أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عبد الجبار السعودي - طبّت البواخر !















المزيد.....

طبّت البواخر !


عبد الجبار السعودي

الحوار المتمدن-العدد: 1961 - 2007 / 6 / 29 - 11:10
المحور: كتابات ساخرة
    



جلست و(أبو ضامن) على واحدة من (المصطبات) المنتشرة على شاطئ النهر الذي يفصل بين المدينتين الذي يعيش كل منا في إحداها، نستمتع بمَشاهد السفن والمراكب المختلفة الأحجام التي تسير في نسق أحتفالي الواحدة تلو الأخرى، مزينة بالأعلام والأشرطة الملونة التي يلوح بريقها من بعيد، وما تحمله على ظهرها من مجموعات صغيرة من الشبيبة، تعزف وتغني و ترقص على أنغام موسيقاهم التي يؤدونها بآلاتهم الموسيقية وفي مقدمتها الطبول أو تلك التي تصدح من خلال مكبرات الصوت المثبتة هناك على تلك المتون. وتختلط تلك الموسيقى الصاخبة والقادمة الينا من بعيد مع صفير تلك السفن المختلف في نبراته، فمنه ما يصدح عالياً ليملأ أجواء الشاطئ والمدينتين وما جاورهما، ومنه من ينطلق خجولاً وخافتاً يعبــّرعن صغر حجم هذا المركب أو ذاك!
وما كان يميــّــز تلك الأجواء بمجموعها التي تنطلق كل عام وفي مثل هذه الأيام هو حشود الناس التي تصطف على جانبي الشاطئ، أما واقفة أو جالسة على بسائط من الحشيش الأخضر، أو تلك التي تجلس في المقاهي المنتشرة هنا وهناك على كورنيش الشاطئين اللذين يأخذان المتنــز ّه في رحلة ممتعة تعيدك أحياناً الى أجواء كورنيش شط العرب في مدينة البصرة أيام زهوهـــــا و زهو ذلك الشارع الذي يمتد صخب المحبين ومتعتهم فيه الى ساعات متأخرة من الليل !
ألتفت (أبو ضامن) صَوبي وهو يهــزّ بكف يده اليمنى مستغرباً ومتألماً وقال ونبرة الحزن تغلـّف كلماته: .. راحت أيـــــام زمان .. أيـــــام البصرة .. وبواخر شط العرب. راحت كل تلك الأيــــام الجميلة .. وأصبح شط العرب اليوم ملوثــــاً، لا بماءه الشبه الراكد والحزين وبمخلفات الحروب والسفن الغارقة، بل بوقاحة المهربيـــــن وضمائرهم الوسخة والدنيئة و الذين جعلوا منه منفذاً لتهريب النفط ، بضاعتهم المفضــّلة هذه الأيام، دون حسيب أو رقيب، إلا ما ندر .. وأزدادوا ثراءً وسلطانــــاً يُحسب له ألف حساب في خارطة الواقع الأجتماعي الجديد للعراق الذي تشكــّل أثناء الحروب الرعناء المجنونة منذ الثمانينات ويتشكـــّل حالياً، لكي يفرض نفسه وسط عملية الصراع الأجتماعي التي ستزداد أشتعالاً في مستقبل العراق القادم، خصوصاً وأن تلك الفئات المنتفعة كثيراً ما تجد لها من مواقع قوة ونفوذ تحميها وتداريها في السلطات السياسية المتعاقبة.
لم أستغرب لأنتباهة صاحبي هذه و فطنته لما يجري في داخل الوطن وهو الذي لم يجن ولا (بيـزة) طوال سنوات عمره هذا الذي جاوز الستين، بل قضى سنوات عمله يكدح ويضني من أجل لقمة العيش أملاً في أن تنصفه دولة العراق عبر أنظمتها السياسية المختلفة، فلم يجد نفسه إلا وهو متشرداً ومهاجراً من بلد لآخر كحال الملايين الأخرى من العراقيين!
وحتى لا أجعل من نزهتنــــا هذه سبباً لتعكير مزاج (أبو ضامن) وهو المبتلي بأمراض الســــكــّر والضغط، فقد قاطعته متساءلاً: هذا الناس كلـــــّه تعرفـــــه .. وتعرف أكثـــــر منـــّه، بس خليـــــّنه هســـــّه بطــــاري .. البــــــواخر ..!
تتذكر أيام شط العرب من جانت البواخر تدخل الشط رايحــــه لصوب ميناء المعقــــل وهيّ خابصـــــه الجو بصفيرهه، خصوصاً وكت الفجر وما بعده، حتى تخلـــّي إبنــــادم يطفر من فراشه ، خصوصاً الناس اللي كانوا ساكنين على صوبين الشط ؟ ومو بس هاي (أبو ضامن) .. ومن كثرة دخول البواخر لشط العرب ، جنــــّه نميـــّــز ما بين هذا المركب و ذاك ! اللي مليـــــان وجاي مشحون بالكامل، تدوي صفــــّارته بنبرات عالية وبقوة .. مثل الواحد الجاي فازع ، واللي يفـــرّغ حمولته ويريد يرجع لبلده ، لا ، تلكَــــــاه غير شكــــل، تسمع صفــّارته حزينـــه .. وجنهـــــه جاي تكَـــــول ..إمودّعتكـــــم باللـــه و ماعدكم غير العافية ! ومو بس هاي (أبو ضامن)، تتذكر الباخرة اللي جابت المرحوم الملا مصطفى البارزاني هوّه و ربعه من الأتحاد السوفيتي و وكَــــفت بنص شط العرب وجان يومها الكورنيش مليان وادم .. زلم و نسوان وجهــــال .. عوايـــل بعشرات الآلاف طلعت لأستقبال المرحوم البارزاني و جماعتـــه .. وليلتها جانت ألعاب نارية .. ضوّت الناس والدنيـــــه ! وحينها قاطعني صاحبي متساءلاً : يابه إنت أشكَـــــد جان عمرك، حتى تتذكر كل هاي السوالف ؟ لو واحد حاجيلك ؟
مو بس هاي (أبو ضامن)، تتذكر البواخر الحربية السوفيتية اللي جانت تزور البصرة أيام زمان وهيّه مزيـــّنه بالأعلام الملونة ؟ وتتذكر من جانت هاي البواخر من تريد تغادر شط العرب وترجع لأهلهــــه، تضرب إطلاقات مدفعية للوداع ؟ تتذكر من جانوا الضباط والجنود الروس يفترون ومالين أسواق البصرة ولابسين أحلى ملابس البحرية، نسوان و زلــــم ؟! ومن تحييــــّهم لو تحجي وياهم ، يقدمولك مدالية بيهه لو نجمة حمــــرة لو بيهــــه منجل و جاكـــــوج ؟! وهنــــا أنتفض (أبو ضامن) من جلسته التي كان يتكأ فيها على أحد جانبي المصطبة، وقال : عندي وحده منهــــــــن ! أي نعم عندي وحدة منهــــــــن .. للآن ضامهه .. ويمكن جنت ناسيهه .. واليوم من أعوفك وأرجع، راح أدوّر عليهـــــه ! وبدلاً من أكمل حديثي بدأ يدندن أغنية قديمـــــة لمطرب مصري ، رددناها سوية بعد حين بالتناوب :
على شط بحر الهوى .. رسيت مراكبنه .. والشوكَـــ جمعنا سوى .. إحنه وحبايبنـــــه ..
على شط بحر الهوى .. رسيت مراكبنه .. رسيت مراكبنــــه !
على كـــُـلـــّن ..! قالها بأسف وحسرة . راحت ذيج الأيـــــام .. وصُفت للحرامية و للـ اللهيبيــــــة .. وهـسّه شط العرب حتى خجلان من الناس اللي تزوره ومن دجلة وفــــــرات نفسهن ! ومو بس هاي ضال أكَـــــرع .. لا نخـــــل ولا بساتين .. من أيام الحروب السوده لليــــوم !! ثم توجه الي قائلاً .. بس عندي آخر سؤال إلك أبو ستار قبل لا نرجع لأهلنــــــــــه:
أشو هالأيــــــام .. بس جاي نقره بالتلفزيون، بالنشرة الأقتصادية .. وصلت البواخر وهي محمــــّله بآلاف الأطنــــــــــان من مفردات الحصة التموينيـــــة .. وستوزع خلال الأيام المقبلة ... وسيتم سد النقص الحاصل في المفردات ... الخ ، والناس باقية تتنطـــــــــر وما لاكَيـــــــه وما سامعه.. بس التكَركَـــــــع ؟!
طبّت الباخــــــــرة الفلانيــــــــــة .. و راح توصل الثانيــــــــة ، وتعاقدنــــــــه وي هالدولـــــــة وتصالحنـــــه وي ذيج الدولــــــــــة ! والناس كَــــاعده تصرف رواتبهـــه بالسوك .. ولا بو علي ولا مسحـــــاته ؟!
وفي لحظات تساؤلاته هذه، صرخت إحدى البواخر الكبيــــرة التي تستعرض في النهر الكبير وهي تحمل أشرعة بيضاء مختلفة الأحجام ترفعها ساريات من الخشب الصاج اللامع وتصدح منها موسيقى عالية، ويلوح من على متنها من بعيد مجموعة من الشابات والشباب يؤدون رقصاتهم على موسيقى قرع الطبول ، وعندها صاح (أبو ضامن) متفاعلاً مع دوي صفيرها المتكرر.. ملوّحـــاً ورافعـــاً يده عالياً صوبها :
طبـــــّت البــــــــواخر .. إجاكــــــــم الخير .. هســـــّه طبـــّت !

* * *
بصـــــــــرة – أهــــــوار
حزيـــــــــــــــران 2007



#عبد_الجبار_السعودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يوم التاسع من تموز .. بأنتظار صوت المثقفين العراقيين
- عمال النفط .. ( أبو ضامن ) يناديكم !
- قراءة في كتاب .. عمائم ليبرالية في ساحة العقل والحرية
- مُديراً ، أم وزيراً مندائياً ؟
- محطة إستراحة .. في يوم العمال العالمي !
- محطة إستراحة .. في يوم العمال العالمي !
- قدّح المشمش .. يا - حكومة !
- خسارة الميناء .. والعيون المتعبة !
- أحزان مندائية
- حمامة - هنوة - المذبوحة
- أيها النمل الذي .. ستأكلنا !
- الى صديقي خروتشوف ... مع أطيب التحيات !
- العراقيون المندائيون .. والخط الأحمر !
- فرشاة حامد .. أنامل حامد !
- ويستمر القتل ُوالخطفُ المتعمد للصابئة المندائيين !
- ممارسات مدمرة .. يدفع ثمنها الشعب والوطن
- ضحك على الذقون
- وعند كوبا .. بلسم ٌ للجراح


المزيد.....




- انتهى قبل أن يبدأ.. كوينتن تارانتينو يتخلى عن فيلم -الناقد ا ...
- صورة فلسطينية تحتضن جثمان قريبتها في غزة تفوز بجائزة -مؤسسة ...
- الجزيرة للدراسات يخصص تقريره السنوي لرصد وتحليل تداعيات -طوف ...
- حصريا.. قائمة أفلام عيد الأضحى 2024 المبارك وجميع القنوات ال ...
- الجامعة الأمريكية بالقاهرة تطلق مهرجانها الثقافي الأول
- الأسبوع المقبل.. الجامعة العربية تستضيف الجلسة الافتتاحية لم ...
- أرقامًا قياسية.. فيلم شباب البومب يحقق أقوى إفتتاحية لـ فيلم ...
- -جوابي متوقع-.. -المنتدى- يسأل جمال سليمان رأيه في اللهجة ال ...
- عبر -المنتدى-.. جمال سليمان مشتاق للدراما السورية ويكشف عمّا ...
- أمية جحا تكتب: يوميات فنانة تشكيلية من غزة نزحت قسرا إلى عنب ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - عبد الجبار السعودي - طبّت البواخر !