أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - راندا شوقى الحمامصى - ازدهار الجنس البشرى-الجزءالثالث(3)















المزيد.....

ازدهار الجنس البشرى-الجزءالثالث(3)


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 2120 - 2007 / 12 / 5 - 11:39
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


إن المقتضيات الضرورية لتنمية المجتمع العالمى تتطلب مستويات من القدرات والطاقات تفوق بكثير كل ما لدى الجنس البشرى حتى الآن. سيحتم الوصول إلى هذه المستويات توسعاً كبيراً فى الحصول على المعرفة من قِبَل الأفراد والهيئات الاجتماعية على حد سواء. وسيكون التعليم العالمى عاملاً لا غنى عنه فى عملية بناء القدرات هذه. وتكليل الجهود بالنجاح مرهون بإعادة تنظيم أمور البشرية بصورة تُمَكِّنُ كلاً من الأفراد والجماعات فى كل قطاعات المجتمع من الحصول على المعرفة اللازمة وتوظيفه لصالح الإنسانية. لقد اعتمد الوعى البشرى وعلى مدى التاريخ على نظامين أساسيين للمعرفة عَبَّر من خلالهما وباطراد عن قدراته، ألا وهما العلم والدين. إذ عن طريقهما نظم الجنس البشرى خبراته وهيأ بيئته وسخر قواه الكامنة ونظم حياته الأخلاقية والثقافية. فالعلم والدين هما الجذور والأصول والسلف الأساسى والحقيقى للمدنية. وبنظرة إلى الماضى يتضح لنا جلياً أن النسق والبناء المزدوج للعلم والدين كان على قمة فعاليته وتأثيره فى الحقب التى كانا - كلُ فى مجاله - يعملان فى وفاق واتفاق.
إن ما وصل إليه التقدم العلمى فى عالمنا المعاصر بَيِّنُ لايحتاج إلى توضيح. فالأمر إذاً وفى سياق استراتيجية لتنمية اجتماعية واقتصادية هو كيفية تنظيم الأنشطة العلمية والتكنولوجية إذا ما أنحصر العمل أساساً فى الحفاظ على ما تأسس من عدد قليل من الأمم فى مرتبة الصفوة فمن البديهى أن تزداد الفجوة اتساعا بين عالم غنى والآخر فقير مع الأخذ فى الاعتبار العواقب الوخيمة للاقتصاد العالمى التى بدأت تلوح فى الأفق.
إذا ما استمر معظم الجنس البشرى كمستهلكين وملتهمين لثمار العلم والتكنولوجية المقطوفة فى بلد آخر فإن البرامج المزعومة التى وضعت لخدمة احتياجاتهم لا يمكن تسميتها بالتنمية. لهذا فإن التحدى الرئيسى والكبير هو التوسع فى الأنشطة العلمية والتقنية وإن العناصر الفعالة فى التغيير الاجتماعى والاقتصادى لا يجب أن تكون وقفاً على ذوى الحظوة من قطاعات المجتمع. بل يجب تنظيمها بحيث تسمح للناس أينما كانوا بالمشاركة فى مثل هذه الأنشطة على أساس كلُ حسب قدرته. وبالإضافة إلى وضع البرامج التى تجعل من التعليم المطلوب متيسراً لكل من أراد أن ينهل منه، فإن إعادة التنظيم تتطلب مراكز حيوية للتعلم والعلم والمعرفة تكون قادرة على البقاء والنمو على نطاق العالم اجمع. ومؤسسات تكون باستطاعتها الارتقاء بقدرات ومقدرات سكان العالم لكى يساهموا بدورهم فى تطوير وتطبيق المعارف والعلوم. مع الإقرار بالفروق الواسعة فى القدرات الفردية للناس إلا أن استراتيجية التنمية يجب أن تهدف أساساً لأن يكون بإمكان كل سكان الأرض ممارسة حقهم الطبيعى فى التعامل مع العلم والتكنولوجيا على قدم المساواة. لقد أخذت المزاعم المعهودة بالحفاظ على الأوضاع الراهنة كما هى عليه، تضمحل يوماً بعد يوم أمام ثورة تكنولوجيا الاتصالات السريعة التى جعلت فى مقدور أعداد كبيرة من الناس الحصول على المعلومات والمعرفة أينما كانوا ومهما كانت خلفياتهم الثقافية.
إن التحديات التى تواجه البشرية فى حياتها الدينية رغم الاختلافات فى طبيعتها لكنها متساوية فى كونها خطيرة. إن فكرة أن للطبيعة البشرية بُعدٌ روحى أصبحت حقيقة مسلم بها بالنسبة للغالبية العظمى من سكان العالم. وفى الحقيقة فإن كنه وجوهر الإنسان أساساً روحانى. هذا الفهم والإدراك لهذه الحقيقة يمكن الكشف عنه فى السجلات الأولى للمدنية، ذلك لأن المدنية نمت وترعرعت فى كنف كل واحد من المعتقدات الدينية العظيمة السابقة. وبفضلها استطاعت بما تحقق من إنجازات عظيمة فى القانون والفنون وتَحَضُّر فى المعاملات والتواصل بين البشر أن تعطى للتاريخ شكلاً ومضموناً ومعنى. من البوادر العاجلة فى الحياة الدنيا للبعد الروحى للطبيعة البشرية هى الأشواق الجمة والحارة للخلاص تزيد من حرارتها الأحداث الجارية فى العالم اليوم.
من البديهى إذاً أن تأخذ المجهودات - أيا كانت - والتى تبذل للارتقاء بالتقدم البشرى فى الاعتبار مثل هذه المقدرات الروحية الخلاقة. لماذا إذاً لا تكون المواضيع الروحية التى تواجه البشرية محوراً فى الحديث عن التنمية ؟ لماذا تُحَدَّدُ معظم الأولويات ومعظم التصورات الأساسية فى أجندة التنمية العالمية حتى الآن من وجهة نظر الماديين الذين ما هم إلا قلة صغيرة من سكان الأرض ؟ كم من الوزن يمكن إعطاؤه للتمسك المصطنع بمبدأ المشاركة العالمية الذى لا يعترف بشرعية وحق المشاركين فى الاستفادة من التجارب الثقافية؟
قد يتقدم البعض بحجة أن الأمور الروحية والأخلاقية منغمسة تاريخياً فى النزاعات الدينية والعقائدية التى لا تقبل البراهين الموضوعية لذا فإنها خارج إطار اهتمامات المجتمع العالمى التنموية و إعطاؤها أى دور بارز سيكون بمثابة فتح الباب على مصراعيه لتلك التأثيرات العقائدية التى غَذَّتْ الصراعات الاجتماعية فأعاقت التقدم البشرى. لاشك أن هنالك بعض من الحقيقة فى مثل هذه الحجج. يتحمل فقهاء معظم الأنظمة اللاهوتية مسئولية كبيرة ليس لإساءة السمعة التى ابتلى بها الدين لدى العديد من المفكرين التقدميين فحسب بل للمنع والردع والتحريف الذى أصاب بحث البشرية المستمر فى المقاصد والدلالات والمعانى الروحانية، فى النهاية يأتى الرد على مثل هذه الحجج بأن زجر وتثبيط همة التحرى فى الحقائق الروحانية وتجاهل مثل هذا الباعث والمحرك الإنسانى ذى الجذور الراسخة ما هو إلا وهم وضلال بَيِّنٌ بنفسه لا يحتاج إلى برهان.
إن الأثر الوحيد الذى أدى إليه فرض الوصاية والاحتكار فى التاريخ الحديث هو وضع أمر تشكيل هيكل مستقبل البشرية فى أيدى معتقد عرفى جديد يزعم بأن الحق لا هو من الأخلاق فى شئ ولا هو منافى لحسن الأخلاق ( أى لا يقع ضمن نطاق القواعد والأحكام الأخلاقية ) وأن حقائق الأمور مستقلة بذاتها لا تعتمد على القيم ومنفصلة عنها.
حتى الآن وفيما يختص بالحياة الأرضية فإن العديد من الإنجازات العظيمة للدين كانت ومازالت ذات طابع أخلاقى، إذ عن طريق التعاليم الدينية وبواسطة تلك الأرواح التى استضاءت من فيض نور هذه التعاليم من أمثلة فإن جموعً غفيرة من الناس فى كل العصور والبلدان استطاعت أن تنمى موهبة وملكة المحبة. فقد استطاعوا أن يكبحوا جماح النفس والشهوات البهيمية ويقوموا بتضحيات عظيمة من أجل الصالح العام، وممارسو العفو والغفران والكرم والحنان والثقة والاطمئنان واستخدام الثروة والموارد بطرق تخدم الارتقاء بالحضارة والمدنية. ولقد أنشـأ نظام المؤسسات لتحويل هذا الرقى الأخلاقى إلى قواعد وأسس اجتماعية على نطاق واسع. بالرغم من غشاوة التراكمات العقائدية وانشغالها بالصراعات الطائفية إلا أن الباعث والدوافع الروحانية القوية التى حركتها تلك النفوس السامية التى لا نظير ولا مثيل لها أمثال كرشنا، وموسى، وبوذا، و زرا دشت، و المسيح، ومحمد، كانت المؤثر والعامل الرئيسى فى صقل وتمدن الطبيعة البشرية.
حينئذ يكمن التحدى فى تمكين وتقوية ساعد البشرية عبر زيادة كبيرة فى وسائل الحصول على المعرفة. والسبيل إلى تحقيق هذه الغاية يجب أن ينبنى على حوار متواصل ومكثف بين العلم والدين. ومن البديهى الآن أن فى كل مجالات وعلى كل مستويات الأنشطة الإنسانية يجب للأفكار الثاقبة والمهارات الحاذقة الناتجة عن الإنجاز العلمى أن تأخذ فى الاعتبار القوى المستمدة من الالتزام الروحى والقواعد الأخلاقية لتأمين التطبيق الملائم لها. فالناس فى حاجة - مثلاً - لأن يتعلموا كيف يفرقوا بين الحقائق والأوهام. بل فى واقع الأمر كيف يميزوا بين النظر للأمور من زاوية وميول واعتبارات شخصية وبين الحقائق الموضوعية المنزهة عن الغاية والهوى. إن مدى إمكانية مشاركة الأفراد والمؤسسات ذات الإعداد المتين فى تقدم البشرية سيتحدد بتعلقهم بالحق والصدق وتجردهم من البواعث الذاتية والأهواء والمصالح الشخصية. والمواهب الأخرى التى يجب أن ينميها العلم فى كل الناس هى التفكير من منطلق السياق العام بما فيها السياق التاريخى. عموماً إذا كان للتقدم الفكرى أن يساهم فى نهاية الأمر فى تطوير التنمية يجب لمراميه ألا تظللها غمائم التعصب العرقى أو الثقافى أو الجنسى أو الانتماء الطائفى. وبالمثل فإن التدريب والترويض الذى يُمَكِّنُ سكان الأرض من المشاركة فى استخراج الثروة سيطور من مرامى وأهداف التنمية إلى حد معين إلا إذا ما استضاءت بواعثها ودوافعها بأنوار المفهوم الروحانى بأن خدمة البشرية هى الهدف السامى فى حياة الفرد والمنظمات الاجتماعية.
إن التصدى للمسائل الاقتصادية التى تواجه البشرية يجب أن يكون عبر السياق العام لرفع مستوى القدرات والطاقات الإنسانية من خلال التوسع فى المعرفة. كما أوضحت التجارب فى العقود الأخيرة لا يمكن اعتبار المصالح والمكاسب المادية غاية فى حد ذاتها لأن قيمتها ليست فقط فى توفير الاحتياجات الأساسية للناس من مسكن وغذاء ورعاية صحية وما شابه ذلك ولكن فى الزيادة والتوسع فى القدرات والمهارات البشرية. إن أهم دور يجب أ ن تلعبه المجهودات الاقتصادية فى التنمية يكمن - إذاً - فى تزويد الناس والمؤسسات بالوسائل التى تمكنهم من تحقيق الهدف الفعلى من التنمية ألا وهو وضع حجر الأساس لنظام اجتماعى جديد يكون قادراً على تربية وتنشئة القوى التى لا حد لها والكامنة فى وجدان ومشاعر البشر.
أن التحدى الذى يواجه الفكر الاقتصادى هو أن يقبل دون لبس أو غموض هذا الهدف للتنمية وأن يكون دوره إنشاء وتنمية الطرق والوسائل التى تؤدى إلى تحقيقه. بهذه الطريقة وحدها يمكن للاقتصاد والعلوم ذات الصلة به من أن تتحرر من الانقياد الأعمى وراء الماديات ومن ثم تقوم بدورها كأداة حيوية لتحقق البشرية الرخاء الفعلى. والحاجة هنا أكبر وضوحاً للحوار المكثف بين الإنجازات العلمية والمفاهيم الدينية السليمة.
وتجدر الإشارة هنا إلى مشكلة الفقر. فالآراء التى تسعى لحلها تستند على قناعة بأن الموارد المادية التى يمكنها أولاً التخفيف من وطأتها المزمنة ثم فى النهاية استئصالها والتخلص منها كسمة من سمات الحياة البشرية، موجودة أو على الأقل يمكن أن توفرها المجهودات العلمية والتكنولوجية، أما لماذا لم يتحقق هذا الفرج ؟ فإن السبب الرئيسى لذلك هو أن الاكتشافات والتقدم العلمى والتكنولوجى موظفة لخدمة مجموعة من الأولويات لا تمت للاحتياجات الفعلية للغالبية العظمى من البشر إلا بقدر ضئيل من الصلة. و إذا ما أردنا أن نرفع عبء الفقر عن كاهل العالم لابد من إعادة ترتيب هذه الأولويات بصورة جوهرية، مما يتطلب العزيمة على التمسك بالقيم الفاضلة، عزيمة تضع الحالة الروحية والعلمية للمجتمع البشرى موضع اختيار صعب. وهنا سيجد الدين صعوبة بالغة فى أن يلعب دوراً فى مثل هذه المساعى طالما أنه حبيس المعتقدات الطائفية التى لا تستطيع أن تميز بين الرضا والقناعة، وبين السلبية والاستكانة. ونجد أيضاً أن من بعض التأويلات الدينية : أن الفقر من السمات الأساسية للحياة على الأرض وأن الخروج من دائرته هو فقط فضل من الله ورضوانه لهذا كان لزاماً على الناحية الدينية ولكى يتسنى لها المشاركة الفعالة فى النضال من أجل تحقيق الرخاء المادى للبشرية أن تحصل من منبع وحيها وإلهامها على مفاهيم ومبادئ روحانية جديدة متماشية مع روح العصر الذى يسعى لتأسيس الوحدة والعدل بين البشر.
أما البطالة فإنها تثير نقاطاً جديرة بالنقاش : ففى معظم الفكر المعاصر انحصر ولحد كبير مفهوم العمل فى الأشغال المربحة التى تهدف إلى الحصول على الوسائل التى تمكن من اقتناء واستهلاك ما يتوفر من سلع وأمتعة. وهذا يشكل حلقة مفرغة، إذ من الاقتناء والاستهلاك يأتى التوسع والتطور فى إنتاج السلع والذى يوفر بدوره المصدر اللازم لرفع أجور العمالة. ويتمثل القصور فى مفهوم العمل هنا فى روح اللامبالاة التى يبثها النقاد الاجتماعيون فى أوساط أعداد كبيرة من الموظفين فى كل البلدان وفى إضعاف الروح المعنوية لأعداد متزايدة من العاطلين. ليس من المستغرب إذا الاعتراف المتزايد بأن العالم فى حاجة عاجلة إلى ميثاق شرف يضع فهماً أفضل لمعنى العمل. وهنا نجد ألا شىء يمكن أن يعيد التواؤم اللازم و الضرورى بين العادات والتقاليد والسلوك سوى الفكر الثاقب والفراسة الناتجة من التفاعل الخلاق بين الأنظمة العلمية والدينية للمعرفة. ففى الاختلاف عن الحيوانات التى تعتمد فى قوتها على ما تجود به الطبيعة. نجد أن البشر ملزمون بالتعبير عن القدرات الهائلة الكامنة فيهم بالعمل المثمر الهادف للإيفاء باحتياجاتهم واحتياجات غيرهم الشىء الذى يجعل منهم مساهمين فى عملية التقدم والتطور الحضارى مهما كان مستوى هذه المساهمة متواضعاً، ويحقق أهدافاً من شأنها توحيدهم وتآلفهم مع الآخرين. وللترغيب فى العمل عن يقين وتأديته بروح الخدمة للبشرية يتفضل حضرة بهاء الله بقوله العز الأتم ( ما معناه ) : " هو ( أى العمل ) نوع من الصلاة ووسيلة لعبادة الله العلى الأكرم "
ولكل فرد الحق والمقدرة على ان يكيف نفسه أو نفسها على هذا المفهوم. ويجب أن تنشد استراتيجية التنمية إلى تحقيق هذه الموهبة الذاتية التى هى حق معلوم لا يحرم السائل منها، أيا كانت الخطط الموضوعة ومهما كان العائد المرجو منها. لن يذكر الناس تجربة أخذت من المجهود والالتزام مقدار ما ستطلبه المهام الاقتصادية القادمة.
هنالك تحد آخر يواجه الفكر الاقتصادى نتيجة للمشكلة البيئية. لقد انكشف الستار تدريجياً عن الاعتقادات الخاطئة المبنية على التمسك بأن بإمكان الطبيعة تلبية أى طلب يمليه عليها البشر. إن السلوك الذى يعطى الأهمية المطلقة للتوسع فى الاقتناء ( الاستحواذ ) وإشباع رغبات الناس أصبح مُجبَراً على الاعتراف بأن مثل هذه الأهداف لا يمكن الاعتماد عليها كموجهات واقعية عند وضع السياسات والخطط. ويلازم القصور أيضاً المعالجات للمواضيع الاقتصادية التى تكون قنوات اتخاذ القرار فيها غير مستوعبة للتعامل مع حقيقة وواقع أن معظم التحديات الرئيسية عالمية شاملة أكثر منها محلية ذات طبيعة خاصة.
إن الأمل معقود على الخروج من مثل هذه الأزمة (البيئية) بالمبالغة الزائدة فى تعظيم شأن الطبيعة يشكل - فى حد ذاته - دليلاً على ما أحدثته هذه الأزمة من يأس روحانى وفكرى.
رغم الترحيب بالإقرار بأن الخلق والخليقة بنيان عضوى متكامل وأن من واجب البشر الحفاظ على هذا التكامل إلا أنه لا يؤدى إلى التأثير الذى من شأنه تأسيس نظام جديد للقيم الوجدانية. وكى يتشبع الجنس البشرى بالطاقة والقوة التى تمكنه من حمل الأمانة التاريخية الملقاة على عاتقه لابد له من الإقدام على مفهوم علمى وروحانى بمعنى الكلمة.
سيسترد كل الناس عاجلاً أو آجلاً موهبة الرضا والقناعة والتمسك بالأدب والأخلاق والإخلاص فى أداء الواجب والتى كانت تعتبر حتى وقت قريب من الصفا ت الأساسية للإنسان. مرة تلو أخرى وعلى مدى التاريخ استطاعت التعاليم التى أتى بها مؤسسو الأديان العظيمة أن تبث هذه القيم السلوكية فى جموع من استجاب لهم من الناس. واليوم أصبحت هذه القيم أكثر أهمية وحيوية والتعبير عنها يجب أن يأخذ شكلاً متمشياً مع بلوغ الإنسانية سن رشدها .ومرة أخرى نجد هنا أن التحدى الذى يواجه الدين هو أن يحرر نفسه من وساوس الماضى. فالرضا والقناعة لا تعنى الإجبار على التسليم بالأمر الواقع وليس بين السلوك القويم وبين التشدد والتزمت فى الدين من قاسم مشترك. التفانى المخلص فى أداء الواجب يجلب الشعور للنفس بالجدارة والاقتدار وليس مرعاه للتباهى.
إن الإصرار على إنكار المرأة حقها فى المساواة الكاملة مع الرجل يزيد عمقاً من التحدى الذى يواجه العلم والدين فى تعاملهما مع الحياة الاقتصادية للبشرية. ولا يفوت على أى مراقب حصيف أن مبدأ المساواة بين الجنسين أساسى لأى تفكير واقعى لخير وسعادة الأرض وشعوبها فى المستقبل. فهو أحد حقائق الطبيعة البشرية التى ظلت مهملة بشكل واسع خلال عصور تطور البشرية الطويلة منذ طفولتها وحتى فترة مراهقتها. وقد أكد حضرة بهاء الله تأكيداً قاطعاً (ما معناه): "أن النساء والرجال كانوا وسيظلون على الدوام سواسية ( كأسنان المشط ) عند الله.
إن الروح العاقلة لا جنس لها ( أى لا فرق بين روح الرجل وروح المرأة ) ومهما فرضت متطلبات المعيشة من ظلم اجتماعى فى الماضى فلا مبرر له فى وقت تقف فيه البشرية على أعتاب بلوغها سن الرشد. سيكون الالتزام بالمساواة الكاملة بين الرجال والنساء فى كل دوائر الحياة وعلى كل المستويات الاجتماعية محوراً أساسياً لنجاح الجهود لصياغة وتنفيذ استراتيجية تنمية عالمية. بل لو أمعنا النظر فإننا نجد أن التقدم فى هذا المجال ( أى فى المساواة بين الرجل والمرأة ) سيكون فى حد ذاته مقياساً لنجاح أى برنامج تنموى. بالنظر إلى الدور الحيوى للأنشطة الاقتصادية فى التقدم الحضارى، نجد أن الشاهد والدليل الرئيسى على ما تحققه التنمية من تقدم هو مقدار ما يكون فى متناول النساء من سبل الوصول والمشاركة فى كل المساعى الاقتصادية.
إن التحدى أعمق من مجرد توزيع عادل للفرص - رغم أهمية ذلك - فهو يرمى إلى أبعد من هذا. إذ أنه ينادى بإعادة النظر بصفة جوهرية فى المسائل الاقتصادية بصورة تجعل من الممكن المشاركة الكاملة لأكبر قدر من القوة البشرية التى كانت ومازالت محرومة من الخوض فى هذا المضمار. إن النماذج الاقتصادية التقليدية للأسواق الخالية من الدفء والتعامل الإنسانى والتى يقوم فيها البشر بإشباع رغباتهم الشخصية فقط غير آبهين بغيرهم من الناس لن تلبى احتياجات عالم هدفه الأسمى الوحدة وإقامة صرح العدل. سيجد المجتمع نفسه أمام تحدى متزايد لتطوير نماذج اقتصادية جديدة مبنية على حنكة تقوم على تعاطف مشترك ومودة ووئام وعلى اعتبار أن الناس لبعضها وعلى الاعتراف بأهمية دور الأسرة والمجتمع فى الصلاح والخير الاجتماعى. مثل هذه النظرة الثاقبة والتى تنم عن حب الخير وليس عن حب الذات يجب أن تركز أساساً على الأحاسيس والمشاعر الروحية والمقدرة العلمية للجنس البشرى. وأن آلاف السنين من الخبرة قد أعدت وأهلت النساء للمشاركة المؤثرة فى المجهودات العامة والمساعى المشتركة. (عن بيت العدل الأعظم)



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تاريخ الأديان
- وثيقة ازدهار الجنس البشرى -المقال الثانى
- رسالة إلى قادة الأديان فى العالم
- ازدهار الجنس البشرى-الجزء الأول
- رقيّ العصر الحاضر
- يوم جديد وحضارة جديدة ونهار لا يعقبه ليل
- يوم جديد ونور شديد وحضارة جديدة ونهار لا يعقبه ليل
- عالم واحد والبشر سكانه
- الوحدة
- البهائية والبحث عن الحقيقة
- وحدة العالم الإنسانيّ
- نداء وحدة العالم الإنسانيّ
- الدين سبب اتحاد العالم
- عالم الوجود محتاج إلى الرّوح وروحه هو الدّين الإلهيّ
- لا نهاية للفضل الإلهيّ
- العلم ووحدة العالم الإنسانى
- صوت السّلام العامّ
- صبح الصّلح الأكبر
- المبادئ الرئيسية فى الدين والعقيدة البهائية
- العصر البديع قادم


المزيد.....




- مسؤول إسرائيلي لـCNN: إسرائيل لم تقبل مقترح مصر بشأن صفقة ال ...
- رغد صدام حسين تبدأ نشر مذكرات والدها الخاصة في -المعتقل الأم ...
- وزير الخارجية الأردني: لو كان إلغاء اتفاقية السلام مع إسرائي ...
- بلينكن يزور السعودية وحماس تبث فيديو لرهينتين
- بعد بن غفير.. تحطم سيارة وزير إسرائيلي في حادث سير بالقدس (ف ...
- روبرت كينيدي يدعو ترامب للمناظرة
- لماذا يخشى الغرب تمدد احتجاجات الجامعات الأمريكية لأوروبا؟
- كمبوديا تعلن مقتل 20 جنديا وجرح آخرين في انفجار بقاعدة عسكري ...
- إلقاء القبض على شخصين كانا يخططان لشن هجمات إرهابية في مدينة ...
- شرطي تركي يطلق النار على رئيس مركز الشرطة ورئيس مديرية الأمن ...


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - راندا شوقى الحمامصى - ازدهار الجنس البشرى-الجزءالثالث(3)