أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد الإله بوحمالة - محاربة الفساد تبدأ من أعلى















المزيد.....

محاربة الفساد تبدأ من أعلى


عبد الإله بوحمالة

الحوار المتمدن-العدد: 1681 - 2006 / 9 / 22 - 09:27
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


راكم الفساد في المغرب، على امتداد سنوات طويلة من التسيب والتساهل والإهمال، تربته الموحلة بحيث أصبحت أرضية ملائمة تتجذر فيها كل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية وتتفاقم مهما كانت في بداياتها بسيطة ومحدودة الأثر وقابلة للحل.
وقد تضافرت عوامل كثيرة تسببت في هذا التراكم أو سمحت به وساعدت عليه، سواء تعلق الأمر بسياسات عامة وخيارات غير مدروسة، أو بأنماط سلوكية وأخلاقيات منحرفة أفشاها وغذاها أفراد نافذون.
وعلى امتداد سنوات الاستقلال تقريبا ظل الفساد هو النشاط الوحيد الذي يتنامى يوما عن يوم، وظلت مؤشراته ترتفع باضطراد مع مرور الوقت، متسللا إلى كل أوردة الدولة ودواليب المؤسسات، بل وطال حتى قيم المجتمع ونوعية العلاقات السائدة فيه، وبات يطفو في أحايين كثيرة إلى السطح ليعبر عن سطوته ومدى تمكنه وتعاليه على القانون بثقة واطمئنان لافتين للنظر.
بالنسبة للدولة، وخلافا لعادتها مع قضايا أخرى أقل شأنا، لم ترفع حيال هذه الآفة أي شعار ـ ولو تحسيسي ـ يخص محاربتها أو الرغبة في تطويقها والقضاء عليها جذريا أو جزئيا. بل إنها لم تجرؤ على الاعتراف بها علنا ورسميا، رغم أن الفساد يكاد يكون أم المشكلات في المغرب، فهو السبب الأول في نشوئها وتعقدها وهو العائق الأكبر أمام كل محاولة لحلها، وحتى في الحالات التي تفوح فيها رائحة بعض المتورطين، بشكل لا شبهة فيه، جرت العادة أن يكتفى باللجوء للإبعاد المرحلي لهؤلاء وطي الملف بسرعة دون عقاب أو زجر ودون النفاذ لعمق التراتبية الفاسدة التي ينتمي إليها هؤلاء ومحاولة اجتثاتها بالكامل، ناهيك عن ملامسة الظاهرة في عموميتها واتساعها.
وعلى العموم لم يسبق أن طُرحت قضية الفساد في المغرب بما تستحق من وضوح وجرأة وشجاعة، وأقصى اهتمام بدل بإزائها كان من خلال مقولات الخطاب السياسي المعارض لأحزاب كانت تتحرك خارج إطار السلطة في سنوات ما قبل نهاية التسعينيات، حيث شكلت هذه المقولة موضع تبئير من قبل هذا الخطاب الدعائي الانتخابوي في أساسه، وتم استثمارها للهجوم على أحزاب الأغلبيات أو ما سمي بأحزاب الإدارة ونقد سياساتها من جهة، وللغمز من جانب بعض اختيارات الدولة وممارسات السلطة العمومية من جهة أخرى. وبالتالي فإن المتتبع للخطاب الإعلامي والسياسي لهذه الأحزاب قبل ما سمي بالتناوب سيلاحظ، بلا عناء يذكر، أنها، وهي تندد بالفساد وتكشف بعض أوجهه وتجلياته وتفضح أساليب المتورطين فيه، كانت في نفس الوقت تقدم نفسها، من حيث تدري أو لا تدري، في صورة الطبيب الحاذق الذي يمكنه أن يشخص الداء تشخيصا علميا دقيقا، ويصف أسبابه وحجمه وامتداداته وبالتالي يمكنه بكل سهولة أن يقدم طريقة ( أو طرقا متعددة )، للعلاج أو الاستئصال شريطة أن تتاح له الفرصة وأن يخلى بينه وبين المرض.
لكن الفعل، بطبيعة الحال، لم يكن في مستوى القول. فهذا الخطاب النظري الواثق سرعان ما ضمر وتراجع بعد أن تسلمت هاته الأحزاب دفة تسيير الشأن العام، أي بمجرد أن خطت أولى خطواتها الاستكشافية على عجين هذه التربة المتضعضعة الزلقة.. وسرعان ما عادت كلمة "فساد" إلى طابوهيتها من جديد، لتختفي تقريبا من القاموس السياسي والإعلامي لهذه الأحزاب بالذات، ومن القاموس السياسي المتداول عموما. وهو ما ردته بعض التحليلات ( مع تحفظ )، "لانعدام وجود جهة معينة تملك شرعية ومصداقية [ ولو خطابية ]، لخوض هذه المعركة التي يتقاطع فيها ما هو سياسي بما هو أخلاقي"..
لقد كان من المنتظر أن يكون الورش الأول والأكبر الذي ينخرط فيه المغرب بعد أن شهد انتقالين متتاليين في قمة جهاز الدولة هو ورش الإصلاح الجذري الصارم غير المهادن لبنيات الاستنزاف والفساد ومافياتها وذلك لسببين:
ـ أولا: لأن السياق كان سياق تحول عام على مستوى قمة النظام، وهي فترة معروفٌ أن بنية الأنشطة المنحرفة تكون فيها أقل تماسكا وأكثر ارتباكا واستسلاما ( رغم يقضتها وحذرها التامين )، مما يجعل مثل هذه العمليات الاستئصالية الصعبة ممكنة بهدوء وبمخاطر أقل.
ـ ثانيا: لأنه في مثل هذا السياق بالتحديد كان يمكن لمجرد خطوات قليلة ثابتة أن تعطي إشارة واضحة للتوجه العام الجديد وفلسفته واختياراته ونيته الأكيدة في القطع النهائي مع سلوكيات يهيمن عليها الفساد والانحراف وتجاهل القانون، وبالتالي كانت البنية ستبقى لكن الممارسة تتراجع، ولم لا تختفي.
لكن ما حدث، في هذا المستوى أيضا، كان مخالفا للمتوقع، فترتيب أولويات الانتقال المفاجئ أخذ منحى آخر حُكم بإكراهات تطبيع اللحظة وبالرغبة في جعلها تبدو أكثر سلاسة وهدوءا وخالية من الصدمات والمفاجآت.. فاستمر، بالتالي، الوضع على ماكان عليه وأفلتت الفرصة الذهبية الوحيدة للإصلاح العميق ثم باتت تبتعد عن المتناول مع مرور الوقت شيئا فشيئا، مما فرض على إرادة ( أو لنقل إكراه ) الإصلاح فيما بعد خيارين لا ثالث لهما:
ـ الخيار الأول: وهو محاولة الانطلاق في الإصلاح والترميم من داخل منظومة الفساد التي لا زالت تشتغل والاستعانة بمعاولها، والإقدام على إحداث قليل من التغيير لخلخلة الجمود المستحكم، وهو الخيار الذي كان في حكم المستحيل ولا يمكن لأي عاقل أن يراهن على نجاحه أو إثماره لشيء ذي بال.
ـ الخيار الثاني: أن تنتهج إرادة الإصلاح والتغيير سبيلا انتقائيا فتستعين من هذه البنية المتوفرة بالكفاءات والخبرات وبعض الشخصيات ثم تؤسس مشاريع الإصلاح وتطلق أوراشها من خارج النسق الإداري البيروقراطي الفاسد، ومن خارج النسق الحكومي السياسوي المشلول.
وهو ما تحقق بالفعل عبر خلق مؤسسات خاصة وصناديق ومجالس ولجان مختلفة، كأسلوب عملي تعويضي يتعالي على العقلية البيرقراطية الجامدة والعقلية السياسوية النفعية، ليمضي في إنعاش ما أمكن من جسد متهالك منهار أنذر سابقا باحتمال حدوث "سكتة قلبية" وشيكة.
إن الفساد في المغرب كان ولا يزال فسادا مضاعفا، أي فسادا فاسدا (!)، ـ وليس في هذا الكلام تهويل أو مبالغة ـ لأن الذين يختلسون ويرتشون وينهبون المال العام، ويتاجرون في المخدرات ويبيعون ويشترون في الذمم والأرواح والأعراض ويسمسرون في قوت الناس وأرزاقهم ومصائرهم، ويراكمون ثروات طائلة من العمولات ومن المال الوسخ الحرام، يتوجون هذا لفعل الشنيع بفعل أشنع منه وهو تحويل هذه المسروقات وتهريبها كاملة إلى حسابات سرية في مصارف فرنسية أو بنوك سويسرية أو يستثمرونها في بورصات أو ضيعات وعقارات.
وهذه الثروات والأموال المهربة، إلى أوربا أو غيرها، بقدر ما تساهم هناك في دوران عجلة الاقتصاد العملاق أصلا، بقدر ما تعرقل هنا عجلة التنمية المتعثرة بدءا.. وبقدر ما تشغل هناك من يد عاملة وسواعد، بقدر ما تعطل هنا وتسرح وتشرد سواعد أخرى.. وبقدر ما تضيف للخزينة هناك بلا تملص أو تسويف أو تحايل بقدر ما تنقص للخزينة هنا.. وبعبارة موجزة بقدر ما تزيد تلك الأموال المسروقة الدول المستغنية غنى على غناها بقدر ما تزيد "الوطن" الفقير المحتاج فقرا وجوعا وبؤسا على فقره وجوعه وبؤسه.
لذلك يتعين على أي مشروع للإصلاح ومجابهة الفساد إذا كان يروم البناء على أرض صلبة متينة أن يحاصر أولا وقبل كل شيء فواعله النافذين الواصلين المتحصنين.. وأن يكنس التربة التي راكموها وضربوا أطنابهم فيها. وبما أنه من الصعب المطالبة بنصب المشانق لكل المفسدين الذين خانوا أمانتهم وثبتت عليهم الخيانة، فعلى الأقل كف أيديهم ومعاولهم والحيلولة بينهم وبين المال العام.
وإذا كنا قد قلنا في مناسبة سابقة أن "الفساد ينزل من أعلى" نقول في هذه المناسبة أنه من أعلى أيضا تبدأ محاربته..



#عبد_الإله_بوحمالة (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كَمَرَادْ عبد -العالي- الليبرالي ورفاقه
- في مواطنة الخم.. للدجاج أيضا حقوق(!).
- على تغييرها قدراء
- خيمياء التراكم: البطالة.. حل(!)
- الوسط المعتل والفعل الأجوف: عن التعددية الحزبية في المغرب
- مورفولوجية الرمز وخطاب التميمة
- كفايات التناظر التلفزيوني
- تلك الطريق.. ذلك النمو
- نواب الأمة: حفريات في ترسبات قديمة
- أكاديمية الآلهة
- الأنظمة العربية.. طبعة مزيدة ومنقحة
- الفساد.. ينزل من أعلى
- عم.. يتنافسون؟
- خطاب التشغيل في المغرب: الهروب بلغات متعددة
- من المعارضة إلى المشاركة_تحولات السلوك السياسي الحزبي في الم ...
- الأحزاب السياسية في المغرب
- تخلف جهل.. وحضارة جهالة


المزيد.....




- روسيا توقع مع نيكاراغوا على إعلان حول التصدي للعقوبات غير ال ...
- وزير الزراعة اللبناني: أضرار الزراعة في الجنوب كبيرة ولكن أض ...
- الفيضانات تتسبب بدمار كبير في منطقة كورغان الروسية
- -ذعر- أممي بعد تقارير عن مقابر جماعية في مستشفيين بغزة
- -عندما تخسر كرامتك كيف يمكنك العيش؟-... سوريون في لبنان تضيق ...
- قمة الهلال-العين.. هل ينجح النادي السعودي في تعويض هزيمة الذ ...
- تحركات في مصر بعد زيادة السكان بشكل غير مسبوق خلال 70 يوما
- أردوغان: نتنياهو -هتلر العصر- وشركاؤه في الجريمة وحلفاء إسرا ...
- شويغو: قواتنا تمسك زمام المبادرة على كل المحاور وخسائر العدو ...
- وزير الخارجية الأوكراني يؤكد توقف الخدمات القنصلية بالخارج ل ...


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - عبد الإله بوحمالة - محاربة الفساد تبدأ من أعلى