أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بروحو - صاحب الكراسة والقلم















المزيد.....

صاحب الكراسة والقلم


محمد بروحو

الحوار المتمدن-العدد: 2174 - 2008 / 1 / 28 - 11:29
المحور: الادب والفن
    


عبأ متاعه وحزم حقائبه . غدا صباحا يوم سفره ، على أ ول حافلة تمر عبر قريته . فهذه آخر ليلة سيبيتها بها ، ولن يعود إليها ، إلا وقد عظم شأنه ، وتحسنت أحواله . هذا ما كان يقوله لأقرانه وأهل قريته .
التهم عشاءه ثم صعد الأدراج نحو غرفة نومه ، بالطابق العلوي من البيت ، تمدد فوق فراشه ، وضع رأسه على الوسادة ، علق بصره بسقف الغرفة . وسرح في خياله . حدج ببصره متاعه ، حقائبه وأوراقه .. إنه مسافر إلى مكان ، سيجعل منه شخصا محترما . له هيبته وقيمته .
هكذا كان يفكر ، وهذا ما كان يردده دائما مع نفسه ( مهاجر إلى تلك القارة .. إلى أي مكان في هذا العلم ) .
عاش عاشور مزارعا ،كرس حياته خادما لأرض أجداده ، يحرث ويحصد . يطوي أكوام البرسيم . كما يطوي الزمان أيامه . كطائر يريد أن يحلق بلا قيود ، في فضاء يمتد فوق سهول ، نقشت بها أمطار الشتاء ، أخاديد شكلت ساقيات .. كان يمد بصره نحوها. من فوق ربوة تحوي قريته ، وكان تنقله بين تلك الربوع الممتدة من قريته إلى الطريق الرئيسية ، كما أيامه عبر شهور السنة ، صباح فمساء ، ثم ذهاب فإياب ، يجعله يحس برتابة وقنوط ، إنه يجتر خيبة أمل أضاعه ، كما الكثير من غيره . فهو محاصر بعادات وتقاليد ، يحاول أن ينفلت منها ومن عقالها مهما كلفه ذلك من ثمن . يريد أن يفك قيدها عنه . وعن حياته ، أن يدفنها في ماضيه . إن تم زواجه من بنت تربت غير تربيته ، يريدها شابة متفتحة . تعشق الحياة . ذات تربية حضرية ، متحررة ، حواره بين أهل بيته أو قريته غالبا ما كان يدور حول هذا الأمر.
( زواجه من بنت متحررة وسفره معها إلى بلد من بلدان الغرب ) . غدا الجميع يتحدثون عنه ، فهم الذين يعرفون طموحاته وأفكاره وما يجول بخاطره . بعضهم كان يشجعه ، وغيرهم كانوا يحذرونه . وهو لم يدرك لحد الآن مخاطر هذه المغامرة . يعتقد أن أهل قريته عاجزون عما يستطيع هو أن يحققه . إنهم جاهلون . منهم من يرى فيه ذاك الفتى المتمرد على تقاليد قريته وتقاليد مجتمعه . الذي عاش وترعرع في كنفه . كلمات تتمدد في خاطره كلما حاور أقرانه ثم نفسه . كما أيامه في قريته القنوط . يريد أن يكون من الأوائل الذين حققوا لأهل قريتهم شيئا يذكرونه به . هو متيقن من أنه قادر أن يفعل ذلك . هذا ما كان يقوله . تمر أيام وتتوالى شهور وتحل أيام الصيف الدافئة . تكثر حفلات الأعراس وتحل مواسم الأضرحة ، ويكثر الوافدون على قريته لزيارة الأحباب ، أو لحضور موسم الولي الصالح سيدي بوزيد . في صيف هذا العام وككل السنوات التي مرت ، سيقام حفل هذا الولي ، يعتبر الاحتفاء به عند أهل القرية ، رمزا من رموز العشق . وطقسا من طقوس تقاليد توارثوها أبا عن جد . تحل أيام الاحتفال فتتقاطر جموع بشرية على مكان الضريح . إنهم وافدون من قرى مجاورة وآخرون من مدن بعيدة . وقد يوجد بعض من الوافدين من خارج الوطن يصاحبهم أجانب ، ممن تغريهم سياحة من هذا النوع . مناسبة تتكرر كل عام ، تفكير عاشور هذه المرة ليس كما من قبل . بدأ يعتمد خطة التخلص من عيشته التي مل رتابتها . وله فرصة مناسبة ، فبذكائه وخبرته يستطيع حل مشكلته . فلا بد أن يهاجر حتى يفيد أهله وقريته ..
تدوم أيام الاحتفاء بالمناسبة ، ثلاثة أيام . ففي اليوم الأول من الاحتفال ، حلق رأسه وسوى ذقنه ثم لبس أحسن ما عنده ، هيأ نفسه ، سيدخل مغامرة يريد أن يخرج منها ظافرا ، بدأ تجواله قرب ساحة الضريح ، خص هذا المكان بإقامة عروض الاحتفال . تنصب فيه خيام ، تهيأ عليه أماكن للتبضع ، وبعض المقاهي تقدم للزبائن الزوار مرطبات ومشروبات . جلس إلى طاولة داخل خيمة من الخيام التي نصبت هناك .. طلب مشروبا غازيا وملأ كأسا ، شربها ثم ثانية ، ظل ينظر إلى الفقيعات الصادرة عن المشروب ، أحس بانتعاش . أيستطيع أن يطير كما هذه الفقيعات ..؟ سأل نفسه . خمن أن يسافر بنظره ، عبر أرجاء المكان ( مكان الاحتفال ) . أناس يتحركون هنا وهناك ، في أعمار مختلفة . قوافل بشرية ، تتقاطر على عين المكان . نظر نحو جهة ازدحمت بالوافدين . كاد يغير اتجاه نظره ، لكنه وبسرعة عاد بنظره نحو تلك الجهة . تبسم ابتسامة تنمشها فرحة ، كأنه أبصر إنسانا عزيزا عليه ، لم يره منذ مدة طويلة . رشف من كأس المشروب . تمتم في هدوء . وقف ثم جلس . أخرج مشطا من جيب قميصه ، بدأ يمرره على شعر رأسه ، ثم انحنى على حذائه ، مسحه بيده ، قد ملابسه . يريد أن يحقق حلمه .
كانت فتاة في هذه اللحظة ، تتجه نحوه مسرعة ومبتسمة . ابتسم لها هو الآخر ، وأسرع بدوره نحوها . وقف بقربها ، صافحها ، نظر إليها بنظرة .. دغدغت إحساسها ، فضحكت حتى قهقهت. جلس فجلست إلى جانبه . لامس شعرها . تطلع إلى عينيها . كانت فتاة بقد ممشوق وبلباس يكشف كتفيها وفخذيها . سافر عبر خياله . شريكة لحياته كما تمناها. هي الآن أمامه سألها ، من أين هي ؟ . أخبرته ، مقيمة خارج الوطن . أسرعت دقات قلبه متتابعة ، وتحرك شعوره بالأمل ، فلربما تحققت رغبته . فرك بين يديه وهو يخاطب نفسه ، إن التي يبحث عنها هي الآن أمامه و بجانبه ، إن تزوجها سيحقق حلمه ويسافر معها .
تحاورا وتساءلا .. خبر منها أنها غير متزوجة . أخذ بيدها واندفع بها داخل خيمة لكتابة عقود النكاح .
نصبت هذه الخيمة لهذا الغرض . جلس وسطها رجل ، وضع كراسة على ركبتيه ودواة قرب قدميه ، وقلما من قصب بين يديه . أخذا دورهما ، ينتظران . إنه ينظر إليها ، وهو غارق في تفكيره . يدون صاحب الكراسة والقلم أسماء الأزواج والشهود ،ويثبت عناوينهم في كراسته . حل دورهما ، ازدادت سرعة دقات قلبه . أحس ببرودة تلف جسده . جف حلقه وثقلت جثته . نزل به إحساس غريب ، لم يعد قادرا على الحركة . حين وصل دورهما ، لم يقو على الوقوف ،بصعوبة تحرك ، وهو يتقدم نحو صاحب الكراسة والقلم ، متثاقلا ومتلعثما . سأله : تريد الزواج منها ؟ أومأ برأسه ، وهو يجيب بصوت خافت . نعم . سألها : تريدين الزواج منه ؟ . أجابت : نعم . سأله : أعزب ؟ . أجاب : نعم . سألها : عزباء ؟ . أجابت : نعم .. بدون بكارة .. انحنى صاحب الكراسة والقلم ، يدون أقوالها . انتفض عاشور من مكانه صارخا وهو متجه نحو باب الخيمة مهرولا ، ويصيح بصوت مرتفع ويردد : لا أريد هذه المغامرة . أسرع دون اتجاه . حين تعثر سقط على الأرض . فتح عينيه وجد عائلته قد تحدق فيه . هو لا زال يصرخ ويردد . لا أريد هذا الزواج . لا أريد هذه المغامرة . الجميع يحدقون فيه باستغراب . سأله أحدهم . أي زواج ..؟ وأية مغامرة ..؟ أجابهم : أن أتزوجها لا .. أن أهجر قريتي لا.. تحسس جسده .
كان ساقطا على الأرض ، بجانب سريره ، استدار فألقى نظرة على متاعه .. تبسم ابتسامة عريضة ثم أغمض عينيه . وفي الصباح ، لما استفاق من نومه ركب أول حافلة. كانت متوجهة نحو المدينة.
محمد بروحو / المغرب



#محمد_بروحو (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اللحن الأخير
- جبير والخرفان
- نباش منتصف الليل
- متاهات في الزمن الضائع
- فضول / قصة قصيرة
- حضور بلا دعوة / قصة قصيرة
- الرجل الذي تعرى
- عروس البحر / قصة قصيرة


المزيد.....




- ثبتها أطفالك هطير من الفرحه… تردد قناة سبونج بوب الجديد 2024 ...
- -صافح شبحا-.. فيديو تصرف غريب من بايدن على المسرح يشعل تفاعل ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...
- خلال أول مهرجان جنسي.. نجوم الأفلام الإباحية اليابانية يثيرو ...
- في عيون النهر
- مواجهة ايران-اسرائيل، مسرحية ام خطر حقيقي على جماهير المنطقة ...
- ”الأفلام الوثائقية في بيتك“ استقبل تردد قناة ناشيونال جيوغرا ...
- غزة.. مقتل الكاتبة والشاعرة آمنة حميد وطفليها بقصف على مخيم ...
- -كلاب نائمة-.. أبرز أفلام -ثلاثية- راسل كرو في 2024
- «بدقة عالية وجودة ممتازة»…تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك الجدي ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمد بروحو - صاحب الكراسة والقلم