أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - راندا شوقى الحمامصى - المبادئ الرئيسية فى الدين والعقيدة البهائية















المزيد.....


المبادئ الرئيسية فى الدين والعقيدة البهائية


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 2016 - 2007 / 8 / 23 - 09:39
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


ثلاثة مبادئ أساسية :
في بحثنا ومناقشتنا لتعاليم الدين البهائي سوف نتناول أولا ثلاثة مبادئ أساسية وهي (1) وحدة الألوهية (2) وحدة الجنس البشري (3) وحدة أصل الأديان .

(1) وحدة الألوهية :
البهائية تؤمن باله واحد ، وهذا يعني بأن الكون وجميع المخلوقات وما فيه من قوى قد خلقها خالق متعال وهو فوق قدرة الإنسان والطبيعة . هذا الموجود المقدس المنزه الذي نسميه الله سبحانه وتعالى له السلطة المطلقة على مخلوقاته وهو (القدير) بالإضافة إلى العلم والمعرفة الكاملة والشاملة وهو (العليم) . وقد يكون لدينا مفاهيم مختلفة عن الله وطبيعته وقد نصلّي له بلغات مختلفة وندعوه بأسماء متنوعة مثل الله ، يهوه ، الرب أو براهما ولكننا في جميع الأحوال نتحدث عن نفس الوجود المقدس المنيع .
تعظيما وتجليلا لله سبحانه وتعالى يقول حضرة بهاء الله :
" سبحانك اللهم يا إلهي أنت الذي لم تزل كنت في علو القدرة والقوة والجلال ولا تزال تكون في سمو الرفعة والعظمة والإجلال كل العرفاء متحير في آثار صنعك وكل البلغاء عاجز من إدراك مظاهر قدرتك واقتدارك كل ذي عرفان اعترف بالعجز عن البلوغ إلى ذروة عرفانك وكل ذي علم أقر بالتقصير عن عرفان كنه ذاتك(1) ".
أشار حضرة بهاء الله بأن الله عز وجل أعظم وأجل من أن يدركه أحد أو يتصوره العقل البشري المحدود أو يحدد بأي شكل من الأشكال :
" شهد الله لنفسه بوحدانية نفسه ولذاته بفردانية ذاته ونطق بلسانه في عرش بقائه وعلو كبريائه بأنه لا إله إلا هو لم يزل كان موحد ذاته بذاته وواصف نفسه بنفسه ومنعت كينونته بكينونته وأنه هو المقتدر العزيز الجميل وهو القاهر فوق عباده والقائم على خلقه وبيده الأمر والخلق يحيى بآياته ويميت بقهره لا يسئل عما يفعل وإنه كان على كل شئ قدير وإنه لهو القاهر الغالب الذي في قبضته ملكوت كل شئ وفي يمينه جبروت الأمر وإنه كان على كل شئ محيط له النصر والانتصار وله القوة والاقتدار وله العزة والاجتبار وإنه هو العزيز المقتدر المختار". (2)
وحدة الجنس البشري :
(2) يعتبر وحدة الجنس البشري المبدأ البهائي الرئيسي الثاني ، وهذا يعني بأن كافة الجنس البشري يعتبرون من أصل مميز واحد ومن وحدة عضوية متكاملة . هذا الجنس البشري الواحد هو " أشرف المخلوقات " وأرقى شكل من أشكال الحياة وأسمى شعور خلقه الله سبحانه وتعالى لأن بنى الإنسان هذا هو الوحيد من بين المخلوقات الذي يستطيع أن يدرك وجود الخالق تبارك وتعالى ويتصل به روحيا وحول هذا الموضوع يقول حضرة بهاء الله :
" يا أبناء الإنسان هل عرفتم لم خلقناكم من تراب واحد لئلا يفتخر أحد على أحد وتفكروا في كل حين في خلق أنفسكم إذا ينبغي كما خلقناكم من شئ واحد أن تكونوا كنفس واحدة بحيث تمشون على رجل واحدة وتأكلون من فم واحد وتسكنون في ارض واحدة حتى تظهر من كينوناتكم وأعمالكم وأفعالكم آيات التوحيد وجواهر التجريد هذا نصحي عليكم يا ملأ الأنوار فانتصحوا منه لتجدوا ثمرات القدس من شجر عز منيع(2) ".

إن وحدة الجنس البشري تعني أيضا بان لجميع البشر مواهب وقدرات إلهية معطاة . إن الاختلافات الجسمانية مثل لون الإنسان أو تركيبة شعره هي أمور ثانوية وليس لها أية علاقة بامتياز أو أفضلية أية مجموعة عرقية على الأخرى . التعاليم البهائية ترفض جميع النظريات التي تقول بوجود أفضلية عرقية لأنه ثبت انه نتيجة تصور خاطئ وجاهل(3) .
يؤمن البهائيون بان الجنس البشري مكوّن أساسا من اصل واحد ولكن التعصب والجهل وحب السلطة والغرور كان السبب في منع الكثير من الناس من معرفة وقبول وحدانية هذا الأصل . إن المهمة الرئيسية التي أتى بها حضرة بهاء الله هي تغيير هذا الوضع وإيجاد وعي وإحساس عالمي بمبدأ وحدة الجنس البشري . وكما يعتقد البهائيون بان الوحدة العضوية التي هي الإنسان قد مرّت من خلال عمليات نمو وتكامل مشتركة تحت العناية الإلهية . وكما أن عضوا ما يتدرج في مراحل مختلفة ويتطور تدريجيا للوصول إلى البلوغ ، وكذلك الجنس البشري فانه يتدرج في الوصول إلى مرحلة بلوغه .
إن المظهر الرئيسي للتعبير عن التطور الاجتماعي للإنسان هو قدرته على تنظيم مجتمعه والارتقاء بعناصره من الأفراد إلى مستويات عليا من الاتحاد مع مزيد من الاختصاص لأفراده وبالتالي زيادة الاعتماد المتبادل فيما بينها والحاجة إلى التعاون بين تلك العناصر المتخصصة .إن تشكيل العائلة والقبيلة والمدينة والشعب يمثل مراحل مؤشرة على التطور الاجتماعي. أما المرحلة التالية من عملية النمو الجماعي وهو وحدة العالم ، أي تنظيم المجتمع في حضارة عالمية فانه يمثل الوصول إلى قمة التطور الإنساني .
تحدث حضرة شوقي أفندي عن هذا المبدأ البهائي فتفضل قائلا :
" أن مبدأ وحدة الجنس البشري وهو المحور الذي تدور حوله جميع تعاليم حضرة بهاء الله ليس مجرد إحساس متدفق أو تعبير مبهم أو أمل زائف … انه مبدأ لا يطبق على الأفراد فحسب بل يتعلق أساسا بطبيعة العلاقات الرئيسية التي يجب أن تربط بين الدول والأمم باعتبارهم أعضاء في عائلة إنسانية واحدة … وانه يتطلب تغييرا عضويا في هيكل المجتمع الحاضر على نحو لم يشهد العالم مثله من قبل … انه يدعو إلى إعادة بناء العالم المتحضر برمته ونزع سلاحه … انه يمثل قمة التطور الإنساني الذي بدأ بداياته الأولى بحياة العائلة ثم تطور حينما حقق اتحاد القبيلة الذي أدى إلى تأسيس الحكومة المدنية ثم توسع ليؤسس حكومات وطنية مستقلة ذات سيادة . إن مبدأ وحدة الجنس البشري كما أعلنه حضرة بهاء الله يقوم على تأكيد شديد بان الوصول لهذه المرحلة النهائية من هذا التطور العظيم ليس ضرورياَ فحسب بل حتمي الوقوع وان ميقات تحقيقه اخذ يقتـرب بسـرعة ولا يمكن تحققه بغير قوة إلهية المصدر(1).
وعلى ذلك فان مبدأ وحدة الجنس البشري يقتضي ليس فقط وعيا لدى الأفراد بهذا الأمر بل تأسيس وحدة الشعوب ثم الحكومة العالمية وأخيرا الحضارة العالمية . ونتيجة لذلك ليس كافيا بان يعترف العالم الإنساني بوحدته ثم يستمر في حياته في عالم مفكك غاص بالخلاف والانحياز والتعصب والكراهية . علينا أن نعرب عن الاتحاد بواسطة بناء نظام اجتماعي عالمي متحّد مبني على المبادئ الروحانية . إن تحقيق مثل هذا النظام يمثل الهدف الإلهي المقدر لرقي الحياة الاجتماعية البشرية وتطورها :
" … إن هدف الحياة للفرد البهائي هو ترويج مبدأ وحدة الجنس البشري . وان جميع بواعث حياتنا مرتبطة بحياة جميع الكائنات البشرية . فما ندعو إليه ليس خلاصا فرديا بل خلاص العالم بأكمله… وما نصبو إليه إنما هو حضارة عالمية تعتمد على سلوكيات ورد فعل الأفراد . من جهـة هو عكس المسيحيـة الذي بدأ بالأفراد ومن خلاله وصل إلى حياة المجتمع الإنساني(1) ".
وعلى ذلك فمن وجهة النظر البهائية فان الهدف الروحاني الرئيسي للمجتمع هو خلق بيئة مساعدة وصحية ومتطورة لجميع أعضائه . لقد وضع حضرة بهاء الله نظاما مسهبا ومفصلا لتأسيس وحدة عالمية سنأتي على شرحه في الفصول القادمة . بصورة عامة ما اقترحه حضرته هو إعادة تشكيل البنية الاجتماعية على أساس من المشاركة والمشورة . هذه البنية الجديدة ستخدم الهدف الرئيسي وهو وضع حد للصراع والنزاع ، مما يؤدى إلى تخفيف الفرقة والانقسام في المجتمع بين جميع فئاته . انه هيكل تنظيمي جديد يحتضن عدداَ من منظمات دولية فعالة في الحكومة العالمية مثل : مجلس تشريعي عالمي يضم ممثلين مخلصين ذوي صلاحيات واسعة وأيضا محكمة دولية لها سلطات نهائية في حل قضايا الخلاف والنزاع بين الشعوب وكذلك إيجاد قوة شرطة دولية .
أشار حضرة بهاء الله بان إيجاد هذه البنية الاجتماعية الجديدة يجب أن يصاحبها وعي فردي وجماعي بأهمية مبدأ وحدة الجنس البشري :
" يا أهل العالم أنكم أثمار شجرة واحدة وأوراق غصن واحد اسلكوا مع بعضكم بكل محبة واتحاد ومودة واتفاق . قسما بشمس الحقيقة أن نور الاتفاق يضئ وينور الآفاق(2) ".
وفي فقرة أخرى قال حضرته أيضا :
" ليس الفخر لمن يحب الوطن بل لمن يحب العالم … في الحقيقة إن العالم يعتبر وطنا واحدا ومن على الأرض أهله(3) ".
الوحدة والاتحاد في المفهوم البهائي يعنى " الوحدة والاتحاد في التنَوع والتعَدد " وهو مفهوم يختلف عن التطابق والتماثل . إن الوصول إلى الوحدة لا يأتي عن طريق إزالة الفروقات وإنما عن طريق الإدراك المتزايد والاحترام للقيمة الجوهرية للحضارات و لثقافة كل فرد . إن التنوع والاختلاف نفسه ليس سببا في النزاع والصراع وإنما نظرتنا غير الناضجة نحوه وعدم تسامحنا وحميتنا هي التي تسبب الصراع دائما . شرح لنا حضرة عبد البهاء هذه النظرة في الفقرة التالية :
" لاحظوا أزهار الحدائق على الرغم من اختلاف أنواعها وتفاوت ألوانها واختلاف صورها وأشكالها ولكن لأنها تسقى من منبع واحد وتنتعش من هبوب ريح واحد وتترعرع من حرارة وضياء شمس واحدة فإن هذا التنوع والاختلاف سبب لازدياد جلال وجمال أزهار الحدائق … أما إذا كانت أزهار ورياحين الحديقة وأثمارها وأوراقها وأغصانها من نوع ولون واحد ومن تركيب وترتيب واحد فلا معنى ولا حلاوة له ، أما إذا اختلفت لوناَ وورقاَ وزهراَ وثمراَ ، فان في ذلك زينة وروعة للحديقة وتكون في غاية اللطافة والجمال والأناقة . وكذلك الأمر بالنسبة لتفاوت وتنوع أفكار وأشكال وآراء وطبائع وأخلاق العالم الإنساني فان جاءت في ظل قوة واحدة ونفوذ واحد فأنها ستبدو في غاية العظمة والجمال والسمو والكمال . واليوم لا يستطيع أي شئ في الوجود أن يجمع عقول وأفكار وقلوب وأرواح العالم الإنساني تحت ظل شجرة واحـدة سوى القوة الكلية لكلمة الله المحيطة بحقائق الأشياء(1) ".
إن تأسيس الوحدة العالمية والحضارة الإنسانية يمثلان ذروة وقمة التطور الإنساني على هذا الكوكب . ولذا فان ذلك العصر يعتبر " العصر الموعود " للبشرية وهو عصر بلوغ الجنس البشري . وقد شرح لنا حضرة شوقي أفندي هذه الفكرة بالبيانات التالية :
" ان الغاية القصوى من ظهور بهاء الله ورسالته السامية هي الوصول إلى هذا الاتحاد الروحاني والعضوي لجميع الشعوب . فإذا كنا مخلصين في تطبيق مضامينه ، فلا بد لهذا الاتحاد أن يؤدى إلى بروز ذلك العصر الموعود لكافة أركان الجنس البشرى . يجب أن ننظر إلى ذلك العصر … على انه دلالة على آخر وأعلى مرحلة من مراحل تكامل حياة الإنسان المشتركة على وجه الغبراء . ان ظهور المجتمع العالمي وبروز الإحساس بالمواطنة العالمية وتأسيس الحضارة والثقافة العالمية … يجب أن تعتبر طبقا لطبيعة الحياة الأرضية ، بأنها أقصى ما يمكن أن يصل إليه تنظيم المجتمع البشرى . ومع ذلك ، فان الإنسان كفرد سيستمر ، لا بل يجب عليه أن يستمر في النمو والتطور نتيجة لهذه المنزلة الكمالية التي وصل إليها البشر(1) ".
إن المراحل المختلفة من تطور الجنس البشري شبيهه تماماَ بمراحل حياة الفرد . فالمرحلة الحالية يمكن وصفها بمرحلة المراهقة وهي التي تسبق مرحلة البلوغ فيقول حضرة شوقي أفندي :
" إن فترة الطفولة والصبا الطويلة التي مر بها الجنس البشري قد قاربت على النهاية ، تمر البشرية الآن بفترة مليئة بالهرج والمرج دون استثناء وهي مرتبطة بأكثر المراحل انفعالية من مراحل تكاملـه وهـي مرحلة المراهقة عندما تندفع قوى الشباب بكل حماس وتصل إلى الذروة . ومن ثم يجب أن يتحول هذا الاندفاع والحماس إلى هدوء وطمأنينة وحكمة وبلوغ وهي صفات تميَز مرحلة الرجولة ، عندئذ تصل البشرية إلى ذلك المستوى من النضوج الذي تسمح فيه لنفسها بامتلاك كل القوى والقدرات التي ستعتمد عليها في تطورها النهائي(2) ".
أما بالنسبة لوصول البشرية إلى مرحلة البلوغ الكامل فقد قال حضرة شوقي أفندي :
" هناك تغييرات عظيمة وسريعة ولا يمكن وصفها ستصاحب مرحلة البلوغ الذاتي ولا مناص عنها في حياة كل فرد … يجب … أن يظهر ما يشابهها في عملية تكامل منظومة المجتمع الإنساني . هناك مرحلة مشابهة ستصل إليها حياة البشرية جمعاء عاجلا أم آجلا وسيكون من ملامحها ظهور نظريات مدهشة في العلاقات الدولية وستمنح البشرية قوى العافية والرفاهية وهي المقومات الرئيسية التي ستوفر خلال عصور متتالية الدافع المطلوب لتحقيق ذلك المصير السامي(3) ".
لاشك أن كل ما نستطيع ملاحظته من تاريخ البشرية هو تاريخ طفولة الإنسانية ثم مرحلة الصبا ومن ثم المراهقة . ولهذا أكد حضرة بهاء الله بأننا أحيانا قد نستهين بالقدرات الحقيقية الكامنة بالجنس البشري . ولكن هذه القدرات الدفينة بالإنسان ستبرز وتتجلى عندما تصل البشرية إلى مرحلة النضج والبلوغ . يقول حضرة بهاء الله :
" قد انتهت الظهورات إلى هذا الظهور الأعظم كذلك ينصحكم ربكم العليم الحكيم والحمد لله رب العالمين . إن مقام ورتبة وشأن كل إنسان يجب أن يظهر في هذا اليوم الموعود(1) ".
وباختصار فان المبدأ البهائي حول وحدة الجنس البشري يعني أن الإنسان يمثل وحدة عضوية أساسية وقد طورت حياته الاجتماعية بالتدريج إلى مستويات أعلى من الوحدة مثل العائلة ثم القبيلة ثم المدينة ثم الأمة . إن المهمة الخاصة لحضرة بهاء الله هي إيجاد زخم ودفع للمرحلة التالية من هذا التكامل الاجتماعي ، وبالأحرى تنظيم المجتمع الإنساني باعتباره حضارة تخص كوكب الأرض . يمكن الوصول لهذا الأمر من خلال تطوير بنية اجتماعية جديدة تعمل على التخفيض والحد من صراع المصالح وخلق مستوى جديد من الضمير الإنساني يؤمن إيمانا قوياَ بوحدة الجنس البشري . وفوق ذلك كله فان وحدة البشرية تعنى وصول الإنسانية إلى مرحلة البلوغ أو النضوج خلال مراحل حياتها المشتركة .
يمكن النظر إلى الجامعة البهائية بمثابة الجنين والنموذج المستقبلي للحضارة العالمية . إنها تمنـح الفرد الفرصة السانحة لتطبيق مبدأ الوحدة والاتحاد ثم تطوير هذا الشعور الجديد . سنتعرض إلى هذا الموضوع بشكل مسهب في الفصل القادم .(3)
وحدة الأديان :
(3) وحدة الدين . إن هذا المبدأ له علاقة وثيقة بمبدأ وحدة الجنس البشري . جاء في بحثنا حول مفهوم الوحدة العضوية للجنس البشري بأن البشرية تدور في عملية نمو جماعية شبيهه بعملية النمو لدى الأفراد . ومثلما يبدأ الفرد حياته من المهد ويصل إلى سن البلوغ خلال مراحل متعاقبة يكون الشيء نفسه بالنسبة للجنس البشري حيث يبدأ حياته الاجتماعية الجماعية في مرحلة ابتدائية ومن ثم وبالتدريج يصل إلى البلوغ . ففي حالة الفرد يبدو واضحا بان التطور يكون نتيجة التعليم المستمد من الوالدين ومن المعلمين ومن المجتمع بصورة عامة . ولكن ما هي القوة الدافعة لمسيرة الجنس البشري في تطوره وتقدمه ؟
الجواب الذي يمكن أن يقدمه الدين البهائي هو " الدين السماوي " . في أحد الكتب الرئيسية التي جاء بها حضرة بهاء الله والمسمى بكتاب الإيقان شرع حضرته بان الله الخالق سبحانه وتعالى تدخل ويستمر في التدخل في تاريخ البشرية وذلك عن طريق إرسال الرسل أو المتحدثين باسمه . هؤلاء المرسلون الذين سماهم حضرة بهاء لله " مظاهر أمر الله " هم المؤسسون الرئيسيون للأديان الكبرى في العالم مثل سيدنا إبراهيم وموسى وبوذا والمسيح والرسول محمد (ص) وغيرهم . إن الروح التي أطلقها هؤلاء الأنبياء والمرسلون وأيضا ونفوذ كلمتهم وتعاليمهم والنظام الاجتماعي الذي تأسس بواسطة أحكامهم وقوانينهم ونصائحهم هي التي أدت بالجنس البشري إلى الرقي والتقدم في مسيرة تطوره الجماعي . وبكل بساطة فان مظاهر أمر الله هم المعلّمون الكبار للبشرية .
وبالنسبة للأنظمة الدينية المختلفة التي ظهرت في تاريخ الإنسانية يقول حضرة بهاء الله :
" هذه الأصول والقوانين وتلك الأنظمة المحكمة المتينة قد ظهرت من مطلع واحد وأشرقت عن مشرق واحد ، أما اختلافها فراجع إلى اقتضاء الوقت والزمان والقرون والآعصار(1) ".
وعلى ذلك ، فإن مبدأ وحدة الدين يعني بأن مؤسسي الأديان وهم الأنبياء والمرسلون العظام جاءوا من جانب إله واحد وأن الأنظمة الدينية التي أقاموها ما هي إلا جزء من خطة سماوية تديرها القوة الإلهية .
وفي الواقع هناك دين واحد ، وهو دين الله ، وهو ينمو ويتطور باستمرار وكل نظام ديني يعتبر مرحلة من مراحل ذلك التطور الكامل . والدين البهائي يمثل المرحلة المعاصرة من مراحل تطور دين الله .
وللدلالة على ان تعاليم الرسل وأفعالهم موجهة من قبل الله العلي القدير ولا تنبع من قدرات بشرية عادية ، فقد استعمل حضرة بهاء الله كلمة "وحي" لوصف الظواهر والحوادث التي تحدث عند مجيء رسول سماوي جديد في كل مرة ، خاصة وان كتابات الرسول الإلهي تمثل كلمات الحق المعصومة ، وبما أنها تبقى مدة طويلة بعد وفاة الرسول فإنها تعتبر جزءا هاما من مظاهر " الوحي ". وقد لوحظ بان كلمة "وحي" تستخدم في بعض الأحيان للإشارة فقط إلى كتابات مظهر أمر الله وكلماته .
وينظر إلى التاريخ الديني على انه عملية من تتابع الديانات السماوية من عند الله وان اصطلاح " تعاقب الظهورات " يستخدم للتعبير عن هذه العملية . وعلى ذلك يعتقد البهائيون بأن تتابع الأديان وتعاقبها هو القوة الدافعة والمحركة لتقدم البشرية وأن حضرة بهاء الله هو المظهر الإلهي الأحدث في سلسلة تعاقب ظهور الأنبياء والمرسلين(1) .
وللتركيز على المفهوم البهائي عن الدين بشكل أوضح ، دعونا نقارنه بالمفاهيم الأخرى المطروحة لمضمون الدين . فمن جانب ، هناك من يرى بأن الأنظمة الدينية المختلفة ما هي إلا نتاج كفاح البشرية بحثا عن الحقيقة . وفي ظل هذا المفهوم ، لا يعتبر مؤسسو الأديان حاملين لرسالة سماوية للبشرية وإنما هم أشخاص من كبار الفلاسفة والمفكرين الذين توسعوا وتطوروا في بحثهم عن الحقيقة وتوصلوا إلى هذه المرتبة . هذه النزعة تستبعد فكرة وحدة أساس الدين ، لأن الأنظمة الدينية المختلفة تعّبر عن وجهات نظر متفاوتة واعتقادات مختلفة جاءت أصلا من الإنسان وهو المعرض للخطأ ، وهي تختلف عن الوحي الإلهي الذي يمثّل الحقيقة والعصمة وهو نابع من مصدر واحد فقط .
ومن جانب آخر ، هناك الكثير من المتشددين من أتباع أديان مختلفة يقولون بأن رسولهم أو مؤسس دينهم يمّثل دين الحق فقط وأن الأنبياء والمؤسسين الآخرين ليسوا سوى أنبياء كذبة وعلى غير حق أو على الأقل هم دون نبيهم أو رسولهم مرتبة . مثال على ذلك ، هناك الكثير من اليهود يعتقدون بأن سيدنا موسى عليه السلام كان حقا رسول الله ولكن سيدنا المسيح لم يكن كذلك . ونفس الشيء يعتقده الكثير من المسيحيين بسيدنا المسيح عليه السلام ولكن لا يؤمنون بالرسول محمد صلى الله عليه وسلم وأن المسيح يحتل مقاماَ أعلى من مقام موسى عليه السلام .
إن مبدأ وحدة الأديان من منظور الدين البهائي يختلف بشكل أساسي عن المفاهيم التقليدية المذكورة سابقا . فقد ذكر حضرة بهاء الله بأن الاختلافات الموجودة في بعض تعاليم الأديان العظيمة يرجع سببها إلى اختلاف حاجات ومتطلبات الزمن الذي ظهر فيه الدين الجديد وليس إلى وجود نقص في مؤسس ذلك الدين . بالإضافة إلى ذلك أشار حضرته إلى ان كثيرا من الناس يدخلون للدين كثيرا من البدع ويتلاعبون بالألفاظ وينسبون إليه كثيرا من الأفكار الدخيلة , وفوق ذلك كله يؤمن البهائيون بأن جميع الأنبياء والمرسلين هم في مصاف واحد وفي مرتبة واحدة . وقد لخص حضرة شوقي أفندي هذه النظرة في الكلمات التالية :
" أن المبدأ الهام والأساسي الذي شرحه لنا حضرة بهاء الله ويؤمن به أتباعه بشكل جازم هو أن الحقيقة الدينية ليست مطلقة وإنما نسبية وأن الرسالة السماوية هي عملية مستمرة وفي تقدم وأن جميع الأديان العظيمة في العالم سماوية في الأصل وأن مبادئها الأساسية متماثلة ومتطابقة تماما وأن أهدافها ومقاصدها متشابهة كما أن تعاليمها تعكس لنا حقيقة واحدة وأن وظائف هذه الأديان مكملة لبعضها البعض وأن اختلافها الوحيد يكمن في الأحكام والحدود الفرعية وأن مهامهم هي التكامل الروحي للمجتمع الإنساني خلال مراحل متعاقبة ومستمرة ."



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- العصر البديع قادم
- عصر بديع قادم
- دين العالم
- صرخة ألم جوه قلب حزين من مصر انظلم
- وحدة العالم - الهدف الأول فى العقيدة البهائية
- مستقبل العالم والنظام العالمى الجديد والعقيدة البهائية
- وحدة العالم هى الهدف
- المساواة بين الرجل والمرأة من وجهة النظر البهائية
- السلام العالمى قادم لا محاله
- هل العالم بحاجة إلى دين جديد


المزيد.....




- شاهد ما حدث على الهواء لحظة تفريق مظاهرة مؤيدة للفلسطينيين ف ...
- احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين تمتد لجميع أنحاء الولا ...
- تشافي هيرنانديز يتراجع عن استقالته وسيبقى مدربًا لبرشلونة لم ...
- الفلسطينيون يواصلون البحث في المقابر الجماعية في خان يونس وا ...
- حملة تطالب نادي الأهلي المصري لمقاطعة رعاية كوكا كولا
- 3.5 مليار دولار.. ما تفاصيل الاستثمارات القطرية بالحليب الجز ...
- جموح خيول ملكية وسط لندن يؤدي لإصابة 4 أشخاص وحالة هلع بين ا ...
- الكاف يعتبر اتحاد العاصمة الجزائري خاسرا أمام نهضة بركان الم ...
- الكويت توقف منح المصريين تأشيرات العمل إلى إشعار آخر.. ما ال ...
- مهمة بلينكن في الصين ليست سهلة


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - راندا شوقى الحمامصى - المبادئ الرئيسية فى الدين والعقيدة البهائية