أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فتحى سيد فرج - العقل السياسي العربي 1















المزيد.....

العقل السياسي العربي 1


فتحى سيد فرج

الحوار المتمدن-العدد: 2199 - 2008 / 2 / 22 - 09:03
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في بداية الألفية الثالثة وبالتحديد في نوفمبر من عام 2001 عقد المعهد الدبلوماسي بعمان ندوة عن موضوع " العرب والقرن الجديد " كان المتحدث الرئيسي فيها محمد عابد الجابري الذي قدم مساهمة بعنوان " الواقع السياسي العربي المعاصر" ركز فيها حديثه عن دراسته المعنونة " العقل السياسي العربي" فأبرز أن موضوع هذا البحث كان عن "عقل الواقع العربي" والذي نقصد به محددات السياسة وتجلياتها في الحضارة العربية الإسلامية وامتداداتها إلى اليوم، وهذه المحددات يمكن حصرها في ثلاثة :
1. "القبيلة" ونعني بها الدور الذي يجب أن يعزى في العملية السياسية لما يعبر عنه الأنثروبولوجيون الغربيون بـ"القرابة" وهي بكيفية إجمالية ما سبق أن عبر عنه ابن خلدون بـ "العصبية" ، ونعبر عنه نحن اليوم بـ "العشائرية" و "الطائفية" والحزبية الضيقة الخ .
2. "الغنيمة" ونقصد بها ثلاثة أشياء متلازمة : نوعا خاصا من الدخل ( خراج أو ريع)، وطريقة في صرف هذا الدخل ( العطاء بأنواعه)، وعقلية ملازمة لهما، تنفر من العمل والإنتاج ولا تميل إلى التراكم والادخار .
3. "العقيدة" ونحن لا نقصد مضمونها، وإنما نقصد مفعولها على صعيد الاعتقاد والتمذهب، وبالخصوص قدرتها على تحريك الأفراد والجماعات، وتأطيرهم داخل ما يشبه "القبيلة الروحية" ومن هنا الارتباط العضوي بين "العقيدة" بهذا المعنى وبين الفعل الاجتماعي السياسي .
هذه المحددات الثلاثة كانت واضحة جلية زمن الدعوة المحمدية والخلفاء الراشدين وزمن الأمويين، كانت تؤسس وتوجه الممارسة السياسية، إذ كانت هي العناصر الأساسية التي يتركب منها "الواقع السياسي العربي" آنذاك، وتشكل في آن واحد بنيته العميقة وبنيته الظاهرة، أما عندما قامت الدولة العباسية التي ورثت الحضارة الفارسية بما تميزت به من انفصال الدولة كجهاز عن جسم المجتمع، فقد ظهر واضحا أن "الواقع السياسي العربي" يتركب من بنيتين منفصلتين : بنية عميقة قوامها المحددات الثلاثة ( القبيلة، الغنيمة، العقيدة)، وبنية سطحية هي بمثابة تجليات لتلك المحددات، وتتركب هي الأخرى من عناصر ثلاثة : الخليفة، الخاصة، العامة .
وبهذا الجزء الثالث يكون الجابري قد استكمل دراسته المطولة ومشروعه الفكري الكبير عن "نقد العقل العربي"، فبعد أن قدم في الجزء الأول شرحا عن كيفية " تكوين العقل العربي" وفي الجزء الثاني شرحا عن " بنية العقل العربي"، خصص هذا الجزء عن " العقل السياسي العربي" وكمدخل عام لهذا الجزء قدم مجموعة من المقاربات في المنهج والرؤية .
فهو يبدأ بتوضيح بعض المفاهيم التي يرى أنها ستساعده في أغناء تعريف" العقل السياسي" فمفهوم " اللاشعور السياسي" والذي يتمثل في أنواع من السلوك تصدر عن الفرد بدون إرادة، وهي تختلف عن ردود الفعل الآلية في كونها هادفة تلبى حاجات معينة وتنزع إلى تحقيق رغبات خاصة، ومع ذلك فهي لا تخضع لمراقبة "الأنا" .
وإذا كان " سيجموند فرويد" قد أولى أهمية خاصة لـ " اللاشعور" إذ جعل منه منطقة واسعة من الجهاز النفسي تضم الدوافع الغريزية والرغبات المكبوتة، واعتبره مسئولا عن قسم كبير من سلوك الفرد البشري، فأن "يونغ" يعطي لمفهوم اللاشعور أبعادا أخري، تجعله يضم ليس فقط غرائز الفرد ومكبوتات طفولته، بل أيضا بقايا نزعات وعواطف جمعية تنتمي إلى ماضي البشرية، لتشكل نوعا من " اللاشعور الجمعي" .
ويشير الجابري إلى أن ريجس دوبرى Regis Debray ميز بين مفهوم اللاشعور الجمعي وبين مفهوم " اللاشعور السياسي" حيث جعل من الأخير مفهوما مستقلا بما أنه يقتصر على الجماعات المنظمة، كالقبيلة والحزب والأمة، كما فرق بينهما من حيث أن الأول يكتسي طابعا سيكولوجيا، بينما يتخذ الثاني طابعا سياسيا أيديولوجيا .
ويوضح دوبري فكرته في إطار شرح مفهوم اللاشعور السياسي من خلال نقده للاشتراكية المطبقة في الاتحاد السوفيتي، حيث يرى أن هذه التجربة بعثت في كل مكان، وفي كل حين أشكال – دينية - كان يفترض أن ظهورها ثانية شيء ستحول دونه علاقات الإنتاج الجديدة، أن هذا لبرهان على أنه يوجد في جذور الظاهرة الاجتماعية قوة غير مراقبة، قوة تبدو في الظاهر لا عقلانية تفسد قوانين المنطق، وهذه القوة لا تتحكم في تأثيرها وفعلها لا المخططات ولا الإرادة الصريحة للأفراد، أنها شيء من قبيل السحر تنتمي إلى عالم الأسرار .
ويخلص دوبرى إلى أن الشعور لا يشكل جوهر الحياة النفسية للفرد، كما إن المؤسسات والتصورات السياسية لا تؤسس جوهر الحياة السياسية للمجموعات البشرية، فليس وعي الناس هو الذي يحدد وجودهم السياسي، بل إن وجودهم الاجتماعي هو الذي يحدد وعيهم، الذي يخضع هو نفسه لمنظومة منطقية تبقى حاضرة عبر مختلف أشكال المؤسسات القانونية أو الفلسفية التي يناظر كل نوع منها بنية اقتصادية، والناس لا ينتجون هذه العلاقات من خلال الروابط التي يقيمونها بحرية، بل أنهم هم أنفسهم نتاج هذه العلاقات، وكما هو الحال بالنسبة للأفراد، فإن الجماعات البشرية المنظمة لها لا شعور، تشكل الديانات وما يقوم مقامها من الأيديولوجيات أكثر أعراضه وضوحا، لا شعور نطلق عليه هنا أسم "اللاشعور السياسي" .
ويشير الجابري إلى أنه لا يستعير مفهوم " اللاشعور السياسي" من دوبرى بنفس مضمونه، بل هناك اختلافات، ذلك لأن دوبرى يكتب وهو يفكر في المجتمع الأوروبي المصنع الذي أصبحت فيه العلاقات الاجتماعية من نوع العشائرية والطائفية تقع خلف العلاقات الاقتصادية المتطورة / علاقات الإنتاج، أما في مجتمعاتنا العربية قديما وحديثا، فلأمر يكاد يكون بالعكس من ذلك تماما، فالعلاقات الاجتماعية ذات الطابع العشائري والطائفي لا تزال تحتل موقعا أساسيا وصريحا في حياتنا السياسية، بينما العلاقات الاقتصادية / علاقات الإنتاج، لا تهيمن على المجتمع إلا بصورة جزئية .
وهكذا فإذا كانت وظيفة مفهوم "اللاشعور السياسي" عند دوبرى هي أبراز ما هو عشائري وديني في السلوك السياسي بالمجتمعات الأوروبية المعاصرة، فإن وظيفته بالنسبة إلينا ستكون بالعكس من ذلك أبراز ما هو سياسي في السلوك الديني، وهذا من الأهمية بمكان، ذلك لأن السياسة عندنا بدأت تمارس باسم الدين والقبيلة، ومازالت كذلك إلى اليوم .
وإذن فاللاشعور السياسي المؤسس للفعل السياسي العربي يجب أن لا ينظر إليه فقط على أنه الديني والعشائري اللذان يوجهان من خلف الفعل السياسي، بل لابد من النظر إليه أيضا على أنه السياسي الذي يوجه من خلف التمذهب الديني والتعصب القبلي، فالتجربة الحضارية العربية الإسلامية قديما وحديثا يكون فيها النسق الاجتماعي مؤسسا للنسق السياسي، والسياسي يؤسس الأيديولوجي، والأيديولوجي يؤسس التمذهب الديني، ما يظهر على السطح هنا التمذهب الديني بشكل أساسي، فهو الذي يطفو في النهاية على اللاشعور السياسي ويغطيه .
المفهوم الثاني هو " المخيال الاجتماعي "Imaginaire Social وهو مفهوم استعاره الجابري من علم الاجتماع المعاصر، وقد عرفه " ماكس فيبر" بكونه نشاطا يحمل معنى يقوم بشد الفاعلين الاجتماعيين فينظمون سلوكهم بعضهم إزاء بعض على أساسه، ويوضحه "بيير أنصار" من خلال شرحه للفعل الاجتماعي الذي يفترض من أجل إنجازه أن يندمج كل سلوك فردي في عمل يحمل طابع الاستمرارية، وبعبارة أخري فإن الممارسة الاجتماعية، بوصفها تنظم شتات تصرف الأفراد وتوجهه نحو أهداف مشتركة، تفترض وجود بنية معقدة من القيم والاندماج المحمل بمعاني ودلالات، ولغة رمزية – شفيرة- ومن هنا فإن كل مجتمع ينشئ لنفسه مجموعة منظمة من التصورات أي مخيالا، من خلاله يعيد إنتاج نفسه، يجعل الجماعة تتعرف بواسطته على نفسها، و يتم توزيع الهويات والأدوار ويعبر عن الحاجات والأهداف المنشودة .
فالجماعات البشرية تقوم بإنشاء معاني ودلالات تتمكن من إعطاء معنى لكل ما هو موجود، وبفضل هذه المعاني تقوم بتدشين الأعمال التاريخية، أن كل مجتمع يقدم نفسه للرؤية، رؤية الآخرين له من خلال الصورة التي يكونها عن نفسه، ومن خلال هذا المؤشر يرى الآخرين ويصدر عليهم أحكامه .
يخلص الجابري من ذلك إلى أن مخيالنا الاجتماعي العربي هو الصرح الخيالي المحمل برأس مالنا من المآثر والبطولات وأنواع المعاناة، الصرح الذي يسكنه عدد كبير من رموز الماضي مثل امرئ القيس وحاتم الطائي وعمر بن الخطاب وخالد بن الوليد وهارون الرشيد وألف ليلة وليلة وصلاح الدين والأولياء الصالحين وأبي زيد الهلالي وجمال عبد الناصر، لإضافة إلى رموز الحاضر والمارد العربي والغد المنشود .. الخ .
وهكذا يمكن تلمس أن العقل السياسي كممارسة وكايدولوجيا، يجد مرجعيته في المخيال الاجتماعي وليس في النظام المعرفي، فهذا المخيال هو مجال اكتساب القناعات الذي تسود فيه حالات الأيمان والاعتقاد، وهو الذي يعطى للايدولوجيا السياسية في فترة تاريخية بنيتها اللاشعورية .
إن آلية العقل السياسي هي الاعتقاد، والاعتقاد يكون بالقلب وبحضور العاطفة، من هنا فان البطانة الوجدانية دائما ما تلازم الخطاب السياسي، تجنيد الخيال واستعمال الرمز ومخاطبة الرأي العام والجمهور (أيها المواطنون / أيها الأخوان / أيها الرفاق) فمشروعية المعتقدات الجماعية لا معنى لها، أننا لا نقرر أن نؤمن أو لا نؤمن، الإيمان صورة ذهنية سابقة على التجربة .
اللاشعور السياسي والمخيال الاجتماعي مفهومان إجرائيان يربطان العقل السياسي بمحدداته ويغذيان تجلياته، أنهما يشكلان الجانب النفسي / الاجتماعي، أو العنصر الذاتي / الجماعي في الظاهرة السياسية .
للموضوع بقية في المقالات التالية



#فتحى_سيد_فرج (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بنية العقل العربي
- فانتازيا الواقع المرير
- اشكالية الديمقراطية في الواقع المصري 1
- نقد العقل العربي
- تعليق على مقالة اللغة والثقافة الشعبية المظلومة لمهدى بندق
- تمكين الفقراء من التنمية الاقتصادية
- كان ياما كان
- نسخة معدلة / الصراع الاجتماعي في العالم العربي بين الجموج وا ...
- ازدواجية اللغة وازدواجية الانتماء
- الصراع الاجتماعي في العالم العربي بين الجمود والتطور
- صحاري مصر.....أمل المستقبل
- صحارى مصر .....امل المستقبل
- الفجوة الغذائية في مصر
- الفقراء يملكون الحل
- للرأسمالية نعما ونقما
- سر رأس المال 3
- تفكيك الثقافة العربية - كتاب مهدى بندق
- سر رأس المال 2
- سر رأس المال
- دور الجغرافيا فى التقدم العلمي


المزيد.....




- السعودي المسجون بأمريكا حميدان التركي أمام المحكمة مجددا.. و ...
- وزير الخارجية الأمريكي يأمل في إحراز تقدم مع الصين وبكين تكش ...
- مباشر: ماكرون يهدد بعقوبات ضد المستوطنين -المذنبين بارتكاب ع ...
- أمريكا تعلن البدء في بناء رصيف بحري مؤقت قبالة ساحل غزة لإيص ...
- غضب في لبنان بعد تعرض محامية للضرب والسحل أمام المحكمة (فيدي ...
- آخر تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا /26.04.2024/ ...
- البنتاغون يؤكد بناء رصيف بحري جنوب قطاع غزة وحماس تتعهد بمق ...
- لماذا غيّر رئيس مجلس النواب الأمريكي موقفه بخصوص أوكرانيا؟
- شاهد.. الشرطة الأوروبية تداهم أكبر ورشة لتصنيع العملات المزي ...
- -البول يساوي وزنه ذهبا-.. فكرة غريبة لزراعة الخضروات!


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - فتحى سيد فرج - العقل السياسي العربي 1