أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - راندا شوقى الحمامصى - السلام العالمى قادم لا محاله















المزيد.....


السلام العالمى قادم لا محاله


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 1906 - 2007 / 5 / 5 - 11:08
المحور: الارهاب, الحرب والسلام
    


"توجد فى ضمائر الناس فى شتّى أقطار العالم أمانى السلام. فلم يبق إنسان لم يتمنّ الصلح والسلام، وظهر فيهم استعداد عجيب. وهذا من الحكمة الإلهية البالغة التى تهدف إلى إيجاد الإستعداد فى الناس لرفع راية وحدة العالم الإنسانى، وترويج السلام العام والتعاليم الإلهية فى الشرق والغرب. (حضرة عبد البهاء)
"إن إتحاد الجنس البشرى كله يمثل الإشارة المميزَّة للمرحلة التى يقترب منها المجتمع الإنسانى الآن."(حضرة ولى أمر الله)
ونحن كبهائيين نؤمن برسالة حضرة بهاءالله ونتمسك بالعهد والميثاق،ونوقن بحتمية تحقق الوعود الإلهية المباركة. وإننا فوق ذلك، نشعر بالإطمئنان لمجريات تنفيذ الخطة الإلهية الكبرى، ولانشك لحظة بأن مسيرة الأحداث والتطورات خارج الأمر الإلهى، سوف تصل حتماً إلى نهاياتها المقدرة، ما يؤكد بالنسبة إلينا، أنَّ البشرية تتقدم بخطى حثيثة نحو حضرة بهاءالله خصوصًا لجهة تبلور نوع من الوحدة فى العلاقات الإنسانية، وانعكاسات هذه الوحدة بإيجابياتها متعددة الوجوه على مختلف صعد ومجالات الحياة بجوانبها كافة، السياسية والإقتصادية والإجتماعية والعلمية، وكل الشئون الحياتية عموماً، بما يخدم رخاء وطمأنينة المجتمع الإنسانى، على المدى البعيد، على هذا الكوكب.
أن أول مانواجهه فى هذا السياق، جملة من الإعتراضات أو التحفظات تدعمها زحمة الوقائع والممارسات والظواهر السلبية، بدون شك، على مستوى العالم، تجعل من السهولة بمكان الإستنتاج عند الكثيرين من حولنا، بأن المبادئ والأفكار والتعاليم البهائية، على جمالها، فهى ضرب من الخيال، هى مثاليات نظرية فى أحسن الأحوال، بل هى أحلام يقظة هيهات أن يكون لها حظ فى أن تتحقق على صعيد الواقع،.
ترى أى سلام نروّج له فى عالم لاتزال الخصومات والنزاعات المسلحة تقضُّ مضجعه، ناهيك عن ظاهرة العنف والإرهاب فى أكثر من مكان، ونحن نشهد ونشاهد ما خلّفه ويخلّفه ذلك من ويلات ومحن وآثار تهز المشاعر وتجرح الوجدان؟
أية وحدة نطمع إليها بل وأى اتحاد فى ظل مايتردد عن صراع الحضارات والخلافات الفكرية والثقافية، ناهيك عن التوجهات العقائدية المتضاربة والتعصبات على أنواعها، فضلاً عن شراسة الهجمة الأصولية المرعبة؟
أية عدالة نحلم بها مع استفحال الظلم والعدوان واتساع الهوة بين الفقراء والأغنياء فى ظل الأزمة الإقتصادية الراهنة، على مستوى العالم، والتى تكاد تقضى على الطبقة الوسطى فى معظم البلدان، ما يزيد من حدة التخلف الإجتماعى بوجوهه الثلاثة، الفقر والجهل والمرض فى أرجاء متزايدة من المعمورة؟
وليس آخراً، أية أخلاق ننادى بها فى ظل ما نعيشه من إباحية وفلتان وفساد وانحراف وشذوذ خرّب العقل، وانتهك العرض، ونحر الفضيلة؟
والأمثلة فى هذا المجال كثيرة متعددة ومتنوعة، يزيد من حدتها وقوة أثرها واستفحال هذا الأثر، مواكبة وسائل الإعلام، المرئية خصوصاً، لهذه السلبيات أربعاً وعشرين ساعة على أربع وعشرين.
إلى ذلك فإن الكثير من الصراع أصبح "ظاهرة متأصلة فى أنظمتنا الإجتماعية والإقتصادية والدينية، وبلغ حداً قاد العديد من الناس إلى الإستسلام للرأى القائل بأن الإنسان قد فُطر بطبيعته على سلوك طريق الشر والعدوان وبالتالى فلا سبيل إلى إزالة ما فُطر عليه. "
وبعد، فمن أين نبدأ؟ وكيف نستطيع مواجهة كل هذه التحفظات؟
دعونا نسلّم بداية أن لدى الإنسان نزعة نحو الشر من أيام هابيل وقابيل، إلا أن ذلك يبقى فى إطار الاستثناء والعمل المنكر والمستنكر من قبل الأكثرية الساحقة من الناس على مر العصور، والذين يميلون، وبالفطرة إياها، إلى تغليب جانب النبل والإحسان فى علاقاتهم على المستويين الخاص والعام.ناهيك عن مغزى الأمثولات والعِبر فى هذه الإزدواجية بالسلوك الإنسانى، التى رافقت الخليقة منذ عصر التكوين، فضلاً عن الحكمة الإلهية فى كل ذلك، والتى تتطلب وتستاهل بحثاً خاصاً فيه ما يكفى من الاستطراد لمعالجة هذا الجانب على مستوى الكون والخلق.
إلا أن إضاءة عابرة على الموضوع، جديرة بالتأمل والتفكر، وهى ما أورده حضرة بهاءالله فى الكلمات المكنونة خطاباً لابن الإنسان بقوله الأحلى:
"يا ابن الإنسان
.... عرفت حبى فيك خلقتك وألقيتُ عليك مثالى...".
وأيضاً:
"يا ابن الوجود
صنعتك بأيادى القوة، وخلقتك بأنامل القدرة، وأودعت فيك جوهر نورى...."
وأكثر من ذلك:
"يا ابن المنظر الأعلى
أودعت فيك روحاً منى لتكون حبيباً لى...".
ترى لو لم يكن الإنسان ليستحق محبة الله ونعمه، ولو لم يكن يستحق العناية والألطاف من الرب القدير، فلما جاءت الرسل وتحملت ما تحملت من أجل خلاصه. ولما قال السيد المسيح أمثولته الشهيرة "أنفقت دمى لحياة العالم".
ويلفتنا فى هذا السياق فقرة بليغة أوردها بيت العدل الأعظم فى رسالته الموجهه لقادة الأديان فى العالم والمؤرخة فى نيسان(أبريل) 2002، حيث أشار إلى وجود إيمان راسخ لدى الجماهير الغفيرة من سكان الأرض، ممن لا يُستفتى رأيهم، بأن "الكون لا يخضع لأهواء البشر ونزواتهم، بل يرضخ لمشيئة العناية الإلهية الممتلئة مودة ورحمة، والتى لا ينضب معينها."
وكان قد سبق لبيت العدل الأعظم شرح هذه النقطة ما إذا كان الإنسان مفطوراً على سلوك طريق الشر وذلك فى رسالته الموجهه إلى شعوب العالم بعنوان - السلام العالمي وعد حق
، والمؤرخة تشرين الأول 1985، حيث تفضل أنه إذا ما أُخضعت هذه المسألة للبحث المجرد عن العاطفة"تكشّف لنا البرهان والدليل على أن ذلك السلوك بعيد كل البعد عن كونه تعبيراً عن حقيقة الذات البشرية، وأنه يمثل صورة مشوّهة للنفس البشرية"، تلك النفس التى تختصر النعم التى اختُصّ بها الإنسان مميزة إياه عن كل نوع آخر من المخلوقات. وقد "مَكَّنت هذه النعم الإنسان من بناء الحضارات وبلوغ الرفاهية والازدهار المادى". وهذه النفس البشرية توّاقة بحكم طبيعتها الخفيّة "إلى السمو والعلاء، تتطلع نحو رِحاب غير مرئية، نحو الحقيقة الأسمى، نحو هذا الجوهر الذى لايمكن إدراك سره، جوهر الجواهر الذى هو الله سبحانه وتعالى. فالأديان قدرة التى نُزّلت لهداية الجنس البشرى بواسطة شموس مشرقة تعاقبت على الظهور، كانت بمثابة حلقة الوصل الرئيسية بين الإنسان وتلك الحقيقة الأسمى. وقد شحذت هذه الأديان قدرة الإنسان وهذَّبتها ليُتاح له تحقيق الإنجازات الروحية والتقدم الإجتماعى فى آن."
وعلى ذكر الاستشهاد ببيانات بيت العدل الأعظم ، فإنه يلفتنا ظاهرة تكريس نهج متقدم تمثَّل فى إصدار العديد من الوثائق العامة والمهمة،خصوصاً خلال العقدين الأخيرين، سواء عن ساحة بيت العدل الأعظم مباشرة، أو عبر الجامعة البهائية العالمية، أو غيرها من المؤسسات البهائية فى العالم، وذلك خطاباً للرأى العام العالمى بمختلف شرائحه. وتتمحور موضوعات هذه الوثائق حول مجمل الشؤون والشجون التى تهم الجنس البشرى على هذا الكوكب، من علم وفلسفة وفكر وثقافة، ودين واجتماع وتاريخ، وسياسة واقتصاد وتربية وفنون، فضلاً عن موضوعات حول المرأة وتساوى الحقوق بين الذكور والإناث والبيئة والشباب والأطفال والأسرة وحقوق الإنسان... وذلك بأسلوب موضوعى موثق، شيق ومقنع، وبإطار من العرض والتحليل وتقديم الحلول بما لا يدع مجالاً للشك، بأن جٌلّ التطورات والتحولات والتغيرات الحاصلة فى العالم، يشكل البرهان القاطع "على ما يحمله المستقبل من الإمكانيات الهائلة المتاحة للعالم الإنسانى". وهو "دليل إضافى على أن الإنسانية تستطيع العيش ضمن إطار مجتمع عالمى واحد لديه الكفاءة لمواجهة التحديات فى مرحلة النضج والرشاد". نذكر من هذه الوثائق إضافة إلى رسالة السلام العالمى وعد حق،نذكر أيضاً وثيقة
رسالة الى قادة الاديان على سبيل المثال، وثيقة ازدهار الجنس البشري ووثيقة منعطف التحوّل أمام كافة الأمم ... ووثيقة - من يخط طريق المستقبل؟
، والمحاضرات والخطب التى تزخر بها المكتبة البهائية، والتى خطَّتها أقلام لامعة وذات اختصاص، رشفت من ينبوع الفيض الإلهى الدافق المعطاء الذى لا ينضب، صافى سلسبيل الكلمة الدافئة المحيية للنفوس.
وعليه فإنه لا بُد فى سياق موضوعنا الحاضر من الإشارة إلى الكثير من الإيجابيات على صعيد التطورات والوقائع الحاصلة، والتى تعمق الإتجاه بشكل عام نحو إقامة نظام عالمى جديد، على أنقاض تلك الأنماط القديمة التى ذهبت إلى غير رجعة، عنوانه التعاون لزيادة النشاطات الدولية على مستوى المجالات والميادين المختلفة لخدمة المجتمع الإنسانى، مع ما يساعد ذلك فى تبادل المحبة والوئام وخلق مشاعر التضامن بين الشعوب، بما يعكس إلى حد كبير، الترجمة العملية المتدرجة بوتيرة متزايدة أكثر من الماضى، لمبادئ الدين البهائى وتعاليمه.
لقد دعا حضرة بهاءالله إلى وحدانية الله ووحدة الجنس البشرى، وقال إن الرسالات السماوية ماهى إلا مراحل فى الكشف عن الإرادة الإلهية لتحقيق الهدف من خلق الإنسان. كما أعلن مجئ الزمان الذى أخبرت به جميع الكتب السماوية، وأنه سوف تشهد الإنسانية أخيراً اتحاد كافة الشعوب والأمم فى مجتمع ينعم بالسلام والتكامل والتآخى. وهذا ما لاحظنا بشائره بمنتهى الوضوح، من خلال المسيرة التطورية للمجتمع الإنسانى عبر تاريخه الطويل فى سياق وحدة أو اتحاد العائلة والقبيلة، ثم اتحاد المدينة-الدولة، وقيام الأمة-الدولة. أما اتحاد العالم بِدُولِهِ وشعوبه فهو الهدف الذى نرى الخطوات الحثيثة لدعمه وهى خطوات ولو متعثرة ودونها آلام المخاض العسيرة، غير أنها خطوات تدل كل الظواهر والمؤشرات على أنها واثقة وكبيرة ومستبشرة. وليس أدل على ذلك من قيام عصبة الأمم وبعدها هيئة الأمم المتحدة، والوكالات المتخصصة التابعة لها، ناهيك عن المنظمات الإقليمية والعالمية متعددة الوجوه والإهتمامات، والتى نشأت خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية. ولنا مما اصطلح على تسميته حرب الخليج التانية سنة 1991، أسطع مثال حين تحرك المجتمع الدولى بكل تناقضاته السياسية آنذاك، واشتركت معظم الدول بقوات رمزية تحت مظلة الأمم المتحدة لجبه العدوان على الكويت. هذا بالإضافة إلى مثل حىّ آخر تجسد بتوجيه ضربات عسكرية مباشرة، وبمظلة دولية أيضاً، إلى مسيحى الصرب اليوغسلاف، وذلك دفاعاً عن المسلمين فى كوسوفو سنة 1995، بعد ما تعرضوا له من هجمات (صليبية) فى منحاها. ناهيك عن الكثير من المحاولات والتدخلات فى كثير من الأماكن والبؤر المتوترة فى العالم، تراوحت نتائجها بين النجاح والفشل وذلك بسبب ظروف لم تنضج بعد بما فيه الكفاية لتحديد وضبط معيار مُوحّد ومميز ومدعوم بقرار يستند إلى الشرعية الدولية اللازمة له. غير أنه وبالرغم من ذلك فإن هذه المحاولات والإقدامات لاشك أنها تبشر بالخير.
كما نادى حضرة بهاءالله بنظام عالمى جديد واصفاً التغييرات السياسية والإجتماعية والدينية التى تعصف بحياة البشر بقوله "نشاهد اليوم علامات الهرج والمرج الوشيك حيثُ أن النظام القائم ويا للأسف فى نقص مبين"، وأنه "سوف يطوى بساط هذا العالم ليحل محله بساط آخر"، ولتحقيق ذلك وجه نداؤه المبارك لقادة العالم وشعوبه وحمّلهم المسئولية بقوله "ليس الفخر لم يحب الوطن بل لمن يحب العالم". ويعتبر العالم فى الحقيقة وطناً واحداً ومن على الأرض أهله".
وكأنى بوصيته لأولى الأمر والنهى بأن تكون نظرتهم شاملة للعالم لا أن تنحصر فى نفوسهم، "لا تنهمكوا فى شؤون أنفسكم بل فكّروا فى إصلاح العالم وتهذيب الأمم". كأنى بهذه الوصية لاقت وتلاقى اليوم آذاناً صاغية، وليس أدل على ذلك من المقدمة الملهمة لميثاق الأمم المتحدة وما ورد فيها لجهة: "نحن شعوب الأمم المتحدة، قد آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب... وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان... وأن ندفع بالرقى الإجتماعى قٌدماً. وفى سبيل هذه الغايات اعتزمنا أن نأخذ أنفسنا بالتسامح. وأن نعيش معاً فى سلام وحسن جوار. وأن نضم قوانا كى نحتفظ بالسلم والأمن الدولى... وألاّ نستخدم القوة المسلحة فى غير المصلحة المشتركة... قد قرّرنا أن نوّحد جهودنا لتحقيق هذه الأغراض".
إنه ولئن كانت الأهداف أعلاه لم تتحقق بالكامل لألف سبب وسبب، إلا أن الإصرار عليها والتقدم باقتراحات إصلاحية على ميثاق الهيئة لزيادة فعاليتها، ( ومنها توصيات خاصة صدرت عن الجامعة البهائية العالمية فى هذا الإطار لمناسبة الذكرى الخمسين لتأسيس الأمم المتحدة – تشرين الأول 1995) ورفع كفاءتها فى التنسيق بين جهود الدول لمجابهة التحديات التى تعرقل وتعيق تحقيق المبادئ الجوهرية فى ميثاقها، كل ذلك يعكس إصرار المجتمع الدولى للضغط فى الإتجاه الصحيح.
كما ويلفتنا تقرير صدر مؤخراً عن منظمة العمل الدولية حول العولمة العادلة، خلص إلى القول بأن "الاختلافات العالمية غير مقبولة أدبياً ولاتطاق سياسياً.والتغيير مطلوب ولكن الأمر لا يتعلق بتحقيق مخطط طوباوى بسحر الساحر.بل هو سلسلة من التغييرات المنسقة على جبهة واسعة بدءاً بإصلاح أجزاء من النظام الإقتصادى العالمى، وصولاً إلى تعزيز الإدارة السديدة على المستوى المحلى.وينبغى بل يمكن أن يتحقق كل ذلك فى سياق الإقتصادات المفتوحة والمجتمعات المفتوحة. وإننا على يقين، رغم اختلاف المصالح، من أن هناك تقارباً متزايداً فى الرأى فى جميع أنحاء العالم حول الحاجة إلى عملية عولمة عادلة وتشمل الجميع ". وأكد التقرير أن التكنولوجيا الجديدة المدعومة بسياسات أكثر انفتاحاً أدت" إلى خلق عالم أكثر تواصلاً من أى وقت مضى. ولا يشمل هذا الأمر فحسب، الترابط المتزايد فى العلاقات الإقتصادية، تجارة واستثمار وتمويل وتنظيم الإنتاج على الصعيد العالمى، ولكنه يشمل كذلك التفاعل الإجتماعى والسياسى بين المنظمات والأفراد فى جميع أنحاء العالم. وإمكانات النجاح هائلة، فالتواصل المتزايد بين الشعوب فى جميع أنحاء العالم يمكن أن يوجَّه نحو إقامة إدارة سديدة مستنيرة وديمقراطية على الصعيد العالمى لمصلحة الجميع.
أما بالنسبة لموضوع الوحدة فى التنوع، فقد شبه حضرة بهاءالله العالم بجسم الإنسان وتفضل بأن المرحلة التى تجتازها شعوب العالم اليوم إنما هى مرحلة تَوَجُّهِها الجماعى نحو البلوغ. وإن تعبيراً كاملاً لمبدأ الوحدة والإتحاد فى التنوع والتعدد سيظهر جلياً من خلال عملية نضوج الجنس البشرى المتنامية. وهنا تبرز المفارقة واضحة فى حقيقة أن كمال وتعقيد تركيب جسم الإنسان هو ذاته ما يسمح للعناصر المكنونه له بتحقيق قدراتها الكامنة المتميزة، فلا حياة للخلية الواحدة إلا بوجود هذا الجسم الذى تنتمى إليه.
إن ما ينطبق على حياة الفرد له ما يحاكيه فى المجتمع الإنسانى. فالجنس البشرى هو كيان عضوى يجسد أسمى مظهر للنشوء والآرتقاء. والحقيقة المتمثلة فى أن الوعى الإنسانى يظهر من خلال تنوع لا محدود فى الأفكار والدوافع الفردية، لا تنتقص بحال من الأحوال من وحدته الجوهرية.
والجميل فى الموضوع أنه صدر حديثاً فى بيروت كتاب بعنوان "وحدة فى التنوع، محاور وحوارات فى الفكر الدينى" لمؤلفه أديب صعب، ذكر فيه أن "الكلام عن وحدة تعسفيَّة تطمس التنوع، أو عن تعددية مطلقة تأبى الوحدة، هو نقيض للحقيقة"،وقال:"نحن نلاحظ على صعيد الذات البشرية أن فى خبرة كل منا تعدد أزمنة وأمكنة وعلاقات، إلا أن هناك حاجة إلى وحدة معنوية-غائية وسط هذا التنوع أو التعدد، وإلا أصيب الفرد بالتهافت أو الجنون الفعلى. ومبدأ الوحدة فى النفس هو ما يسمى الشخصية". ويضيف الكاتب أن الشيئ نفسه ينطبق على المجتمع، فكل مجتمع تعددى بطبيعته... ولئن كانت الشخصية هى مبدأ الوحدة على الصعيد الفردى، فالدولة هى مبدأ الوحدة على الصعيد الإجتماعى... وخلص إلى دعوة"الإنسان فى بلدنا كى يتلاقى مع الإنسان أينما كان محققاً المثال الرّواقى فى أخوة البشر ومواطنة العالم.
وبعد، كم هو رائع حقاً أن تطرق آذاننا عبارات ومفرادات أخذت تروج فى الوقت الحاضر بغزارة ملفتة بحيث لا يخلو بيان أو نشرة أخبار، أو تعليق صحفى أو مقررات مؤتمر أو كتاب، إلا ونراه حافلاً بعبارات ومفرادات هى جزء من الثقافة البهائية التى تمثل الجوانب الحضارية المشرقة لدين حضرة بهاءالله العالمى، مثل النظام العالمى الجديد، ووحدة المجتمع والجنس ، وحدة البشرية، وحدة العلاقات الإنسانية، الإتحاد والوحدة فى التنوع، وحدة الأديان أو الدين العالمى. هذا إلى جانب العبارات ذات المضمون الذى بات رواجه إنعكاساً لحاجة ملحة على مستوى تقدم المجتمع الإنسانى بحسب العقيدة البهائية، مثل ثقافة التغيير، والتنمية المستدامة، الأسلوب المنهجى المنظم، تعزيز القدرات والموارد البشرية، والتربية الروحانية. فضلاً عن حدوث تحولات ومنعطفات مهمة على صعيد تناول مجموعة من الشئون التى تخدم تطور مسيرة الإنسان عموماً، ودائماً عبر المنطلقات البهائية إياها، مثل إدخال الجانب الروحانى إلى صلب المعالجات الإقتصادية خصوصاً على مستوى المنظمات والمؤسسات العالمية مثل صندوق النقد الدولى والبنك الدولى بعد عقم المعالجات المادية البحتة، وتساوى حقوق النساء والرجال، حقوق الطفل، نبذ التعصبات والعنف، التربية والتعليم والتركيز على موضوع الشباب الناشيئ، تعزيز الحوار وانتهاج المشورة كعامل مساعد فى تقريب وجهات النظر تعزيزاً للديمقراطية، تحرى الحقيقة خصوصاً من منطلق الإقرار بنسبية الحقيقة، وكذلك موضوع حقوق الإنسان بحيث نرى هذه الأفكار والمعانى تتصدر الكتب والمؤلفات، فضلاً عن نشر مقالات ومؤلفات وتعليقات تتناول البهائية بنفس إيجابى فى معظمه قياساً على السابق وذلك بعد أفول شمس المعرضين، إضافة إلى الكثير من التطورات والتغيرات الحاصلة فى مختلف جوانب الحياة الإنسانية، والتى تعكس إلى حد كبير المفاهيم البهائية بما يؤكد العناية الإلهية فى الوقت المناسب، وعند نضوج الظروف، لفرض ماهو خير وصلاح للمجتمع الإنسانى كله.
وقد ورد فى وثيقة أقرَّها مجلس كنائس الشرق الأوسط والفريق العربى الإسلامى-المسيحى للحوار بعنوان " الحوار والعيش الواحد، ميثاق عربى اسلامى-مسيحى للحوار بعنوان " الحوار والعيش الواحد، ميثاق عربى اسلامى-مسيحى"، مؤرخة سنة 2001 ما حرفيته:" إن الاختلاف والتنوع حقيقة إنسانية، بل هما من آيات الله فى الإنسان والكون. ومن شأن الحوار والتعارف واستباق الخيرات أن يجعلهما مصدر غنى للجميع، ويمنع تحولهما إلى مصدر للخلاف والتنابذ والصراع والإقصاء المتبادل". وأيضاً: إنَّ "معيار النزاهة الفكرية فى مقدمة المعايير التى تؤسس لمصداقية الحوار . ولا تغنينا بداهة هذا المطلب عن التأكيد عليه. وهو يفترض استعداداً، عند الحاجة، للتحرر من بعض الصور الموروثة والنمطية عند كل منا عن الآخر، ومن مؤثرات المخيلة الشعبية، كما يستدعى اطّلاعاً جاداً على التراث الآخر من مصادره وتعريفاته لذاته. "... هذا مع الإشارة بشكل أساسى، إلى حركة حوار الأديان على المستوى العالمى، داخل نطاق الأمم المتحدة وخارجها وإلى فعاليات هذه الحركة، وإلى ما لها من أثر فى تراجع حدّة التعصبات والعصبيات الدينية وانحدارها أمام قوى التفتح والتحول والتغيير، وأمام انتشار ثقافة التحرر والانفتاح، ورواج المفاهيم الدينية المتجددة والإفصاح عنها، رغم كل المحاذير والصعوبات التى يتعرض لها أصحاب الأفكار النيرة من اتهامات، تارةً بالكفر والإلحاد، وطوراً بالتجديف على الدين والارتداد عنه.
● إدخال المبادئ البهائية فى صلب المعالجات لكثير من الأمور على مستوى الوكالات التابعة للامم المتحدة فيما خص موضوع الصحة والمراة، والطفل والبيئة،وحقوق الإنسان، وخصوصاً التربية والتعليم وخلاف ذلك،وإدخال مبادئ التربية البهائية تحديداً فى صلب المناهج التربوية والتعليمية لعدد من الوزارات والإدارات والمؤسسات الرسمية والخاصة فى عدد من الدول، وكذلك رواج موضوع الفنون.
● رواج مبدأ المشورة كظاهرة اتسع نطاق اعتمادها كأسلوب لتقريب وجهات النظر وتعزيز الحوار الديمقراطى بين المؤسسات والمنظمات الدولية، فضلاً عن اللجوء اليها كحاجة إنسانية لخدمة رفاة الإنسان ومعالجة قضاياه خصوصاً فى مجالى الطب والعلوم وغير ذلك من الميادين.
● رواج وفعالية دور نشطاء السلام حول العالم خصوصاً فى مجال حقوق الإنسان، وكذلك فعاليات الأفراد والجمعيات والمؤسسات، وذلك وسط استفحال النزاعات، وفى الأماكن الأكثر اشتعالاً فى العالم.وقد امتد هذا النشاط إلى مجالات إنسانية واجتماعية متنوعة مثل البيئة، والتعليم، والطبابة، إضافى إلى الاهتمام بشئون الطفل والغذاء،وإلى مجالات مواجهة المرض والفقر وتحسين ظروف الحياة، حتى طالت هذه المجهودات والفعاليات الحيوان واحتياجه وما يستحقه من رفق وعناية.
فأهلاً بالسلام ولنطمئن أن السلام قادم لا محال
فلنسعى إليه كى نسرع بقدومه ولا ننتظر وقته الذى يحدده
لقدومه.
وسلام لبنى الإنسان فى العالم.



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل العالم بحاجة إلى دين جديد


المزيد.....




- حمزة يوسف.. الوزير الأول بإسكتلندا يعلن أنه سيستقيل من منصبه ...
- مصادر لـCNN: حماس تناقش مقترحًا مصريًا جديدًا لإطلاق سراح ال ...
- رهينة إسرائيلية أطلق سراحها: -لن أسكت بعد الآن-
- لا يحق للسياسيين الضغط على الجامعات لقمع الاحتجاجات المناصرة ...
- باسم خندقجي: الروائي الذي فاز بالجائزة العالمية للرواية العر ...
- بلينكن يصل إلى السعودية لبحث التطبيع مع إسرائيل ومستقبل غزة ...
- ظاهرة غريبة تثير الذعر في تايوان.. رصد أسراب من حشرات -أم أر ...
- مصري ينتقم من مقر عمله بعد فصله منه
- لردع الهجمات الإلكترونية.. حكومة المملكة المتحدة تحظر استخدا ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة في دونيتسك والقضاء على 975 جن ...


المزيد.....

- كراسات شيوعية( الحركة العمالية في مواجهة الحربين العالميتين) ... / عبدالرؤوف بطيخ
- علاقات قوى السلطة في روسيا اليوم / النص الكامل / رشيد غويلب
- الانتحاريون ..او كلاب النار ...المتوهمون بجنة لم يحصلوا عليه ... / عباس عبود سالم
- البيئة الفكرية الحاضنة للتطرّف والإرهاب ودور الجامعات في الت ... / عبد الحسين شعبان
- المعلومات التفصيلية ل850 ارهابي من ارهابيي الدول العربية / خالد الخالدي
- إشكالية العلاقة بين الدين والعنف / محمد عمارة تقي الدين
- سيناء حيث أنا . سنوات التيه / أشرف العناني
- الجدلية الاجتماعية لممارسة العنف المسلح والإرهاب بالتطبيق عل ... / محمد عبد الشفيع عيسى
- الأمر بالمعروف و النهي عن المنكرأوالمقولة التي تأدلجت لتصير ... / محمد الحنفي
- عالم داعش خفايا واسرار / ياسر جاسم قاسم


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - الارهاب, الحرب والسلام - راندا شوقى الحمامصى - السلام العالمى قادم لا محاله