أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهجت عباس - مع الشاعر الراحل مرتضى الشيخ حسين















المزيد.....

مع الشاعر الراحل مرتضى الشيخ حسين


بهجت عباس

الحوار المتمدن-العدد: 2150 - 2008 / 1 / 4 - 10:59
المحور: الادب والفن
    


من مكاسب ثورة 14 تموز 1958 فتح أبواب العراق الموصدة على الدول الاشتراكية، التي أخذت بدورها تصب المساعدات والزمالات على العراقيين دون تمييز في بادئ الأمر على الأقل . ثم إنّ صحافة الدول الاشتراكية انفتحت على بغداد وظهرت أسماء كتاب عراقيين فيها لم يكن العراقيون يعرفونهم من قبل . ومن هذه الأسماء اللامعة كان اسم مرتضى الشيخ حسين بارزاً في مقالات سياسية تنشرها صحف عراقية واضعاً تحت اسمه: (عضو رابطة الصحفيين الألمان الديمقراطيين). أعجبتني مقالاته وتمنيت لو تعرفت عليه ، وكان طموحي الدراسةَ في تلك الدول التي تخيّلنا الفردوس ضارباً أطنابه فيها. وفعلاَ حصلتُ على زمالة لدراسة الكيمياء العضوية في ألمانيا الديمقراطية (الشرقية) عام 1959 ، ولكنها تأجلت لاضطراري الانخراط في دورة ضباط الاحتياط ، حتى انتهاء الخدمة والتسريح في شباط 1961، و أُلغيت بعدئذ نتيجة تغير سياسة الزعيم عبد الكريم قاسم. لكنّ الفرصة سنحت لي مرة أخرى للحصول على زمالة ولكنْ من ألمانيا الغربية هذه المرة ، لأسافر إليها في اليوم الأول من تموز 1962 ، ولأكون في برلين الغربية في نهاية عام 1962.
كنت أعبر الحدود إلى برلين الشرقية بين آونة وأخرى . وفي 8 شباط 1963 ، يوم الانقلاب الأسود ، كنت واقفاً عند الحدود في فريدريش شتراسّه منتظراً دوري للعبور إلى برلين الشرقية ، وكان ثمة عراقيون يتحادثون كالعادة في أمور كثيرة ، ولكني سمعت الفقيد مرتضى الذي كان واقفاً هناك أيضاً ينتظر دوره للعبور أو بالأحرى الرجوع إلى شقته في برلين الشرقية يقول لصاحبه : " لقد كان خطأه ، لم يكن له صديق ، كان وحده ، ولذا كان مصيره ." خفق قلبي ، فقد فهمت أنَّ الزعيم عبد الكريم قاسم قد انتهى ، وأنَّ الدِّماء تجري في العراق. عُقدتْ ندوات بعد ذلك في برلين الشرقية ، كنت أحضر بعضها ، ومن هناك تعرفت على المرحوم مرتضى وبدأت صداقتنا منذ ذلك الحين.
وبعد أن رجعت إلى العراق عام 1964 وعملت ممثلاً لشركة ميرك الألمانية للأدوية، كنت بحكم عملي أزور ألمانيا و برلين طبعاً وكان ألتقي الفقيد دوماً حيث كنت أسَرُّ بلقائه والتجول معه في منتزهات برلين وشوارعها والجلوس في مقاهيها وكانت أحاديث وأحاديث تتخللها قراءة أشعار واستعراض سياسة وتأريخ وسخرية ونكات.
وبعد أن غادرت العراق نهائياً عام 1980 وعملت سنة كاملة في برلين، كنا نلتقي إما في برلين الغربية أو الشرقية . وكذلك كانت الحال بعد مغادرتي برلين إلى كندا سنة 1981 . كانت بيننا مراسلات متواصلة ، كان يرسل لي أشعاراً ينشرها في صحف عربية تصدر في لندن ، وخصوصاً في جريدة (العراق الحر) التي كان يصدرها الأستاذ سعد صالح جبر . كان الفقيد يكره ميشيل عفلق كرهاً شديداً ، وقد كتب عنه ونظم قصيدة فيه ونشرها في العدد (192) من الجريدة المذكورة الصادر في 19 حزيران 2002، و من أبياتها :

ساروا وراء عفلق***وما دروا مَن عفلقُ
فليتهم تصفحــوا***المعجم كيْ يحققوا
عفلق لفظ مخجـل***بالمخزيات أليـقُ
وكل قــول إنّـه***من يعرب مختلقُ
فهو من اليونـان***هذا ثابت مـوثّـقُ
وكل من ينكـر ماضيـه حمـار ينهـقُ

كان مولعاً بالمشي ، كما أنا . فقد مشينا مرة ، وكان ذلك منتصف التسعينات من القرن الماضي ، من برلين حتى بوتسدام ، المدينة الشهيرة التي تغطي أرضها مزارع ومنتزهات وحدائق بنسبة 75% و بنايات وعمارات وبيوت بنسبة 25% ، و التي عُقد فيها المؤتمر الذي سُمِّيَ باسمها بين ترومان وتشيرشل وستالين عام 1945 ، بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية ، لتقرير مصير ألمانيا وأوروبا. كانت المسافة التي قطعناها تقرب من عشرة كيلومترات لنصل بعد صعود سلالم كثيرة عريضة إلى قصر وقبر الملك فريدريك الكبير (1712- 1786) الذي كان مُعجباً بالكاتب الفرنسي فولتير الذي سكن معه فترة طويلة ، وكانت ثمة إشاعة تدور حول هذه العلاقة !
كان الفقيد مستقلاً في آرائه ، فقد زار العراق في التسعينات من القرن الماضي بعد أن حصل على دعوة للمشاركة في مربد البصرة ، مما سببت له مشاكل مع بعض العراقيين في برلين . وقد شهدت مشادة كلامية بينه وبين أحد العراقيين الساكنين في برلين الغربية ، حيث كنا ، ثلاثتنا ، نمشي في الشارع الرئيس (كُرْفـُرسْتِـندام) . كانت حجة الفقيد أنه استغلّ دعوة المربد ليزور العراق وأهله في البصرة . وكان ذلك الصديق ينتقده غير آخذ بنظر الاعتبار أنَّ الفقيد كان يعيش في برلين الشرقية حيث السفارة العراقية كانت قوية هناك وذات سطوة ، ونسي المصير الذي كان سينتظره فيما لو رفض هذه الدعوة ، فهل سيسلم من شرّها وهو يعيش بجوارها ؟ كان في الحقيقة يكره كلَّ الأحزاب ولا يؤمن بما تدعيه الدول الاشتراكية من مستقبل زاهر لمواطنيها. كان هناك عَوَز في الحياة العامة وقد يكون بعضها بسيطاً ولكنه يعطي انطباعاً سيئاً . فمثلاً ، مرة كنت معه في برلين الشرقية (قبل الاتحاد) وكان الليل في أوله ، فذهبنا لشراء دجاجة مشوية ، فوقفنا خلف صف طويل من الناس ننتظر دورنا . وبعد انتظار نصف ساعة تقريباً تفرق من كان أمامنا متذمرين لأنَّ الدجاج نفد ، فما كان علينا أيضاً سوى الانصراف باحثين عن مكان آخر! وكانت هناك أشياء كثيرة أخرى جعلت الناس غاضبين دوماً للفوارق الكبيرة الموجودة بين قطاعيْ المدينة التي كان يحكمها نظامان مختلفان.
الذكريات كثيرة مع الفقيد لا يمكن حصرها في مقال واحد . لكني أذكر الآن أنني أرسلت إليه بطاقة للتهنئة بالسنة الجديدة التي كانت 1996 فأرسل لي هذين البيتين:

بطاقتك الجميلة أبهجتني***وليس بطاقتي ردّ الجميلِ
وإنّكَ بهجةٌ للنفس حقّـاً***لما أوتيتَ من خُلـقٍ نبيلِ

فأجبته بهذه الأبيات وكانت بتاريخ 31-12- 1995

لقد حيَّيتَني بجمـيل شعـر**يفوح شذاه كالورد الجّميلِ
حوى كلَّ الفصاحة في معانٍ**يرقّ لوقعـها قلبُ العَدولِ
وأنتَ، أبا المفيد، كريمُ خُلقٍ**وفيّ الطبع مِصداق الأصولِ
ولستَ كآخَرٍ ينسى عهوداً**موثَّقةً وبمـرغُ في الوحولِ
أسِفْتَ لأنَّ طيبَ العيش مرٌّ**وأنَّ السَّعدَ يأخذ في الأفولِ
فلستُ، كما تظنّ، مَلولَ عيشٍ**وليس الاشتياقَ إلى الرَّحيلِ
وليس لأنَّ شمسي في غروب**وليس لأنَّ عودي في ذبولِ
ولكنَّ الحقيقةَ في ضبابٍ**وأنَّ الوهمَ يُبعَثُ في العقولِ
أرى درباً يضيق بسالكيه**ودنيا تحت سيطرة المغولِ
ولستُ بمستطيعٍ صدَّ موجٍ**عظيمِ الغَوْرِ جبّـارٍ مَهولِ
ولكنّي سأطرق كلَّ شِعْبِ**وأجعل كلَّ كوكـبةٍ دليـلي

وبعد مرور اثنتيْ عشرةَ سنةً عليها تماماً أجدني أكملها مع الفارق بما يلي:

أراني قد صُعِقتُ بفَقدِ خِـلٍّ**عزيزٍ سار في دربٍ طويلِ
وإنّي بعد غائـلة الليـالي**أرى برلينَ خِلـواً من بديـلِ
وقدْ كانتْ ليـاليَ زاهراتٍ**وليس لهنَّ أبْـداً من شُكـولِ
أحقّـاً كانت الدّنـيا بخيرٍ**وكنّا كالحمائـم في الحقـولِ
فلا كدرٌ يُصيب النفسَ غمّاً**وكان الصَّحبُ من خير الرَّعيلِ
وكان الروضُ مُبتسمَ الأقاحي**تلألأ ثغـرها بين الشَّمولِ
فهلْ للأمس عودٌ، ليت شعري،**فتخلـو النَّفسُ من همٍّ ثقيلِ
وكيف يعود أمسٌ كفَّـنتْـهُ**أيادي الموتِ والرّعبِ الهَطولِ
فَنَمْ تحت الثّرى، برلين أحنى**من الوطن المُحَطَّم والعليلِ
أنـاخ بثقـله بـاغٍ عليـه**فكان الجَّـورُ منقطعَ المثيـلِ
وفَرهدَهُ اللصوصُ بجنح ليلٍ**فهلْ يبقى سوى الدَّمعِ الهَمولِ؟



#بهجت_عباس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الخروج الأخير
- خبز وخمر 7 - 9 للشاعر الألماني فريدريش هولدرلين
- خبز وخمر 4 - 6 للشاعر الألماني فريدريش هولدرلين
- خبز وخمر 1 - 3 للشاعر الألماني فريدريش هولدرلين
- البحيرة - للشاعر الفرنسي لامرتين ( 1790-1869) - ترجمة بهجت ع ...
- هلاك سنحاريب - لورد بايرون (1788-1824)
- طموح حفاة الثقافة
- المقامة الثقافية
- إلى هولدرلين - للشاعر الألماني راينر ماريا ريلكه
- الجينات والعنف والأمراض
- الروبوت وجراحة البروستاتة
- أوراق الخريف - للشاعر الفرنسي جاك بريفير
- من سونيتات إلى أورفيوس - راينر ماريا ريلكه
- عندما يُصبح الجميع غير أوفياء
- استئصال البروستات بواسطة الإنسان الآلي
- خماسيّات
- هل يستطيع العقل تفسير ما يحدث داخل خلية الإنسان ؟
- ترتيلة محمد - لشاعر ألمانيا الكبير غوته
- العصر البرونزي* – لورد بايرون - 1788 - 1824
- قطرس الخليج - سونيته


المزيد.....




- -كائناتٌ مسكينة-: فيلم نسوي أم عمل خاضع لـ-النظرة الذكورية-؟ ...
- مصر.. الفنان بيومي فؤاد يدخل في نوبة بكاء ويوجه رسالة للفنان ...
- الذكاء الاصطناعي يعيد إحياء صورة فنان راحل شهير في أحد الأفل ...
- فعالية بمشاركة أوباما وكلينتون تجمع 25 مليون دولار لصالح حمل ...
- -سينما من أجل غزة- تنظم مزادا لجمع المساعدات الطبية للشعب ال ...
- مشهور سعودي يوضح سبب رفضه التصوير مع الفنانة ياسمين صبري.. م ...
- NOW.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 154 مترجمة عبر فيديو لاروزا
- لماذا تجعلنا بعض أنواع الموسيقى نرغب في الرقص؟
- فنان سعودي شهير يعلق على مشهد قديم له في مسلسل باللهجة المصر ...
- هاجس البقاء.. المؤسسة العلمية الإسرائيلية تئن من المقاطعة وا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - بهجت عباس - مع الشاعر الراحل مرتضى الشيخ حسين