أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبد الإله بوحمالة - اللغة والمعنى.. القوالب التي تحكمنا














المزيد.....

اللغة والمعنى.. القوالب التي تحكمنا


عبد الإله بوحمالة

الحوار المتمدن-العدد: 2121 - 2007 / 12 / 6 - 11:40
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


إذا كانت لديك فكرة جميلة ذات معنى سام وأردتها أن تميع أو تسطح وتفقد مدلولها تماما، فهلم بها إلى الوطن العربي ثم ضعها بين يدي محترفي السياسة ودهاقنة الكلام وسترى كيف يتم تجفيفها من محتواها شيئا فشيئا إلى أن يخيل إليك أنها أصبحت تعني نقيض ما كانت تعنيه في الأول أو أنها أصبحت خلوا من المعنى بالمرة.
أما إذا أردت أن تعرف كيف تتحول الحروف والكلمات والجمل المعبرة إلى مجرد فقاعات هوائية قابلة للغليان والتبخر، فما عليك سوى أن تراقب الخطباء من قادة الدول وزعمائها في لحظة تدفقهم الكلامي وجذبتهم البلاغية في المؤتمرات أو أمام الحشود الجماهيرية أو على شاشات التلفزيون، وسترى أيضا، أن الأمة الوحيدة في الكون التي لازالت تتفيهق في الكلام وترغي وتزبد، وتعلي من شأن التقعر في اللغة هي أمة العرب.. أمة الفصاحة والبيان.
أما إن أردت أن تعرف، ببساطة، كيف تستحيل كل المبادئ والقيم والمثل الإنسانية العليا، إلى مجرد "نشارة خشب" تافهة فما عليك إلا أن تستمع إلى تصريحات الحكومات والوزراء ونواب الشعب ورجال السياسة والأحزاب، وسترى بأم عينيك وتسمع بأذنيك كيف تتحول اللغة والخطابات السياسية تحت أزاميل "مخرطتهم" العجيبة إلى مجرد شعارات رنانة وعبارات طنانة وقوالب جوفاء.
إن تاريخنا العربي الحديث، بالرغم من أنه بلا ملامح، هو التاريخ الوحيد في العالم الذي تم تقسيمه زمنيا بالكامل إلى لحظات، كل لحظة منه هي لحظة حاسمة، وكل مرحلة فيه، هي مرحلة حرجة وفاصلة واستثنائية. وهو التاريخ الوحيد أيضا الذي يحفل بمئات المنعطفات ويعج بآلاف المنعرجات والمسارات المصيرية والخطيرة والانتقالية..
كما أن فعلنا العربي، أيا كان موضوعه وزمانه ومكانه، هو مجموعة متوالية من الخيارات الكبرى الرشيدة التي لا يستقيم الواحد منها إلا إذا كان وطنيا.. أو ثوريا.. أو تاريخيا.. أو على الأقل استراتيجيا.. ونحن كمحكومين ورعايا تابعين لا يحق لنا أن نعيش لحظة واحدة خارج سياق هذا الزمن الأسطوري ولا أن نأتي ـ كباقي الأمم والشعوب ـ فعلا سياسيا آخر، عاديا وبسيطا وغفلا من هاته النعوت والأوصاف الملحمية، لأننا محكومون فعلا بلغة سياسية ملساء صماء الهدف الوحيد منها هو تشكيل معتقداتنا وتضبيب مفاهيمنا وقولبة آرائنا ومواقفنا، صباح مساء، في اتجاه أحادي همه خلق حالة إجماع مصطنعة ومزيفة مبنية على الإمعية والصمت والتسليم والمباركة.
هي آفة التنميط التي تطال لغة السياسة حينما تنفصل جذريا وموضوعيا عن الفعل والعمل والتطبيق، وحينما يكون المتكلمون بها مجرد قَوَلَة وصناع كلام مهرة وناطقين رسميين بلسان حال التبرير والتمويه والتخدير.. حيث يكون الشغل الشاغل هو العجن المستمر للمفاهيم والنحت الدائم للانزياحات والتأويلات الغائمة والفضفاضة.
فالحرية أصبحت هواء يستحب ألا نتنسمه إلا بالقطرات، والديمقراطية دواء يفضل ألا نتجرعه إلا بحساب الجرعات.. وحرية الرأي طبعا لها حدود، وحرية التعبير لها قيود.. والإصلاح لا يعني القطيعة مع الماضي، والتغيير لا تنبغي له الطفرة.. والتنمية لا تعني الوفرة، والمواطنة هي أن تعطي لوطنك دوما وفقط، والحقوق والمطالب ينبغي أن تكون في حدود المعقول.. والإضراب يفترض أن يكون سلميا، والاحتجاج يتعين أن يكون حضاريا.. والنقد يجب ألا يكون تيئيسيا، والرفض يجب ألا يكون عدميا.. والموضوعية في قاموس الخشب تعني دائما قول "نعم"، والإيجابية المحمودة هي عدم الالتفات إلى تلك النصف الفارغة (أزليا) من الكأس.
والجفاف!!
حتى الجفاف صار لزاما علينا أن ندرك بأنه بنيوي، والغلاء تفرضه السوق العالمية، والبطالة موجودة في كل البلدان بما فيها تلك الأكثر تقدما.. أما الظلم الاجتماعي والفقر فمجرد تهميش وهشاشة، أو شيء من هذا القبيل، طالما أن لا أحد يموت جوعا..
لكن على العموم فالتفاؤل مطلوب لأن المجهودات متواصلة، والأهداف ستحقق والطموحات موجودة والآمال معقودة والآفاق مفتوحة وإن كانت ـ للأسف ـ الإكراهات كثيرة، والتحديات متعددة، والمعيقات متنوعة وإرث الماضي ثقيل.. وضغط العولمة أثقل.
أما حكوماتنا الموقرة فدوما عاكفة ومنكبة... وجهود وزرائها يوميا منصبة... ومجالسها ما فتئت تُكَوَّنْ، ولجانها ما انفكت تُشَكَّلْ.. وقراراتها في طور الإعداد، وقوانينها في طور المناقشة، وتدابيرها ستتخذ، وحلولها ستقترح، وإجراءاتها ستتبلور.. ومشاريعها العظيمة ستدخل حيز التنفيذ، وإنجازاتها المباركة ستخرج إلى حيز الوجود..
كلام وكلام..
قاموس طويل عريض متجدد من المصطلحات والعبارات والتراكيب المسكوكة وفق قوالب يمكنها أن تستوعب ما شئت من الحمولات دفعة واحدة، كما يمكنها أن تتجرد مما شئت من المضامين دفعة واحدة أيضا..
لتبقى في الأخير غامضة.. خاوية.. مسطحة.. لا تعني شيئا..



#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القضية تهمنا أيضا
- الجار والمجرور والنكرة والمعرفة: درس في قواعد الاستوزار
- موسم الهجرة نحو الوسط
- في الحاجة إلى معارضة حزبية قوية
- ملاحظات على هامش انتخابات سبتمبر
- البذور المنتقاة لديمقراطية بوش
- الانتخابات والأمية بالمغرب: -إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب-( ...
- التعليم في المغرب: صانع السم لا يذوقه
- تعديل الدستور: نحو حكومات تحكم وتحاسَب
- السباق نحو تدبير الأزمة
- باتش وورك
- وعي العزوف السياسي
- زبانية الجنة
- الحكومة التي ننتظر
- الحملة الانتخابية: فعل ديمقراطي بأدوات تواصلية
- محاربة الفساد تبدأ من أعلى
- كَمَرَادْ عبد -العالي- الليبرالي ورفاقه
- في مواطنة الخم.. للدجاج أيضا حقوق(!).
- على تغييرها قدراء
- خيمياء التراكم: البطالة.. حل(!)


المزيد.....




- عداء قتل أسدًا جبليًا حاول افتراسه أثناء ركضه وحيدًا.. شاهد ...
- بلينكن لـCNN: أمريكا لاحظت أدلة على محاولة الصين -التأثير وا ...
- مراسلنا: طائرة مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة في البقاع الغربي ...
- بدء الجولة الثانية من الانتخابات الهندية وتوقعات بفوز حزب به ...
- السفن التجارية تبدأ بالعبور عبر قناة مؤقتة بعد انهيار جسر با ...
- تركيا - السجن المؤبد لسيدة سورية أدينت بالضلوع في تفجير بإسط ...
- اشتباك بين قوات أميركية وزورق وطائرة مسيرة في منطقة يسيطر عل ...
- الرئيس الصيني يأمل في إزالة الخصومة مع الولايات المتحدة
- عاجل | هيئة البث الإسرائيلية: إصابة إسرائيلية في عملية طعن ب ...
- بوركينا فاسو: تعليق البث الإذاعي لبي.بي.سي بعد تناولها تقرير ...


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - عبد الإله بوحمالة - اللغة والمعنى.. القوالب التي تحكمنا