهية والاسم الرباني فيهم".
شرح حضرة بهاء الله بأن التباين الظاهر بين تعاليم الأنبياء والرسل ليس مردّه اختلافاَ في المقام والأهمية وإنما بسبب الاحتياجات المتعددة ولوازم العصر الذي ظهروا فيه . وعليه تفضل حضرة بهاء الله قائلا :
" هذه الأصول والقوانين والأنظمة المحكمة المتينة ظهرت من مطلع واحد وأشرقت من مشرق واحد أما التباينات بينها فهي لصالح الوقت والزمان والقرون والاعصار".
وفي أشد تحذيراته خاطب حضرة بهاء الله أولئك الذين يتخذون من اختلاف تعاليم الرسل وشخصياتهم طريقاَ إلى تباين مقاماتهم حيث قال تبارك قوله :
" إياكم يا ملأ التوحيد لا تفرقوا في مظاهر أمر الله ولا فيما نزل عليهم من الآيات وهذا حق التوحيد إن انتم لمن الموقنين وكذلك في أفعالهم وأعمالهم وكلما ظهر من عندهم ويطّهر من لدنهم كل من عند الله وكل بأمره عاملين ومن فرّق بينهم وبين كلماتهم وما نزل عليهم أو في أحـوالهم وأفعالهم في اقل مما يحصى لقد أشرك بالله وآياته وبرسله وكان من المشركين ".

وعلى أي حال إن المبدأ البهائي الخاص بوحدة الأنبياء والمرسلين لا يعني بان نفس روح هؤلاء المرسلين قد ظهر مرة أخرى في هياكل عنصرية مختلفة . فسيدنا موسى وعيسى ومحمد عليهم السلام وكذلك حضرة بهاء الله كانوا شخصيات مختلفة وحقائق ذاتية مستقلة . إن وحدتهم تعني إن كل واحد منهم يعكس الصفات والفضائل الإلهية بنفس المستوى وان الروح الإلهية التي تجلّت بأحدهم مماثلة لتلك التي تجلت على الآخرين .

حول هذا البحث شبه حضرة بهاء الله الذات الإلهية بالشمس المشرقة لأنه المصدر الوحيد لحياة الكون مثلما الشمس المادية التي هي مصدر الحياة لجميع الكائنات على سطح الكرة الأرضية . إن أشعة الشمس الساطعة بمثابة نفثات روح القدس وان هؤلاء الأنبياء والمرسلين عبارة عن مرآة صافية تعكس تلك الحقيقة الغيبية . وعندما نوّجه عدة مرايا صافية باتجاه نفس الشمس فان الشمس تعكس نفسها على جميع هذه المرايا . ورغم ذلك كل مرآة تعتبر مختلفة عن الأخرى ولها خواصها الذاتية المميزة . وبالطريقة نفسها فان كل مبعوث سماوي يعتبر شخصية مميزة وفريدة إلا أن الروح والصفات والكمالات الإلهية التي تجلت في كل واحد منهم هي متساوية وعلى نفـس الدرجـة من التجلي(2) .

(2) إن التشبيه الذي نطرحه بسطوع أشعة الشمس في المرآة هو الوسيلة للتعبير عن الفكر البهائي الخاص بظهور الأنبياء والرسل السابقين . إن فكرة العودة أو الرجوع قد ذكرت في جميع الآثار المقدسة للأديان الرئيسية وعبر عنها بالتشبيه والاستعارة . القراء الغربيون على علم بما يؤمن به المسيحيون من الرجوع الثاني للمسيح وهو ما جاء ذكره في عدة آيات من التوراة والإنجيل . شرح حضرة بهاء الله بان الرجوع الذي أشير إليه في الكتب المقدسة السابقة هو رجوع للصفات وللروح الإلهية في شكل رسول سماوي آخر وليس رجوع الشخص ذاته . يقول حضرة بهاء الله :" كما تعلم أيها الجناب إن جميع الأنبياء هم هياكل أمر الله الذين ظهروا بأشكال مختلفة وإذا نظرت إليهم بنظرة لطف فستراهم جميعا ساكنين في رضوان واحد وطائرين في هواء واحد وجالسين على بساط واحد وكلامهم واحد وأمرهم واحد ، هذا هو اتحاد تلك الجواهر في الوجود والشموس الغير محدودة ، فإذن إذا قال واحد من هؤلاء المظاهر المقدسة بأنني أنا رجوع كل الأنبياء فهو صادق وقد ثبت في كل ظهور صدق الظهور السابق ".. وبنـاء على هذا المفهوم يعتبر البهائيون ظهور حضرة بهاء الله هو تحقق للرجوع الثاني للمسيح الموعود به ، على الرغم من أن كلا من حضرة بهاء الله والمسيح له روح مميزة ومختلفة ولكل منهما شخصية بشرية متفاوتة .

إن الأنبياء والمرسلين والمظاهر الإلهية لهم عالم خاص بهم يقع بين عالم الحق (الله) وعالم الخلق (الجنس البشري) . فالإنسان متفوق على الحيوان لأنه يملك مميزات وقدرات لا يملكها الحيوان مثل تجلي الروح البشرية غير المادية فيه . والرسل أيضا ، ففيهم قوى وقدرات معينة لا توجد في الإنسان العادي . هذا التفاوت ليس في المرتبة أو الدرجة وإنما في النوع والطبيعة الخاصة التي تميز المظاهر المقدسة الإلهية عن غيرهم من البشر . انهم ليسوا مفكرين عظاما أو فلاسفة ذوي فهم وعلم عظيمين بل أعلى شأنا ومنزلة عن الذين لا يملكون طاقات وخواص معينة كامنة فيهم . وهذه الطاقات والقدرات ذات طبيعة معينة .
لوحظ إن للإنسان طبيعتين : إحداهما جسمية وتحتوي على عناصر تعمل على نفس منوال الجسم الحيواني والأخرى روحية وتضم روح الإنسان الأبدية وغير المادية . وقد أشار حضرة بهاء الله إلى أن جميع المرسلين ومظاهر أمر الله لهم هاتان الخاصتان ولكن بالإضافة إلى ذلك لهم طبيعة وخاصية ثالثة تليق بمكانتهم وهي تلقيهم للوحي والرسالة الإلهية من جانب الغيب المنيع ونقل هذه الرسالة المعصومة عن الخطأ إلى العالم البشري . وحول هذا الموضوع يقول حضرة عبد البهاء :
" اعلم إن المظاهر المقدسة وان كانت مقامات كمالاتهم لا تتناهى ألا إن لهم ثلاث مراتب . فالمرتبة الأولى هي الجسمانية والثانية الإنسانية التي هي النفس الناطقة والثالثة هي الظهور الإلهي والجلوة الربانية . أما المقام الجسماني فمحدث لأنه مركب من العناصر ولا بد لكل تركيب من تحليل ولا يمكن ألا يتحلل التركيب والمقام الثاني مقام النفس الناطقة التي هي حقيقة الإنسانية وهي محدثة أيضا والمظاهر المقدسة مشتركة مع جميع النوع الإنساني في ذلك .. للروح الإنساني بداية ولكن ليست له نهاية وهي باقية إلى الأبد .. والمقام الثالث هو الظهور الإلهي والجلوة الربانية وكلمة الله والفيض الأبدي والروح القدس وهو لا أول ولا آخر له لان الأولية والآخرية إنما هما من خصائص عالم الإمكان وليس بالنسبة إلى عالم الحق .. أما حقيقة النبوة التي هي كلمة الله والمظهرية الكاملة فليسـت لـها بداية ولن تكون لها نهاية ولكن إشراقها متفاوت كإشراق الشمس ".
كما يضيف ويشرح حضرة عبد البهاء بأنه حتى الروح الإنسانية للأنبياء والمرسلين تختلف عن مثيلتها في الأفراد العاديين :
" أما الحقيقة الشاخصة للمظاهر الرحمانية فهي حقيقة مقدسة لأنها من حيث الذات والصفات ممتازة عن جميع الأشياء مثلا إن الشمس من حيث الاستعداد تقتضي الأنوار ولا تقاس بالأقمار .. وعلى هذا فسائر الحقائق الإنسانية هي نفوس كالقمر الذي يقتبس الأنوار من الشمس أما تلك الحقيقة المقدسة فهي مضيئة بنفسها".
وعلى ذلك لا نستطيع أن نعتبر المبعوث السماوي مجرد شخص عادي اختاره الله ليكون مبعوثا ورسولا له . بل انه وجود خاص له علاقته الخاصة مع الله الذي أرسله من عالم الروح ليكون وسيلة لإيصال الرسالة الإلهية للبشرية . وعلى الرغم من إن الروح الإنسانية للمرسلين له بداية معينة ولكن أرواح هذه النفوس المقدسة وجدت في عالم الروح قبل ولادته المادية في هذا العالم . إن الأرواح الخالدة للأفراد العاديين من جانب آخر لا تكون في عالم الروح قبل ولادة الإنسان وإنما تتكون الروح الإنسانية منذ تكوين النطفة في رحم الأم . وحول الوجود السابق للروح الإنسانية للأنبياء والرسل ومظاهر الظهور يقول حضرة شوقي أفندي :
" إن الأنبياء - بعكس حالنا نحن – لهم وجود سابق . إن روح السيد المسيح وجد في عالم الروح قبل ولادته في هذا العالم . ولا يمكننا تصور كيفية ذلك العالم ، ولهذا فان الكلمات عاجزة عن وصف حالة وجوده وروحه المقدسة ".
إن الأنبياء والرسل منذ طفولتهم على علم بحقيقتهم وشخصيتهم على الرغم من أن إعلانهم للدعوة يأتي في وقت لاحق من حياتهم . وحيث انهم هم المتلقون للفيض الإلهي مباشرة ، فانهم على علم تام بحقائق الحياة . فهذه الفطرة ، بعلمهم اللّدني وحده ، يجعلهم قادرين على سن الأحكام والقوانين التي تستجيب لاحتياجات الجنس البشري في وقت معين من التاريخ . يقول حضرة عبد البهاء :
" ولما كانت حقائق المظاهر الكلية الإلهية المقدسة محيطة بالكائنات من حيث الذات والصفات ومتفوقة عليها وملمة بالحقائق الموجودة ومطلعة على جميع الأشياء فلهذا كان علمهم علما إلهيا لا اكتسابيا أي فيض قدسي وانكشاف رحماني .. بالاختصار فالمظاهر الكلية الإلهية مطلعون على حقائق أسرار الكائنات لهذا يؤسسون الشرائع التي تناسب وتتفق مع حال العالم الإنساني لان الشريعة هي الروابط الضرورية المنبعثة من حقائق الكائنات .. وحيث إن المظاهر الكلية الإلهية مطلعون على أسرار الكائنات فهم عارفون بتلك الروابط الضرورية التي يقررون على وفقها شريعة الله".
ليس بمقدور أي فرد أن يصبح نبيا أو رسولا أو حاملا لرسالة إلهية . إن الروح الإنسانية قادرة على أن تنتعش بالنفحات القدسية الإلهية وبالتالي تنمـو وتتطور روحانيا كما شرحنا سابقا . ولكن يبقى الرسل ومظاهر الظهور في مقامهم الخاص العالي ذلك المقام الذي لا يستطيع الفرد مهما كان مثاليا الوصول إليه .
قياسا على نظرية المرآة ، يمكن تشبيه أرواح الناس العاديين بالمرآة . ولكن خلافا للرسل فان انعكاس أرواح الناس في المرآة غير كامل . بعبارة أخرى ، إن كل إنسان يمكن له أن يتصف ببعض الصفات الإلهية ولكن صفته هذه تكون غير كاملة أو تامة وفي حدود ضيقة . إن الرقي الروحي بالنسبة للفرد العادي يعني الكمال وحسن الأخلاق ونقاء الروح وصقل مرآة الروح حتى تعكس الصفات الإلهية بشكل أوضح . وفي عدة مواقع استخدم حضرة بهاء الله مثال " تنظيف المرآة " للتعبير عن الرقي والنمو الروحي . انه تشبيه يؤكد لنا بأننا بشر لنا نقائصنا إلا أن فينا قدرات غير محدودة تقودنا نحو الكمال بينما رسل الله هم الكاملون .
ذكر حضرة بهاء الله وحضرة عبد البهاء في آثارهما المتعددة بان هناك ثلاثة عوالم فقط وهي عالم الخلق وهو خاص بالبشر ، وعالم الأمر وهو خاص بمظاهر الظهور والرسل ، وعالم الحق وهو خاص بذات الغيب المنيع . ليس هناك وجود ملموس للشياطين أو الملائكة . وان كانت لهذه المصطلحات أية معاني فيمكن لها أن ترمز إلى المراحل والحالات والمختلفة التي يمر بها الإنسان . إن حالة النقص يمكن التعبير عنه بسيطرة القوى الشيطانية وأما الحالة الروحانية فتعني سيطرة الملائكة . يمكن القول بان الأنبياء والرسل هم على مستوى الكمال والعصمة بينما الإنسان العادي لديه القدرة للتدرج في مراتب الكمال لان روحه يكتنز القدرة على أن يعكس فضائـل خالقه . إن أعلى وارفع مرتبـة لكمال البشر كما يشـرح حضرة عبد البهاء هي العبودية المحضة لله سبحانه وتعالى :
" اعلم إن مراتب الوجود محدودة وهي مرتبة العبودية ومرتبة النبوة ومرتبة الربوبية ولكن الكمالات الإلهية والإمكانية غير متناهية .. ولما كان الفيض الإلهي غير متناه فالكمالات الإنسانية غير متناهية ولو كان للكمال نهاية لوصلت حقيقة من حقائق الأشياء إلى درجة تستغني فيها عن الحق ولأصبح الممكن واجبا ولكن لكل كائن من الكائنات رتبة لا يمكنه أن يتجاوزها يعني إن الذي في رتبة العبودية مهما ترقى في تحصيل الكمالات التي لا تتناهى فانه لن يصل إلى رتبة الربوبية .. فمثلا إن بطرس لا يمكنه أن يصل إلى رتبة المسيح وأقصى ما يمكن أن يصل إليه هو أن يحصل على كمالات لا تتناهى في مراتب العبودية ".
ومهما يكن من أمر ، وحيث إننا قادرون على مشاركة الحق فيضه الإلهي ، فبإمكاننا أن نشعر بالروح الإلهي . وعليه ، يمكن أن نكون محط الإلهامات الربانية . والآثار البهائية تميّز بين الإلهام والإيحاء ، فالوحي الإلهي هو ذلك الفيض المعصوم للكلمات الإلهية الخلاقة التي تنزل مباشرة على الرسل فقط دون غيرهم من البشر وينقلونها بالتالي إلى الجنس البشري . أما الإلهام فهو نفاذ البصيرة النسبية غير المباشرة للحقيقة الروحية ويمكن لأي إنسان الوصول إليه . انه شعور يأتي من نهج الحياة الروحانية المتأثرة بما يأتي به الرسل ومظاهر أمر الله . ويمكن لأي فرد أن يلهم من روح الله ولكن الإلهام يصلنا نتيجة الروح المعنوية المنبثقة من مطالع ومظاهر أمر الله . باختصار يمكن القول بان الإلهام يأتي من الوحي الإلهي .

شرح حضرة بهاء الله بان الإرادة المطلقة الإلهية تختار أحيانا أناسا عاديين ليكونوا أنبياء ويلهمهم الله ليلعبوا دورا معينا في الشئون الإنسانية . مثال على ذلك أنبياء بني إسرائيل مثل ارميا واشعيا . هناك نفوس ملهمة أخرى مثل الأولياء والأصفياء ولكنهم جميعا حتى الذين عرفوا بالأنبياء فقط لا يمكن لهم أن يصلوا لمرتبة الرسل ومظاهر أمر الله المعروفين بأولي العزم وأصحاب الشريعة والكتاب والعصمة . وقد أشارت الآثار البهائية إلى " أنبياء غير مستقلين " ورسل " مستقلين " حيث تفضل حضرة عبد البهاء قائلا :
" إن الأنبياء على قسمين : الأول الأنبياء المستقلون المتبوعون والثاني الأنبياء التابعون الغير مستقلين فالأنبياء المستقلون هم أصحاب الشريعة ومؤسسو الأدوار الجديدة الذين بظهورهم يلبس العالم خلعة جديدة ويؤسس دين جديد وينزل كتاب جديد وهم يقتبسون الفيوضات من الحقيقة الإلهية من غير واسطة ، نورانيتهم نورانية ذاتية كالشمس تضيء بذاتها لذاتها والضياء من لوازمها الذاتية .. والقسم الثاني من الأنبياء هم التابعون والمروجون لأنهم فروع غير مستقلين يقتبسون الفيض من الأنبياء المستقلين ويستفيدون نور الهداية من النبوة الكلية كالقمر الذي لا ضياء ولا سطوع له من ذاته لذاته بل يقتبس الأنوار من الشمس".

نتيجة لذلك يعتبر البهائيون الفلاسفة والمجددين والقديسين والصوفيين ومؤسسي الحركات الإنسانية أفرادا عاديين وقد يلهم هؤلاء النفوس بإلهامات إلهية بين الحين والآخر ولكن الوحي الإلهي يختص بمظاهر شمس الحقيقة والمرسلين وحدهم وهم القوة العظمى المحركة للبشرية في جميع مراحل تقدمها .

يشترك كلّ الذين يؤمنون بواحدٍ أو آخر من النّظم الدّينيّة في العالم في الاعتقاد بأنَّ الواسطة بين عوالم الله وروح الإنسان هي المظاهر الإِلهيّة. وأنّ هذه العلاقة بالذّات هي التي تُعطي الحياة معنىً حقيقيّاً. إنّ من أهمّ الفقرات شأناً في آثار بهاء الله الكتابيّة تلك التي يعالج فيها بإسهاب طبيعة ودور أولئك الذين يختارهم الله واسطة الظّهور الإِلهيّ، أي "الرّسل والأنبياء" أو "المظاهر الإِلهيّة". ويعطينا بهاء الله الأمثلة واحداً بعد آخر قياساً، فيشبّه المظاهر الإلهيّة بالشّموس. وضرب المثل بأنّ الشّمس تشارك غيرها من السّيّارات التي تدور في مدارها بعض الخواصّ إلاّ أنَّها تختلف عن تلك السّيّارات كلّها لأنَّها المصدر الذي ينبعث منه النّور. فالأقمار والكواكب عاكسةٌ لنور الشّمس، بينما الشّمس وحدها تبعث النّور وتنشره كخاصّة لا تنفصل عن طبيعتها. فالنّظام الشّمسيّ كلّه محوره الشّمس ذاتها ويدور كلّه حولها، وكلّ عنصر من عناصر هذا النّظام يتأثّر بالشّمس ليس من حيث تكوينه الخاص بل أيضاً يتأثّر من حيث علاقته بالشّمس، مصدر الضّوء وباعث النّور في النّظام كلّه.
وعلى هذا القياس نفسه يؤكّد لنا بهاء الله أنَّ الشّخصيّة الإِنسانيّة التي يتمتّع بها المظهر الإِلهيّ مشاركاً فيها باقي البشر، تختلف عن غيرها بصورة تجعلها مؤهّلةً لتكون واسطة الظُّهور الإِلهيّ. ويبدو أنَّ من الأسباب العديدة للبلبلة والانشقاق الدّينيّ عبر التّاريخ تلك الإِشارات التي تحمل تناقضاً ظاهريّاً بالنّسبة لهذه الثُّنائيّة في المقام، والمنسوبة مثلاً إلى السّيّد المسيح. يعلّق بهاء الله على هذا الموضوع فيقول:
"إنَّ ما في السَّمواتِ وما في الأرْضِ مَهابِطُ لِظُهورِ أسْماءِ الله وَصِفاتِهِ... وَيَنْطَبِقُ هذا عَلى الإِنسانِ بِصُورَةٍ خَاصَّةٍ، فَقَد اخْتَصَّهُ اللهُ دونَ غَيْرِهِ مِنَ المَوْجوداتِ فَشَرَّفَهُ وَمَيَّزَهُ... وَتَجَلَّتْ في الإِنْسانِ صِفاتُ اللهِ وأسْمَاؤهُ عَلى نَحْوٍ أشْرَفَ وَأكْمَلَ مِنْ غَيْرِهِ... وأكْمَلُ النّاس وأفْضَلُهُمْ وألْطَفُهُمْ هُمْ مَظَاهرُ شَمْسِ الحَقيقَةِ، لا بَلْ كلُّ مَنْ سِواهُمْ مَوْجودُونَ بإرادَتِهِمْ وَيَحْيَوْنَ وَيَتَحَرَّكُونَ بِفَيْضِهِمْ..."
إنَّ قناعة المؤمنين في أيّ دين من الأديان بأنّ مؤسّس دينهم يتمتّع بمقام متميّز عن غيره من مؤسّسي الأديان الأخرى، ولّد عبر التّاريخ الكثير من الحدس والتّخمين حول طبيعة المظهر الإِلهيّ وجوهره. وفي كلّ حالة من الحالات نجد أنّ هذا الحدس والتّخمين قد حدّته حدود صارمة، فهو مبنيّ على إشارات مجازيّة مجزّأة ومتفرّقة وردت في الأقوال القليلة الموثّقة لمؤسّس الدّين نفسه. ولم تسفر محاولات بلورة هذه الآراء المبنيّة على الحدس والتّخمين في شكل عقائد دينيّة إلاّ عن الفرقة والشّقاق بدلاً من الوحدة والوفاق. وفي الحقيقة فإنّه رغم ما بُذل من طاقات هائلة في الدّراسات الفقهيّة والأبحاث اللاّهوتيّة -أو لعلّه بسببها- نجد أنّ هناك اليوم خلافات عميقة قائمة بين المسلمين أنفسهم حول المقام الحقيقيّ للنّبيّ الكريم. كذلك الحال بالنّسبة لمقام كلٍّ من السّيّد المسيح بين المسيحيّين، وموسى عليه السّلام بين اليهود، ومقام مؤسّس الدّين البوذيّ بين أتباعه والمؤمنين به. وكما هو واضح كلّ الوضوح فإنَّ الجدل النّاتج عن مثل هذه الخلافات وغيرها ضمن محيط الدّين الواحد، برهن على الأقلّ أنّها خلافات لا تقلّ حدّةً عن تلك التي تفصل الدّين الواحد نفسه عن غيره من الأديان الشّقيقة الأخرى.
لذلك، ولكي نفهم تعاليم بهاء الله حول موضوع وحدة الأديان، يُصبح من الأهميّة بمكان الاطّلاع بصورة خاصّة على بياناته بالنّسبة لمقام المظاهر الإِلهيّة المتتابعة والوظائف التي قاموا بتنفيذها عبر التّاريخ الرّوحي للبشر:
"لِكُلِّ مَظْهَرٍ مِنْ مَظاهِرِ الحَقِّ مَقامانِ: مَقامُ التَّجَرُّدِ الصِّرْفِ والتَّفَرُّدِ البَحْتِ. فَإذا نَظَرْتَ إلى هذا المَقامِ وَوَصَفْتَ الكُلَّ بِاسْمٍ واحِدٍ وَنَعْتٍ واحِدٍ فَلا خَطَأ وَلا حَرَج...
أمّا المَقامُ الآخَرُ فَهُوَ مَقامُ التَّفْصيلِ المُتَعَلِّق بِعالَمِ الخَلْقِ وَمَحْدودِيّاتِ البَشَر. فَإذا نَظَرتَ إلى هذا المَقامِ لَوَجَدْتَ أنَّ لِكُلِّ مَظْهرٍ هَيكَلاً مُعَيَّناً، وَأمْراً مُقَرَّراً، وَظُهوراً مُقَدَّراً، وَمَحْدودِيَّةً مُخَصَّصَةً. وَلِكُلٍّ اسْمٌ يَخْتَلِفُ عن الآخَرِ، وَوَصْفٌ يُمَيِّزُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَلِكُلٍّ أمْرٌ بَديعٌ يُنَفِّذُهُ وَشَرْعٌ جَديدٌ يُجْريهِ... وَفي هذا المَقامِ الثّاني تَجِدُهُمْ جَميعاً مَظاهِرَ العُبودِيَّةِ الصِّرْفِ، وَالفَقْرِ الخَالِصِ، والفَناءِ التّامِّ وَلسانُ حالِ كُلٍّ مِنْهُمْ يَقولُ: إنّي عَبْدُ اللهِ وَما أنا إلا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ... وَمِنْ جِهَةٍ أخْرى إذا صَرَّحَ أحَدُ هذِهِ المَظاهِرِ الجامِعَةِ قائلاً: إنّي أنا اللهُ، فإنَّ قَوْلَهُ الحَقُّ وَلا رَيْبَ فيهِ. فَبِواسِطَةِ ظُهوراتِهِمْ وَأسْمائِهِمْ وَصِفاتِهِمْ يَظْهَرُ اللهُ بِأسْمائِهِ وَصِفاتِهِ في الأرْضِ... وَبِالمِثْلِ إذا قالَ أحَدُهُمْ إنّي رَسولُ اللهِ فَإنَّ قَوْلَهُ الحَقُّ وَلا رَيْبَ فيهِ... وَفي هذا هُمْ جَميعاً رُسُلٌ بَعَثَ بِهْمْ سُلْطانُ الحَقِّ وَكَيْنونَةُ الأزَلِ... فإِذا قالوا نَحْنُ عِبادُ اللهِ فَقَوْلُهُمُ الحَقُّ وَلا شَكَّ فيما يَقولونَ، لأنَّهُمْ ظَهَروا في أدْنَى مَراتِبِ العُبوديَّةِ عَلى نَحْوٍ لا مَثيلَ لَهُ في الإِمْكانِ وَلا يُجاريهمِ فيهِ إنسانٌ..."
"فَكُلُّ ما يَنْطِقونَ بِهِ وَيَذْكُرونَهُ مِنَ الألوهِيَّةِ وَالرُّبوبيَّةِ وَالنُّبُوَّةِ وَالرِّسالَةِ وَالوِلايَةِ وَالإِمامَةِ وَالعُبودِيَّةِ حَقٌّ لا رَيْبَ فيهِ... لِذَلِكَ يَجبُ التّأمُّلُ في ما ذُكِرَ مِنَ البَياناتِ حَتّى لا تَضْطَرِبَ النُّفوسُ وَتَتَزَلْزَلَ إذا وَجَدَتِ اخْتِلافاً في أقْوالِ المَظاهِرِ الغَيْبِيَّةِ وَالمَطالِعِ القُدْسِيَّة..."




#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يَومُ الله
- -هذا دينُ اللهِ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ...-
- وغداً تشرق الشمس
- النظام العالمي لحضرة بهاء الله- (البهائية)
- البهائية والتحديات
- الدين والتطور الإجتماعي
- فى موكب الإنسانية
- إنسان المستقبل
- يوتوبيا جديدة لعصرٍ جديد
- رجال الله
- أمانى اليوم حقائق الغد
- دين الله واحد-النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-المقالة(6) و ...
- القضاء الإلهي
- السّبيل إلى السّلام
- دين الله واحد-النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(5)
- دين الله واحد-النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(4)
- الله واحد -النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(3)
- دين الله واحد -النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(2)
- دين الله واحد -النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد
- الفارق بين الحق و الباطل


المزيد.....




- مصلون يهود عند حائط البراق في ثالث أيام عيد الفصح
- الإحتلال يغلق الحرم الابراهيمي بوجه الفلسطينيين بمناسبة عيد ...
- لبنان: المقاومة الإسلامية تستهدف ثكنة ‏زبدين في مزارع شبعا ...
- تزامنًا مع اقتحامات باحات المسجد الأقصى.. آلاف اليهود يؤدون ...
- “عيد مجيد سعيد” .. موعد عيد القيامة 2024 ومظاهر احتفال المسي ...
- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - المظاهر الإلهية