أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - البهائية والتحديات















المزيد.....



البهائية والتحديات


راندا شوقى الحمامصى

الحوار المتمدن-العدد: 2174 - 2008 / 1 / 28 - 09:11
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


أعرب المستشرق البريطاني البروفيسور إدوارد براون الذي يعتبر من أوائل المستشرقين الغربيين الذين أخذوا على عواتقهم دراسة الدين البهائي في بلاد فارس في القرن التاسع عشر ، عن إيقانه الشخصي بأن هذا الدين الرضيع ربما يكون بداية دين عالمي جديد . وقد بدا له بأن ذلك قد يعتبر فرصة ثمينة للعلماء والباحثين لدراسة كيفية تأسيس وتكوين دين جديد . وكنتيجة لأبحاثه الابتدائية كرّس إدوارد براون الكثير من وقته خلال الثلاثة عقود التالية لدراسة تاريخ وتأسيس الدين البهائي ، كما كتب بعض المقالات الانتقادية ونشـر بعض الآثار البابية والبهائية المترجمة إلى اللغة الإنجليزية .
هذه الجهود لم تقدّرها عالميا تلك النفوس التي عاصرت براون آنذاك . وعلى الرغم من أن أعماله جذبت انتباه بعض زملائه ، إلا أن الآخرين قالوا عنه أن اهتمامه كان أكثر مما يستحقه الأمر الذي رأوا أنه لم يكن سوى حركة إصلاح داخل الدين الإسلامي . ندد أحد الكتاب بالدراسات البهائية التي قام بها إدوارد براون وذكر ذلك في إحدى الجرائد العلمية المعروفة باسمThe Oxford Magazine (مجلة أكسفورد) ووصفها بأنها " انتهاك صارخ للمنظور التاريخي.
إن تاريخ فترة المائة عام التي أعقبت دراسات إدوارد براون حول الدين البهائي أثبتت صحة حكمه الأوّلي . فقد بدأ نظام ديني مستقل يأخذ له شكلا محدداَ ويتواجد في كل بقعة من بقاع العالم بخطى ثابتة ولو إنها بطيئـة . انه نظام مميز نشأ في بيئة إسلامية المنظومة مميزة . وليس غريبا أن نجد المفكرين المعاصرين المهتمين بمقارنة الأديان مثل المؤرخ أرنولد توينبي Arnold Toynbe يعتبر الدين البهائي أحد أديان العالم المستقلة مثل المسيحية والإسلام . كما عبّر عنه بنفس الاتجاه ، ولكن بأسلوب آخر ، مسؤولون في الدول الإسلامية . في بداية عام 1925 م أصدرت المحكمة الشرعية السنية في ببا بمصر الحكم التالي :" إن البهائية دين جديد قائم بذاته … فلا يقال للبهائي مسلم ولا العكس كما لا يقال للبوذي أو البرهمي أو المسيحي مسلم ولا العكس".
يؤمن البهائيون بأن دينهم الجديد المستقل هذا له القدرة والقابلية على أن يوحّد شعوب وقبائل العالم وسيعمل في المستقبل البعيد على إيجاد حضارة عالمية . إنهم واثقون من ذلك وعلى الأخص عندما يتجاوب أعضاء الجامعة للامتحانات والاختبارات الناتجة عن نجاحهم وتوفيقهم . أما الامتحان في المفهوم البهائي فهو بحاجة إلى اهتمام خاص .
قال حضرة بهاء الله بأن الامتحانات هي ضرورية لنمو الإنسان . وإن لم نتعرض للامتحان والاختبار كما يقول حضرة عبد البهاء فإن القوى والطاقات الكامنة فينا والتي هي من المواهب الطبيعية المتأصلة في الجنس البشري لن تنمو أو تتطور . قال حضرته :" لولا الامتحان لما امتاز الذهب الإبريز من المغشوش ولولا الامتحان لما تميز الشجاع من الجبان و لولا الامتحان لما امتاز أهل الوفاء من أهل الجفاء".
هذا المفهوم يطبق أيضا على تطوير الجامعة البهائية ذاتها حيث قال حضرة شوقي أفندي :" والواقع أن تاريخ السنوات المائة الأولى يتحلل إلى سلسلة من الأزمات الداخلية والخارجية التي تختلف في شدتها ومدتها وتتفق في آثارها المدمرة المباشرة إلا أن كل أزمة منها كانت تطلق بصورة غيبية مقدارا ملائما من القوة الإلهية التي تدفعه من جديد إلى التقدم والتفتح . وكان هذا التفتح الجديد يولد بدوره كارثة أعظم يتلوها انطلاق مقدار أكبر من العناية الإلهية تمكن أتباعه من أن يتقدموا إلى شوط أبعد ويحققوا له انتصارات أشد وقعا وإلزاما".
ولهذا يكون من المفيد تدارك الأنواع الجديدة من الامتحانات التي أخذت تواجه الدين البهائي اليوم باعتباره دينا متمكناَ وسريع النمو . إن التحديات الرئيسية التي تواجه الجامعة البهائية عبارة عن :
1) المحافظة على جامعة متحدة .
2) الوصول إلى مشاركة عالمية .
3) مواجهة المعارضة المتزايدة .
4) تأسيس نمط من الحياة البهائية يكون نموذجاَ يحتذي به للحضارة العالمية المنبثقة .
من العنايات الإلهية التي اختصّت بها الجامعة البهائية هي وحدّتها واتحادها . كما أن المساعدة على تأليف وتوحيد الجنس البشري تعتبر من الأهداف الرئيسية للجامعة البهائية . وفي عصر ازداد فيه الشك والريبة ، فإن أعظم ما يمّيز الدين البهائي هو أن بعد مضي قرن واحد من ظهوره استطاع أن يعبر هذه المرحلة بأمان دون أن يعتريه التمزّق والانقسام و حافظ على وحدة أتباعه وهو ما يميّزه عن باقي أديان العالم الأخرى ، إذ لا يوجد دين رئيسي يتصف بنفس الصفات والخصائص والميزات التي جاءت في البهائية. ومن الملاحظ أن جميع الأديان السماوية بل وحتى الوضعية اعتراها التشعب والانقسام منذ مراحلها الأولى وهذا التمزق امتد ليشمل المذاهب والطوائف التي انشعبت عنها أيضا .
أما بالنسبة لأديان العالم الأولية فإن المشكلة أقل خطورة . حيث طغت القضايا والمسائل الأخرى الأكثر أهمية على اهتمامات وطاقات المؤمنين . أما بالنسبة للدين البهائي فإن الوحدة و الاتحاد هي السمة المميزة للدعوة التي هي سماوية في الأصل . ولقد ندّد حضرة بهاء الله بشدة بكل محاولة تهدف إلى إيجاد الفرقة أو التحزب في الجامعة، علما بأنه لا توجد هناك مذاهب أو فرق في الدين البهائي سواء في شكل حركة تحريرية أو أرثودكس أو مذهب تجديدي . أما اختلاف وجهات النظر فهو من الأمور الطبيعية الشخصية شريطة أن لا يؤدي إلى الانقسام والتحّزب . وبناء عليه فإن البهائيين في جميع بقاع العالم يعتبرون أعضاء في جامعة عضوية متحدة واحدة .
وما يحصل الآن هو أن دائرة الدين أخذت في الاتساع بشكل سريع في شتى أرجاء العالم لتضم في عضويتها أفراداَ من مختلف الطبقات والثقافات . هل يمكن لهذه الجامعة أن تحافظ على نفس الدرجة من الوحدة عندما تكون بعض الجامعات الإقليمية فيها متقدمة على الأخرى في مجال تطبيق بعض التعاليم البهائية في البيئة الاجتماعية بينما تظل هذه الجامعة لعدة عقود من الزمن متخلفة عن الآخرين فيما يخص بالمصادر المتاحة لها وقدراتها الإدارية ؟ نحن نعيش اليوم في عصر تعمه الضغوط السياسية ، هل تستطيع الجامعات البهائية في الدول التي مزقتها المخاصمات العرقية والثقافية أن تستمر في النمو عن طريق احتضانها للعديد من شعوب هذه الدول ذوي الخلفيات المتنوعة ؟ إن سلطة بيت العدل الأعظم هامة جدا لوحدة الجامعة البهائية . هل يستطيع هذا الدين أن يحافظ على الضوابط والمبادئ البهائية في جامعة هي خليطة من كافة الطبقات والأجناس وسريعة النمو في عصر انحدرت فيه القيم الاجتماعية بشكل واسع ؟ ولهذا السبب هل تستطيع الجامعة البهائية أن تحافظ على وحدة العقيدة مع الأخذ بعين الاعتبار تفاسير وتبيينات الرموز المقدسة الأساسية في الظهور البهائي بما فيهم ولي أمر الله حضرة شوقي أفندي؟
فمن جهة تعتبر الجامعة البهائية اليوم في وضع أفضل بكثير من الماضي في مواجهة هذه التحّديات ولا يمكن لأي شخص لديه الفهم والوعي المعقول للتعاليم والتاريخ البهائي أن يشكك في مقام بيت العدل الأعظم الإلهي باعتباره السلطة التشريعية الوحيدة للجامعة البهائية . إن الوثائق والمستندات الخاصة بهذا الموضوع كاملة وتم نشرها بشكل واسع ويشارك كل أفراد الجامعة كل حسب موقعه في انتخاب هذه المؤسسة حسب الشروط والضوابط التي وضعها حضرة بهاء الله . ويقوم بيت العدل الأعظم بتوجيه وهداية وتطوير الجامعة البهائية العالمية من خلال خطط تبليغية عالمية متعاقبة والتي تقوم فيها جميع الهيئات والمنظمات بتنفيذ الأدوار المحددة لها من قبل بيت العدل الأعظم .
إن أي محاولة للاعتداء أو الأذى قد يتعرض له الدين في هذه المرحلة من تاريخه قد يكون سببه التوسع السريع للجامعة البهائية والأوضاع غير المستقرة في العالم . خلال السنوات الحالية انضمت إلى الجامعة البهائية عدة ألوف من المؤمنين الجدد وأن هذا العدد في تزايد مطّرد . وهو أمر محقق وعلى الأخص في دول العالم الثالث . إن الجزء الأكبر من الجامعة البهائية العالمية مكوّن من أعضاء جدد احتضنوا الأمر المبارك نتيجة لإيمانهم بحضرة بهاء الله باعتباره المبعوث السماوي لهذا العصر وأيضاَ نتيجة لانجذابهم لروح المحبة والوحدة العملية السائدة في المجتمع البهائي .
إن الكثير من هؤلاء المؤمنين الجدد هم أميّون أي لا يعرفون القراءة والكتابة وبالتالي فإن استحكام وتمكين الجامعة النامية يعتمد بدرجة كبيرة على سلسلة من الاتصالات ورحلات البهائيين إلى تلك المناطق التـي تزداد تعقيدا نتيجة لأحداث العـالم المتلاحقة . تنبأ حضرة عبد البهاء وحضرة شوقي أفندي بأنه سيأتي الوقت الذي ستنقطع فيه الاتصالات مع المركز العالمي نتيجة للاضطرابات الاجتماعية بشكل عام وتدهور الأوضاع (مثلما حدث أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية) وقد يحدث ذلك بين الحين والآخر وقد تطول لمدة من الزمن . هل يمكن للنظام الإداري البهائي الرضيع أن يحافظ على وحدة العقيدة والعمل - كما هو الآن - خلال تلك الفترة ؟
يؤمن البهائيون بأن الجواب هو " نعم " لأن عهد وميثاق حضرة بهاء الله ضامن وحدة جامعته كما كان الحال خلال السنين الماضية المتعاقبة . بالطبع للمؤسسات البهائية السلطة اللازمة لسحب العضوية من أي شخص أو مجموعة أشخاص يحاولون إيجاد التفرقة والانقسام في الجالية بعد أن يتم توجيه النصائح والإنذارات لهم . وعلى أي حال هناك أمر واحد واضح وهو أن الجامعة البهائية أخذت تتجه نحو مرحلة من التطور يمكن أن تتعرض وحدتها لضغوط حادة .

التحدي الآخر الذي يواجه الجامعة اليوم هو تأمين مشاركة جموع أفرادها في فعاليات تخدم مصلحة الدين . ولأول وهلة يبدو أنه من الصعب أن يشغل هذا الموضوع جميع أعضاء الجامعة فرداَ فرداَ ذلك لأن الجامعة البهائية تتكون من أفراد عاديين دون رجال دين ، وما يميزها انشغال كافة أعضاء الجامعة من الشريف إلى الوضيع في إدارة شئونها وتحقيق مصالحها .
هذه الميزة لا تعتبر على أي حال سمة إضافية لحياة الجامعة البهائية بل ضرورية لنموها و حياتها . إن " المنطق الوجودي " Raison Detre للدين البهائي هو بناء نوع جديد للمجتمع القادر على أن يصبح نموذجاَ لحضارة عالمية ، وهو أمر محقق النجاح على الأقل في نظر مؤسس الدين وأتباعه فقط عندما تسلك الجامعة الطريق القويم نحو تحقيق هذه المهّمة . هذا التقـدم يعتمد على تسخير الموارد البشرية والمصادر المادية المتعددة من أجل هذا الغرض . وبالنسبة لجامعة صغيرة نسبياَ فإن الحصول على هذه الموارد والمصادر يعتمد على رغبة جميع أو غالبية أعضاء الجامعة في المشاركة الفعالة لبرامجها . لا شك بأن بيت العدل الأعظم أخذ هذه النقطة بعين الاعتبار عندما أشار إلى " المشاركة العالمية " كأحد الهدفين من أولى خططه العالمية التي طرحت في أبريل من عام 1964 م أي بعد سنة واحدة من تأسيسه. توضيحا لهذا الموضوع جاء في إحدى رسائل بيت العدل الأعظم ما يلي :
" … إن مشاركة كل فرد أمر في غاية الأهمية وهي مصدر للقوة والأهمية غير المعلومة لنا الآن … وإن قام كل فرد مؤمن بتنفيذ هذه المهام المقدسة فإننا سنندهش من القوة المضاعفة التي ستظهر للجسم كله والتي بدورها ستؤدي إلى نمو أكبر وإلى شمول عنايات أعظم لكافة أركان الجامعة . إن السر الحقيقـي الكامن في المشاركة العالمية يكمن في رغبـة حضرة عبد البهاء المتكررة بأن على الأحباء أن يكنوا كل محبة وعشق لبعضهم البعض وأن يتعاونوا مع بعض ويكونوا كنفس واحدة في جسم واحد وبالتالي يصبح الجسم حقيقيا وعضويا وصحياَ ومنتعشاَ ومنيراَ بالروح".
كان لهذا النداء تطبيقات واضحة في حياة الجامعة البهائية في العالم الغربي . في جامعات أكثر حداثة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا والمحيط الهادي التي دخلها الأمر الإلهي بواسطة ثلة من المهاجرين والمبلغين من إيران وأمريكا الشمالية فإن الدعوة لمشاركة عالمية كانت لها أبعاد أخرى . ففي هذه المناطق يكون التحدي الذي يواجه غالبية أعضاء الجامعة البهائية وهم من سكان تلك المناطق الأصليين هو تحملهم عبء المسئولية الكاملة في إدارة شئون الأمر المبارك وتنمية ذلك بما يتفق والبيئة الثقافية لدولهم .

إن الجامعة البهائية بصورة عامة قد تقدمت بشكل ملحوظ في هذا الاتجاه . فالصور الفوتوغرافية لأعضاء المحافل الروحانية المركزية لبعض هذه المناطق والدول (في الواقع حتى من بعض الشعوب الأوروبية الصغيرة) تبيّن نسبة عالية من المهاجرين ولكن هذا الأمر تغير الآن تماما . فغالبية الجامعات المركزية في العالم يدير شئونها سكانها الأصليون وما تبقى من أعضائها هم مجموعة قليلة . وعلى أي حال ، إن إدارة شئون وشجون الجامعة البهائية هي الخطوة الأولى . إن التحدي الذي يواجه السكان الأصليين لهذه الجامعات البهائية الكبيرة الآن هو تحمل المسئولية الكاملة في تحقيق وإنجاز العديد من الأنشطة المذكورة في الخطط العالمية المطروحة من قبل بيت العدل الأعظم كتأسيس المدارس والمراكز وتنظيم مشاريع التنمية الاقتصادية وأيضا إيجاد روابط وثيقة مع السلطات الحكومية على جميع المستويات .
وليس هناك من تحد يواجه المشاركين أعظم من موضوع نشر رسالة حضرة بهاء الله . وعلى الرغم من أن معدل نمو العضوية في الجامعة يبدو أنه جيد مقارنة بباقي الأديان ، ولكن إلى أن تقبل الجموع الغفيرة من سكان العالم دعوة حضرة بهاء الله فهناك حاجة إلى بعض الوقت . والسبب في ذلك واضح وهو أن هناك قلة من البهائيين يصرفون وقتهم في تبليغ دينهم وقد يكون مرجع ذلك هو عدم جواز الضغط على النفوس لقبول الأمر الإلهي وهو مبدأ قد تحاول بعض النفوس تعدّيه وتجاوزه . الواقع أن العديد من البهائيين قد وفقوا ونجحوا في أمر التبليغ دون أن يتجاوزوا هذا المبدأ . وعلى أي حال ، يبدو واضحا أن علاج هذه القضية يتم بمشاركة أوسع من قبل الجميع في أمر التبليغ .
باختصار ، إن الوضع الحالي يفتح المجال أمام مشاركة متزايدة ونشطة من قبل ألوف البهائيين الذين مازالوا غير نشيطين في الجامعة . هل سيتحقق هذا الأمر ؟ أم أن الضغوط والعوامل السياسية والاقتصادية ستحول دون استخدام المؤمنين لطاقاتهم وإمكاناتهم في تنفيذ البرامج والخطط البهائية كما حدث لأعضاء عدد من المنظمات الدينية الأخرى ؟ وهل يستطيع السكان الأصليون للجامعات المركزية كبيرة الحجم أن يتكّيفوا مع نموذج الحياة البهائية الذي جاء مع جموع المهاجرين بحيث يلّبي احتياجات منطقتهم ، وفي نفس الوقت يظلون مخلصين للتعاليم والمبادئ البهائية ؟ وهل يستطيع هؤلاء أن يقدموا الموارد البشرية التي تحتاجها الجامعة البهائية العالمية احتياجا شديدا من أجل تنفيذ برامجها الطموحة ؟

هذه التحديات التي نوقشت سابقا هي نوع من الحوافز الإيجابية التي بواسطتها تزدهر وتنجح هذه الجامعة ذات الوضع الصحي الطبيعي . أما التحدّيات الأخرى فهي أقل أهمية . هناك نفوس تعارض بشدة توسع الدين البهائي وفي بعض الحالات عازمة على سحقه ومحوه . بصورة عامة لا يرغب البهائيون في بحث هذا الموضوع ولكنه موضوع أشير إليه بقوة في آثارهم المقدسة . ومثال على ذلك يقول حضرة شوقي أفندي :
" إن الاضطراب العالمي الراهن قد أطلق من عقاله قوى أخلّت إخلالا خطيرا بالموازين الاجتماعية والدينية السياسية والاقتصادية في نظام المجتمع الإنساني . ولم يكن من الممكن الاعتقاد بأن هذا الاضطراب في بداياته لن تكون له نتائج سلبية بالنسبة لمؤسسات دين يافع طري العود ، هذا الدين الذي يمكن لتعاليمه ومبادئه أن يكون لها آثار حيوية ومباشرة على كل هذه المجالات الإنسانية في الحياة والسلوك . فليس العجب إذا أن يجد البهائيون أنفسهم وسط دوامة من العواطف المتضاربة والتيارات المتناحرة وقد كبلت حرياتهم ، وسفهت معتقداتهم ، وهوجمت مؤسساتهم ، وشوهت مقاصدهم ، وهددت سلطتهم ، ورفضت دعوتهم …".
ان هذا الهجوم بأي شكل كان ، قد استمر طيلة فترة من عمر هذا الدين اليافع والذي امتد عبر أكثر من مائة وخمسين سنة . وفي السنين الأخيرة أخذ هذا الهجوم يزداد وينمو بشكل جاد مما يستدعي الحاجة إلى تجاوب موحّد وفعال من جانب الجامعة البهائية العالمية . وفي بعض الدول الإسلامية أصبحت المعارضة في شكل حملات مكشوفة من الاضطهاد والتنكيل ، وفي إيران وهي مهد ظهور هذا الدين ، كانت النتيجة معاناة إنسانية بشكل واسع
إن الذنب الرئيسي للبهائية من وجهة نظر علماء الشيعة المسلمين هو وجود هذا الدين. حيث يعتقد علماء الإسلام الأصوليون بأن محمدا عليه السلام هو آخر المرسلين من جانب الحق تبارك وتعالى وان الإسلام هو آخر الأديان السماوية للجنس البشري . على ضوء ذلك وبشكل أدق فإنه يستحيل لأي دين جديد أن يظهر إلى حّيز الوجود . ولكن هؤلاء اضطروا أن يتعاملوا مع الحقيقة بأن الدين البهائي له وجود وانه يتّسع وينمو بسرعة ولهذا اتهم المسلمون الأصوليون وعلى الأخص شيعـة إيران الدين البهائـي بأنه " بدعة " و " حـركة سياسية " أو " مؤامرة ضد الإسلام " وأن القضـاء على هذا الدين هو نوع من الخدمة للحق تبارك وتعالى .
أثناء حكم الشاه في إيران وتجاوباَ مع ضغوط رجال الدين لم يحصل الدين البهائي على الاعتراف المدني له من قبل السلطات كما هو حال الأقليات الدينية الثلاث الأخرى وهي اليهودية والمسيحية والزردشتية . ونظراَ لأن الحقوق المدنية في إيران تعتمد على الاعتراف الرسمي الممنوح للدين فإن ذلك يعني أن أكثر من ثلاثمائة ألف بهائي - وهذا العدد يزيد عن كافة الأقليات الدينية الأخرى - لا يتمتعون بحماية القوانين المدنية .
نتيجة لذلك أصبح البهائيون في معرض لأية مضايقات أو اضطهادات من قبل الغالبية المسلمة ، حيث تعرضت المقابر البهائية للانتهاك من قبل الرعاع من أفراد الشعب ، وأهين الطلاب البهائيون في مدارسهم وسمّوا " بالبابي القذر " ، وحرم البهائيون من الوظائف في عدة فروع من الخدمة المدنية كما ضرب العديد منهم واغتصبوا بل وقتلوا في عدة مواقع عندما ثار المتعصبون ضدهم بتحريض من رجال الدين الشيعة . ومن أجل تحويل الأنظار عن القضايا السياسية والاقتصادية كان نظام الشاه في بعض الأحيان يقوم بإشعال نار الفتنة ضد البهائيين ويقدّمهم كبش فداء . وفي عام 1955م كان هناك اضطهاد منظّم ضد البهائيين مما استدعى تدخل هيئة الأمم المتحدة آنذاك. وبعد اندلاع الثورة الإسلامية في إيران في عام 1979م أصبح الوضع أكثر سوءا حيث تمت مصادرة الأملاك البهائية تحت إشراف رجال الدين الشيعة الذين أصبحوا في السلطة وانتهكت حرمة المقدسات البهائية ودمّر جزء كبير منها كما أزيلت المقابر البهائية بالجرافات وعزل البهائيون من وظائفهم وألغيت معاشاتهم التقاعدية وصودرت أموالهم وطرد الطلبة من المدارس في شتى أنحاء إيران . أما دستور الدولة الإسلامي الجديد الذي وضع في خريف عام 1979 م فقد حرم البهائيين من أي نوع من الحقوق المدنية بل وتعدى الحرمان ما كان مذكوراَ في الدستور الملكي السابق .
وفي صيف عام 1980 م بدأت لجان الثورة بالقبض على أعضاء المحافل الروحانية المحلية والمركزية بالإضافة إلى بعض النفوس البارزة وأصدرت أحكاما وصلت إلى حد الإعدام . وعلى الرغم من أن ممثل النظام خارج إيران أعلن بأن هذه الإعدامات هي " لجواسيس " ولكن صحيفة الاتهام أشارت بأن التهمة ترجع إلى اعتناق البهائية والعضوية في الجامعة البهائية وهي الجرائم التي أدينوا بسببها ، وقد عرض عليهم الرجوع إلى الإسلام مقابل الإفراج عنهم . ونقلت الجرائد والصحف الإيرانية الحكومية أنباء هذه الإعدامات والاضطهادات الأخرى ضد البهائيين واعتبرت ذلك وسيلة لقمع وسحق هذه الحركة. وأخيرا في شهر آب ( أغسطس ) من عام 1983 م أعلنت الحكومية الإسلامية رسميا عن حظر ومنع المؤسسات التعليمية والخيرية والدينية البهائية في إيران . وتنفيذا للمبدأ البهائي بإطاعة الحكومة قام المحفل الروحاني المركزي للبهائيين في إيران بحل جميع المحافل الروحانية المحلية ومن ثم أعلن عن حل نفسه أيضا . وعلى الرغم من هذا الإذعان ، بدأت السلطات بسجن كافة أعضاء المحافل المنحلة باعتبار أن قرار الحل له أثر رجعي . و قد استمع الكونغرس الأمريكي إلى شهادة قوية بأن السجناء البهائيين تم تعذيبهم بشكل منظم من أجل إجبارهم على إنكار دينهم و الاعتراف بأنهم جواسيس .
كما بدأت مصر أرض الأزهر الشريف بالقبض على البهائيين ومصادرت أموالهم وممتلكاتهم وغلق المحافل البهائية وذلك منذ سنة 1960 وتوالى الإضطهاد على البهائيين امتداداً منذ هذا التاريخ وحتى عام 1983 ووضعوا فى السجون ووجه لهم أفظع التهم الإباحية والإنسانية والسياسية وكانت القضية الشهيرة والتى زُجَ فيها البهائيين ومعهم الفنان العالمى الشهير حسين بيكار البهائى له الرحمة كلها وحتى الأطفال لم يسلموا من كل هذه الإضطهادات وحتى يومنا هذا أصبح البهائيون فى مصر بلا هوية ويعيشون وكأن لا وجود لهم فهم فى موت مدنى تماماً فقد شُلت حياتهم من بيع وشراء وبنوك وجوازات سفر وشهادات المعاملات العسكرية لأبنائهم البالغين وطرد الشباب البهائى من الجامعات المصرية والطلبة الصغار من دخول المدارس لأن ليس لديهم شهادات ميلاد، والإنسان المتوفى لا يُستخرج له شهادة وفاة ويترتب على ذلك كل المعاناة للأسرة البهائية التى فقدت عائلها بالوفاة،الشباب فقدوا الأمان فى ظل قانون الطوارئ وغيره من القوانين الردعية وهم بلا هوية ومعرضون للسجن فى كل لحظة وآن-الشباب خارج أسوار الجامعات والأطفال منهم من هم خارج أسوار المدارس بل الحياة كلها-يعيش البهائيون فى مصر وهم بالألافات فى عددهم يعيشون فى ظلامٍ دامس بعيد عن نور الحرية والحق فى الحياة المدنية مثلهم مثل أبناء وطنهم-فما علاقة الدين والمعتقد الشخصى بالهوية والحياة المدنية؟؟؟؟!!!!!!!!!
أما تجاوب البهائيين لهذا الهجوم فكان له شكلين. فعندما فشلت جميع المناشدات المتكررة لدى السلطات الحكومية تركزت الجهود على المستوى الدولي من أجل التدخل والمساعدة . بداية وفي صيف عام 1980 م أصدر البرلمان الكندي بالإجماع قرارا بالتنديد بهذه الأعمال الوحشية ومن ثم بدأت عدة حكومات بالضغط على إيران من أجل وقف حملة الإرهاب هذه . كما أصدر البرلمان الأوروبي في خريف عام 1980 قرارا حول هذا الموضوع ومن ثم عقدت منظمات الأمم المتحدة سلسلة من الجلسات لسماع مختلف الشهادات حول اضطهاد البهائيين في إيران انتهت إلى مجموعة من القرارات . أحد هذه القرارات صدر في شهر مارس ( آذار ) من عام 1984 م والذي بموجبه فوّض السكرتير العام للأمم المتحدة بالبحث والتحري حول هذا الأمر . أما الكونغرس الأمريكي فقد ندّد مرتين بشدة اضطهاد وتعذيب البهائيين .
إن الضغوط الدولية تتزايد كل سنة مؤدية إلى تنديد متزايد للنظام الإيراني في وسائل الإعلام وانتقادات حادة صدرت من مندوبي منظمات الأمم المتحدة . وفي عام 1994 م يبدو أن السلطات الرئيسية في طهران توصلت إلى نتيجة مفادها بأن انتهاك حقوق البهائيين بدأ يكلفهم كثيرا من الناحية السياسية والاقتصادية ، ولذا انخفضت بشكل حاد عمليات إعدام أعضاء الجامعة وسجنهم ولكن المضايقات اليومية مازالت مستمرة . ويبدو أن النظام لم يغير من سياسته الأصلية ففي عام 1993 كشف ممثل الأمم المتحدة الخاص السيد / رينالدو جاليندو للجنة حقوق الإنسان عن وثيقة سرية إيرانية حكومية تشير إلى برنامج منظّم بهدف خنق وقمع الأقلية البهائية بشكل لا يثير الانتباه العالمي .
وما يلفت النظر في قضية الأقلية البهائية الإيرانية هو كشفها لمدى فاعلية نظام حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة . فلجنة حقوق الإنسان التابعة لهيئة الأمم المتحدة وعلى الرغم من ثقل عملها وبطئه فإن القرارات والتوصيات التي تصدرها تسهم في عزل حكومة غير متعاونة عن العالم بل وتعرض السياسة الخارجية لتلك الحكومة واقتصادها إلى سلسلة من العواقب الوخيمة .
وعلى المدى الطويل فإن نتيجة الأعمال ستنعكس على الجامعات البهائيـة الإيرانية ذاتها . وعلى الرغم من هجوم علماء الدين فإن البهائيين الإيرانيين استطاعوا المحافظة على موقفهم الثابت من احترامهم للإسلام . فالإدعاء بأن دينهم مناهض للإسلام أضحى غير صحيح . فقد أشاروا بأن الأشخاص عندما يصبحون بهائيين فإن العديد منهم من الخلفيات المسيحية واليهودية والبوذية والهندوسية في الواقع يؤمنون ويقبلون الدين الإسلامي باعتباره ديناَ سماوياَ وأن رسوله منزل من عند الله العلي القدير .
كما شهد الجميع بأن الجامعة البهائية تحترم مبدأها الخاص بإطاعة الحكومة والبعد عن الأحزاب السياسية . وعلى الرغم من أن البهائيين هم أكثر الأقليات اضطهادا في إيران المعاصرة فإنهم رفضوا الاشتراك في العديد من الانتفاضات المدنية التي دعا إليها الخصوم السياسيون للحكومة الإسلامية الإيرانية بهدف إسقاط هذه الحكومة . وفي الواقع رفضت الجامعة البهائية في إيران خلال السنة الأولى من بدء الاضطهاد طلب التدخل الدولي لحمايتها على أمل إعطاء الفرصة للنظام من أجل وقف حملات الاضطهاد والتعذيب ضدها . هذه السياسة التي يعتقد البهائيون أنها ستحميهم على الأمد الطويل كانت قد اتبعت أثناء حكم الشاه .

من ناحية موضوعية بحتة يمكن القول بأن المحنة المعاصرة التي يمر بها البهائيون في إيران لها فوائد هامة للدين على الرغم من فداحة الثمن . إن الجهود الدولية التي بذلت لتخفيف معاناة البهائيين استلزمت الاتصال بالمسؤولين الحكوميين والأكاديميين ووسائل الإعلام وعامة الشعب في مناطق عديدة من العالم وتعريفهم بطبيعة الدين البهائي وأهدافه وتعاليمه . فمن طبيعة المواضيع التي طرحت برزت السمة التقدمية والسلمية للجامعة البهائية . أما بالنسبة للبهائيين خارج إيران فقد نهضوا جميعا متّحدين في الدفاع عن أخواتهم المؤمنين ضد الهجمات الوحشية والفجائية التي تعرضوا لها مما أدى ذلك دون شك إلى تعزيز شـأن الدين ورفع مكانته . وفوق كل ذلك فإن القدرة البطولية والتضحية التي ظهرت من الأحباء الإيرانيين كانت دلالة قاطعة على وجود قوة روحانية جوهرية كامنة في هذا الدين . مرة أخرى تحقق المثل القديم القائل :" إن دماء الشهداء هي بذور الدين " ولكن هذه المرة كان كل ذلك أمام عدسات التلفزيون في العالم .
إن اضطهاد البهائيين لم يكن محصوراَ في المجتمعات الإسلامية فحسب بل واجه البهائيون عداء من الأنظمة الاستبدادية أيضا . ففي ألمانيا النازية تم حظر البهائية بصورة رسمية ومنع نشاطها . والسبب الرئيسي لذلك يرجع إلى تعاليم البهائية الخاصة بوحدة الجنس البشري . وفي الدول الشيوعية كان القمع تقريباَ شاملا وكاملا . فالنظرية الماركسية التي تنكر وجود الله ووجود الروح والتي تعتبر التاريخ الاجتماعي للجنس البشري مبني على الفلسفة المادية لا تعير للدين البهائي أي اهتمام . وفي علم وصف الكون عند ماركس فإن ظهورا إلهيا جديدا لا يعني شيء . وفي الاتحاد السوفيتي السابق ألقي القبض على العديد من البهائيين وأبعدوا إلى سيبيريا وحلّت المحافل الروحانية وصودرت الكتب والسجلات والمحفوظات وحظر النشاط التبليغي . كما استولت السلطات على مبنى مشرق الأذكار في عشق آباد وهو أول معبد بهائي في العالم واستخدمته مركزاَ حكومياَ. إن درجة القمع والإخماد تتفاوت من دولة شيوعية إلى أخرى ولكن في جميع الأحيان وضعت قيود شديدة على الجامعة البهائية التي تواجدت في هذه الدول.
ومع سقوط جدار برلين تغيرت الأوضاع بشكل سريع ومثير في دول الكتلة الشرقية شملت جميع جوانب الحياة . ومنذ عام 1990م تم تأسيس عدة محافل روحانية مركزية جديدة في تلك المناطق من العالم كما تزايدت أعداد المحافل الروحانية المحلية وطرحت عدة برامج فعالة من أجل ترجمة وطبع الآثار البهائية وجعلها متاحة بلغات متعددة .
وأخيرا تحمّل الدين البهائي هجوماّ مستمراّ من عدة ممثلين لطوائف مسيحية وعلى الأخص من جماعات التبشير. فالفعاليات التبشيرية تكون عادة غير مثمرة وعقيمة في المناطق الإسلامية والشرق الأوسط . أشار المستشرق البريطاني ادوارد براون قبل أكثر من سبعين سنة بأن عددا من المبشرين المسيحيين الذين أقروا بفشل جهودهم أظهروا عن استياءهم من النجاح الذي حققه المبلّغون البهائيون الذين يعملون في نفس المنطقة . وقد ازداد هذا العداء عندما أخذ الدين البهائي يتقدم ويتسع بشكل كبير في الدول الغربية وأيضا بين الأشخاص من ذوي الخلفية المسيحية . أما رد فعل المبشرين المسيحيين فكان انضمامهم إلى نظرائهم المسلمين في الهجوم بشكل عنيف عن طريق نشر المطبوعات التي تهاجم الدين البهائي وأهدافه وتعاليمه . إن الدين الذي تعرض للاضطهاد بصورة وحشية في الشرق وجد نفسه الآن يتعرض إلى تشويه وتحريف كبير لتاريخه وتعاليمه في الغرب وإلى جهود مبذولة لإظهاره بأنه معاد للمسيحية.
إن الهجوم المنظم على البهائية بواسطة الكنائس المسيحية أصبح شديدا بالذات في ألمانيا . ففي عام 1953م تقدمت الجامعة البهائية في ألمانيا بطلب للحصول على قطعة أرض في مدينة فرانكفورت من أجل بناء أول مشرق أذكار ( معبد ) بهائي في القارة الأوروبية . شنت الكنائس البروتستانتية سلسلة من الاعتراضات وانضمت إليها السلطات الكاثوليكية المحلية مما أدى إلى صراع امتد لمدة ست سنوات استطاعت في النهاية الجامعة البهائية أن تحصل على الأرض وعلى الرخصة ببناء المعبد .
وأخيراَ تبين بأن المعارضة والعداء لا يكون غير مجد فحسب وإنما مثمـراَ وبناء أيضا . ففي عام 1959م تم الحصول على رخصة البناء للمخطط المعماري الذي أعده وصممه وفاز به المهندس المعماري تيتو روشولي Teuto Rocholi وفي عام 1963م شارك عدة ألوف من البهائيين الأوروبيين في مراسم الافتتاح الرسمي للمعبد . وليس عجيباَ أن المعارضة المكشوفة من الخصوم كان له الأثر في كتابة العديد من المقالات الصحفية وبث البرامج الإذاعية التي ناصرت وأيدت الجامعة البهائية والتي أدّت في النهاية إلى نشر تعاليم ومبادئ الدين البهائي وطبيعتها بشكل واسع لم يسبق له مثيل في شتى أرجاء ألمانيا .
وفي عام 1981م قام الدكتور كيرت هوتنKurt Hutten وهو مشرف وكالة إعلان بروتستانتية اسمها Evangelische Zentralstelle Fur Weltanscha uungssragen وكاتب لعدة مقالات ضد الأمر المبارك ، قام باستغلال مقال كتبه شخص بهائي يدعى فراسيسكو فيسيشيا Francesco Ficicchia ولكنه طرد فيما بعد من الجامعة البهائية لأنه كان يسعى إلى تشويه سمعة الدين بشكل علني . وعلى الرغم من أن مقال السيد فيسيشيا كان يضمر سوء نية ومصلحة ذاتية ، وعلى الرغم من أن كاتب المقال كان يفتقد الخلفية العلمية اللازمة فإن وكالة الإعلان قامت بطباعة نسخ منه ووزعته بشكل واسع واعتبر جزءا من سلسلة أبحاث علمية .

وأخيراَ أخذ ثلاثة من البهائيين المطلعين الألمان على عاتقهم المسئولية الشاقة في الرد على هذا الهجوم العنيف والتشويه للحقيقة الذي استرسله الكتاب . وفي الكتاب الذي قامت بطبعه هيئة طبع مستقلة اسمهاOlms Verlag جاء الجواب في أكثر من ستمائة صفحة مليئة بالتفاصيل والمستندات والأعمال التي قامت بها الجامعة البهائية . وبالنسبة للأزمة التي تفاعلت حول بناء مشرق الأذكار فإن المنشورات التي هاجمت البهائية يبدو أنها أفادته أكثر مما أضرت به ، وأن الإنجاز الذي تحقق في فترة وجيزة ما كان يمكن للبهائيين تحقيقه لعـدة سنوات . هذا البحث لفت نظر العلماء الألمان إلى المواضيع الأساسية والمصادر الرئيسية للتاريخ البهائي وأصوله ومعتقداته وشكك بصورة كبيرة في مصداقية أولئك الذين حاولوا تشويه صورته دون مبرر .
كما وقعت مؤخرا أزمة في منطقة أخرى من ألمانيا مما عزز وضع الجامعة البهائية فيها . ففي منطقة توبنجنTubingen رفض المسئول القانوني لمحكمة المنطقة تسجيل المحفل الروحاني المحلي بسبب أن نظام الانتخابات البهائي الذي يمر بثلاث مراحل يتعارض مع القوانين الألمانية . استأنف المحفل الروحاني المركزي لألمانيا هذا القرار لدى المحكمة الدستورية الفدرالية العليا . جاء في الحكم المميز الذي صدر من هذه المحكمة بأن النظام الإداري البهائي هو جزء لا يتجزأ من الدين نفسه وبالتالي غير خاضع للقيود القانونية المذكورة .
وهكذا ففي الأرض التي حاول فيها المعارضون المسيحيون بذر الشكوك حول وضع هذا الدين باعتباره ديناَ رسمياَ ومعترفاَ به ، فإن كلمات القاضي في حيثيات الحكم المذكور لها أهمية خاصة حيث قال :" في هذه القضية ليس من الضروري أن نتعمق أكثر من ذلك حيث أن السمعة الطيبة للدين البهائي كدين وميزات الجامعة البهائية كجامعة دينية هي واضحة ومشهودة سواء في الحياة اليومية الفعلية أم في الأعراف الثقافية أم في مفهوم عامة الشعب و علم مقارنة الأديان".
وعلى الرغم من البهجة التي أحاطت الجامعة البهائية في ألمانيا نتيجة هذه الانتصارات فإن الحملة المضادة التي شنّت على دينهم بواسطة المنظمات الكنائسية تدل على عمق العداء الذي قد يتحّول إلى أشكال أخرى في المستقبل .
إن المعارضة تدل على التحدي الذي قد يأخذ أشكالا وأبعادا جديدة مع اتساع نطاق الجامعة البهائية ولفت أنظار العموم إليها . إن الروح المعنوية التي يواجه بها البهائيون هذه الهجمات الجديدة وتجاوبهم مع القضايا المتعددة سيكون له الأثر الكبير على تركيز الانتباه العالمي على دينهم كما يؤثر على نوعية الحياة التي سيعيشونها داخل جامعتهم .

إن المحافظة على الوحدة والاتحاد والتجاوب مع المعارضة والعداء ومشاركة أكبر قدر ممكن من الأعضاء في أعمال توسعة الجامعة لا يعد كافيا في حد ذاته لتحقيق أهداف ومقاصد حضرة بهاء الله . كما لا نستطيع بكل هذا أن نقنع البشرية بشكل عام بأن الدين البهائي لديه الأجوبة لمستقبل الإنسانية . ولكن يمكن لكل ذلك أن يقع إذا شاهد الآخرون في هذا العصر المليء بالشكوك المتزايدة بأن كل ذلك مطبق لدى البهائيين فعلا وأنهم يعيشون الحياة الجديدة والجذابة التي يدعونها . يقول حضرة شوقي أفندي :
" هناك شيء واحد و شيء واحد فقط يمكن له أن يحرز النصر المؤزر لهذا الأمر المقدس وهو مدى إمكانية أن تعكس حياتنا الداخلية وصفاتنا الشخصية بمظاهرها المختلفة عظمة وجلال المبادئ السامية التي أعلنها حضرة بهاء الله".
هناك شكوك طفيفة من أن النموذج البهائي قد يكون البديل الجذاب لما هو متواجد ويفرض نفسه اليوم في المجتمع المعاصر . ومنذ أيامه الأولى فإن سمات وميزات أعضاء الجامعة البهائية كان محل إعجاب وتقدير وثناء المراقبين . للمستشرق البريطاني ادوارد براون الملاحظة التالية التي قالها في نهاية القرن التاسع عشر :
" طالما سمعت من المبشرين المسيحيين عن النجاح الباهر الذي يحققه المبلغون البابيون أو البهائيون بعكس جهودهم التي يغلب عليها الفشل … إن الجواب كما يتبادر للذهن واضح مثل الشمس في رابعة النهار . (ثم يذكر بعض وجهات النظر الانتقادية للطائفية والتحزب الموجود في المسيحية) …… و بالنسبة للمراقب الغربي فإن الإخلاص والتفاني التام من جانب البابيين وشجاعتهم الفائقة وعدم خوفهم من الموت وتحّمل الأذى في سبيل عقيدتهم وإيمانهم الراسخ بحقانية دينهم وسلوكهم الحسن تجاه البشرية وبالذات تجاه أخواتهم المؤمنين كل ذلك يمثل دلائل قوية في سبيل لفت انتباه الآخرين . "
أما المراقبون المعاصرون فإنهم يطرون على الجامعة البهائية أيضا . فالشواهد العملية تدل على الامتزاج العرقي والجنسي في الجامعة والبعد تماماَ عن انتقاد أو إثارة جدل حول الأديان الأخرى ، ونظافة الدين من الفضائح المالية والأخلاقية التي تصاحب عادة الحركات الدينية المعاصرة ، ونشر الدين بيسر وسهولة دون أي ضغوط والسمعة الحسنة التي اكتسبتها الجامعة في حسن الضيافة والوفادة . كل ذلك أدى إلى وضع قاعدة وسيعة من الاحترام لهذه الجامعة .
ومرة أخرى نقول بأن الأزمات المتزايدة في الشئون الإنسانية اليوم تمثل نوعا من التحدي لما تدعيه الجامعة البهائية بأنها النموذج لإيجاد التغيير الجوهري في المجتمع . في الدول الغربية فإن الشعب يراقب لكي يرى ، مثلا ، هل حياة العائلة البهائية تمثل بداية جديدة، وهل التعاليم الأخلاقية التي جاء بها حضرة بهاء الله انعكست فعلا على حياة وسلوكيات الجيل الجديد الصاعد من الشباب والأطفال البهائي ؟ وفي قارة أفريقيا ما زالت الطائفية القبلية تعيق جهود الحركات الدينية والسياسية التي تسعى لإيجاد هوية مشتركة يدور حولها نوع جديد من المجتمع . هل أبدت الجامعات البهائية في هذه الدول استعدادها لمواجهة هذا التحدي ؟ وفي العديد من الثقافات الآسيوية ، وعلى الرغم من برامج التعليم المنظمة فيها ، تظل المرأة بشكل رئيسي في وضع دوني من الناحية الاجتماعية وهو الوضع الذي احتلته لعدة قرون من الزمن . وبالرغم من أن الجامعات البهائية قد خطت خطوات واسعة لتغيير هذا الوضع ، هل يمكن لتعاليم حضرة بهاء الله الخاصة بتساوي حقوق الرجل والمرأة أن تنفّذ في هذه الجامعات وبالتالي تعطي فرصة للمرأة البهائية أن يكون لها دور في تغيير وتجديد المجتمع طبقاَ لما رسمه حضرته لهم ؟
وفي النهاية هل تستطيع الجامعة البهائية أن تطبق مبادئها وتعاليمها لحل المشاكل الاقتصادية التي تشل وتعيق الحياة الاجتماعية والروحية للجنس البشري ؟ وفي عدة دول من العالم الثالث هناك مناطق أصبح فيها البهائيون الأكثرية بالنسبة للسكان المحليين ، وأصبحت المحافل المحلية فيها تواجه هذا التحدي . في المؤتمر العالمي الذي عقد عام 1983م لانتخاب بيت العدل الأعظم أعلن وقتها عن تأسيس مكتب جديد خاص بالتنمية الاجتماعية والاقتصادية . وتم تشجيع الجامعات البهائية (على مستوى قاعدة الجامعة) للشروع في طرح مشاريع تنموية اجتماعية واقتصادية لها علاقة بالمبادئ والتعاليم البهائية . ومنحت الجامعة البهائية جائزة لإصدارها المجلة الدورية باسمOne Country (بلد واحد) نظرا لتغطيتها هذه الأنشطة بصورة دورية . وتصدر هذه المجلة باللغات الإنجليزية والفرنسية والأسبانية والصينية والروسية والألمانية ولديها قرّاء متعددون في الأوساط غير الحكومية . وبات واضحاَ بأن الجامعة أصبحت في معرض أن تستقي وتتعلم من مبادئها وتطبقها في الشئون الاقتصادية بدلا من عرض أفكار نظرية بحتة . هذه الجهود والفعاليات ستكون من ميزات وخصائص الحياة البهائية والتي ستؤدي إلى تفحّص وتدقيق الآخرين لها خلال السنوات الصعبة القادمة .
هذه التحديات ستمتحن بسالة البهائيين وشغفهم بشكل كبير خلال السنوات القادمة من نهاية القرن العشرين . وعلى الأخص سيكون البهائيون في معرض اختبارهم للقدرات الكامنة في الجامعة البهائية العالمية باعتبارها نموذجاَ اجتماعياَ جديداَ . خلال هذه السنوات سيكون لأتباع حضرة بهاء الله متّسعا من الوقت للتأمل ملّيا في العبارة التالية التي صدرت من مؤسس دينهم والتي تبيّن وجوه الاختلاف بين رسالته والرسالات السماوية السابقة :
" إنه ( المسيح ) قال تعاليا لأجعلكما صيادي الإنسان واليوم نقول تعالوا لنجعلكم علة حياة العالم".



#راندا_شوقى_الحمامصى (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الدين والتطور الإجتماعي
- فى موكب الإنسانية
- إنسان المستقبل
- يوتوبيا جديدة لعصرٍ جديد
- رجال الله
- أمانى اليوم حقائق الغد
- دين الله واحد-النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-المقالة(6) و ...
- القضاء الإلهي
- السّبيل إلى السّلام
- دين الله واحد-النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(5)
- دين الله واحد-النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(4)
- الله واحد -النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(3)
- دين الله واحد -النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد-(2)
- دين الله واحد -النظرة البهائية لمجتمع عالمى موحد
- الفارق بين الحق و الباطل
- هوّ ربنا خلقنا ليه؟؟؟؟؟؟؟-هدف الله من خلق الخلق
- نحو إقتصاد عالمى أفضل من خلال الرؤى البهائية
- الكلمات المكنونة
- لوح أصل كل الخير
- مكانة المرأة ومساواتها بالرجل


المزيد.....




- شاهد..المستوطنين يقتحمون الأقصى في ثالث أيام عيد -الفصح اليه ...
- الأردن يدين سماح شرطة الاحتلال الإسرائيلي للمستوطنين باقتحام ...
- طلاب يهود بجامعة كولومبيا: مظاهرات دعم فلسطين ليست معادية لل ...
- مصادر فلسطينية: أكثر من 900 مستعمر اقتحموا المسجد الأقصى في ...
- مئات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى تحت حراسة إسرائيلية مش ...
- سيبدأ تطبيقه اليوم.. الإفتاء المصرية تحسم الجدل حول التوقيت ...
- مئات المستوطنين يقتحمون باحات الأقصى في ثالث أيام عيد الفصح ...
- أوكرانيا: السلطات تتهم رجل دين رفيع المستوى بالتجسس لصالح مو ...
- “خليهم يتعلموا ويغنوا ” نزل تردد قناة طيور الجنة للأطفال وأم ...
- فيديو خاص عيد الفصح العبري واقتحامات اليهود للمسجد الأقصى


المزيد.....

- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل
- جمل أم حبل وثقب إبرة أم باب / جدو جبريل
- سورة الكهف كلب أم ملاك / جدو دبريل
- تقاطعات بين الأديان 26 إشكاليات الرسل والأنبياء 11 موسى الحل ... / عبد المجيد حمدان
- جيوسياسة الانقسامات الدينية / مرزوق الحلالي
- خطة الله / ضو ابو السعود


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - راندا شوقى الحمامصى - البهائية والتحديات