شارون يلعب في الوقت الضائع

إبراهيم عبد العزيز

الحوار المتمدن-العدد: 668 - 2003 / 11 / 30 - 02:58
المحور: القضية الفلسطينية
    

كاتب وصحافي فلسطيني
تتصاعد حالة التخبط الاسرائيلي يوماً بعد يوم، وتبدو معالم هذا التخبط واضحةً من خلال ردود فعل الطبقات والمؤسسات والشرائح المختلفة التي تدلي بدلوها في الشأن السياسي الإسرائيلي، حتى ليبدو الامر وكأن هناك تيارين في اسرائيل يتنازعان، وأن  كل اسرائيلي هو بذاته دولة داخل الدولة.
شارون يجذف عكس كل التيارات، سعيا منه للوصول الى غاياته المحرمة،  فهو يدرك انه انما يجذف عكس الزمن، وقت ضائع يمر بسرعة ويسير نحو نهاياته المحتومة بسرعة. فقد بات واضحاً أن هناك احساسا بانه يتوجب على الحكومة بذل  جهود  مضنية للخروج من الضائقة الامنية - السياسية.
ينثر شارون كعادته ستار دخان كثيف آخر في محاولة لخلق جو من الانتظار والترقب دون أن يقدم اي تفاصيل ويختبىء خلف نظرة مبتسمة غامضة، ويواصل  تكتيكه في الاعلان عن مستقبل في واعد ظاهره، فارغ في مضمونه، خاصةً عندما يتحدث عن تنازلات أليمة.
يسعى شارون من وراء تهديده باللجوء إلى إجراءات أحادية الجانب في فرض ما يريد من أوضاع على الشعب الفلسطيني، ‏‏ إلى مواجهة المأذق الذي يعترضه بعد تداعيات مبادرات التسوية والأفكار العديدة التي طرحت في هذا السياق‏,‏ فقد اثبتت  وثيقة جنيف التي قدمت نموذجا لإمكانية التسوية الفلسطينية ـ الإسرائيلية، كذب شارون ‏ واثبتت عمليا وجود شريك فلسطيني عكس ما يدعيه هو.
حزب العمل الإسرائيلي  تحرك بعد  وثيقة "جنيف" ‏ وطرح مبادرة أعدتها لجنة من الحزب بقيادة حاييم رامون تستند إلى التسوية السياسية‏,‏ وفق مبدأ دولتين فلسطينية وإسرائيلية‏,‏ وأن حدود الدولة الفلسطينية ستكون قريبة إلى حدود ما قبل الخامس من يونيو‏1967,‏ مع تعديلات طفيفة‏,‏ واقتسام مدينة القدس وفق قاعدة كل ما هو يهودي لإسرائيل‏,‏ وكل ما هو عربي لفلسطين‏.‏ الأمر الذي  دفع بشارون إلى مسايرة الوضع‏,‏ فأعلن أن لديه أفكارا ومشروعات للتسوية‏,‏ والتي لاتعدو في حقيقة الأمر أكثر من محاولة للتهرب‏,‏ ومناورة أخري من مناوراته الرامية إلى القضاء على أي جهود للتسوية السياسية.
يعاني شارون من ضائقة حقيقية، فالجميع يطرحون مبادراتهم السياسية للحل الا هو، مما دفعه لإعلان عن مبادرته، وضعه في الليكود والوسط السياسي آخذ في الضعف والناس قد بدؤوا يتواقحون معه. ويعزوا الكثير من المراقبون ذلك لانخفاض شعبيته في الاستطلاعات، واستيقاظ المعارضة، وطرح المشاريع السلمية، وكذا العلاقات مع واشنطن كانت هي السبب الحاسم. فالنرفزة الامريكية تقلق شارون، ويبدو أنه تعلم  من حربه في لبنان عدم التخاصم المباشر مع واشنطن.
تتراكم الضغينة في البيت الأبيض ضد شارون، كما أن الادارة  الإميركية تبدي عدم ارتياح متزايد من عدم قيام شارون باي شيء. حيث أن تصريحات اكثر من مسؤول اميركي وعلى كافى المستويات، وأن  لم يكن هناك قرار استراتيجي بالضغط على اسرائيل، فهي  كافية للتعبير عن ذلك.
إن استعداد كولين باول وزير الخارجية الامريكي للقاء بيلين وعبد ربه ، لهو بمثابة رسالة ويحمل الكثير من المعاني السياسية، كما أن اقتطاع الادارة الامريكية جزء من مبالغ  الضمانات دليل آخر، على احتجاج واشنطن لتجاهل حكومة تل ابيب تعهداتها في حل المواقع  الإستيطانية وتجميد البناء في المستوطنات. 
يعتقد شارون ان اقدامه على مبادرات سياسية ستخفف الضغوط عنه ويحسن من صورته في نظر الرأي العام. الا ان المعارضة التي تعالت من صفوف الليكود في هذا الاسبوع حقيقية وليس من الممكن الاستخفاف فيها وهي تشمل الوزراء واعضاء الكنيست على حد سواء. يكاد يجزم الجميع أن خطة شارون للفصل احادي الجانب ستتبدد مع غيرها من الخطط التي ولدت وماتت خلال سنوات حكمه الثلاث. وأن  شارون يستطيع لو اراد ذلك، الا ان الجميع يعرفن انها خطوات تكتيكية لازالة الضغوط ليس الا.
يرى الكثيرون من السياسيين في إسرائيل ان شارون ليس في احسن احواله، وان اوراقه قد نفذت، كما ان شارون  اخذ يلعب في الاوراق المستعملة. فالاجواء في الليكود تبدو وكأن رئيس الحكومة سيستقيل من منصبه في  السنة القادمة، والجميع مستعدون للمرحلة الحاسمة.
من المهم بمكان الإشارة إلى أن مؤتمر "الليكود" سينعقد في  السادس من كانون الثاني/ يناير القادم،  حيث ستطرح على جدول الإعمال  قضية تغيير النظام الداخلي للحزب، الأمر الذي من شأنه أن يعقد الوضع ويصعب على رئيس الحكومة تأدية مهامه بسب التغييرات المطروحة، مما سيدفع بشارون ألى الإستقالة  من منصبه، ويتوجب على رئيس الدولة حينها ان يكلف احد اعضاء الكنيست بتشكيل الحكومة خلال سبعة ايام.
"الليكود"  سيضطر لاختيار مرشحه خلال هذه الفترة الزمنية القصيرة. حيث سيختار الحزب رئيسا مؤقتا وبعد تسعين يوما سينتخب رئيسهم الدائم من خلال الانتخابات الداخلية التمهيدية. ويجمع المحللون أن مؤتمر "الليكود" القادم سيجري محاولة لالغاء كلمة  "مؤقت"  وأن يكون مركز الحزب هو الجسم الذي يختار الرئيس الدائم.
يهدف  أعضاء مركز "الليكود" من هذا التغيير إلى تعزيز مكانتهم، ويدلل ذلك  على الحالة المزاجية السائدة في الليكود بالاساس. إذ أن مثل هذا التعديل لم يكن ليتحول الى قضية مركزية الى هذا الحد لولا ان الناس يشخصون الوضع الذي قد يضطر فيه رئيس الوزراء الى التخلي عن منصبه في منتصف فترته المحددة.
السبت 29 تشرين ثاني/ نوفمبر 2003
[email protected]
 

#إبراهيم_عبد_العزيز (هاشتاغ)      

---

اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين	حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل

كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على:

الفيسبوك

التويتر

اليوتيوب

RSS

الانستغرام

لينكدإن

تيلكرام

بنترست

تمبلر

بلوكر

فليبورد

الموبايل

كيفية إشراك-إيصال مواضيعكم أو مواضيع تهمكم  إلى اكبر عدد ممكن من القراء والقارئات