أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - دين الله واحد-النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(4)















المزيد.....

دين الله واحد-النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(4)


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 2148 - 2008 / 1 / 2 - 10:57
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


إن الحاجات الماسَّة والمطالب المُلحَّة لهذا العصر الحديث من تاريخ الخبرة الإنسانية التي دعا حضرة بهاء الله قادة العالم من أهل السياسة والدين في القرن التاسع عشر إلى تلبيتها ، قد تمَّ الآن تبنيها إلى حدٍ بعيد – أو تم اعتبارها مُثلاً عليا في أقل تقدير – من قِبل من خَلَف هؤلاء القادة أو من قِبل أصحاب الفكر التقدمي في كل مكان .
ولم يكد القرن العشرون يصل إلى نهايته حتى أصبحت المبادئ التي كانت مدة عقود قليلة تعتبر سابقًا خيالية ولا أمل في تحقيقها عمليًا ، عمدة البحث والنقاش اليوم في المداولات المتعلقة بشئون العولمة . وقد أيّدت هذه المبادئ والأبحاث والاكتشافات العلمية وما توصلت إليه من نتائج اللجان المفوَّضة صاحبة النفوذ ، وهي اللجان التي تجد عونًا ماليًا سخيًا ، وباتت هذه المبادئ تقود نشاطات الوكالات ذات النفوذ على المستويات العالمية والوطنية والمحلية . وخُصص محصول ضخم من المنشورات العلمية بلغات عديدة للبحث عن وسائل عملية لتنفيذ تلك المبادئ ، وحظيت هذه البرامج التي اقترحتها تلك الأبحاث باهتمام وسائل الإعلام في القارات الخمس .
ولكن معظم هذه المبادئ – وياللأسف- يُستهان به على نحوٍ واسع ، ليس من قِبل المعروفين من أعداء السلام في المجتمع فقط ، بل من قِبل أوساط تعلن التزامها بهذه المبادئ أيضًا . ولسنا بحاجة إلى دليل قاطع يقنع بصلاحية هذه المبادئ ومطابقتها لمقتضى الحال ، إذ المطلوب وجود اقتناع معنوي له من القوة ما يجعله قادرًا على تنفيذ تلك المبادئ ، إنها القوة المعنوية التي أُثبتت بالدليل القاطع أن منبعها الوحيد الذي اعتمدت عليه عبر التاريخ كان الإيمان بالله . وفي وقتٍ متأخر من الزمن وعند باكورة ظهور الرسالة الإلهية التي جاء بها حضرة بهاء الله ، كانت السلطات الدينية لا تزال تتمتع بنفوذ اجتماعيٍ على قدر كبير من الأهمية . وعندما تحرك العالم المسيحي ليقطع صلته بمبدأ اعتنقه بلا تساؤل طوال ألف سنة ، وليعالج أخيرًا موضوع تجارة الرقيق والشرور النابعة منها ، توجّه المصلِّحون البريطانيون الأوائل إلى الكتاب المقدس يستلهمون مُثله العليا وتعاليمه السامية .
وفي خطابٍ أدلى به رئيس الولايات المتحدة لاحقًا وحدد فيه الدور الرئيسي الذي كان لتجارة الرقيق في إشعال نار الصراع في أميركا أنذر قائلاً ( كل نقطة دم أسالها السوط سيكون ثمنها نقطة دم أخرى يسفكها السيف . ) وكما صحَّ القول قبل ثلاثة آلاف سنة كذلك يصح اليوم (كما جاء في التوراة ) { أحكام الرب حق عادلة كلها}
غير أن ذلك العهد كان يقترب سريًعا من نهايته . وجاءت الحرب العالمية الثانية لتتبعها انقلابات وثورات لم تتمكن خلالها شخصية ذات نفوذ كشخصية المهاتما غاندي من استلهام القوة الروحية من الدين الهندوسي لتعبئة الصفوف دعمًا لجهوده في القضاء على العنف والقتال الطائفي في شبه القارة الهندية . ولم يكن قادة الجامعة الإسلامية هناك أسعد حظًا في التأثير على أتباعهم في هذا الأمر. وقد عبِّر القرآن الكريم عن هذه الحال بأن رسم لنا رؤية وضعها في الصورة المجازية التالية :
{ يوم نطوي السماء كطي السجلّ للكتب } فتلك السلطة التقليدية المطلقة للدين التي لم يكم يعارضها أحد قد فقدت ما كان لها من نفوذ لإرشاد البشر وتوجيههم في إقامة علاقاتهم الاجتماعية .
وفي هذا السياق لعل في إمكان المرء أن يبدأ بتقدير كلمات حضرة بهاء الله حق قدرها ، حيث اختار أن يصف بالاستعارة والمجاز مشيئة الله في هذا العصر الجديد
{ لا تحسبنّ أنّا أنزلنا لكم الأحكام بل فتحنا ختم الرحيق المختوم بأصابع القدرة والاقتدار }. إن المبادئ التي استوجب وجودها النضج الجماعي للجنس البشري قد منحتها رسالة حضرة بهاء الله تلك القوة الوحيدة القادرة على اختراق جذور البواعث النفسية وتغيير أساليب السلوك والتصرف . أما بالنسبة إلى أولئك الذين اعترفوا بحضرته وقبلوا دعوته فليس مبدأ المساواة بين الرجال والنساء حجة اجتماعية مسلمًا بها جدلاً ، بل هو تشريع إلهي خاص بالطبيعة الإنسانية وله نتائج واعتبارات تتعلق بكل جانب من جوانب العلاقات البشرية .
ويصدق هذا أيضًا على المبدأ الذي نادى به حضرته حول وحدة الجنس البشري ألوانًا وأعراقًا . أما تعاليمه وإرشاداته الأخرى مثل مبدأ التعليم الإجباري ، وحرية الفكر ، وحماية حقوق الإنسان ، واعتبار موارد الأرض الوافرة أمانة يجب المحافظة عليها ليستفيد منها البشر جميعًا ، ومسئولية المجتمع عن ضمان صلاح حال المواطنين من أفراده وخيرهم ، وتشجيع الأبحاث العلمية ورفع مستواها ، وأخيرًا ذلك المبدأ العملي المتعلق بإيجاد لغة عالمية تضاف إلى اللغات القومية ، إنما هي جميعها عوامل من شأنها أن تساعد على اندماج سكان الأرض في وحدة جامعة . وبالنسبة إلى كل من يستجيب للرسالة الإلهية التي جاء بها حضرة بهاء الله تحمل كل هذه المبادئ والأحكام وأمثالها عين السلطة النافذة التي كانت تتمتع بها الأحكام والأوامر الواردة في النصوص المقدسة السابقة ضد عبادة الأوثان والسرقة وشهادة الزور . وبرغم أن هناك إشارات لبعض هذه المبادئ والإرشادات يمكن ملاحظتها في الآثار المقدسة السابقة ، فإن تعيينها بالتحديد آنذاك كان سابقًا لأوانه ووجب إرجاؤه بالضرورة حتى يتمكن سكان هذا الكوكب ، متعددو الأنواع والأجناس من الانضمام إلى صفٍ واحد ، فيسيروا معًا على دربٍ يكتشفون بواسطته أن طبيعتهم هي طبيعة جنس بشري واحد ليس إلا . وبفضل القوة الروحانية النافذة الخلاقة لرسالة حضرة بهاء الله يصبح في الإمكان تقدير المُثل الإلهية حق قدرها ، ليس كمبادئ وأحكام منفردة قائمة بذاتها فحسب ، بل كمجموعة موحدة تُمثِّل جوانب مختلفة لرؤية واحدة شاملة لمستقبل الإنسانية ، وهي رؤية ثورية في أهدافها ومذهلة فيما تتيحه من فرص وإمكانات .
وهناك مبادئ لا تتجزأ عن هذه التعاليم خاصة بإدارة الشئون الجماعية لبني البشر .
ففي فقرة يكثر اقتباسها واردة في اللوح الكريم الذي وجهه حضرة بهاء الله إلى الملكة فيكتوريا يثني فيها حضرته ثناءً عطرًا على مبدأ الحكم الديموقرطي والدستوري ، كما يوجِّه في تلك الفقرة تحذيره من عدم تنفيذ هذا المبدأ في إطار الواجبات والمسئوليات تجاه خلق عالم موحد ، وضرورة هذا التنفيذ إذا أُريد لهذا المبدأ أن يحقق الغاية التي من أجلها وُجد هذا العصر : { يا أصحاب المجلس في هناك وفي ديارٍ أخرى تدبروا وتكلموا في ما يصلح به العالم وحاله لو أنتم من المتوسمين . فانظروا العالم كهيكل إنسان ، إنه خُلق صحيحًا كاملاً فاعترته الأمراض بالأسباب المختلفة المتغايرة وما طابت نفسه في يومٍ بل اشتد مرضه بما وقع تحت تصرف أطباء غير حاذقين الذين ركبوا مطيّة الهوى وكانوا من الهائمين . وإن طاب عضو من أعضائه في عصرٍ من الأعصار بطبيبٍ حاذقٍ بقيت أعضاء أخرى فيما كان .. }
وفي مقاطع أخرى من هذا اللوح يشرح حضرة بهاء الله بعض الإجراءات العملية التي تتضمنها تلك الاقتراحات ، فيدعو حضرته حكومات العالم إلى إنشاء هيئة دولية للتشاور لتكون أساسًا لما وصفه ولي أمر الله بأنه ( نظام فدرالي عالمي ) وتُخوَّل هذه الهيئة حق الدفاع عن استقلال الدول الأعضاء فيها والمحافظة على سلامة أراضيها ، وتُمنح صلاحية فض النزاعات الوطنية والإقليمية وتنسيق برامج للتنمية العالمية تخدم مصالح الجنس البشري قاطبة . ولعلَّه من الأهمية بمكان أن حضرة بهاء الله يقترح عند تأسيس هذا التنظيم منحه حق استعمال القوة لوقف أي اعتداء تشنُّه أي دولة على أخرى . ففي بيان وجهه إلى حكام عصره يؤكد الدافع الأخلاقي الواضح لمثل هذا الإجراء فيقول : { إن قام أحد منكم على الآخر قوموا عليه إن هذا إلا عدل مبين . }

إن القوة التي بواسطتها سوف تتحقق هذه الأهداف تدريجيًا هي قوة الوحدة والاتحاد ، ورغم أن هذه حقيقة واضحة للبهائيين كل الوضوح ، إلا أن ما يعنيه هذا الاتحاد فيما يختص بالأزمة الراهنة للحضارة الإنسانية قد تفاداها معظم الحوار الدائر اليوم بشأن هذا الموضوع . ولن تعارض إلا فئة قليلة من الناس القول إن المرض المستشري في العالم والذي يمتص دم الإنسانية ويفتُّ من عضدها ما هو إلا الفُرقة وعدم الاتحاد .
فنشاهد مظاهر عدم الاتحاد في كل مكان وقد أصابت الإرادة السياسية بالشلل ، وأضعفت العزيمة الجماعية في السعي للتحول والتغيير ، ونفثت السموم في العلاقات بين المواطنين والعلاقات بين الأديان . أليس من الغريب إذًا بعد حدوث سلسلة من الاضطرابات في عوالم الاجتماع والسياسة والاقتصاد والأخلاق ، تمّت معالجتها وحُلّت بصورةٍ أو بأخرى ، أن نجد أن مبدأ الاتحاد لا يزال يُنظر إليه على أنه هدف يُرجى تحقيقه في المستقبل البعيد ، هذا إذا أمكن بلوغه . ولكن هذه الاضطرابات في حقيقتها ما هي إلا أعراض المرض ومضاعفاته وليست أصل المرض نفسه . والسؤال هنا : لماذا قُلبت الحقيقة من أساسها وتمّ تصديقها بصورة واسعة ؟
ولعل الجواب عن هذا السؤال هو أن السبب في ذلك هو الاعتقاد السائد أن المؤسسات الاجتماعية الموجودة حاليًا عاجزة كل العجز عن تحقيق أي اتحاد حقيقي يجمع القلوب والعقول بين أناس تختلف خبراتهم اختلافًا عميق الجذور .
وفي كل الأحوال فإن هذا الاعتراف الضمني هو خطوة محمودة تُمثِّل تقدمًا في التفكير في المفهوم الخاص بمراحل التطور الاجتماعي الذي كان سائدًا قبل عقود قليلة ماضية ، كما أنه سيكون ذا فوائد عملية محدودة في مواجهة التحديات القائمة .
إن الوحدة والاتحاد حالة من حالات النفس الإنسانية يدعمها ويُنمي قدراتها التعليم والتربية إضافة إلى ما يمكن تشريعه من قوانين . ولكن ذلك لن يحدث ما لم يصبح الاتحاد ذا كيان بارز ، وما لم يترسخ وجوده قوة نافذة ومؤثرة في حياة المجتمع .
فطبقة المثقفين من أنصار العولمة الذين تصوغ توصياتهم واقتراحاتهم المفاهيم المادية الخاطئة بالنسبة إلى ماهية الحقيقة ، يتشبثون بشدة بأمل أن تتمكن المحاولات الفذة لإعادة تنظيم المجتمع مدعومة بالمساومات السياسية من أن تُرجئ إلى أجل غير مسمى حدوث تلك الكوارث التي تلوح في الأفق مهددة مستقبل الجنس البشري ، وهي الكوارث التي لا ينكر خطرها إلا فئة قليلة من الناس . وفي هذا الصدد يُصرِّح حضرة بهاء الله قائلاً { إن مايمكن مشاهدته هو أن الجنس البشري بأسره محاط بالمصائب والآلام . فأولئك الذين أسكرهم غوى أنفسهم قد وقفوا حائلاً بين البشر وبين الطبيب الحاذق . فشاهِدوا كيف أوقعوا الناس بما فيهم أنفسهم في مكائدهم . فهم عاجزون عن اكتشاف أسباب المرض ولا يعرفون له علاجًا . }
وحيث إن الاتحاد هو العلاج الشافي لأمراض العالم ، فإن مصدره الواحد الأكيد هو إحياء الدين وأثره الخيِّر في المعاملات والشئون الإنسانية ، ويعلن حضرة بهاء الله أن المبادئ والأحكام التي أنزلها الله في هذا اليوم هي { السبب الأعظم والوسيلة الكبرى لظهور نيِّر الاتحاد وإشراقه . } ويضيف أيضًا { كل ما يشاد على هذا الأساس لا تزعزعه حوادث الدنيا ولا يُقوِّض أركانه مدى الزمان . }

في صميم الرسالة الإلهية التي جاء بها حضرة بهاء الله إذًا دعوة إلى خلق مجتمع عالمي موَّحد يعكس وحدة الجنس البشري . ففي نهاية المطاف إن جلّ ما يمكن الجامعة البهائية أن تسوقه من الأدلة لإثبات صدق دعوة حضرة بهاء الله هو أُنموذج الوحدة والاتحاد الذي أنتجته تعاليمه . فالدين البهائي وهو يدخل القرن الحادي والعشرين إنما يُمثِّل ظاهرة فريدة لم يشهد العالم لها مثيلاً . فبعد عقود من الجهد تفاوتت فيه طفرات النمو وفترات الدعم والاستحكام طويلة الأمد ، إضافة إلى ما جابهته الجامعة البهائية في أغلب الأحيان من نكسات وعوائق ، نجد هذه الجامعة اليوم وهي تضم عدة ملايين من البشر يمثِّلون تقريبًا كل خلفية إثنية وثقافية واجتماعية ودينية على وجه الأرض ، يقوم هؤلاء على إدارة شئونهم الجماعية عن طريق مؤسسات تُنتخب انتخابًا ديموقراطيًا ، دون أي تدخُل من قِبل رجال الدين .
فآلاف المراكز المحلية التي غرست هذه الجامعة جذورها فيها موجودة في كل دولة وإقليم ومجموعة من الجزر ذات الأهمية ، وهي تمتد من القطب الشمالي إلى " تيارا دل فويغو " ومن أفريقيا إلى المحيط الهادي . ولعله من غير المحتمل أن يعارض أحد من الناس على علم بالشواهد المتوافرة ، الرأي الذي يؤكد أن الجامعة البهائية تؤلف أكثر المجموعات البشرية تنوعًا وأوسعها انتشارًا من الناحية الجغرافية ، إذا ما قورنت بأية مجموعات بشرية مماثلة على هذا الكوكب .

وهذا الإنجاز يستدعي تفهمًا وإدراكًا لحقيقته . وقد يسوق تساؤلات تقليدية معروفة تنسب إلى عوامل مثل توافر المصادر المالية ، أو رعاية لمصالح سياسية تخدم قوى ذات نفوذ ، أو الاستعانة بالمعتقدات الغيبية ، أو تطبيق برامج للدعوة والتبشير شديدة اللهجة تثير الرهبة في النفوس من غضب الله وعذابه – والواقع إنه لم يكن لأيّ من هذه العوامل دور في ما حققته الجامعة البهائية من إنجازات . فقد تمكّن أتباع هذا الدين من تحديد هويتهم كأعضاء جنس بشري واحد ، وهي الهوية التي تصوغ أهداف حياتهم ، والتي من الواضح أنها ليست تعبيرًا عن أي شعور لديهم بالتفوق المعنوي على الآخرين { يا أهل البهاء إن لم يكن هناك من ينافسكم فذلك الفضل فضل عنايته ورحمته عليكم . } ولابد للمراقب المنصف أن يفكر مليًا في أن الدين البهائي ظاهرة قد تكون – على الأقل – نتيجة عوامل ومؤثرات تختلف كل الاختلاف
في طبيعتها عما اعتاده الناس وألِفوه ، إنها العوامل والمؤثرات التي يمكن وصفها صواباً بأنها روحية فقط ، فهي قادرة على أن تشحذ همم أشخاص عاديين من كل خلفية فيحققوا مآثر من البذل والتضحيات والفهم والإدراك تبعث على الدهشة والإعجاب.
ومما يسترعي الانتباه أن الدين البهائي قد حافظ على وحدته التي حققها دون أن يصيبها ضعف أو يعتورها خلل ، وذلك إبَّان المراحل الأولى من تاريخه حين كان عرضة للهجوم والأذى . ولن يجدي البحث نفعًا في العثور على مجموعة أخرى من الناس في التاريخ – سياسية، دينية ، أم اجتماعية – تمكنت من الصمود بنجاح أمام آفات التشرذم والانشقاق المستديمة . فالجامعة البهائية بكل تنوعها ليست إلا وحدة واحدة من البشر ، متحدة في إدراكها لما أرادته الرسالة الإلهية التي بعثتها ، متحدة في ولائها للنظام الإداري الذي جاء به حضرة بهاء الله لإدارة شئونها المشتركة ، وهي متحدة أيضًا في التزامها في تنفيذ مسئولياتها من نشر رسالته في سائر أنحاء المعمورة . ورغم ذلك فإبِّان العقود التي استغرقها نمو هذا الدين حاول عدد من الأشخاص ، بعضهم من ذوي الاعتبار وعلو المقام وكلهم مدفوع بحافز من الطمع والطموح ، بذل أقصى جهدهم لخلق أتباع منفصلين يدينون بالولاء لهم متأثرين بما قدَّمه هؤلاء من تفاسير شخصية فرضوها على ماجاء به حضرة بهاء الله في آثاره الكتابية . وعلينا ألا ننسى أن في بواكير تلك المرحلة التي شهدت تطور كل دين قامت محاولات مشابهة لما ذكرناه ونجحت في خلق الفرقة والانشقاق في تلك الأديان حديثة التكوين وتقسيمها إلى شيِيع فرق متنافسة . أما بالنسبة للدين البهائي فقد باءت كل هذه المحاولات بالفشل دون استثناء ، ولم تتمكن إلا من إثارة جدل مؤقت كانت حصيلته النهائية أن ازداد إيمان الجامعة البهائية عمقًا بتلك الأهداف التي رسمها مؤسسها وأرسخت لديهم الالتزام بها . وهكذا أكد حضرة بهاء الله لأولئك الذين آمنوا برسالته قائلاً { إن نور الاتحاد والاتفاق نور يضئ الآفاق كلها . }
ولما كانت الطبيعة الإنسانية على ما هي عليه ، فلا يسع المرء إلا أن يُقدِّر حق قدره ما خطّه ولي أمر الله مستبقًا الأمور ومؤكدًا أن تلك المحاولات بمثابة عمليات تطهير وستستمر زمنًا طويلاً وستكون بالضرورة ، رغم هذا التناقض الظاهر جزءًا لا يتجزأ من معالم نضج الجامعة البهائية .

أنتظر تعليقاتكم على:
[email protected]



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الله واحد -النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(3)
- دين الله واحد -النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(2)
- دين الله واحد -النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد
- الفارق بين الحق و الباطل
- هوّ ربنا خلقنا ليه؟؟؟؟؟؟؟-هدف الله من خلق الخلق
- نحو إقتصاد عالمى أفضل من خلال الرؤى البهائية
- الكلمات المكنونة
- لوح أصل كل الخير
- مكانة المرأة ومساواتها بالرجل
- هذا بلاغ للعالمين -يوم الله
- المراتب السبعة للسالكين إلى الوطن الالهي من المسكن الترابي
- الوديان السبعة-رحلة الروح من عالم الوجود إلى عوالم القرب لله ...
- وثيقة ازدهار الجنس البشرى-الجزء الرابع والأخير (4)
- البهائيون من يكونون
- ازدهار الجنس البشرى-الجزءالثالث(3)
- تاريخ الأديان
- وثيقة ازدهار الجنس البشرى -المقال الثانى
- رسالة إلى قادة الأديان فى العالم
- ازدهار الجنس البشرى-الجزء الأول
- رقيّ العصر الحاضر


المزيد.....




- حجة الاسلام شهرياري: -طوفان الاقصى- فرصة لترسيخ الوحدة داخل ...
- القناة 12 الإسرائيلية: مقتل رجل أعمال يهودي في مصر على خلفية ...
- وزيرة الداخلية الألمانية تعتزم التصدي للتصريحات الإسلاموية
- مراجعات الخطاب الإسلامي حول اليهود والصهاينة
- مدرس جامعي أميركي يعتدي على فتاة مسلمة ويثير غضب المغردين
- بعد إعادة انتخابه.. زعيم المعارضة الألمانية يحذر من الإسلام ...
- فلاديمير بوتين يحضر قداسا في كاتدرائية البشارة عقب تنصيبه
- اسلامي: نواصل التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة وفق 3 أطر
- اسلامي: قمنا بتسوية بعض القضايا مع الوكالة وبقيت قضايا أخرى ...
- اسلامي: سيتم كتابة اتفاق حول آليات حل القضايا العلقة بين اير ...


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - دين الله واحد-النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(4)