أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - راندا شوقى الحمامصى - مستقبل العالم والنظام العالمى الجديد والعقيدة البهائية















المزيد.....


مستقبل العالم والنظام العالمى الجديد والعقيدة البهائية


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 1978 - 2007 / 7 / 16 - 07:12
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


هناك العديد من البشر يشكون في وجود الله لأنهم لم يستطيعوا أن يكتشفوا أي شيء يثبت وجوده. إن معرفة الله وإثبات وجوده هو بالتأكيد إحدى القضايا الدينية والفلسفية الكبيرة المطروحة . تمت مناقشة المفهوم البهائي لهذا الموضوع بشيء من العمق في الفصل السادس من الكتاب . وقد وضح لنا الدين البهائي بأن الله سبحانه وتعالى أثبتت لنا وجوده بدلائل واضحة ، وأن محبته اللامتناهية لنا تكمن في إرساله للأنبياء والمرسلين بين الحين والأخر حتى يعرّف الخلق بمشيئته وإرادته .
أشار حضرة بهاء الله بان الله تعالى قد وعد البشرية بإرسال رسل ومظاهر إلهية بشكل متعاقب من اجل هداية وتوجيه العالم الإنساني . وقد سمّي هذا الوعد في الآثار البهائية " بالميثاق العام " أو " العهد العام ".إن تعاقب ظهور الأنبياء والرسل أو مظاهر الظهور واستمرارية ظهورهم كان أمرَا قديما منذ الأزل ، حيث ظهر موسى عليه السلام بعد إبراهيم أبي الأنبياء وظهر السيد المسيح عليه السلام بعد موسى ومن ثم ظهر سيدنا محمد عليه السلام بعد المسيح . وفي هذا العصر ظهر موعود كل العصور والمبشّر بظهوره ، وهو حضرة بهاء الله . إن جميع الأنبياء والمرسلين سواء الذين ثبت بأن لديهم تاريخا مسجلا أو الذين لم يدوّن لهم سجل كان لهم دور هام في حوادث الخطة الإلهية.
العهد والميثاق هو اتفاق أو عقد يلتزم بإجرائه طرفا العقد . فالطرف الإلهي فـي "العهد العام" هو وعده بتتابع إرسال مظاهر الظهور والرسل . واستجابة لهذا الوعد السماوي يقول حضرة بهاء الله بأن للعباد وظيفتين تجاه الله سبحانه و تعالى الأولى : معرفة و قبول المبعوث السماوي عندما يظهر والثانية : إطاعته والعمل على تنفيذ تعاليمه وأحكامه . يقول حضرة بهاء الله في هذا الخصوص :" لأنهما معا لا يقبل أحدهما دون الآخر". ولهذا السبب لا يمكن اعتبار البهائيين من الخلفيات اليهودية والمسيحية أو أي دين آخر قد تركوا دينهم السابق عندما يصبحون بهائيين . إنهم يعتقدون بأنهم قد استجابوا لنفس النداء السماوي الصادر من المصدر نفسه . إنهم كما يقال حافظوا على العهد والميثاق في إقرارهم ومعرفتهم بمظهر الأمر الإلهي الجديد ولم يكتفوا بالإيمان برسول واحد فقط أو اعتبار تعاليمه أفضل التعاليم كما كان ذلك ضمن الواجب الروحاني المورث لهم من عقيدة آبائهم وأجدادهم .
هناك نقطة أخرى حول مفهوم العهد العام يجب التركيز عليها . فنظرا لعدم وجود بداية ونهاية لظهور الأنبياء والمرسلين ، فإن العقيدة البهائية لا تدعي بأنها الدعوة الإلهية الأخيرة من أجل الرقي الروحاني للجنس البشري ، فقد تفضل حضرة بهاء الله قائلا :" لقد أرسل الله تعالى رسله بعد موسى وعيسى عليهما السلام وسيستمر في ذلك حتى النهاية التي لا نهاية لها … ". وقد أكدت الآثار المقدسة البهائية بأنه بعد " انقضاء مدة لا تقل عن ألف سنة كاملة " سيظهر رسول أو مظهر أمر سماوي جديد ليحمل على عاتقه عملية التطور المستمرة والأبدية .
في ظل هذا العهد الشامل هناك روابط أخرى بين الله والبشرية تتعلق بمراحل معينة من مراحل تطور وتكامل الجنس البشري وبروز الحضارة واللذين مرّا بمراحل عديدة. يعتقد البهائيون بأن كل دين سماوي جاء ليحقق هدفا معينا من عملية التطور هذه . ومثلما ينمو الطفل بالتدريج ويتعلم مهارات مختلفة مثل الأكل والمشي والقراءة والعمل مع الآخرين وغيرها فإن الجنس البشري ينمو ويترقى ببطء نحو البلوغ الروحاني وذلك بواسطة تطوير الطاقات الروحية الكامنة في الإنسان .
فمثلا بظهور سيدنا إبراهيم عليه السلام عرف العبرانيون وحدانية الله واستطاعوا إظهار تلك الطاقات الإنسانية الكامنة في التطور بفضل تلك الحقيقة السامية . ومع مرور الوقت أصبح لهذا المفهوم تأثير كبير في الحضارة الغربية والإسلامية . وبالمثل جاء سيدنا موسـى " بالأحكام الإلهية " للعالم البشري كما بيّن بوذا الطريق نحو الانقطاع عن شؤونات النفس والهوى وعلّم السيد المسيح الحب الإلهي ومحبة الآخرين . أما حضرة بهاء الله فقد شرح بأن هذا النمو التدريجي للوعي الروحي الإنساني هو أمر طبيعي وضروري . مثلما على الطفل أن يتعلم المشي قبل الركض والقفز .
وللقيام بعمل ما ، على الإنسان أن يتعلم الوسائل المناسبة لإنجاز ذلك . وطبقا للعقيدة البهائية فإن كل رسول سماوي قد وفّر لأتباعه الذين عرفوا مقامه تلك الوسائل الضرورية وذلك بإبرام عهد وميثاق بينه وبين أتباعه . وقد عرف هذا العهد في الآثار البهائية بالعهد الخاص . وقام كل رسول بتأسيس هذا العهد تمشيا مع الاحتياجات المتغيرة لعملية تطور ونمو الجنس البشري . وقد سمي " بالعهد الخاص " ليس لأنه أقل أهمية وإنما لأن وظيفته تقع في ظل أهداف ومقاصد العهد العام . كما يمكن تسمية العهد الخاص " بالعهد المساعد " أو " العهد المتفرع " لأنه يخدم مساعداَ للهدف الإلهي الأبدي الأكبر.
وكما ذكر ، يعتبر البهائيون بأن الهدف الأسمى لظهور حضرة بهاء الله هو تأسيس الوحدة العالمية . وعليه فإن عهد وميثاق بهاء الله يقود إلى هذا الهدف ، وعلى ذلك فإن الوحدة العالمية لا تتطلب إحساسا شديدا بالأخوة والمحبة فحسب بل ويجب أن تحتوي على المؤسسات العالمية اللازمة لإيجاد الحياة الاجتماعية المتحدة المفعمة بالمحبة لأهل العالم ، كما يجب وضع حد للحروب وتأسيس سلام عالمي رصين ومتين بين كافة الأمم والشعوب .
ذكر هذا التصور لمستقبل البشرية في الآثار البهائية وسمّي بالنظام البديع العالمي وهو نظام رائع في سعته وعظيم في عالميته . وعلى الرغم من أن السواد الأعظم من الناس قد يوافقون الرأي على انه هدف قيّم وهام ، إلا ان البعض قد يعتبره هدفا خياليا وأن مجتمعاَ مثالياَ كهذا لا يمكن له أن يرى النور أو يتحقق . علاوة على ذلك يشعر الكثيرون بأن الدين يجب أن يهتم أساسا بالتطور الداخلي للإنسان ، وقد يتعجبون عندما يرون بأن الدين البهائي يركز تركيزاَ كبيراَ على حياة البشرية المشتركة وعلى أشكال الأنظمة الاجتماعية ثم تحقيق الأهداف الاجتماعية .
أما السبب وراء ثقة البهائيين بان الوقت قد حان لاتحاد البشرية يعود إلى اعتقادهم بان وحدة العالم هي أصلا إرادة الله جل وعلا وأنه خلقنا ووهب لنا القدرة والطاقة والوسيلة لكي نحقق ذلك . ويمكن اعتبار ميثاق بهاء الله في الأصل تلك الأداة الإلهية لإطلاق هذه القوى الروحانية وبالتالي تحقيق وحدة العالم الإنساني . هذا العهد والميثاق يمنحنا القوة الروحية لخلق الأمل وتقليب الأرواح وإزالة التعصبات ويعطينا نظاما للأحكام والقوانين الاجتماعية والمؤسسات التي تعمل على أساس المبادئ الروحانية وتقوم بربطها بالاحتياجات العملية للإنسان . ومن خلال هذا النظام يشعر البهائيون بأن الإنسان قادر على خلق مجتمع عالمي مبني على العدالة ، وفي هذا الخصوص يقول حضرة بهاء الله :" قد اضطرب النظم من هذا النظم الأعظم واختلف الترتيب بهذا البديع الذي ما شهدت عين الإبداع شبهه".
إن الإيمان الراسخ بإمكانية تحقيق الوحدة العالمية مدعوما بالإرادة والعزيمة للعمل تجاه هذا الهدف يمكن اعتباره من أكثر صفات الجامعة البهائية تميّزاَ ، ويعد من الفروق الواضحة بين هذا الدين والأديان السابقة . وطبقا للتعاليم الروحية والمبادئ الأساسية للدين البهائي فان هناك اوجه تقارب مع الأديان المعروفة وبالذات الأديان السامية مثل اليهودية والمسيحية والإسلام . إن قناعة البهائية في الوصول إلى الوحدة العالمية ووحدة الحضارة نابع من الإيمان بميثاق حضرة بهاء الله وهو أمر فريد وحديث . وبالنسبة إلى إمكانية تحقيق الوحدة والحضارة العالمية يقول الدكتور وارن واغر وهو أستاذ أمريكي في علم الاجتماع ما يلي :
" … من بين جميع الأديان المعاصرة التي تدعي أنها سماوية فإن الدين البهائي هو الدين الوحيد الذي انفرد بالحديث عن وحدة الجنس البشري بكل وضوح وتركيز ."
أما الميثاق الخاص الذي أبرمه حضرة بهاء الله مع البشرية فانه يعمل من خلال نظام يطلق عليه النظام الإداري .
وعلى ذلك فإن النظام الإداري البهائي يتكون من أحكام وتعاليم من جهة ، ومؤسسات تقع ضمن الجامعة البهائية من جهة أخرى ، وهذا النظام الإداري يعتبر في الواقع تعبيراَ أساسيا للعهد الخاص الذي جاء به حضرة بهاء الله للجنس البشرى . ومن الخصائص المميزة للعهد الخاص في الحقيقة هو أن حضرة بهاء الله حدد الأحكام والمؤسسات التي يجب أن تحكم شئون الجامعة وأعضائها عبر التاريخ. علاوة على ذلك شرح حضرته في آثاره المقدسة المذيلة بختمه وتوقيعه طبيعة كل مؤسسة من هذه المؤسسات بما فيه حدود اختصاصاتها وامتيازاتها ووظائفها ودورها . أما قاعدة هذا النظام فقد وضعها حضرة عبد البهاء وحضرة ولي أمر الله حيث أعطيت لهما مطلق الصلاحية من قبل حضرة بهاء الله .
أطلق حضرة بهاء الله لقب " بيوت العدل " على المؤسسات التشريعية الرئيسية لدينه . يتكون بيت العدل من تسعة أفراد بالغين ينتخبون بصفة دورية بواسطة جميع الأفراد البالغين في الجامعة البهائية . وتتأسس بيوت العدل في ثلاثة مستويات : المستوى الأول : محلي ونطاق إدارته طبقا لتنظيمات البلديات أو المحافظات . والمستوى الثاني وعادة ما يكون على مستوى مركزي . والمستوى الثالث عالمي . واليوم ظهرت مؤسسة بيت العدل الأعظم على المستوى العالمي فقط وذلك عن طريق انتخاب بيت العدل الأعظم وقد أجريت أول انتخابات له في مؤتمر عالمي عقد في عام 1963 م . إنها مؤسسة تدير شئون الجامعة البهائية في شتى أنحاء العالم ، وهي الهيئة التشريعية الوحيدة للدين البهائي
إن نظام المؤسسات في الدين البهائي يمثل جزءا لا يتجزأ منه ولا يمكن فصله عن المبادئ والتعاليم الروحانية النقية . ويؤمن البهائيون بأن نظامهم الإداري بمثابة الجنين ونظام اجتماعي جديد مقدّر له أن يحقق وحدة الجنس البشري .
" انه من الأهمية بمكان أن نميّز بكل وضوح الفرق بين النظام الإداري البهائي وبين النظام العالمي المستقبلي الذي تصّوره حضرة بهاء الله . بالنسبة للنظام العالمي ، يؤمن البهائيون بأن تعاليم مؤسسي دينهم لها تأثيرها التام على تأسيس حكومة عالمية وعلى السلام الدائم وإيجاد الحضارة العالمية الموحّدة . فهذا النظام العالمي بالطبع لم يتأسس بعد وإنما هو الهدف الذي تسعى إليه الجامعة البهائية . إلا أن المؤسسات الرئيسية للنظام الإداري قد تأسست بالفعل وتعمل جزءا مكملاَ للجامعة البهائية العالمية .
نظرة حضرة بهاء الله في النظام العالمي للمستقبل في البيانات التالية :
" إن وحدة البشر كما رسمها بهاء الله تعني تأسيس حكومة عالمية تتّحد فيها اتحاداَ ثابتا وثيقا كافة الأمم والمذاهب والأجناس والطبقات فيها ، وتكون الحقوق الذاتية للحكومات المكونة لأعضائها مكفولة تماماَ ، والحرية الشخصية لممثلي هذه الحكومة العالمية وتوقيعاتهم تكون محترمة نافذة . هذه الحكومة العالمية بقدر ما نستطيع تصويرها يجب أن تشتمل على هيئة تشريعية عالمية يكون أعضاؤها وكلاء عن جميع الجنس البشرى وأن يكون لها الإشراف التام على موارد كافة الأمم التي تتكون منها ، وأن تشّرع من القوانين ما تتطلبه نواحي الإصلاح وسد مطالب الأجناس والشعوب وتصحيح العلاقات فيما بينها ، وعلى هيئة تنفيذية مؤيدة بقوة عالمية وظيفتها تنفيذ القرارات وتطبيق القوانين التي تضعها الهيئة التشريعية والمحافظة على هيكل وحدة الحكومة العالمية ، وعلى محكمة عالمية تتولى الفصل والحكم النافذ البات في كل نزاع ينشأ بين العناصر المختلفة المكونة لهذا النظام العام . وبجانب هذا يجب تنظيم مركز مواصلات عالمي وتخصيص جهاز للتخاطب مع كل جزء من أجزاء الأرض ويكون بعيدا عن كل تأثير وقيد قومي ويعمل بسرعة وكفاية تامة ، وإعداد مقر عام يكون المركز النابض لمدنية عالمية تتركز حوله كل عناصر التوحيد في الحياة ومنه تنبعث أنوار آثاره المنشطة ، والاتفاق على لغة عامة تبتكر أو تختار من بين اللغات الحالية تدرس في جميع مدارس الأمم المتحدة وتكون بمثابة لغة مساعدة بجانب اللغات القومية ، وـنوع عالمي من حروف الطباعة والأدبيات ، وشكل ونظام عالمي للعملة والموازين والمكاييل والمقاييس ، كل ذلك من شأنه أن يسهل أسباب التعامل والتفاهم بين شعوب العالم وأجناسه … أما الثورات القومية والعداوات والفتن فإنها تتوقف ، ويتبدل العداء العنصري والتعصب بالوفاق والتفاهم والتعاون ، وتنعدم نهائياَ أسباب المشاحنات الدينية وترتفع الحواجز والقيود الاقتصادية ، ويختفي التمييّز بين الطبقات …".
يؤمن البهائيون بأن النظام العالمي لا يمكن تحقيقه بفضل جهودهم الفردية أو لان دينهم ينص على ذلك ، بل بأن الإرادة الإلهية تعمل بطرق عدّه وعلى مستويات مختلفة وفي شتى بقاع العالم ومن خلال جميع فئات البشر لتحقيق هذا الهدف العظيم المنشود . ويرون في تأسيس عصبة الأمم وهيئة الأمم المتحدة خطوات هامة وعملية نحو اتحاد الأمم . ولذلك نرى الكثير من البهائيين شركاء نشطين في فعاليات هيئة الأمم المتحدة ووكالاتها المختلفة كما الأمر في العديد من المنظمات العالمية غير السياسية . رائدهم في ذلك بأن دينهم ونظامه الإداري لهما الدور الأساسي والحيوي في عملية خلق عالم موحّد .
ولمساعدتنا في تفهّم كيف ينظر البهائيون إلى العلاقة بين دينهم ونظامه الإداري من جهة وهدف تحقيق السلام العالمي وتأسيس النظام العالمي من جهة أخرى يجدر بنا أن نعيد إلى الأذهان بأنهم يربطون الحضارة العالمية المستقبلية بالعصر الألفي السعيد أو تأسيس " ملكوت الله " المذكور في الكتب المقدسة للأديان الأخرى . فالبهائيون يعتقدون بأن تأسيس السلام والاتحاد العالمي يعني تأسيس ملكوت الله على الأرض وهو ما يرمز إلى النصر النهائي للخير على الشر كما تنبأت به جميع الأديان السابقة وأشارت إليه بشكل رمزي . ويعتقدون أيضا أن تأسيس هذا النظام العالمي إنما هو تجسيد لإرادة الله وعنايته عبر تاريخ الجنس البشرى . جاء في بعض التقاليد والأعراف الدينية بأن تأسيس ملكوت الله يرتبط فقط بالإرادة الإلهية وأن دور الإنسان في هذه العملية سلبي في الأصل ، وأن ظهور الملكوت وتأسيسه سيكون بصورة مفاجئة وبشكل سحري وغير طبيعي.
ان البهائيين يؤمنون بأن الله قوي وقدير وهو بالتأكيد يستطيع تحقيق ملكوته على بسيط الغبراء فورا إن شاءت إرادته ، إلا أن حضرة بهاء الله شرح لنا بأن الله يريد أن يعلّمنا دروساَ محددة كيف يمكن تأسيس ملكوته . ويعتبر البهائيون المجتمعات في عالمنا المعاصر غير قادرة على تلبية احتياجاتنا الفعلية لأن هذه المجتمعات تعمل وتطبق شرائع مغايرة لشرع الله . وفي الوقت الذي يؤسس فيه الله ملكوته على الأرض فإنه يعطي لنا مجال التعلم من خلال الخبرة والممارسة ، وهذه الخبرة تأتي من واقع حياتنـا وما تتمخض عنه نتائج أعمالنا وتجاربنا . كما أشار حضرة بهاء الله بأنه فقط من خلال تفكيرنا العميق وإدراكنا لأخطائنا الماضية وقبولنا بها فإننا نحمي أنفسنا من تكرارها المأساوي الذي جرّ العالم إلى ما هو عليه من أخطار الحروب المستمرة وما تحمله لنا من معاناة واستغلال ويأس.
وضع حضرة بهاء الله تصورّا لتأسيس النظام العالمي على ثلاث مراحل متعاقبة . المرحلة الأولى هي مرحلة الانحلال الاجتماعي واتساع مدى المعاناة التي ستفوق مثيلاتها في السابق اتساعاَ وشمولية . ويعتقد البهائيون بأن هذه المرحلة قد بدأت وتفاقمت وأن الأزمات التي تحيط بالعالم ستصيب حياة كل إنسان وكل مؤسسة اجتماعية . :
" من جهة ، فان هذه المحن والماسى عقاب الهي وعملية تطهير لعموم الجنس البشرى ، فنارها تعاقب العالم على عناده وفساده وضلاله وتعمل على تلاحم أعضائه في جامعة عالمية واحدة غير مجزأة . فالإنسانية ، في هذه السنين من مصيرها الحاسم … مدعوة في الوقت نفسه أن تستعرض ما ارتكبته في الماضي وأن تطّهر نفسها وتستعد لمهمّتها المستقبلية . فلا يجوز لها أن تتهرب من مسئولياتها الماضية أو أن تتجاهل وظائفها المستقبلية".
وطبقا للعقيدة البهائية فإن الفترة الحالية من المعاناة والصعاب ستبلغ ذروتها في شكل اضطرابات روحية وجسدية واجتماعية وعلى مستوى العالم . هذه الأزمات تشير إلى نهاية المرحلة الأولى والانتقال إلى المرحلة الثانية من الخطة الإلهية . أشار حضرة بهاء الله إلى تلك الأزمات بما يلي :
" إنا قد جعلنا ميقاتا لكم فإذا تمت الميقات وما أقبلتم إلى الله ليأخذنكم عن كل الجهات ويرسل عليكم نفحات العذاب عن كل الأشطار وكان عذاب ربك لشديد ".
المرحلة الثانية من تقدم البشرية نحو النظام العالمي يمكن ملاحظتها من خلال تحقق "السلام الأصغر" أو "الصلح الأصغر" . وعلى ضوء البيانات الواردة في الكتابات البهائية يمكن القول بأن المرحلة الثانية هذه يمكن اعتبارها توقفاَ مستمراَ للحروب أكثر منه من سلام دائم شامل وعالمي . فالسلام الأصغر هو اصطلاح لوصف السلام أو التقارب السياسي الذي ستصل إليه شعوب العالم من خلال الاتفاقيات الدولية . أما المظهر الرئيسي للسلام الأصغر هو وضع إجراءات دولية للأمن الوقائي لوضع حد للحروب بين الدول والشعوب . ستكون هناك اتفاقية رسمية تدعمها كافة شعوب الأرض مبنية على مبدأ " الأمن الجماعي " و تنص على أن تهب كافة الأمم جماعيا لردع أي معتدي . وفي هذا السياق يقول حضرة بهاء الله :" إن قام أحد منكم على الآخر قوموا عليه إن هذا إلا عدل مبين".
وشُرح :
" عليهم - قادة العالم - توقيع معاهدة ملزمة للجميع ووضع ميثاق بنوده محددة ، سليمة ، وحصينة . وعليهم أن يعلنوا ذلك على العالم أجمع وأن يحرزوا موافقة الجنس البشري بأسره عليه … كما ينبغي تسخير كل قوى البشرية لضمان هذا الميثاق الأعظم ولاستقراره ودوامه . ويعّين هذا الاتفاق الشامل بتمام الوضوح حدود كل دولة من الدول وتخومها ، وينص نهائيا على المبادئ التي تقوم عليها علاقات الحكومات بعضها ببعض ويوثق أيضا المعاهدات والواجبات الدولية كلها … والمبدأ الأساسي لهذا الاتفاق الرصين يجب أن يكون محدداَ بحيث إذا أقدمت أي حكومة فيما بعد على انتهاك أي بند من بنوده هبت في وجهها كل حكومات الأرض وفرضت عليها الخضوع التام ، لا بل إن الجنس البشري كله يجب أن يعقد العزم بكل ما أوتي من قوة على دحر تلك الحكومة . فإذا ما اعتمد هذا الدواء الأعظم لعلاج جسم العالم المريض ، فلا بد أن يبرأ من أسقامه ويبقى إلى الأبد سليما ، مطمئنا ومعافا ".
يؤمن البهائيون بأن السلام الأصغر سيتحقق قريبا بعد نهاية الفترة الحالية من الأزمات والمصاعب والتغييرات الاجتماعية ، وانه لاشك في أن هذه المآسي ستكون ذلك المؤثرالرئيسى في الضغط على الأمم والشعوب لوضع حد للحروب مهما كلف الثمن .
وما السلام أو الصلح الأصغر ألا مقدمة ضرورية للمرحلة الثالثة من ظهور النظام العالمي وهي مرحلة ستتحقق بالتدريج ودعاها بهاء الله بمرحلة " السلام الأعظم ". إن بزوغ هذه المرحلة كما قال حضرته سيتزامن مع ظهور النظام العالمي . ولكن السلام الأصغر سيتحقق بواسطة " شعوب الأرض الغافلة عن ظهور حضرة بهاء الله والتي تنفـذ مبادئه بصورة لا إرادية " . أما السـلام الأعظم فسيتحقـق بعد " الاعتراف بمميزات وأحقية دعوة بهاء الله".وكما يعتقد البهائيون فانه خلال تطور البشرية من مرحلة السلام الأصغر إلى مرحلة السلام الأعظم ستقر الشعوب تماما بدعوة حضرة بهاء الله وستقبل بمبادئه وتطبقها غالبية أفراد الجنس البشري .
يمكن اعتبار النظام الإداري البهائي نظام جنيني للنظام العالمي المستقبلي . فإن مؤسسات وقوانين النظام الإداري البهائي مقدّر لها أن تصبح " نموذج للمجتمع المستقبلي ، وهذا النموذج يعتبر أداة جيدة لتأسيس السلام الأعظم ووسيلة لوحدة العالم وإعلان العدل والمساواة والخير والرفاهية لعموم البشر ".
إن رؤية السلام الأعظم يتوافـق مع رؤيا حبقوق فـي التوراة والتي تشير إلى الزمن الذي " سيعّم الأرض العلم الإلهي وعظمته مثلما يملأ الماء البحر " (سفر حبقوق - إصحاح 2 - آية 14) إنه دلالة على " شفاء الشعوب " الموعود في رؤيا يوحنا اللاهوتي بالإنجيل (سفر رؤيا - إصحاح 22 - آية 2) . هذا السلام لن يأتي بحضارة عالمية فحسب بل بروحانية تشمل الشعوب والقبائل جمعاء . إنه يمثل " قدوم العصر الموعود لكافة أركان الجنس البشري ".
" عندها ستولد الحضارة العالمية وتزدهر وتخلد نفسها ، وستكون حافلة وخصبة بالحياة بحيث لم ير العالم شبهها ولم يتخيلها أحد من قبل . عندئذ سيتحقق العهد الأبدي بشكل كامل وتتحقق الوعود المذكورة في جميع الكتب المقدسة السماوية وتتحقق جميع النبوءات التي وردت على لسان النبيين والمرسلين ويتجلى ما تغنى به ذووا البصيرة والشعراء في رؤاهم . وعندها ستنعم الأرض بدين عالمي باله واحد أحد ، ويكون ولاؤهم وإخلاصهم لدين واحد . وعندها ستعكس الأرض،على الرغم من بعض العثرات ، ذلك الجلال والعظمة المتلألئة من سلطنة حضرة بهاء الله الملكوتية … وتصبح الأرض جنة من الملكوت الأبهى وقادرة على تحقيق ذلك المصير العظيم الذي قدّره الخالق لها منذ الأزل بفضل محبّته وحكمته ".
يعتقد البهائيون بأن الإرادة الإلهية تعمل في اتجاهين أو على مستويين . فمن جهة هناك الإرادة الإلهية المطلقة الموجودة في كل مكان والتي تدخل في قلب كل حدث في تاريخ البشرية وتبدو في الظاهر غير ذي بال . ألا أن كل شيء على المدى البعيد يخدم الهدف الإلهي في توحيد الجنس البشرى . ولهذا السبب يدعم البهائيون الكثير من القضايا العالمية والإنسانية ويحاولون أن يستثمروا الجوانب الإيجابية من القضايا الأخرى حتى لو لم يوافقوا على بعض جوانبها .
ومن جهة أخرى ، يؤمن البهائيون بأن دينهم و نظامه الإداري يمثلان حلقة وصل بين المشيئة الإلهية والعالم الإنساني في هذا العصر ، وبه تسري روح الوحدة ونهجها وتتغلغل في شؤؤن البشر . ولهذا يرى البهائيون بأن وظيفتهم الرئيسية هي أن يكونوا بمستوى كمال تلك الأداة الممنوحة من الحق تبارك و تعالى للبشرية . وعندما يبدأ نفوذ هذا الظهور الجديد في التغلغل في جسم البشرية ككل سيأخذ السلام الأصغر بالتحول تدريجيا إلى السلام الأعظم وسيدرك الناس إرادة الله سبحانه وتعالى للجنس البشري ويشهدون تأسيس ملكوت الله على الأرض .



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- وحدة العالم هى الهدف
- المساواة بين الرجل والمرأة من وجهة النظر البهائية
- السلام العالمى قادم لا محاله
- هل العالم بحاجة إلى دين جديد


المزيد.....




- من الحرب العالمية الثانية.. العثور على بقايا 7 من المحاربين ...
- ظهور الرهينة الإسرائيلي-الأمريكي غولدبرغ بولين في فيديو جديد ...
- بايدن بوقع قانون المساعدة العسكرية لأوكرانيا وإسرائيل ويتعهد ...
- -قبل عملية رفح-.. موقع عبري يتحدث عن سماح إسرائيل لوفدين دول ...
- إسرائيل تعلن تصفية -نصف- قادة حزب الله وتشن عملية هجومية في ...
- ماذا يدخن سوناك؟.. مجلة بريطانية تهاجم رئيس الوزراء وسط فوضى ...
- وزير الخارجية الأوكراني يقارن بين إنجازات روسيا والغرب في مج ...
- الحوثيون يؤكدون فشل تحالف البحر الأحمر
- النيجر تعرب عن رغبتها في شراء أسلحة من روسيا
- كيف يؤثر فقدان الوزن على الشعر والبشرة؟


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - راندا شوقى الحمامصى - مستقبل العالم والنظام العالمى الجديد والعقيدة البهائية