أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - صائب خليل - عن العيش تحت مستوى سطح البقر















المزيد.....


عن العيش تحت مستوى سطح البقر


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 2085 - 2007 / 10 / 31 - 10:45
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


بدأً يجب الإعتذار عن مقارنة البشر بالبقر...لكن، ما باليد حيلة....الواقع يفرض نفسه كما سترون..
.
يقول خبر عن دراسة عراقية ان مجموع العراقيين بين فقر "مطلق" و "مدقع" تبلغ اكثر من نصف السكان. الخبر لايخبرنا ان كان القياس 2 دولار في اليوم وهو المعتمد غالباً او مقياس البنك الدولي الأقسى وهو 1 دولار باليوم او رقم اخر...وسنفترض الأحسن وهو قياس الـ 2 دولار.
خبر آخر يقول ان البقرة الأوربية تحصل على دعم من الإتحاد الأوربي مقداره 2.5 دولار، وانها تكلف، حسب احدى الدراسات حينما لاتكون حاملاً، 3 يورو في اليوم اي ما يزيد عن اربعة دولارات.
نستنتج من هذا ان اكثر من نصف الشعب العراقي يعامل بأقل من "نصف بقرة" اوروبية! وإن انتقلنا الى الأبقار اليابانية فالأرقام اسوأ كثيراً، حيث ستحصل كل بقرة على اكثر مما تحصل عليه معظم العوائل العراقية!
وهذا هو الحال منذ خمسة عشر سنة، ولم يكن ما قبلها افضل كثيراً...
.
ليس في الأمر اهانة خاصة بالعراقيين طبعاً فنصف سكان الأرض كلهم يعيش اليوم على اقل من دولارين في اليوم، اي هم ايضاً يعاملون بأقل من نصف بقرة اوروبية، وكانوا على هذا الحال منذ اكثر من نصف قرن كما اشار مقال لـ سعد محمد رحيم.
لكن العراق، سيقول القارئ، ليس بلداً فقيراً بل لديه ثاني مخزون من النفط في العالم فكيف شمله ما شمل الدول الأفريقية الفقيرة؟ ومن قال ان الدول الأفريقية فقيرة؟ لقد افقروها ويمكنهم ان يفقرونا! فقراء نايجيريا لم يحصلوا من نفطها الا على التلوث واحراق قراهم بتوجيه من الشركة الكندية، ومآسي عمال استخراج الماس الذين تقطع اصابع من يجرؤ على مد يده الى بعض من ثروة ارضه، واستخدام تلك الثروة لإثارة الحروب الداخلية كانت موضوع فلم سينمائي اثار ضجة كبيرة وغيرها كثير.
.
"لماذا لم تستطع الدول الأفقر اللحاق بالركب" هو عنوان دراسة لمعهد كارنيجي والتي تستنتج أن اهم عوامل انخفاض النمو هو الحروب والحروب الأهلية. فقد فقدت البلدان الأفقر بحدود 40% من ناتجها بسبب تكرار الحروب فيها اكثر من بقية العالم. ومن المثير للإهتمام ان العامل الثاني الذي قدمته الدراسة هو تأخر "الإصلاح الإقتصادي" إلا انها اشارت الى انه ليس مسؤولاً إلا عن تأخر نمو ضئيل بحدود 0.01 % (و لـ "الإصلاح الإقتصادي" مساؤئه المعروفة من زيادة الفوارق والضغط على الفقراء اكثر، حيث لايوجه حتى هذا النمو الضئيل الى تقليل الفقر بل لزيادة الغنى). لكن لماذا تثور الحروب في دول دون اخرى؟ لماذا لا تلجأ الدول الغنية بالنفط والماس وغيرها الى السلام، وفيها ما يكفي الجميع للعيش بهناء؟ هل هي مسألة جينات؟
.
البعض يقول ان الإستعمار والدول الكبرى هي التي تقف وراء هذه الحروب والبعض الآخر يقول إن هؤلاء يريدون القاء لوم حماقاتهم على غيرهم. البعض من القسم الأول مستعد ليقدم ادلته. وتجربتنا في العراق تؤيد ذلك: الأمريكان هم من اوصل البعث وصدام الى السلطة وهؤلاء بدأوا كل الحروب في تأريخه الحديث. اما اليوم فالأمريكان يمارسون الحروب بشكل مباشر. فيلم "الألماس الدامي" كان هو الآخر يشرح كيف تمول تجارة الماس الحروب الدموية في افريقيا، ويقول مجلس الألماس العالمي إن مبيعات الألماس لم تتأثر على نحو كبير بالفيلم، لكن المستهلكين أصبحوا أكثر اهتماما بالقضايا الأخلاقية التي تتعلق بالصناعة.
إذن، ربما لاتكون كثرة الحروب في الدول المتأخرة الغنية بثرواتها، مجرد صدفة.
.
صندوق النقد الدولي وامثاله، المعنيين بالفقر في العالم، يتصرف كصديق للشركات وعدو للناس والفقراء. فكل مطالباته وضغوطه موجهة لتخلي الحكومة عن دعم شعبها. وحين يضطر فإنه يتحيز حتى في دراساته ليصل الى النتائج التي تروق لأصحاب النفوذ فيه كما تنبه اكرام يوسف. لقد طالب سوريا عام 2006 بعدم زيادة الرواتب وهي شديدة الإنخفاض. وأوصى الأردن، (عن فهمي الكتوت) بتقليص النفقات بمعدل 2% خلال زيارة وفده الأخيرة والتي يخشى منها ان تسبب ضرراً فادحاً على الفئات الشعبية وزيادة افقار الفقراء ودفع البلاد نحو الأزمات.
تكتب هويدا طه : "كان الفقر موجودا في مصر منذ الأزل.. لكن الجوع ندر أن يكون هناك على تلك الضفاف.. الآن .. تسمع كل يوم تقريبا عن أب انتحر لأنه لم يتمكن من شراء البيض لكل أبنائه.. أم أحرقت نفسها بسبب صراخ.يخرج لا من حنجرة أطفالها وإنما من خواء بطونهم.. أخ قتل أخاه من أجل رغيفين وقطعة جبن.. رجل أعمال ينفق على غذاء أسد يربيه في قصره ثلاثين ألف جنيه شهريا."
و يضيف اليسار المصري: "الفلاحون في مصر تتزايد مديونتهم لبنوك التنمية والائتمان الزراعي حتي وصلت الي اكثر من 5مليار جنيه".
لكن البنك الدولي ليس إلا واحداً من ادوات "الإصلاح" و "حرية السوق" المحطمة للبشر، وهناك ادوات اخرى.
تكتب جمعية "مساواه" لحقوق الإنسان عن منطقة الاستثمار في بورسعيد ، ألداخله في اتفاقية "الكويز" مع الجانب الاسرائيلى،ويعمل بها قرابة ثلاثة عشر إلف عامل وعامله، في صناعة الملابس الجاهزة بصفه أساسيه، عن انتهاكات خيالية لحقوق العمال والتأمينات وقواعد السلامة والتعويض، حيث يشترط على العمال توقيعهم استقالات مسبقة غير مؤرخة، ويشترط عليهم الحصول على "عدم ممانعة" من مكتب التشغيل، والذي يعني انه ان اختلف العامل مع رب عمله، حرم من العمل في المنطقة كلها. وكأن هذا كله لم يكف فاضيف "التعذيب" الى قائمة جرائم المنطقة الإستثمارية! العامل عبد الرحمن حسني مسعد السيد في " مصانع طيبه للملابس الجاهزة " تسبب في إتلاف عدد من قطع الملابس ، فاقتيد إلى الاداره ، ليجرى ضربه وتعذيبه بطريقه وحشيه ، ليقع – عقب ذلك – من الدور الثالث مضرجا بدمائه ولأن حالة العامل كانت حرجه جدا ، فقد رفض مستشفى بورسعيد العام قبوله، وتم نقله إلى المستشفى الجامعي بالاسماعيليه / حيث تبين إصابته بكسور بالحوض والكتف والكعب واسترواح هوائي بالرئة. على اثر الحادث فصل المعمل عشرين من العمال الذين شهدوا بما حدث.
.
ولعل من اشهر دول العالم تغييراً نحو الإصلاح هي الهند التي كانت يوماً غنية بمعادنها لكنها لم تعد تملك غير اراض زراعية لفلاحيها. واليوم تحدثنا "فاندانا شيفا" عن ما تسميه "حروب الأرض" بين الشركات الكبرى (الكوربوريشن) والفلاحين الذين يسعون الى البقاء على قيد الحياة. وليس في هذه العبارة مبالغة درامية فقد سجلت الهند نسبة متزايدة ملفتة للنظر من حالات الإنتحار بين الفلاحين بسبب الضغط الإقتصادي الذي يتعرضون له جراء "تحرير" السوق والتي اجبرت قسوتها اللامتناهية حتى وزير المالية الهندي المغرق في ليبراليته الى انتقاد "اختطاف الكوربوريشن لارض الفلاحين الصغار في الهند من خلال خلق مناطق اقتصادية خاصة والاستثمار الاجنبي المباشر في العقارات." شيفا : "في كل مكان يختطفون فيه الارض من اجل خلق جزر للرفاهية ومناطق لا تخضع للقانون تنشب حروب هناك." و " سرقة الغلال الكبرى بواسطة الشركات المتعددة الجنسيات في البزنس الزراعي روشتة لمزيد من حالات الانتحار بين الفلاحين، ومزيد من الجوع والفقر والامراض"
.
وتقول شيفا: " سوف تتمتع وحدات المناطق الاقتصادية الخاصة باعفاء ضريبي 100% في الخمس سنوات الاولى، واعفاء 50% في السنتين التاليتين، و50% من الضرائب على ارباح التصدير للخمس سنوات التالية. مسموح بحساب آجل للخسائر. صرحت وزارة المالية ان هذه التسهيلات سوف تؤدي لخسارة تبلغ 2 تريليون روبية." اضن انها تذكرنا بـ "شروط" الإستثمار العراقي الـ "افضل" كثيراً، اليس كذلك؟
كذلك ذكرتنا عبارتها التالية بما يجري من حديث حول "عقود شراكة الإنتاج" : " القانون الجديد يضع الزراعة بالتعاقد في صميم بناءه. نموذج اتفاقية الزراعة بالتعاقد يشير الى الكوربوريشن بوصفها "راعي الزراعة بالتعاقد". تلزم التعاقدات الفلاحين على الانتاج، ولكنها لا تجبر الشركات المتعدية الجنسيات على ان تشتري. في حالة النزاع، لا يستطيع الفلاحون اللجوء الى العدالة والمحاكم. كما ينص القسم التاسع من "آليات تسوية المنازعات".
والآن " ثلث اطفال العالم الذين يعانون من سوء التغذية هم من الهند" (اليونيسيف). شيفا: "اختطاف الكوربوريشن لقمح الهند سوف يدفع مزيد من الاطفال الى الجوع، بل حتى الى المجاعة، ومزيد من الفلاحين الى الانتحار".
أما نحن فنختتم زيارتنا للهند بقصة نشرتها "الجزيرة" عن الفلاح جواهر مانجي الذي قضى 27 عاماً من اعوامه الـ 72 وهو يعمل مقابل 40 كغم من الرز اقترضها من صاحب العمل حين كان عمره 45 عاماً، والذي يريد منه 5000 روبية اضافية لإطلاق قيده! قالوا ان حالة جواهر كثيرة التكرار في الهند.
.
بوليفيا رفضت التوقيع على اعلان عالمي عن أهمية الماء النظيف لانه لا ينص على ان الحصول عليه أحد حقوق الانسان، بينما يرفض الآخرون اضافة مثل هذا النص! قصة الماء وبوليفيا تذكر بحكومتها السابقة التي وقعت عقداً مع شركة غربية لإحتكار توزيع ماء الشرب في ثاني مدينة في بوليفيا ينص على ان ليس من حق الناس استخدام ماء الأمطار للشرب! لايقصد النص طبعاً ان يمنع كل فرد من ان يفتح فمه عندما تمطر السماء، لكنه يستطيع منع اي انشاء يجمع ماء الأمطار لتوزيعها على بيت او بضعة بيوت ان وجد الناس ان اسعار الشركة عالية.
وفي بلاد الرافدين اليوم يحرم 70% من السكان من الماء الصالح للشرب!
.
لايقتصر اذى الفقير على نقص المال والغذاء، بل يجعله ذلك ضحية سهلة لكل الشرور، ويجعل من اطفاله مختبراً للتجارب وسرقة الأعضاء ومن بناته هدفاً للدعارة ومن شبابه مرتزقة ومجرمين وبلاده مقبرة للسموم والنفايات النووية. لاحدود للكوارث التي يفتح بابها الفقر، وللعراق حصة اسد.
قبل فترة كتبت عن صناعة حلوى الأطفال بصبغة تحتوي مركبات الزئبق، واخبرني صديق عن استخدام حاويات خطيرة لمواد غذائية وردّت مها عبد الكريم بمقالة ان ذلك ربما ليس اسوأ ما حدث ونقلت تجربة عائلتها الخاصة مع التلوث والتسمم وتحدثت عن طحين ذو لون "مزرق" بقي يوزع سنوات على العراقيين.
توالت التقارير عن الأخطار التي تهدد العراقيين من مهجرين وفقراء وعن زيادة نسبة وفياة الأطفال والمصابين بالعاهات والتشوهات. تنبأت الإندبندنت بكارثة انسانية مرعبة وكتبت اوكسفام عن انتشار الجوع والمرض في العراق وقالت اليونسيف ان حالة اطفال العراق تسير من سيء الى اسوأ. هؤلاء الأطفال صار احدهم يستيقظ من الصباح الباكر ويحمل فأساً صغيرة على كتفه الى منطقة "خلف السدة" لعله يحظى بفرصة لدفن احد المقتولين المجهولي الهوية مقابل أجر بخس من منظمة خيرية.
.
يسير العراق بخطى حثيثة نحو "تحرير السوق" كهدف اسمى يزاحم في اولوياته تحقيق الأمن وايقاف الإرهاب وغيرها من المصائب الكبرى. وزير التجارة العراقي عبد الفلاح السوداني "الحكومة العراقية أصدرت العديد من القوانين التي تخدم تحرير الاقتصاد العراقي وتسهل عملية التنسيق مع حركة الاقتصاد العالمي أمامه، خاصة بعد إقرار قانون الاستثمار الذي ستكون له مزايا مستقبلية إيجابية على حركة الاقتصاد في عموم المحافظات".
مؤخراً أعلن وزير المالية العراقية باقر جبر الزبيدي أن العراق وقع اتفاقا مع الوكالة الدولية لحماية الاستثمار يقوم البنك الدولي بموجبه برصد 17 مليار دولار لحماية المستثمرين في العراق من أية إجراءات تعسفية محتملة. ألإستثمار هو من تهتم الدولة بحمايته من التعسف وليس المواطن. وبرهم صالح يذهب الى ديك شيني ليطمأنه على الإجراءات الإقتصادية التي ستؤمن للشركات "حرية" ابتزاز المواطن العراقي.
.
قد يقول قائل: نعم هذا قد يحدث في مصر والأردن وافريقيا، لكن نحن أغنياء. لدينا نفط كثير وإن كان لابد، فلا بأس ان يسرقونا، فمهما سرقونا سيبقى لنا منه ما يكفي لعيش رغيد. ألا يسرقون دول الخليج؟ ليس هذا صحيحاً، واصحاب الثروات معرضين لأكبر افقار ممكن، ولدول الخليج ظروفها المختلفة.
قبل فترة تحدث محللون امريكان عن فكرة تبدو مغرية وهي توزيع النفط مباشرة على المواطنين فاستنتج انها" قد تضع 3500 دولار سنويا في أيدي كل مواطن عراقي بالغ."
لكننا لو وزعنا الناتج العالمي على البشر لحصل كل شخص (وليس كل بالغ فقط) على حوالي 7000 دولار. اي ان "العالم" بإنتاجه مقسماً على سكانه اغنى من انتاج العراق مقسماً على سكانه، حتى ان حسبنا زيادة سعر النفط. ورغم ذلك لم يمنع غنى العالم الشديد ان يعيش غالبية سكانه تحت مستوى عيش بقر الدول الغنية! كان العالم غنياً هو الآخر، لكنه حين تركهم يسرقوه، لم يتركوا له، حيثما استطاعوا، غير الجوع.
.
لذا كان محقاً من كتب مقالاً بعنوان: "غناكم سبب فقرنا" (غسان عبد الهادي) يشير فيه الى "تقرير التنمية البشرية للعام 2005" الذى أكد ان الدول الغنية مسؤولة عن تاخر نمو البلدان الفقيرة، فسياساتها التجارية "الغير العادلة" التى تطبقها فى علاقاتها التجارية مع العالم النامى تعيق نموه وتحبط كل محاولاته لتخطى مستوى الفقر وان "عدم المساواة يشكل العائق الاساسى امام النمو". ويموت طفل واحد بسبب الفقر كل ثلاث ثوان.
لاعجب في ذلك اذا كانت 88 عائلة غنية في العالم تملك ثروة معادلة لكل ثروات الشعب الصيني مجتمعة.
.
ما الحل إذن؟
هل يمكن "اقناع" الشركات بأن تقف عند حد معين من الأرباح وتتوقف عن تدمير العالم والإنسان؟ لقد كان هذا الأمر مشكوكاً به دائماً، لكنه يصبح بعد العولمة وتحرير الشركات من قيود الحكومات، حلماً خيالياً. ببساطة لان فتح ابواب المنافسة الشرسة على مصاريعها دون قيود يجعل من الربح الأقصى ليس مسألة جشع بل مسألة حياة او موت بالنسبة للشركات. فهذه المنافسة الشديدة تدفع الشركات الى تخفيض الكلفة بأي شكل بغريزة البقاء على قيد الحياة. وبعد ان تستنفد الشركات قدراتها التكنولوجية على خفض الكلفة ليس لها الا التوفير من اجور العمال والمصاريف على البيئة والسلامة وظروف العمل. ولا نحتاج الى التخمين، فأمامنا الأمثلة ناصعة الوضوح: الشركات الأكبر والأكثر نجاحاً في مجالها، مثل شركة "ايكيا" السويدية للأثاث والمواد المنزلية واسواق وول مارت (سوبر ماركت) و "نايك" للملابس الرياضية، هي ايضاً الأشهر بفضائحها في استغلال عمالها وعمال فروعها في افريقيا وغيرها وقد واجهت هذه الشركات شكاوى عالمية من منظمات حقوق الإنسان. ماذا تفعل الشركات المنافسة لكي لاتخرج من الأسواق؟ لا مناص لها من ان تتبع نفس الأسلوب! إذن وفي ضل العولمة والخصخصة وتحرير الأسواق يصبح افقار الإنسان هدفاً مقصوداً لاغنى عنه لمن اراد من الشركات البقاء على قيد الحياة, وتصبح المسألة معركة حياة او موت بين تأمين الشركة لنفسها والمستوى المعاشي لعمالها.
لقد كانت حجة حرية السوق الأساسية هي ان فتح التنافس بين الشركات سيجبرها على تقديم الأفضل والأرخص للناس لكن ما يحدث في النهاية هو تنافس الحكومات لتقديم "الأفضل" و "الأرخص" للشركات للإستثمار لديها، وتحصل الحكومة التي تستطيع اكثر من غيرها إعفاء الشركة من الضرائب (اللازمة للبلد) وتقديم عمال بادنى اجور واقل حقوق وان لاتشترط كثيراً فيما يتعلق بالبيئة والسلامة الصناعية. ليس هذا محض خيال بل لقد وصل الأمر ان الشركات تعدت ذلك الى دفع فروعها في البلدان المختلفة للمنافسة بننها على من يستطيع ان يهبط اكثر من غيره في الأجور والشروط. لقد دفعت شركة اوبل الألمانية فروعها في مختلف الدول الى منافسة لإنتاج احدى السيارات الجديدة، واعطت العقد لفرعها الذي تعهد بالقيام بذلك بأقل كلفة ممكنة، والذي يعني اجوراً اقل وساعات عمل اطول غير مدفوعة الأجر واهمالاً لظروف العمل والبيئة.
يؤثر اي تنازل لدولة ما عن مصالح ابنائها لصالح الشركات المستثمرة سلباً على بقية الدول التي ستضطر لتنازل اكبر، لتعود الأولى لتقديم تنازل اكبر وهكذا في لولب هابط لايعلم الا الله اين قراره. وبنفس الطريقة فأن حرية الأقاليم للتعاقد مع الشركات الإستثمارية ستوفر الديناميكية اللازمة لهذا اللولب القاتل وبمرونة اكبر كثيراً مما هو بين بلدان مختلفة. وكأن قوانين الإستثمار المركزية العراقية المتطرفة الحماسة للإستثمار بأي ثمن، لاتكفي، لتكملها الإغراءات المحلية التي ينادي بها الإقليم الوحيد المستقل في العراق كمقدمة لتدمير قدرة باقي البلد على التفاوض مع الشركات لشروط معقولة للعمال، وفي غياب تام لأي صوت يساري في البرلمان سواء على مستوى القطر او الإقليم، إذ اعادت الأحزاب "اليسارية" تعريف نفسها كـ "ليبرالية" و "علمانية" مكتفية بأهداف عامة غير محددة كـ "محاربة الطائفية" و "محاربة الإرهاب" وامثالها، واما بالنسبة للسياسة الإقتصادية فتكاد اهدافها تكون "تفضيلات" ليس إلا.
.
هل هناك خيار اخر؟ يجهد المولعون بحرية (نهب) السوق ان يقنعونا بسريان مبدأ "تينا" (TINA) (There Is No Alternative) الذي اخترعته ثاتشر. وهم يرددون ان الأمر يشبه الدراجة، اما ان تسير الى الأمام او تسقط ان توقفت. ويبدو ان الجماعة معجبين بمبدأ "تينا" وتشبيه "الدراجة" ويستخدموه كلما ارادوا اقناع الناس بقبول افكارهم دون مناقشة، وانهم يتبادلون الخبرة. فقد طرحه في العراق النائب اياد جمال الدين في محاولته اقناع الناس بقبول الدستور كما هو دون تعديل قبل سنتنين, ودون ان يشير الى مصدره. لكن المثل كان قد ذكر في مؤتمر للعولمة في الهند كحجة لعدم وجود خيار غير الإستمرار والتسريع في تحرير السوق, فردت عليه ناشطة هندية (ربما كانت شيفا نفسها، لست متأكد) قائلة: " لكن للدراجة قائدها وهو قادر في اية لحظة يريد ان يضغط الكابح ويضع رجله على الأرض فيقف دون ان يسقط، وكل راكب دراجة يعرف ذلك حتى الأطفال! هو من يتحكم بالدراجة وليس العكس، ولو كان الأمر غير ذلك لما اشترى احد دراجة". هكذا يجب ان تستعيد البشرية ثقتها بقيادتها لإقتصادها لا ان تقبل اسطورة دراجة حرية السوق التي تسقط ان توقفت او غيرت اتجاهها. وعلى اية حال، وحتى لو كانت تلك الأسطورة صحيحة فيبقى رد الفعل عليها غير صحيح. لا احد يكتشف ان فرامله عاطلة فيقول: "..آه..إذن لا خيار لي سوى السير الى الأمام فلأزد سرعتي أذن. لأن اول ما يفكر انسان عاقل به حين يجد نفسه على مركبة لايسيطر عليها، هو ايقافها بأسرع ما يمكن قبل ان تؤدي به الى كارثة!
.
المجلس القومي للإستخبارات في اميركا ( National Intelligence Council ) يؤكد بنفسه مشروعية المقالق من هذه المركبة حين يقر في تقريره " الإتجاهات العالمية 2015" ( Global Trends 2015) ان طريق العولمة سيسلك "مساراً مرهقاً من تيارات المال المتطاير وفوارق اقتصادية متزايدة" وان هذا سيؤدي الى احتقانات اقتصادية وعدم استقرار سياسي وغربة ثقافية، وهو ما سيكون الأرض الخصبة للتطرف الأثني والأيديولوجي والديني وكل العنف المصاحب لها".
.
بعد ما حدث لفروع شركة اوبل، اتصلت نقابات عمال الفروع ببعضها واتفقت على ان "تعولم" جهودها باعتباره الحل الوحيد في مواجهة عولمة الشركة لجهودها واتفقوا الا يقبلوا بمثل تلك المنافسات لاحقاً.
لعل في ما قامت به نقابات شركة اوبل مرشداً لمقاومة النزول في هذه الحفرة الرأسمالية المتزايدة الضيق للبشرية.
.
لقد اعتذرت في بداية مقالي عن اهانتي للبشر بمقارنتهم بالبقر. لكن ان استمر المسير على دراجة الخصخصة وتحرير السوق وتقييد الناس، العاطلة الفرامل، فلن يكون هناك غداً معنىً لمثل هذا الإعتذار، بل قد نضطر حينها الى الإعتذار للبقر!
.
.
روابط متعلقة
http://www.iraker.dk/maqalat24/1.htm
http://home.hccnet.nl/hvanstelle/Drop/fairtrade.htm
http://library.wur.nl/WebQuery/artik/lang/1796639
http://www.carnegieendowment.org/publications/index.cfm?fa=view&id=17557



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شعوب العالم تناصر القاعدة
- اللوبي الكردي في واشنطن والطموح الى مكانة اسرائيل
- صناعة القرار السياسي العراقي في حظيرة ملوثة بالفساد
- عراق الحكيم وكاكه ئي وعدنان ام عراق فالح وسيار وكاترين؟
- دحض حجج دعاة التصويت السري في البرلمان العراقي
- البرلمان العراقي في خطر!
- مؤامرة لإقصاء البرلمان يقودها 100 نائب عراقي
- بوش يبحث عن مانديلا
- علاوي: قصة انفجار وهم
- ليس رداً على ياسين النصير لكن رفضاً لمنطق الخوف والإحتلال وا ...
- إنتبه فلربما يتناول اطفالك في العراق منذ سنين سموم الزئبق مع ...
- ضياع المنطق ونتائجه الخطرة في تحليل ياسين النصير
- 11 سبتمبر: الحقيقة بين عشق -نظرية المؤامرة- والخوف من وصمتها
- تنزيلات هائلة في محلات بيترايوس
- القواعد الأمريكية بين قلق العراقي وضمير ممثليه!
- القواعد الأمريكية بين قلق العراقي وضمير ممثليه
- الجزء الثاني - قصة مدينتين و-الحرس القومي-: سوابق امريكية في ...
- الجزء 1 - قصة مدينتين مع -الحرس القومي-: سوابق امريكية في إع ...
- ليش الصدريين زعلانين؟
- عن الضابط الروسي الذي انقذ الحياة على الأرض عام 1962 وأحاديث ...


المزيد.....




- إيران:ما الذي ستغيره العقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟ ...
- الرئيس السابق للاستخبارات القومية الأمريكية يرد على الهجوم ا ...
- وزير خارجية الأردن لنظيره الإيراني: لن نسمح لإيران أو إسرائي ...
- وسائل إعلام: إسرائيل تشن غارات على جنوب سوريا تزامنا مع أنبا ...
- حرب غزة| قصف مستمر على القطاع وأنباء عن ضربة إسرائيلية على أ ...
- انفجارات بأصفهان بإيران ووسائل إعلام تتحدث عن ضربة إسرائيلية ...
- في حال نشوب حرب.. ما هي قدرات كل من إسرائيل وإيران العسكرية؟ ...
- دوي انفجارات قرب مطار أصفهان وقاعدة هشتم شكاري الجوية ومسؤول ...
- أنباء عن -هجوم إسرائيلي محدود على إيران- وسط نفي إيراني- لحظ ...
- -واينت-: صمت في إسرائيل والجيش في حالة تأهب قصوى


المزيد.....

- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الازمة المتعددة والتحديات التي تواجه اليسار * / رشيد غويلب
- سلافوي جيجيك، مهرج بلاط الرأسمالية / دلير زنكنة
- أبناء -ناصر- يلقنون البروفيسور الصهيوني درسا في جامعة ادنبره / سمير الأمير
- فريدريك إنجلس والعلوم الحديثة / دلير زنكنة
- فريدريك إنجلس . باحثا وثوريا / دلير زنكنة


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - صائب خليل - عن العيش تحت مستوى سطح البقر