|
حتى لا يسرق ( عبد الشط ) حليب الأطفال وأمانيهم !
عبد الجبار السعودي
الحوار المتمدن-العدد: 2122 - 2007 / 12 / 7 - 11:00
المحور:
حقوق الاطفال والشبيبة
نقف عن أحد صوبي النهر المتفرع من نهر الفرات والمارً بقضاء سوق الشيوخ وهو يزهو بأيامه .. ونصرخ بأعلى ما نستطيع ونحن صغار حالمين صوب الجهة الأخرى : عبدِ الشـــــط ْ .. تريد شاي لو حليب ؟! ويأتيك الجواب بعد لحظات ترقب، من الصوب الآخرالذي تغطيه غابات كثيفة من أشجار النخيل، عبر صدى يتهادى الى أسماعنا ونحن في دهشة وفرح : حليب .. حليب .. حليب ! ونعيد الكرّة ثانية وثالثة، حين يخفت الصوت ويتلاشى بعيداً، ونحن نتسلى واقفين ومبهورين بالقرب من جرف النهرالذي يلامسُ ماءه أقدامنا ويعبث فيها مع نشوة الطفولة ومع أمواجه التي تغمر أجسادنا و تمنحها حيوية ونشاطاً مع كل زورق أو مركب يشق طول النهر ذهاباً وأياباً ! هكذا كنا نلهو، ساعات ٍ وساعات، لكي نختبر سرّ وجود هذا المخلوق الأسطوري الذي تحدثت عنه ألسن أمهاتنا قبل الرجال في حكايات منذ القدم، و بعثت في نفوسنا الخوف من أن نقترب من الأنهار، حتى لا يبتلعنا ( عبد الشط ) ! فهو مالك و سيد الأنهار والشطوط وحافاتها، وها نحن نخاطبه بما يريد من رغبات و يأتينا جوابه الأزلي .. أنا من يُريد الحليب ! إذن ، فحذار .. وألف حذار من الأقتراب ! ويبدو أن تلك الحكاية وغيرها من تلك التي أرتبطت بالحكايات الشعبية العراقية والتي رافقت طفولة العراقيين منذ عقود طويلة، و ربما يرجع تأريخها الى مئات السنين وأكثر، قد لامست واقع نشأتهم التي لم تكن في أحسن الأحوال، قد أرتقت لما هي عليه في الدول المتقدمة وتلك المجاورة لنا، والتي لا تمتلك خيرات ٍ ،كخيرات العراق، فقد عصفت الأزمات السياسية والحروب المدمرة وآثارها بالطفولة العراقية وشوهت الى حد بعيد معالم هذا العالم الجميل الذي تبني عليه الشعوب والدول آمالها كثيراً ،لكي تجد لها في المستقبل المنظور سواعداً و عقولاً تبني صروح بلدانها من خلاله . وما حدث ويحدث في العراق و ما تحدثت وتتحدث عنه الأرقام منذ أكثر من أربعين عاماً وليومنا هذا، يشهد على أن أطفال العراق كشريحة كبيرة من المجتمع قد ذهبوا ضحايا أبرياء في الحروب والصراعات المسلحة، دون أي ذنب يقترفوه، والكثير منهم قد سقط أمّــا ألماً من أمراض هتكت به أو من جراء القتل المتعمد أو العشوائي، كما حصل في حروب النظام السابق الداخلية والخارجية وما تلاه من حصار دولي أفقد البلاد الكثير من المقومات الصحية والتربوية والنفسية التي تنشأ عليها الطفولة ، حتى أستمر الحال متصاعداً في وتيرته بعد عملية التغيير السياسي من عام 2003 ، فقد ألقت آثارالحروب والأزمات الأقتصادية السابقة بآثارها اليومية على حياة العراقيين، كما وجاءت عمليات القتل العشوائي للأطفال والمتعمد أحياناً مع آباءهم وأمهاتهم من خلال التفجيرات الأرهابية والصراعات المسلحة بين بعض أطراف العملية السياسية، لتنهك بتلك الأجساد الطرية للأطفال الأبرياء الذين كانوا يتطلعون مع ذويهم الى بارقة الأمل التي أستجدت بعد سنوات الحصار الدولي وآثار الحروب المدمرة ! ولا زالت للآن الكثير من العائلات العراقية المهجرة وغير المهجرة مع أطفالها في داخل العراق وخارجه، تعاني من شظف العيش والحياة المعيشية القاسية، بل وتدفع بأبناءها الى ترك مقاعد الدراسة، إن توفرت لهم ، لكي يعينوها في توفير لقمة العيش اليومية وسط هذا الغلاء الفاحش في الأسعار والذي يلتهم مداخيلهم التي يحصلون عليها ، أملاً في البقاء لا أكثر ! ومع تصاعد حدة الخلافات بين أطراف العملية السياسية والتي يبدو أنها لا تريد أن تنتهي بعد ما يقارب الخمسة أعوام من عملية التغيير السياسي و دون حصول أي تقدم واضح و ملموس فيها وما يصاحبه من عجز واضح في معالجة المشكلات الأقتصادية والمعيشية التي يعاني منها الوطن والمواطن، تأتي التصريحات المتكررة من هذا الطرف أو ذاك، لكي تزيد من تفاقم تلك الأزمات التي يحياها المواطن العراقي وتحديداً أصحاب المداخيل المحدودة من عمال و موظفين وكسبة ومتقاعدين وغيرهم. وما شهدته جلسة مجلس النواب في جلسته الثالثة والثلاثين يوم الأثنين 3 ديسمبر 2007 ، بأستضافتها للسيد وزير التجارة للحديث عن مفردات البطاقة التموينية التي يراد لها أن تـُسحق و يُسحق معها المواطن العراقي المنهك والمتعب منذ عقود طويلة مضت ،حتى تضيف همــّـاً جديداً للشارع العراقي الملتهب بهمومه الكثيرة .. فقد أشار السيد وزير التجارة أثناء مداخلته تلك، الى أن النية متجهة لتقليص مفردات تلك البطاقة من عشرة مواد توزع حالياً على المواطنين الى خمسة منها ومن ضمنها كما أشار، مادة حليب الأطفال ومادة الشاي والبقوليات والتي سيتم وقف توزيعها بسبب عدم تمويلها من قبل الدولة ! وأرجع ذلك الى عدم زيادة التخصيصات المالية الداعمة الى البطاقة التموينية للعام المقبل 2008 والتي بقيت كما هي ( 3,117 ) مليار دولار، في حين أن الحال يتطلب زيادة تلك التخصيصات الداعمة الى ما بين ( 5- 6 ) مليار دولار، حتى يستمر تدفق مفردات البطاقة التموينية لما هو عليه الآن !! وأشار الى أن الفساد الأداري الذي تشهده وزارته و بعض الخلل والتلكؤ الأداري والنقص في الملاكات في إدارة هذه العملية الكبيرة وعدم وجود أجهزة رقابية تكفي لمراقبة هذه العملية الكبيرة ، هو أحد الأسباب المهمة التي تعاني منها وزارته. إن مادة حليب الأطفال التي يـُراد ألغائها من عملية التوزيع، تحرص الكثير من البلدان على أن تكون غذاءاً يومياً ضرورياً للأطفال، بل وتسعى الى توفيرها عبرطرق ٍ ومبادرات مختلفة، لكي يتناولها الصغير قبل الكبير. وكلنا يتذكر جيداً كيف أن المدارس الأبتدائية في عموم الوطن أبان عهد الحكم الوطني بعد ثورة 14 تموز 1958 قد وفرت مادة الحليب الجاهز لكي يتناوله الصغار في مدارسهم أثناء فترات الأستراحة بين الحصص التدريسية ،إضافة الى ما كان يوزع عليهم من حبوب زيت السمك المقوّي لأبدانهم و عقولهم، رغم الموارد المالية المتواضعة للأقتصاد العراقي آنذاك ! إنّ نشأة ً قوية ً لصغار العراق وسط هذه الهموم والمخاطر التي يحيوها مع ذويهم ، تستدعي من جميع الجهات في وزارة التجارة والصحة و وزارة التربية وغيرها من المؤسسات الحكومية الى أن تكون داعمة لبرامج ومبادرات متعددة حكومية أو غير حكومية وبالتعاون مع المنظمات الدولية الراعية للطفولة وأعتماد المواثيق الخاصة بحقوق الطفولة والتي تدعو الى مساعدة النشئ الصغير لكي ينمو معافياً و توفير التعليم والملبس والمأوى لمن لا يمتلكه وغيرها من الحقوق. لا نريد للخوف الذي يغلف حياة الأطفال العراقيين و نشأتهم التي هــُم عليها، أن يكون مصاحباً لهم في خطواتهم البريئة، ولا نريد لأحد ٍ ما أن ينتزع منهم حقهم في المأكل والمشرب والتعليم والمأوى تحت مسببات يدحضها واقع وأمكانات البلاد من واردات مالية ضخمة تسندها الوقائع والأرقام المعلنة. لا نريد لـــ ( عبد الشط ) أن يُبعث من جديد على أرض الواقع و هو يُرعب الأطفال و يقتل أحلامهم ، بل وينتزع منهم أمانيهم المشروعة ! أمنحوا الخبز والحليب للأطفـــــال و ليس لـ (عبد الشـــــط) ومن يُنادي به !
#عبد_الجبار_السعودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أنتَ الشاهد .. يا ديسمبر !
-
رغيف الخبز .. يا حكومتنا الموقّرة !
-
فضيحة عرعوري ..و بلبول القوري
-
تسيورة !
-
مو وردْ .. طلع دغل...إ.
-
طبّت البواخر !
-
يوم التاسع من تموز .. بأنتظار صوت المثقفين العراقيين
-
عمال النفط .. ( أبو ضامن ) يناديكم !
-
قراءة في كتاب .. عمائم ليبرالية في ساحة العقل والحرية
-
مُديراً ، أم وزيراً مندائياً ؟
-
محطة إستراحة .. في يوم العمال العالمي !
-
محطة إستراحة .. في يوم العمال العالمي !
-
قدّح المشمش .. يا - حكومة !
-
خسارة الميناء .. والعيون المتعبة !
-
أحزان مندائية
-
حمامة - هنوة - المذبوحة
-
أيها النمل الذي .. ستأكلنا !
-
الى صديقي خروتشوف ... مع أطيب التحيات !
-
العراقيون المندائيون .. والخط الأحمر !
-
فرشاة حامد .. أنامل حامد !
المزيد.....
-
الأمم المتحدة: تعيين الدبلوماسي البريطاني السابق فليتشر وكيل
...
-
الأمم المتحدة تحذر من هشاشة الوضع السياسي في ليبيا وتدعو لات
...
-
الخارجية الأميركية: نشعر بقلق بالغ إزاء الوضع الإنساني في غز
...
-
اعتقال إسرائيلي في الضاحية الجنوبية بتهمة التجسس
-
تايمز: بريطانيا تشهد أكبر زيادة سكانية بسبب المهاجرين
-
بتهمة التخطيط لشنّ هجوم لحساب تنظيم داعش.. اعتقال أفغاني في
...
-
شاهد: تنكيل قوات الإحتلال بالأسرى الفلسطينيين تحت إشراف بن غ
...
-
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة يستعرض مجازر الاحتلال بالشمال:
...
-
أنطونيو غوتيريش يدين خطة إسرائيلية تهدف إلى تصنيف الأونروا م
...
-
الأونروا: العملية العسكرية الأخيرة لإسرائيل تهدد تنفيذ المرح
...
المزيد.....
-
نحو استراتيجية للاستثمار في حقل تعليم الطفولة المبكرة
/ اسراء حميد عبد الشهيد
-
حقوق الطفل في التشريع الدستوري العربي - تحليل قانوني مقارن ب
...
/ قائد محمد طربوش ردمان
-
أطفال الشوارع في اليمن
/ محمد النعماني
-
الطفل والتسلط التربوي في الاسرة والمدرسة
/ شمخي جبر
-
أوضاع الأطفال الفلسطينيين في المعتقلات والسجون الإسرائيلية
/ دنيا الأمل إسماعيل
-
دور منظمات المجتمع المدني في الحد من أسوأ أشكال عمل الاطفال
/ محمد الفاتح عبد الوهاب العتيبي
-
ماذا يجب أن نقول للأطفال؟ أطفالنا بين الحاخامات والقساوسة وا
...
/ غازي مسعود
-
بحث في بعض إشكاليات الشباب
/ معتز حيسو
المزيد.....
|