مريم نجمه
الحوار المتمدن-العدد: 2171 - 2008 / 1 / 25 - 08:08
المحور:
حقوق الانسان
قلمي مشحون , ومستنفر باستمرار للمفاجاّت , لرصد المجازر , والمهازل , والمحارق والعربدات اليومية التي تجتاح ساحاتنا ومدننا العربية , التي يعجز القلم عن ملاحقتها !؟
يؤسفنا أننا لا نكتب للفرح وعن الفرح إلا القليل !
إن مشاكل وأحداث المجتمعات الغربية التي نعيش فيها تختلف جذرياً عن مشاكل وأزمات بلادنا وأوطاننا وشعوبنا التي لم تجتاز مرحلة الإستقلال والوطنية , ولم تبن بعد دولة المؤسسات القانونية والدستورية , والتكوين المدني والأهلي والإنساني للدول والمجتمعات نظراً لعدة عوامل ذاتية محلية أقليمة ودولية ..!؟
لكل مجتمع بشري مشاكل وصراعات وأزمات , لكن , الدول المتقدمة التي تحترم نفسها لديها مؤسسات دستورية , وأحزاب وهيئات ومنظمات ونقابات مختلفة تناقشها وتضع لها الحلول بأسلوب حضاري . تحلها بوسائل وطرق حوارية , بشكل أنجع وأقل خسائر وانعكسات سلبية على المجتمع , وتحاسب المسؤولين إذا قصَروا وأخطأوا , دون أن تهز وتخلخل البنية التكوينية لمجتمعاتها البشرية النفسية والروحية والإقتصادية والمادية المؤسساتية , ولم تبلغ البلدان المتقدمة هذه المرحلة من الشفافية إلا عبر تضحيات جسام وثورات إجتماعية وفكرية وطبقية وانتفاضات شعبية وإنقاذ الجميع من وباء التخلف والعنصرية والإستبداد والشوفينية - وبالتالي لديها إكتشافاتها وبرامجها وخططها المدروسة عبرلجان مختصة ومتنوعة , لديها هذه الدول أخبارها السارة الناجحة والمفرحة اليومية التي تتباهى بها وتعيشها وتنجزها دون ضجيج وبهورة وادعاء ..
أما في بلادنا ومجتمعاتنا العربية والشرقية عامة التي تعيش تحت ظل الإستبداد والفردية والطائفية , فأخبارها المحزنة , المرعبة , وأزماتها المستعصية المعقدة والمتشابكة , المزمنة والمستحدثة , تجعلنا نتفاعل معها ونتمزق كل لحظة على مشاهدها وحلولها السطحية والترقيعية المتخلفة والمفسدة غير الناجعة .
أمراض بلادنا معدية , خطيرة , مستمرة ومتفاقمة , كالسرطان . أسبابها معروفة , ومشخَصة لدى الخبراء والمحللين من بروفيسيرية مهرة وغيرهم , ولدينا أطباء وكوادر ناجحين لتشخيصها ومعالجتها وشفائها , ولكن هيهات أن يسمح لهم بمزاولة مهنهم بحرية أو استشاراتهم , وحبذا لو كان لدينا مستشفيات ومؤسَسات وإدارات تخصصية , أو يسمح للعارفين بفتحها وإدارتها بطاقم جديد وأسلوب وخطة جديدة حديثة تعمل لصالح المرضى وشفائهم كل حسب دراسته واختصاصه ؟
ففي عالمنا العربي اليوم , ومنطقة الشرق الأوسط الصغير والكبير الغارق بالظلمة والظلام والفقر والإنتقام والتخلف والجهل والجوع والحصار , مسالخ .. مسالخ .. لا مستشفيات ولا مصحَات " مسالخ على مد عينك والنظر " !؟
مسالخ دون رقيب , أو طبيب وأوراق صحية ونظافة ومياه وكهرباء وخطط وتنفيذ ومراقبة , والتسيَب والفوضى والفساد منتشر في كل زاوية و في كل جانب والزعامة المصطنعة الغير خبيرة و مختصة التي ورثت الصنعة " عن أب أو أخ أو عم بالوراثة " تمارس وتقوم بهذه المهن والمسؤوليات والأدوار والمهمات ..!؟
نرى كل يوم ... هنا وهناك في العراق مثلا , بين كل مدينة وأخرى , بين حي وحي اّخر مسلخاً يقام , بين كل مؤسسة وبيت ومقهى ومركز شرطة وعمل ومسجد وجامعة وسوق شعبي مسلخاً متنقلاً وفي أشكال مختلفة , المهم المسلخ يشتغل ليلاً نهاراً ودون توقف نظراً لكثرة المسالخ العامة والخاصة والأجنبية التي فتحت – نظراً للساحة المفتوحة لكل الحدود ومساحة العراق الكبيرة للتنقل والتسهيلات بحمل الرخصة أو بدون رخصة للجزَارين - حتى أصبحت " أكوام " الأشلاء على كل رصيف وزاوية تفوق كل تصور وتخلف وانحدار .. !؟؟
المسلخ في لبنان أيضاً متنقَل حسب الطلب , والرقم المؤشر في قائمة الجدول , والمسالخ في لبنان جاهزة باستمرار في برادات موقوتة حسب الطلب والسعر والمسافة , وحاويات كبيرة وضخمة تتسع حتى لمخيم .. وحسب المواسم والتعليمات والتصريحات والإشارات من الجيران وجيران الجيران وأعداء الجيران , لا تحتاج المسلخة إلا لكبسة زرَ – أوبرقية و صورة الأقمار الصناعية - هنا في لبنان يختلف الوضع قليلاً نظراً للتأثير والموقع !؟
أما في المسلخ الفلسطيني , فهنا مسلخ فريد و وحيد الذبح , مسلخاً يومياً متنقلاً بين الجو إلى البحر فاليابسة , ومن القدس إلى غزة تتنقل المسالخ والجزارين بالجرافات لتمهيد الطرقات الضيقة حسب الطلب في تغيير الديكور حسب خطة ( إ قلع , وازرع ) قلع الأشجار المعمرة والجذور , وزرع شتلات أجنبية غريبة عن المناخ والبيئة - وأحيانا تحدث وتقام المسالخ في ممرات ومعابر ضيقة حسب التعليمات والحصار والإشارات والزيارات والمؤتمرات المحلية والأقليمية والدولية ..!!؟
المسلخ الفلسطيني قديم جداً ومتنقل من مدينة إلى أخرى حسب ( الوعد المشؤوم ) و خارطة الطريق والتواءاتها وخفساتها وحفرها , والألغام الموضوعة أمام إنشاء المسالخ حتى يشمل الجغرافية كلها دون استثناء , والمسالخ في فلسطين تحدثت وتطورت تقنياتها الجهنمية لهرس اللحم البشري جيدًا مهما كلفت هذه المسالخ طالما تأتيها التبرعات مجاناً لا اعتراض عليها من قبل الهيئات الدولية الرسمية والعربية – حتى الشعبية ..؟!
أما الوضع في سورية .. ؟ فسورية فيها مسالخ ... , و " زرائب " عمرها 40 عاماً قديمة وجديدة معدة للذبح . ذبح الكثير في مسالخها السابقة على دفعات ودفعات , بالسر وفي العتمة ودون ضجيج .
أما اليوم فتكثر وتنتشر الزرائب في كل حي رغم الإنشاءات الحديثة المصنعة غربياً والمجهَزة بأحدث اّلات الإختناق تحت الإرض ( مدن بكاملها لم تستوعب مسلخ واحد بل عشرات ومئات ) , أو هي
تحت الأرض وفوقها وتحت الطلب , لم تعد تتسع وتكفي نظراً للأعداد المتزايدة المراد حجزها وضبطها حتى لا تقلق أصواتها وصرخاتها سكان القصور والفيلات والشركات والفجور في نومهم الطويل فوق المسالخ فوق الممالح والمصالح , أو تنغَص طعامهم حول الموائد العامرة بكل موارد البلاد والعباد..!
..........
معضلة المسالخ والجزَارين في بلادنا بحاجة إلى حلَ سريع وفوري , أحجية قديمة جديدة تتكرر كل يوم وسنة وعقد وقرن ..
ما العمل لكي تلغى المسالخ وتقام مكانها المراكز العلمية المختصة و المستشفيات والمؤسسات الدستورية واختصاصاتها وأطبائها المخلصون بشفاء المرضى والقضاء على الأمراض الإجتماعية والنفسية التي تجتاح المنطقة المنتشرة في مستنقعات مجتمعاتنا وإلغاء المسالخ الهمجية ونستعيد المجتمع الصحي والعافية الوطنية والشفاء واحترام الإنسان وحقوقه الطبيعية وصحته الجسدية والنفسية والأمنية , متى سنبدأ ؟؟ وهل يحق لنا أن نبادر ونبدأ ..؟
سؤال كبير وصغير .. معقد وبسيط .. برسم الجواب ؟؟
ما العمل لكي تلغى هذه المسالخ المقامة والمنتشرة كالفطر السام في أرجاء الوطن السليب , المحتل , الأسير , المعطَل , المحاصر , و المعتقل , بعربدات الجزَارين الكبار والصغار من أميركا إلى إسرائيل إلى الأنظمة الإستبدادية القمعية وعلى رأسها النظام السوري , واللصوص الصغار .. ..... .. وميليشياتهم المتنوعة الأسماء المتكنية بالمذاهب الدينية .. !؟
...... كل من يتعاطى في هذه المهن والوظائف الحقيرة أو الدور القذر , والمتاجرة بأرواح وحياة الناس الأبرياء , التي يعطونها ويلبسوها لغة وخطابًا وثوباً دينياً ويتخذون ( الله ) ستارًا لهم في – العلم والشعارات وأدوات الحرب والاّيات والبيانات – وغيرها , ليعطوا ( إلههم) الصفة الحربية والدموية ..!!!؟؟؟؟ لتنفيذ الإحتلالات والإغتصاب والعربدة والتمثيل والمتاجرة بالإيمان , يرتكبون أبشع الجرائم ضد الإنسانية وحق الحياة , وبالتالي المجازر والإغتيالات البشرية على طريقة المسالخ والدم وخنق الحياة والصوت بأي طريقة للموت ..!؟ ومع الأسف هذه بعض الأسماء التي تاجرت واشتركت في هذه الظاهرة والإيديولوجية التي غزت و تصدَرت ساحاتنا :
– من حزب الإخوان المسلمين – إلى مجلس رابطة علماء المسلمين – فتح الإسلام - جند السماء - جند الله - جند الشام – جند الإسلام – حزب الله – حزب شيوخ الصحوة – حزب الدعوة – الدولة اليهودية --- وهلم جراَ... وكل خمسة أشخاص يجتمعوا بالإحتيال إما بالسرقة أو بالتمويل من جهات مغرضة وتفتح ( دكاناً , أو محلاً برخضة أو بدون رخصة ) للإعلان عن نفسها بفتح مسلخ جديد مدرَ للشهرة والثروة والدولارات .. ويصبح بين ليلة وضحاها نجماً معروفاً ومشهوراً في عالم الموضة والكليبات الراقصة على أنغام الاّيات والبيانات , والتهديد والوعيد والحلم " بجنة الدويلة أو الكيان المصطنع الموعود " ؟!
مسكينة شعوبنا .. مضطهدة ومشلوحة للقهر .. مذبوحة في الطرقات من الفجر للعصر ...... الذبح الذبح وقطع الرؤوس دون أخلاق ومشاعر وضمير .........كلهم ...... يستغلون الدين , و القومية لمصلحتهم , ولكل هدفه .. ! ! .. يلبسوا أعلامهم الكلاشينكوف أو السيف , أو البندقية , أو و الاّيات القراّنية , أو نجمة داوود .. ليعطوها الصبغة الدينية و الإيمان !؟ .... ليشرَعوا القتل بالمسالخ والمجازر لإستنفار العواطف و الغرائز !؟.
..........
وماذا بعد ... ماذا بعد كل هذه المحصلة والصورة الدامية لبلادنا .. ما العمل ؟
واجب على جميع أحرار الأمة ومثقفيها اليوم وقبل الغد , العودة للوحدة الوطنية الشرط الأول للخلاص والبناء الصحيح , وانتقاد الأخطاء ( نقد ونقد ذاتي ) والممارسات الخاطئة السلبية التي أساءت وعمقت الخلافات وخلخلت التكوينات الإثنية والعرقية والطائفية لشعوبنا , وغذت الطروحات المذهبية المتطرفة القاتلة التي تزرع الحقد وتغذي لغة الثأر والتعصب وكره الاّخر المختلف , عليها أن تحكم العقل و لغة الحوار والديمقراطية فيما بينها .. ليعود النور والسلام الحقيقي والأمل لبلادنا وشعوبنا المعذبة والمحاصرة ..!! هولندا / 20 / 1
#مريم_نجمه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟