|
الکفاح الفکري بين المثقف والمجتمع؛ حلقة فارغة
إلهام لطيفي
الحوار المتمدن-العدد: 2198 - 2008 / 2 / 21 - 11:09
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يغذي التفکير و أسلوبه حياة المجتمع، ويسيطرعلى زواياه، ويقود کل ما يجري في حياة أفراده اليومية، ويصبح المحرک لها ، كما يحمل لواء التغيير، وفي النهاية فإن التطور یتعلق تماما بنوعية التفکير وعناصره، ومن هنا فأسلوب التفکير ونوعيته هو الذي يحكم من خلاله على کل شعب أو مجتمع، واللاعب الأول في تقرير الحياة والمصير للمجتمعات البشرية وتحقيق الطموحات الشعبية، فعندما يتوقف الفکر البشري عن الحركة والتطور بسبب ظروف أو بيئات أو أماكن، فإن حياة هذا المجتمع تظل جامدة لا روح فيها، وتنعكس سلباً على أفراده فلا يستطيع الفرد أن يتقدم نحو الأمام، ويفقد المناعة ويصبح مهيئاً لقبول أي فکرة وافدة يغذيه بها الإعلام و.... فالکفاح الفکري هو أول خطوة على سلم التطور والرقي، والتحرک نحو التحرر و الإنقاذ، سواء کان الإنسان ذا مستوى علمي ومؤهل، أو أمي فإنه يحتاج إلي المثابرة والإلحاح على انتهاج الأسلوب الفکري النشط لممارسة الفکر الحر. ومما تجدر الإشارة إليه أن الانسان لا يستطيع الحصول على التغییر الفکري دون الکفاح بالأفكار، والابتعاد عن التسطيح أو السذاجة فيما يُقال ويُکتب، بينما يحتاج الکفاح الفکري سواءً على مستوى الفكر نفسه أو مستوى عملية التفکير إلى آليات عادة تقوم بها الحکومات لضخامتها وحاجتها إلى برامج طویلة الأمد، تُنفذ من خلال مراکز ومنظمات وجمعيات ثقافيه وسياسية و..... حیث تعمل أعوام وسنين على مدار الساعة بهدف التخطيط لعملية التغيير الفکري. إن الکفاح الفکري يحتاج الی مادة قوية فی البدایة، وهي الفکرة باعتبارها أول خطوه في هذا الطريق، من خلال ردع الأفکارغير الصالحة أو السلبية ونبذها، والتسلح - کما أشرنا مسبقا - بأفکارقوية وإيجابية، وأساليب فکرية مدروسة ونافعة، تستطيع أن تکافح الافکار الوافدة التي ترد عن طريق الإعلام المسموع والمقروء والمرئي، والذي يهدف إلى القضاء على الفکر و على نوعية التفکير، و يحقن ما يرغب به في أفکار المجتمع المتلقي بشكل متجذّر يزعزع أفكاره التي درج عليها أو التي يؤمن بها وتسيير حركة المجتمع الفكرية والنفسية لصالحه ، فعندما تدخل التيارات الفکرية علي المجتمع بمرونة وبصورة لاشعورية، فلا حيلة للمجتمع الا أن يقبلها، خاصة عندما لا توجد تيارات فکرية أخرى تقاومها وتحيط بها وتقترب منها ثقافيا وفکريا حتى يستطيع أن يقارن بينها ومن ثم يختار الأفضل منها، فعلى سبيل المثال، الشاب أو الشابة عندما لايجد الأفکار المقاربة لفكره، و الکتب والقصص القريبة لثقافته، و لا يحضر اجتماعاتٍ أو أمسياتٍ تقام بلغته، يكون عرضة للأمواج الفکرية المهاجمة أو الأفكار المعروضة، فهو يتأثر بها ويرغب في تطبيقها في حياته دون أن يعلم بالکارثة الکبيرة التي تسببها له، وهي تمزيقه ثقافیا ، کما أنه لايجد تلک الثقافة الأصيلة المناسبة حتى يستطيع أن يقارن بينها وبين تلك التيارات الفکرية المهاجمة، لهذا يندمج بالثقافة والأفکار المعروضة، وفي أحسن الحالات يلجأ إلى الاعلام العربي والفضائيات والتي کذلک لا يجد فيها ما يشبع رغبته، فيتحسر على ثقافته الممزقة. وبناءً على ما أشرنا إليه، فعندما يتسلح المجتمع بأفكار وبنية فكرية قوية وصامدة، هنا يأتي دور الآليات التي ألمحنا إليها مسبقا، والتي هي وسيلتنا الأولى والأخيرة، دون التكاسل في أداء تلك المهمة بحجة عدم وجود هذه الآليات، فبرأيي أنا إذا أراد أحد أن یعزم علی تنفيذ فکرة أو ترسيخ مفهوم بصدق، فإنه يستطيع أن يعمل المستحيل بدءاً باستخدام الآليات الموجودة و المتاحة، وترك التعلل بقلة الآليات، فإن الکفاح الفکري يتجلى ويتحقق في الکتابة، والأدب والفن و الثقافة و....،حیث إنها الساعد الأول لإنجاز تلك الغاية والوصول إلى مرحلة انتصار الکفاح الفکري، وجدير بالذکر أن المثقف والمفکر ليس وحده من يکتب مقالاتٍ ويطالب بحقوقه، لأن هذه المسؤولية لاتقع عليه وحده حينما يكون مجتمعه مهزوم فكرياً أو يعاني من أزمة فكرية، بل يشاركه هذه المسؤولية أيضا الشاعر الذي يستطيع أن يُدخِل المفاهيم المطلوبة في شعره ويسهم في تطوير مجتمعه، وكذلك الرسام يستطيع أن يصبغ لوحته بلون فکره، والفنان يمكنه أن يؤدّي ما يجري في فكره، هذا من جانب، ومن جانب آخر، نحن اليوم رغم کل معاناتنا من الغزو الثقافي، ورغم افتقارنا للآليات الحديثة، إلا إننا بحمد الله لا زلنا نملک آلياتنا التقليدية والتي هي الأيسر والأکثر تاثيراً في مجتمعنا التقليدي، فهي لاتزال تلعب دوراً كبيراً في التغيير الفکري و في توجيهه، مثل مجالسنا الشعبية و منابرنا الدينية حيث نرى أن القنوات الفضائية رغم حداثتها، تستغل هذه الآليات فتلجأ إلى المنابر الدينية والمنابر الأخرى مثل الشعر والثقافه والفن وذلك من أجل التغيير الفكري. ومن جهة ثانية، نحن لا نستطيع أن نطور الشعب بأکمله فكريّاً وعلى مستوى الأفراد، و نتدخل في فلسفة حياته فإذا کان المجتمع تتحكم به عواطفه وتسيطر عليه شهواته، ويسطر على خطه الفكري تيّار واحد، فقد يكون قبوله للتغيير أصعب، خاصةً إذا أردت ان تقترب من مقدساته الفکرية والاعتقادية، مثلما حدث في الفترة الجاهلية، فالمهم أن تحاول التأثير على من يوثر على المجتمع وذا قبول لديه، ولو درسنا التاريخ والثورات الفکرية، لرأينا أنه ليس من الضروري أن نجرب کل شي ونلوک اللقمة مرة ثانية، ونبحث ما جربه البشر في أعوام مضت ، لأن هذه الأمور أصبحت من البديهيات، و لا نحتاج الى إعادة التجربة مرة أخرى، ومن الأمثلة التي يذکرنا بها القرآن الكريم قصة النبي موسى عليه السلام، حيث كانت معجزته في السحر، وأتى بعصاه إلى فرعون وقومه لأنهم کانو يؤمنون بالسحر، وأتى المسيح عليه السلام بمعجزة الطب لأن الناس تفتقر للطب في ذلک الزمان، کما بُعث نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بالقرآن الكريم، لأن الناس حينها برعوا في البلاغة والفصاحة، فالعرب في ذلک الزمان تصول وتجول بالأهازيج وروائع الأشعار وبليغ الخطب، وکان الکلام يهزهم ويدغدغ مشاعرهم، ولذلك أُنزل عليهم القرآن بالنص معجزةً لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم. ويتضح لنا من خلال هذا السرد التاريخي أن کل من أراد أن يأتي بثوره فکرية فلابد له أن يأتي بآليات تتناسب والزمن والبيئة المحيطة، ويكرّس لها من الآليات ما يمكّنه من التأثير البالغ في المجتمع، فيجادلهم بنفس المنطق، وحسب ما يرغب به ويطمح إليه ويطلب ترسيخه. أذن ونتيجة لما سبق، فإن المشکله تکمن فيما يواجهه مثقفو المجتمع، عندما يحاولون إصلاحه وتطويره، حينما يدخلون في حوارات ونقاشات عبر آليات لا تتناسب مع من تکون بينهم وبينه فجوة فکرية عريضة، لكونه من تيّار فكري إقصائي متشدد، فُينظر إليهم من خلال ما يطرحه ذلك التيار المتشدد على أنهم متمردون على القوانين و والآداب الاجتماعية، و رافضون لکل التقاليد والأعراف والمقدسات الفكرية، بل ربما أصبحوا في نظر المجتمع مجرمون بحقه، وربما تطور الأمر إلى التكفير أو السجن المؤبد. ولنحصل علي ثورة فکرية فعالة ومؤثرة وناجحة، لابد أن نصعد درجات السلم الفكري خطوة خطوة، بدايةً بالمفاهيم والمستويات الفکرية المتقاربة، مع الاستغلال الأمثل للآليات المتوفرة ذات التأثير الفعال في المجتمع والموثرة به؛ كما يجب علينا أن نتقرب لمن نريد ان نغير فکره بالطرق العقلية المقنعة، أو عن طريق المقاربة الفكرية (التقريب) أو التفهيم الفکري. إن مما يؤسف له أن الکثير من المهتمين بالقضايا الفکرية والتثقيفية قد انشغلوا بأنفسهم وفيما بينهم، وترکوا المجتمع بأکمله يتشبث بأفکاره القديمة، أو في أحسن الحالات اصطبغوا بصبغة السياسية أو ركبوا موجتها وساروا في مسيرتها، ومنهم من اختار طريق العزلة و التفرد الفکري بإلالحاح علي آرائه مع الأنانية في تناول الأمور، وعدم اتباع الديناميکة والتفاعل مع مجتمعهم، فأصبحت أفکارهم أسيرة نظراتهم الانعزالية، وفي أفضل الحالات يمكن أن يطلقوا أفكارهم في عالم الانترنت، و ترکوا المجتمع الهارب من التغيير والمترسخ في تخلفه، والمحتل فکريا باللامعقولات والخرافات وعدم الوعي الکافي للأمور، بعدما يئسوا ولم يقتنعوا باستخدام الآليات التقليدية لرفضهم الأفکارالتي تنشر عن طريق تلك الآليات؛ فالفکر والعقيده تُحقَن وتتغذي من طرق شتّى، منها المجالس والندوات والمُدارسات والمشاعر الشعبية التي طالما اعتُبِرَت الوسيلة الناجحة والموثرة في شعبنا خاصة ، أو في المجتمع الشرقي بصفة عامة ؛ولا شك أن اختيار هذه الأدوات للتأثير والکفاح الفکري أمر يحتاج الى دقة ومثابرة. وخلاصة القول أن الکفاح الفکري ليس مجرد قراءات سريعة للنظريات، ومن ثم المحاولة في تطبيقها بأسرع ما يمکن، أو مجرد تأليف کلمات ومقالات أو بيانات رنانة تبث بين المجتمع، ففي أحسن الحالات ربما يقرأها عدد من المهتمين بالقضايا الفکرية والتثقيفية وتؤثر بهم من غير أن تؤثر في المجتمع أو تسهم في تغييره . إنني أشعر بأننا رغم انطلاقتنا القوية في الکفاح الفکري، والتي ترکت تاثيراً لا يستهان به في مجتمعاتنا، أشعر بأننا توقفنا في منتصف الطريق، ويظهر أن مشکلتنا ليست من حيث الفکر أوالعملية التفکيرية، بل لكوننا نفتقر إلى استراتيجيات لتطبيق فکرتنا على أرض الواقع، وطرق الدخول إلى أذهان مجتمعنا، واستخدام الآليات المناسبة، وهذه هي مشکلتنا الأساسية، ولعدم وجود تلك الإستراتيجية فقد تركنا الساحة مفتوحة لکل من يريد أن يصول ويجول ويتحکم بأفکار مجتمعنا حيثما وحينما شاء و رغب. فهل هذه فعلاً الحقيقة المرة ونهاية المطاف؟
#إلهام_لطيفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قلمي!
-
إمرأة بلا حدود
-
المراءة الاهوازية والتقاليد في قرن الحادی والعشرين
-
المرأة الاهوازية والثورة الفکرية
-
اللغة الرسمية؛ إتحاد أم إضطهاد ؟
-
الفجوة بين المثقف والمجتمع،الأسباب والحلول - نظره من خلال ال
...
-
دقيقة صمت وحداد علي تخلفنا الثقافي!
-
من هو المثقف؟ إشكالية التثقيف بين النخب
-
من هو المثقف؟...... إشكالية التثقيف بين النخب
-
مابين تحريزالمرأة وإستعبادها
المزيد.....
-
تعرّف إلى اللون الأبرز لعام 2025 من معهد -بانتون-
-
إماراتية تتحدى الإعاقة لرصد لحظات ساحرة للطيور في بلادها
-
بعد سقوط نظام بشار الأسد.. ما مصير الأسلحة الكيميائية التي ك
...
-
تحليل لأكثر من 100 فيديو.. كيف سقط نظام الأسد بهذه السرعة؟
-
العلاقة المعقدة بين استهلاك السكر وأمراض القلب!
-
بعد ساعات من سقوط الأسد.. إسرائيل تصل إلى ريف دمشق الجنوبي ف
...
-
-واشنطن بوست-: واشنطن ساعدت تشكيلات حليفة لها في سوريا على ا
...
-
-حرييت- :تركيا ستدفع ثمنا باهظا إن لم يتحسن الوضع في سوريا
-
منظمة -كاريتاس الدولية- تسعى لتوسيع مساعداتها لسوريا
-
الجنود الروس يسلحون سيارة -واز- بصواريخ -جو- أرض- (فيديو)
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|