عايد سعيد السراج
الحوار المتمدن-العدد: 2100 - 2007 / 11 / 15 - 11:35
المحور:
القضية الفلسطينية
ليست العلاقة مع إسرائيل , أو بين الفلسطينيين ودولة إسرائيل عبر زمن الصراع الطويل ,
هي قضية خلاف على الأرض فقط , وإن أخذت هذه المسألة جُلّ الصراع من عشرينيات القرن العشرين إلى الآن , ولكن المسألة الجوهر – هي الصراع على العلم – على الحضارة – على خلفية الإنسان في هذا الزمان ومفاهيمه الكبرى من حيث النظر إلى مفهوم هذه الحضارة 0
ولكن العرب , كل العرب , دخلوا في الشبك الإسرائيلي , وُصوَّر لهم, أنّ الصراع هو صراع جغرافي ومذهبي فقط , وبعد أن أكل العرب الطعم , حصروا كل فتواتهم في الصراع الجغرافي – الإسرائيلي العربي , مما جعلهم يلهثون وراء السراب , أو يستنجدون ممن يحرر لهم الأرض التي فهموا مفاهيمهم , ليس فقط من مفاهيم قادتهم من الساسة , بل أيضاً في مناهج أطفالهم وشيبهم وشبابهم من كل الأجيال , مما أوقعهم في الحرج الدائم , والتخبط حتى فيما بينهم , لضيق ذات المساحة السياسية عندهم , رغم الاتساع الهائل للمساحة الجغرافية في بلادهم , وبذلك يكونون استخدموا أساليب أجدادهم في إدارة الأحداث , " ما يرد الغزو إلا الغزو" وحتى في هذا المفهوم البائس فشلوا , حيث لم يستطيعوا أن يجهزوا أنفسهم لهذه المسألة , وكان الذي يجري عبر هذا الصراع الطويل , الكثير من الارتجال , وقليلاً من الحكمة , مما جعلهم أضحوكة العالم , فأصحاب القضية , أي الفلسطينيين – أسسوا منظمات فلسطينية بعدد الدول العربية , وكانت هذه المنظمات تتصارع فيما بينها , لدرجة التقاتل وإسالة الدماء , نيابة عن صراعات هذه الدول , وسمحت هذه المنظمات لجميع التيارات الفكرية والسياسية للدخول في صفوفها , وجُلّها تحكمت به أجندة خارجية , وكان هذا منذ البدايات , مما أضعف المنظمات الفلسطينية , كحركات تحرر وطني , وأعطى انطباعاً عند بعضها على أنها منظمات تعمل لصالح أجندة سياسية , وليس لقضية وطنية خالصة , مما عزز الصراع بين المنظمات الفلسطينية , وكأن جوهر المسألة هو المفاهيم , والقناعات , أو الإيدلوجيات , مما شتت النظرة إلى القضية الفلسطينية , كمسألة جوهرية , هي الهدف والأساس عند الفلسطينيين , وهذا اضعف دورهم في إبراز قضيتهم الفلسطينية , كجوهر التوجه والعمل على ذلك, ومن هنا ظلت القضية الفلسطينية تأخذ بعداً عاطفياً ودعائياً عند الكثيرين من العرب, وربما كانت سبباً في استمرار أنظمة شمولية في المنطقة , بل وعززت دورها على حساب القضية نفسها وعلى حساب شعوب هذه الأنظمة , وكذلك على حساب قضايا الناس , والديمقراطية , ومفهوم الحرية , إذ كانت ولا زالت القضية الفلسطينية سلاحاً قوياً للتخوين والاتهام بالعمالة لدى الأطراف المتنازعة, على المواقف السياسية , وهذا يؤكد , مفهوم المراهقة السياسية , عند من يَدّعون أنهم قادة كبار للقضية الفلسطينية , أو فيها , وهي ظلت عبر عقود من الزمن , مدعاة للتفاخر الكاذب عند الحكام , والانتهازية عند آخرين, وهذا ساهم في تدويلها وجعلها قضية لاتهم الفلسطينين وحدهم بل العالم بأسره , مما أفقدها مركزيتها , وجعل دول غير عربية تكون صاحبة الشأن والتأثير في تعقيداتها , ليس في إزاحة دور الفلسطينيين في هذه المسألة , بل أيضاً الدول العربية بما في ذلك الدول التي كانت تعتاش على هذه القضية المهمة والجوهرية 0 فالشعوب التي تؤمن بقضية ما أية قضية من المفترض أن تتسلح بالعلم والمعرفة , والعلم والمعرفة ليستا هما الوحيدتان القادرتان على تغير الواقع , وجعله في مصلحة الحق , بل الموضوعية في التفكير , والابتعاد عن التعصب بأشكاله المختلفة , والتطرف والمغالات في القضية الجوهرية ( القضية الفلسطينية ) لأنّ الطرف الآخر , العدو, يحاول جر الطرف المقابل إلى مزيد من التطرف , لكي يتم إخراجه عن حالته الموضوعية , وبذا يستطيع أن يجر الموقف كما يشاء , كما هو الحال مع أصحاب القضية الفلسطينية , فتعريب القضية الفلسطينية بشكل مطاط , جعلها تقترب من الهشاشة ( أقصد تمييع الحالة المركزية الفلسطينية ) فما بالك بأسلمتها , وعولمتها , لأنّ مركزية القضية الفلسطينية , تجعلها أكثر تفاعلاً لا مع مصيرها فقط , بل تجعل كل الأنظمة الخيرة , وأصحاب الفكر الحر , وجميع دعاة العدالة في العالم , يكونون إلى جانب القضية الفلسطينية , وما الدور الذي تقوم به بعض الفصائل الفلسطينية , للتعاون مع الشيطان من أجل القضية الفلسطينية , أو ما يعتقدونه كذلك , إلا نتيجة الإفلاس في الرؤية , وخيبات الأمل المتكررة , وهذا سلاح قوي بيد العدو الإسرائيلي , الذي هو لاعب ماهر على الصعيد العالمي , أكثر بكثير من القيادات الفلسطينية التي تبدو أحياناً لا حول لها ولا قوة , وربما توجه غضبها إلى الداخل الفلسطيني , نتيجة حالة اليأس والاحباط , وربما ستكون يوماً , أقصد القضية الفلسطينية , حطباً لنار التعقيدات الدولية , نتيجة ً لحالة التخبط والعماء الذي أصاب قياداتها , وهم يتخندقون وراء إيديولوجياتهم , التي هي أقصر بكثير رؤية , من عظمة قضيتهم , التي هي من أهم قضايا العالم , في هذا القرن والذي سبقه 0 والمأساة تكمن أن الكل بدأ يدلي بدلوه , فالمذاهب تفعل فعلها , وشيوخ الجوامع أضحوا ساسة كبار 0 أما المفكرون والعلماء فذهب دورهم , أو أضمحل , وحلّ محلّه التخوين والكراهية , بين الشعب الواحد وأصحاب القضية الواحدة, والصراع أحياناً يضيق , عند بعض الساسة , وصنّاع المذاهب إلى درجة الصراع على المال , رغم أن الصراع الكبير والأكثر أهمية ألا وهو الصراع على جغرافيا والموقف السياسي , ربما في بعض جوانبه هو لعبة , جعلت البعض يأكل الطعم , وينسى جوهر القضية الذي هو – الجغرافيا التي جوهرها الحرية والديمقراطية , التي أساسها المنطق العلمي , الذي يسمح للجميع أن يأخذ حقه ويعيش بسلام , ضمن إطار الثالوث – الإسلامي – المسيحي – اليهودي – لأن الخلاف الديني , إذا لم يتماها بالحالة المدنية , يظل قابلاً للإشتعال في أية لحظة , وإلا ستظل القضية الفلسطينية , مجرد ألعوبة بيد الغير , وتجار السلاح وتجار الأديان , متماهون تماماً في هكذا مواقف – فما رأيكم ؟ 0
#عايد_سعيد_السراج (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟