أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - راندا شوقى الحمامصى - العلم ووحدة العالم الإنسانى















المزيد.....

العلم ووحدة العالم الإنسانى


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 2040 - 2007 / 9 / 16 - 10:05
المحور: العولمة وتطورات العالم المعاصر
    


هو الله
العلم أعظم منقبة في العالم الإنسانيّ لأنّه يكشف حقائق الأشياء وحيث إنّني أجد نفسي اليوم في مركز العلم في هذه الكلّيّة الّتي طبّقت شهرتها الآفاق لهذا فإنّني مسرور جدًّا.
إنّ أشرف مجمع ينعقد في العالم هو مجمع العلماء وأشرف مركز في العالم الإنسانيّ هو مركز العلوم والفنون.
إنّ العلم هو سبب نورانيّة العالم، والعلم سبب الرّاحة والاطمئنان، والعلم سبب عزّة العالم الإنسانيّ. ولو أمعنتم النّظر لو وجدتم أنّ دولة العلم أعظم من دولة الملوك إذ إنّ سلطنة الملوك تنهدم ويخلع القياصرة والأباطرة وتنقلب سلطنتهم رأسًا على عقب أمّا سلطنة العلم فهي أبديّة وسرمديّة ولا انقراض لها. لاحظوا الفلاسفة القدامى كيف دامت سلطنتهم في حين انقرضت سلطنة الرّومان مع عظمتها وانقرضت سلطنة اليونان مع عظمتها وانقرضت سلطنة الشّرق برغم عظمتها لكنّ سلطنة أفلاطون ظلّت باقية وسلطنة أرسطو باقية وذكرهم باقٍ حتّى الآن في جميع الكلّيّات والمجامع العلميّة في حين
أنّ ذكر الملوك قد أصبح نسيًا منسيًّا بصورة تامّة. إذن فسلطنة العلم أعظم من سلطنة الملوك. فالملوك يسخِّرون الممالك بسفك الدّماء لكنّ الإنسان العالم يفتح ممالك القلوب بعلمه ويضعها تحت تصرّفه وهكذا تصير سلطنته أبديّة من هذه النّاحية. وحيث إنّ هذا المكان هو مركز العلوم والفنون فإنّني مسرور جدًّا لحضوري إلى هذا المركز وأرجو التّأييدات والتّوفيقات الإلهيّة حتّى تصلوا في العلوم والفنون إلى منتهى الدّرجات وتشرقوا كالمصابيح المنيرة في مجمع العالم الإنسانيّ.
إنّ أعظم تعاليم حضرة بهاء الله هو وحدة العالم الإنسانيّ لهذا فإنّني أريد أن اتّحدث حول وحدة الكائنات وهذه المسألة من المسائل الفلسفيّة الإلهيّة.
من الواضح أنّ جميع الموجودات شيء واحد وكلّ كائن من الكائنات عبارة عن جميع الكائنات يعني أن كلّ شيء في كلّ شيء. لاحظوا أنّ الكائنات تكونت من الجزيئات الفرديّة وهذه الجزيئات الفرديّة تسير في جميع مراتب الوجود. فمثلاً كلّ ذرّة من الذّرّات الفردية الموجودة في هيكل الإنسان كانت في وقت من الأوقات في عالم النّبات وفي وقت من الأوقات في عالم الحيوان وفي وقت من الأوقات في عالم الجماد فهي على الدّوام تنتقل من حال إلى حال ومن صورة إلى صورة ومن كائن إلى كائن آخر في صور لا تتناهى في الطّول والعرض ولها في كلّ صورة كمال. وحركة الكائنات هذه مستمرّة. لهذا فإنّ كلّ كائن عبارة عن جميع الكائنات وغاية ما في الأمر أنه يقتضي امتداد مدّة حتّى يطوي هذا الجوهر الفرد الموجود في جسم الإنسان جميع مراتب الوجود ففي وقت من الأوقات كان ترابًا وكانت له انتقالات في الصّور الجماديّة وبعد ذلك انتقل إلى عالم النّبات وكانت له انتقالات في الصّور النّباتية وبعد ذلك انتقل في الصّور الحيوانيّة والآن جاء إلى العالم الإنسانيّ ليسير في المراتب الإنسانيّة ثمّ يعود بعد
ذلك إلى عالم الجماد وعلى نفس التّرتيب يسير في جميع المراتب، ويتجلّى في صور كائنات لا تتناهى ويكون له كمال في كلّ صورة من الصّور. فقد كانت له كمالات جماديّة في عالم الجماد. وفي عالم النّبات كانت له كمالات نباتيّة. وفي عالم الحيوان كانت له كمالات حيوانيّة وله في عالم الإنسان كمالات إنسانيّة. إذن فقد اتضح أن كلّ جوهر فرد من الكائنات له انتقالات في صور لا تتناهى وفي كلّ صورة لا تتناهى وفي كلّ صورة يتجلّى له كمال من الكمالات ومن هذا يتّضح أنّ الكائنات كلّها واحد وأنّ عالم الوجود واحد. فلمّا كانت في عالم الوجود وحدة كهذه يا ترى أيّة وحدة تكون في عالم الإنسان؟ فمن الواضح بالبرهان أنّ هناك وحدة في الوحدة وأنّ الوحدة هي مبدأ الوجود ومنتهاه.
وهل يجوز مع وحدة العالم الإنسانيّ ووحدة جميع الكائنات أن يكون هناك نزاع وجدال في هذا العالم؟ ومع أنّ الإنسان أشرف الكائنات لأنّ الجسم الإنسانيّ له الكمالات الجماديّة وله الكمالات النّباتية ففيه قوّة النّمو وله الكمالات الحيوانيّة ففيه قوى الإحساس وله الكمالات الإنسانيّة ففيه العقل السّليم برغم وجود هذه الوحدة العظيمة فهل يجوز أن يتنازع ويتجادل؟ وهل يجوز أن يتحارب ويتقاتل؟ وجميع الكائنات في صلح بعضها مع البعض الآخر وجميع العناصر في صلح بعضها مع البعض الآخر والإنسان الّذي هو أشرف الكائنات هل يجوز أن يكون في نزاع وجدال؟ أستغفر الله.
لاحظوا أنّ هذه العناصر عندما تلتئم في ما بينها تكوّن الحياة واللّطافة والنّورانيّة والرّاحة والاطمئنان وأنّ هذه الكائنات الّتي ترونها تعيش كلّها في صلح مع بعضها البعض فالشّمس والأرض في صلح والماء والتّراب في صلح والعناصر في صلح مع بعضها البعض لأنّ أقلّ مصادمة تحصل تحدث زلزلة مثل زلزلة سان فرانسيسكو وأنّ أقلّ مصادمة تحصل يحدث نتيجتها
حريق عموميّ وتحصل جميع هذه الأضرار. هذه هي الحال في عالم الجماد إذن بعد ذلك لاحظوا كم من البلايا تحصل نتيجة المصادمة في العالم الإنسانيّ؟ خاصّة وأنّ الله قد خصَّ الإنسان بالعقل وهذا العقل هو أشرف الكائنات وهو في الحقيقة قوّة من قوى التّجلّيات الإلهيّة وهذا شيء ظاهر مشهود.
لاحظوا مثلاً أنّ جميع الكائنات أسيرة للطّبيعة وجميعها خاضعة لقانون الطّبيعة لا تتجاوز هذا القانون قيد شعرة فمثلاً هذه الشّمس مع عظمتها أسيرة للطّبيعة لا تستطيع تجاوز قانون الطّبيعة وكذلك الأمر في الأجرام العظيمة في هذا الفضاء الّذي لا يتناهى فكلّها أسيرة للطّبيعة ولا تستطيع أن تتجاوز قانون الطّبيعة. والكرة الأرضيّة أيضًا أسيرة لقانون الطّبيعة. وجميع الأشجار والنّباتات أسيرة للطّبيعة وكذلك جميع الحيوانات. فالفيل برغم عظمته وقوّته لا يستطيع أن يتجاوز قانون الطّبيعة. لكنّ الإنسان بحجمه الصغير وجسمه الضّعيف يستطيع أن يكسر قانون الطّبيعة ويقلّبها لأنّه مؤيّد بالعقل الّذي هو من التّجلّيات الإلهيّة فبموجب قانون الطّبيعة نرى الإنسان ذا روح ترابيّ لكنّه يكسر هذا القانون ويصير طائرًا يطير في الهواء ويصير سمكة تسير تحت سطح الماء ويبني سفينة يتسابق بها فوق سطح الماء. وجميع هذه العلوم والفنون الّتي عندكم والّتي تدرسونها في الجامعات كانت كلّها أسرارًا للطّبيعة ويفترض أن تبقى أسرارًا بمقتضى قانون الطّبيعة. لكنّ عقل الإنسان كسر هذا القانون وكشف حقائق الأشياء ونقلها من حيّز الغيب إلى حيّز الشّهود فظهرت هذه العلوم، وهذا شيء يخالف قانون الطّبيعة. فمثلاً القوّة الكهربائيّة سرّ من أسرار الطّبيعة المكنونة يجب أن تبقى خفيّة لكنّ عقل الإنسان كشفها وكسر قانون الطّبيعة وجاء بها من حيّز الغيب إلى حيّز الشّهود وحبس هذه القوّة العاصية داخل زجاجة وهذا شيء خارق للعادة ومخالف للطّبيعة، وهو يخابر من الغرب إلى الشّرق بدقيقة واحدة وهذه معجزة. ويأخذ الإنسان الصّوت ويحبسه في مسجّل الصّوت مع أنّ الصّوت يجب أن يبقى حرًّا لأنّ قانون الطّبيعة يقتضي هذا، وعلى هذا النّحو سائر الاكتشافات فإنّ جميعها أسرار للطّبيعة ويجب أن تكون بمقتضى قانون الطّبيعة مستورة. لكنّ عقل الإنسان الّذي هو أعظم تجلِّ إلهيّ يكسر قانون الطّبيعة هذا ويخرج دومًا هذه الأسرار الطّبيعية من أجهزة الطّبيعة نفسها.
وإذا كنّا نمتلك قوّة إلهيّة كهذه فهل يجوز أن نكون كالحيوانات المفترسة، وكالذّئاب يمزّق بعضنا بعضًا ونصرخ وندعو إلى القتل والتّنكيل؟ فهل يليق هذا بمقام العالم الإنسانيّ؟
فلو أنّ حيوانًا يفترس فإنّه يفعل ذلك من أجل طعامه ولا عقل له ليفرّق به بين الظّلم والعدل وليست له قوّة مميزة. أمّا الإنسان فإنّه حينما يفترس فهو لا يفترس من أجل طعامه بل بسبب طمعه وجشعه. فهل يليق الآن بمثل هذا الوجود الشّريف أي الإنسان المستفيض من العقل وذي الأفكار العالية كهذه الأفكار والمحيط بهذه العلوم والفنون وبهذه الاختراعات العظيمة وبهذه الآثار العقلية وبهذه الإدراكات جميعها وبكلّ هذه الاكتشافات أن يدخل ميدان الحرب مرّة أخرى ويسفك بعضه دم البعض الآخر؟ والحقيقة أنّ الإنسان بنيان إلهيّ وليس بنيانًا بشريًّا فلو أنّكم هدمتم بناءً بشريًّا فلا شكّ أنّ صاحب البناء يتكدّر، كيف بالإنسان الّذي هو بناء إلهيّ إذا هدم؟ فلا شكّ أنّ هذا يكون سببًا للغضب الإلهيّ.
ولقد خلق الله الإنسان شريفًا وفضّله على جميع الكائنات واختصّه بمواهب كلّيّة فأعطاه العقل وأعطاه الإدراك وأعطاه قوّة الحافظة وأعطاه قوّة التّخيل وأعطاه الحواس الخمس الظّاهريّة وأعطاه جميع هذه المواهب العظيمة وجعله مصدرًا للفضائل كي يسطع كالشّمس ويكون سببًا للحياة وسببًا للعمران ونحن الآن نغضّ الطّرف عن جميع هذه
المواهب ونخرّب هذا البناء الإلهيّ ونقوّض هذا التّأسيس الإلهيّ من أساسه. والحال أنّنا لسنا أسرى الطّبيعة بل نحن الّذين نأسر أنفسنا ونتحرّك بمقتضى الطّبيعة.
ففي الطّبيعة نزاع على البقاء فإذا لم يُربَّ الإنسان فإنّ النّزاع والجدال من مقتضيات الطّبيعة. وكلّ هذه المدارس وكلّ هذه الكلّيّات لماذا تأسّست؟ لقد تأسّست من أجل أن ينجو الإنسان من مقتضى الطّبيعة وأن يتخلّص من نقائص الطّبيعة وأن ينال الكمالات المعنويّة.
لاحظوا لو أنّنا تركنا هذه الأرض على حالتها الطّبيعية فإنّها تصبح منبتًا للأشواك وتنمو فيها أعشاب غير نافعة أمّا عندما نربّيها فإنّها تصبح أرضًا طيّبة وتحصل على فيض وبركة عظيمة. وإذا تركتم هذه الجبال على حالتها الطّبيعية فإنّها تصبح غابة ولا تنمو فيها أبدًا شجرة مثمرة أمّا حين تربّى فإنّها تصير بستانًا وتعطي غلَّة وتعطي ثمرًا وتنتج منها أنواع الأزهار والرّياحين.
إذن فلا يليق بالعالم الإنسانيّ أن يصبح أسيرًا للطّبيعة ولهذا فهو محتاج إلى التّربية وبصورة خاصّة إلى التّربية الإلهيّة.
إنّ المظاهر المقدّسة الإلهيّة كانوا مربّين وكانوا بستانيّين إلهيّين حتّى يجعلوا هذه الغابات الطّبيعية بساتين مثمرة، ويحوّلوا منابت الأشواك هذه إلى حدائق أزهار. إذًا فما هو واجب الإنسان؟ واجب الإنسان هو أن ينجي نفسه من نقائص الطّبيعة تحت ظلّ المربّي الحقيقيّ وأن يتّصف بالفضائل المعنويّة.
فهل يجوز لنا أن نجعل هذه المواهب الإلهيّة وهذه الفضائل المعنويّة فداءً للطّبيعة؟ والحال أنّ الله تعالى أعطانا قوّة لنكسر بها قوانين الطّبيعة ولنأخذ السّيف من يد الطّبيعة وننهال به على هامة رأسها. فهل يجوز أن نجعل أنفسنا أسرى للطّبيعة ونسير على مقتضى
التّنازع على البقاء الّذي هو من الانبعاثات الطّبيعية فيمزّق بعضنا بعضًا كالحيوانات المفترسة ونعيش حياة لا يختلف فيها الإنسان عن الحيوان؟
في الحقيقة ليست هناك حياة أسوأ من هذه الحياة وليس هناك تحقير للعالم الإنسانيّ أسوأ من هذ التّحقير. وليس للعالم الإنسانيّ وحشيّة أسوأ من وحشيّة الحرب لأنّها سبب الغضب الإلهيّ وسبب هدم البنيان الرّحمانيّ.
الحمد لله إنّني أجد نفسي اليوم في مجمع كلّهم يرجون الصّلح ومقاصد جميعهم انتشار الصّلح العموميّ وجميع أفكارهم وحدة العالم الإنسانيّ وجميعهم خادمون للنّوع البشريّ وإنّي أرجو الله أن يؤيّدكم ويوفّقكم كي يصبح كلّ واحد منكم علامة عصره وسببًا في نشر العلوم وسببًا في إعلان الصّلح العمومي وسببًا في ارتباط القلوب.
ولقد أعلن حضرة بهاء الله قبل خمسين سنة مبدأ الصّلح العموميّ بين الدّول وأعلن الصّلح العموميّ بين الملل وأعلن الصّلح العموميّ بين الأديان وأعلن الصّلح العموميّ بين الأوطان وتفضّل قائلاً إنّ أساس الأديان واحد وجميع الأديان أساسها الألفة والوئام وإنّما الاختلاف في التّقاليد ولا دخل لهذه التّقاليد في التّعاليم الإلهيّة. وحيث إنّ التّقاليد مختلفة فقد أصبحت سببًا للنّزاع والقتال. أمّا لو جرى تحرٍّ للحقيقة فإنّ جميع الأديان تتّحد وتتّفق.
ويتفضّل أنّ الدّين يجب أن يكون سبب الألفة والاتّحاد وسبب الارتباط بين قلوب البشر. فإذا أصبح الدّين سبب النّزاع والجدال فلا شكّ أنّ عدم التّدين أحسن لأنّ عدم الشّيء المضرّ أحسن من وجوده. وإنّ الدّين علاج إلهيّ وهو دواء لكلّ مرض من أمراض النّوع الإنسانيّ وهو مرهم لكلّ جرح أمّا إذا أُسيء استعماله وأصبح سببًا للحرب والجدال وعلّة لسفك الدّماء فلا شكّ أنّ عدمه خير من وجوده.(من خطب حضرة عبد البهاء)
وكذلك صرّح حضرة بهاء الله بضرورة الصّلح العموميّ بين الدّول والملل وبيّن مضار الحرب لأنّ النّوع الإنسانيّ أمّة واحدة والجميع سلالة آدم وآدم واحد والجميع أبناء أب واحد وأفراد عائلة واحدة وغاية ما في الأمر أنّها عائلة كبيرة. ولو أمكن تصوّر وجود أجناس مختلفة في عائلة واحدة لأمكن القول بجواز الاختلاف والنّزاع ولكن ما دام الجميع أفراد عائلة واحدة فإنّهم لا يمكن أن يكونوا أجناسًا مختلفة. لهذا فإنّ التّمييز كقولنا هؤلاء إيطاليّون أولئك ألمان وهؤلاء إنكليز والآخرون روس وهؤلاء إيرانيّون والآخرون أمريكيّون – إنّما هو مجرد أوهام. فالجميع بشر وكلّهم خلق الله وكلّهم سلالة واحدة وكلّهم أولاد آدم واحد وهذه الاصطلاحات والتّعابير وهميّة.
أمّا بالنّسبة للتّعصّبات الوطنيّة فإنّ الكرة الأرضيّة موطن لكلّ إنسان وهي موطن واحد لا مواطن متعدّدة وهي وطن واحد للنّوع الإنسانيّ أمّا الحدود الوهميّة الّتي لا أساس لها فقد اخترعها بعض المستبدّين في القرون الماضية وبها أحلّوا الحرب والقتال بين البشر وكان هدفهم الشّهرة واغتصاب الممالك ولهذا خلقوا إحساسات حبّ الوطن لترويج مقاصدهم الشّخصيّة وكانوا هم يعيشون في القصور العالية ويصيبون نصيبًا موفورًا من كلّ نعمة فيأكلون أغذية لذيذة وينامون في فرش منضودة من الرّيش ويسيرون ويتنزّهون في الحدائق الملكيّة وعندما كان يصيبهم السّأم كانوا يرقصون في صالات الرّقص مع النّساء الجميلات كالأقمار ويصغون إلى الموسيقى السّاحرة ولكنّهم يقولون لهؤلاء الكادحين ولهؤلاء الرّعايا ولهؤلاء المساكين ولهؤلاء الفلاحين اذهبوا إلى ميدان الحرب ليسفك بعضكم دماء البعض الآخر وليهدم بعضكم بيوت البعض الآخر فأنتم الجنود ونحن أصحاب الرّتب والمناصب والرّؤساء والقادة. ويقول البعض لماذا تخرّبون مملكتنا؟ فيجيبهم البعض الآخر: لأنّكم أنتم ألمان ونحن فرنسيّون. لكنّ
مؤسّسي كلّ هذه الحروب مشغولون بالأفراح في قصورهم لا ينفكّون عن سرورهم وفرحهم. أمّا دماء هؤلاء المساكين فلماذا تُسفك؟ إنّها تُسفك من أجل الأفكار الوهميّة في أنّ هذه أمّة فرنسيّة وتلك أمّة ألمانيّة في حين أنّ الاثنين بشر وأفراد عائلة واحدة وكلاهما أمّة واحدة ويجعلون اسم الوطن سببًا في هذا السّفك للدِّماء والحقيقة أنّ هذه الكرة الأرضيّة وطن واحد.
إذن يجب أن يتحقّق الصّلح في جميع الأوطان. فلقد خلق الله كرة أرضيّة واحدة وخلق نوعًا إنسانيًّا واحدًا وهذه الكرة الأرضيّة موطن للجميع. ونحن جئنا ففرضنا حدودًا وهميّة مع أنّ هذه الحدود وهم من الأوهام. فقلنا إنّ أحدهما ألمانيا والآخر فرنسا وشرعنا نحارب بعضنا البعض الاخر قائلين إنّ هذا هو الوطن الألمانيّ المقدّس وهو يستحقّ العبادة ويستحقّ الحماية ولكنّ تلك القطعة غير صالحة يجب قتل أهلها ونهب أموالها وأسر أطفالها ونسائها. فلماذا يسفك الإنسان الدّماء من أجل هذه الخطوط الوهميّة ويقتل أبناء نوعه من أجل ماذا؟ من أجل محبّة هذا التّراب الأسود. في حين أنّ الإنسان يعيش بضعة أيّام فوق هذه الأرض وبعد ذلك تصبح هذه الأرض قبرًا أبديًّا له.
فهل يليق أن نسفك كلّ هذه الدّماء من أجل هذا القبر الأبديّ؟ سوف يخفي هذا التّراب أجسامنا في جوفه إلى الأبد وهذا التّراب قبرنا فلماذا نتحارب ونتعارك من أجل هذا القبر الأبديّ؟ أيّة جهالة هذه؟ وأيّة ضلالة هذه؟ وأيّة غباوة هذه؟
أملي أن تعيش جميع الملل في منتهى المحبّة والألفة مثل عائلة واحدة كإخوان وأخوات لأمّهات وآباء، واحدة في صلح وسعادة.
الخطبة المباركة في جامعة ستانفورد – كاليفورنيا
في 8 تشرين الأوّل سنة 1912



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- صوت السّلام العامّ
- صبح الصّلح الأكبر
- المبادئ الرئيسية فى الدين والعقيدة البهائية
- العصر البديع قادم
- عصر بديع قادم
- دين العالم
- صرخة ألم جوه قلب حزين من مصر انظلم
- وحدة العالم - الهدف الأول فى العقيدة البهائية
- مستقبل العالم والنظام العالمى الجديد والعقيدة البهائية
- وحدة العالم هى الهدف
- المساواة بين الرجل والمرأة من وجهة النظر البهائية
- السلام العالمى قادم لا محاله
- هل العالم بحاجة إلى دين جديد


المزيد.....




- صحفي إيراني يتحدث لـCNN عن كيفية تغطية وسائل الإعلام الإيران ...
- إصابة ياباني في هجوم انتحاري جنوب باكستان
- كييف تعلن إسقاط قاذفة استراتيجية روسية بعيدة المدى وموسكو ت ...
- دعوات لوقف التصعيد عقب انفجارات في إيران نُسبت لإسرائيل
- أنقرة تحذر من -صراع دائم- بدأ باستهداف القنصلية الإيرانية في ...
- لافروف: أبلغنا إسرائيل عبر القنوات الدبلوماسية بعدم رغبة إير ...
- -الرجل يهلوس-.. وزراء إسرائيليون ينتقدون تصريحات بن غفير بشأ ...
- سوريا تدين الفيتو الأمريكي بشأن فلسطين: وصمة عار أخرى
- خبير ألماني: زيلينسكي دمر أوكرانيا وقضى على جيل كامل من الرج ...
- زلزال يضرب غرب تركيا


المزيد.....

- النتائج الايتيقية والجمالية لما بعد الحداثة أو نزيف الخطاب ف ... / زهير الخويلدي
- قضايا جيوستراتيجية / مرزوق الحلالي
- ثلاثة صيغ للنظرية الجديدة ( مخطوطات ) ....تنتظر دار النشر ال ... / حسين عجيب
- الكتاب السادس _ المخطوط الكامل ( جاهز للنشر ) / حسين عجيب
- التآكل الخفي لهيمنة الدولار: عوامل التنويع النشطة وصعود احتي ... / محمود الصباغ
- هل الانسان الحالي ذكي أم غبي ؟ _ النص الكامل / حسين عجيب
- الهجرة والثقافة والهوية: حالة مصر / أيمن زهري
- المثقف السياسي بين تصفية السلطة و حاجة الواقع / عادل عبدالله
- الخطوط العريضة لعلم المستقبل للبشرية / زهير الخويلدي
- ما المقصود بفلسفة الذهن؟ / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العولمة وتطورات العالم المعاصر - راندا شوقى الحمامصى - العلم ووحدة العالم الإنسانى