أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ثائر سالم - قراءة هادئة ..في مشروع تقسيم العراق















المزيد.....


قراءة هادئة ..في مشروع تقسيم العراق


ثائر سالم

الحوار المتمدن-العدد: 2076 - 2007 / 10 / 22 - 10:54
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


الحلقة 2
التاريخ وبلفور

يقال ان التاريخ هو المعلم الاول. والشعوب مثل الافراد، عليها ان تتعلم من تاريخها ، وان تستخلص العبر من مخاضاته. ومن وشدة ازماتها، ومن مرارة هزائمها ،عليها ان تصنع طريق تقدمها . والشعوب التي لا تفعل، لايمكنها ان تكون فاعلة فيه او مساهمة في صنعه. سلبيتها تلك تترجم على الارض، غيابا يمنح مسعى تغييبها، او ما يسمى ب "مليء الفراغ "، من قبل الاخر، شيئا من المشروعية والمنطق.
في الحياة عموما ، وفي تاريخ الشعوب والحضارات، خصوصا، لا وجود للفراغ ، الا لحظة عابرة ، خاصة ، .. بمعنى الجمود والخروج من دائرة الفعل، والتوقف عن العمل. اما الحياة وشرطها العمل، فهي نقيض الفراغ ، الموت
واستبدال الرهان على العمل..على الذات والاخر، بالرهان على الغياب او القبول بالتغييب، ومليء الفراغ من قبل الاخر، هو القبول بخيار الخروج من التاريخ ، والانقطاع عن الحياة، وقبول وضع المغيب ، القاصرعن ادراك مشكلاته وسبل معالجتها، ويغدو موضوع العمل والاستثمار من قبل مشاريع اخرى ، يطرحها اناس فاعلون . والنتيجة ..التاسيس لثقافة الشعور بالعجز، والهروب الى، الوهم والاسهل، بدل الاصوب والاضمن ، والى الرهان على رد الفعل بدل الرهان على العمل والفعل، وعلى ثقافة الاستهلاك والتقليد بدل ثقافة الانتاج والابداع.ولم تمنع حروب الاشقاء فيما بينهم، ولا اعتداءات وتجاوزات الخارج عليهم .
اناس ذات رؤى ومصالح يدركونها جيدا ويعرفون كيفية وواجب الدفاع عنها. تحرير السياسة من سطوة الايديولجية ، لايحرمها فضاءها الفكري المنتج، قدر ما يوفر حرية في البحث، وفرصة لدخوله منطقة احكام انتجتها ظروف تاريخية انقضت ، ولم تعد موجودة، الان.
التطور والتجربة، لا يتيحان فقط امكان لقراءة اكثر واقعية ، لما حصل ، وانما ايضا للاهداف والالية، التي جرى فيها، توظيف المشاريع السياسية، لاهداف وغايات لازال هناك سعيا لاخفائها. وخصوصا اذا ما كانت عيوب مشروع الخصم ذاته ، هي من توفرافضل مساعدة، للحجج التي جرى ولازال، الاختفاء ورائها ممكنا او نافعا.الامر الذي يؤسس، لرسوخ ثقافة ، الشعور بالعجز، والهروب الى، الوهم والسهل، بدل الاصوب والاضمن والى الرهان على رد الفعل بدل الرهان على الفعل. وعلى ثقافة الاستهلاك والتقليد بدل ثقافة الانتاج والابداع.
الولايات المتحدة التي ذرفت الدمع ، ولطمت الوجه ، وضربت الصدر وشجت الراس، حزنا على ماساة واضطهاد العراقيين في الجنوب ،(العراقيون الاصلاء ، الشيعة ـ بمنطق الثقافة البائسة، التي تفرض على الناس اليوم ، وتأثرا وألما ، على ماساتهم وماساة الحسين وماثرته العظيمة، بتلك الوقفة الشجاعة ضد الظلم، قبل اكثر من الف عام، لا يجب ان تمحوا من ذاكرتهم، تاريخ وحقيقة هذا الصديق، المحرر، الحليف ....الذي لم يتردد حينها، عن خذلان حلفاء اليوم، حينما اسلم المنتفضين منهم ، لطائرات النظام، ومدافعه وقواته الخاصة. اما التباكي على الحقوق المشروعة للشعب الكردي ، ونضاله المشرف، لا يجب ولا يمكنها، ان تمسح من تاريخهم(الغرب الاستعماري) حقيقة ان بلد بلفور كان اول من استخدم الاسلحة الكيماوية ضد الشعب الكردي المكافح، ولا حقيقة وقوفه ضده ولازال، وخذلانه مرات عدة.

الاهداف الامريكية في العراق، سواء تم الاعلان عنها او تم اخفائها: كانت وستبقى:
النفط ، الوجود والنفوذ، اقامة قواعد دائمة ام وكلاء مضمونين معتمدون ، الحاجة الى اكثر من اسرائيل من حيث (الوظيفة التاريخية وعلاقتها بالمركز الامبريالي اوالدور الستراتيجي في المنطقة ، طبيعة التشكل والبنيان) .اسرائيل عربية ، وكردية ، وتركية ، واية قومية ، او طائفة ، تقاطع مصالحها.:
في قانون النفط الذي يريده(سيد راس المال العالمي وسيد العالم ) باي ثمن ...مصلحته في القواعد العسكرية والتواجد الدائم او الطويل الامد،...اما التقسيم فهو مبضع الجراح ، الذي غار على جسد الوطن وعقل المواطن، اول مرة بخطوط العرض الشمالية والجنوبية ، والمناطق الامنة ، التي حملت وليدها سنين عديدة ، حتى آن اوان ولادته، ليرى النور معاقا ..كسيحا ، ولكنه قابل للحياة، اذا ما جرى احتضانه.
ومع ان للمشروع ارضا يقف عليها ، وفضاء نافذا وحاميا ، تمثله سلطة تحالف الاربعة ، الطائفية والتقسيمية، والتي باتت لاتخشى ، اعلان اولوياتها اللاوطنية، الانفصالية ، تحت تأويل، الواقعية السياسية، والنظام الفيدرالي . الفيدرالية ، التي لايمكن لعاقل او منصف ان يقف بوجها ، اذا كان المطلوب فيدرالية حقا، تسعى لضمان المواطنة ، المتساوية في الحقوق، والواجبات.
وتحاشيا لاحتمال قصدية ، اوعدم دقة، في قراءة موضوعية للموقف، ومنح قصد الابتزاز الفرصةا للاتهام ، بتكرار رؤية مشروع قومي، كانت حصة شعوب المنطقة فيه، من الخيبات والهزائم ، في التجربة، ما فاق كل العمل الذي تم ومآلاته، دع عنك الاحلام والشعارات العاطفية، التي لم تصمد امام اختبارات السياسة اليومية. وحقيقة ان الفشل الذي اصاب التنمية، في اغلب بلدان المنطقة، اسبابه داخلية ، متعلقة، بسياسات، وموارد، وظروف تلك البلدان، السياسية والتاريخية والاقتصادية ، حقيقة من الصعب ، الالتفاف عليها ، او القبول بتقدم اية اسباب او تبريرات عليها. انها بالتاكيد ، القضية الاولى التي يجب ان تتوجه اليها ، سهام النقد، ومعاول العمل، من اجل التغيير. ولكن ذلك لا يبرره التهرب من واجب الاشارة الى دور العامل الخارجي ، انقطاع الَنفًس، قبل التطرق الى بقية عناصر الصورة، والاكتفاء بها . فموقف كهذا يتناقض مع الامانة للفكر في السياسة، التي تحترم مسؤليتها التاريخية ـ الاجتماعية.

بلفور العراقي

لم يكن بلفورالاول وعدا قوميا لليهود ، لحمايتهم من الاضطهاد القومي في فلسطين. فشرف اضطهادهم ، تم منذ زمن، في اوربا ، الحاملة لواء الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان وحق تقرير المصير، وحتى في بلد بلفور نفسه . بل ان شرف استعباد الشعوب واحتلال البلدان وازهاق ارواح الملايين ، وتصدير اكثر نظريات القتل والموت العنصري والمذهبي والديني والنظريات العنصرية، تربع راس مال هذه القارة على راس قائمة مصدريها.
حاجة راس المال الاوربي ، لاسواق جديدة ، تتجه اليها المنافسة ، وتؤسس لمستقبل اوسع افقا ، في منطقة الشرق الاوسط، كان ينقصها وسيلة اعادة استعمار المنطقة ، بعامل صراع يمكن ان يبدو عاملا داخليا . عاملا يمكنه توضيف اكثر العوامل تاثيرا في الوعي الاجتماعي ، ومساسا بالبنيان السياسي والاجتماعي لتلك البلدان ، الدين . او بشكل ادق ، الميثولوجيا الدينية ، التي تمنح الصراع شكلا وجوديا ، وتمده بخاصية الاستمرار والتمدد زمنا اطول، ويمكنها ان تمس كل الاسس التي يقوم عليها البنيان الاجتماعي ـ الثقافي لتلك الشعوب.
وبلفور هذا لم تكن حدود احلامه وآماله ، الوطن القومي المفترض او الحقيقي لليهود، والمساعدة على اقامته ، كما ادعى او حاول تلبس ثوب ذلك الادعاء . بل كانت الميثولوجيا الدينية اليهودية ، التي تتحدث عن وطن، من النيل الى الفرات ، قد وفرت اقوى المبررات والذرائع، الايديولوجية التاريخية ، لاعادة غزو او استعمار المنطقة باقلها كلفة ، واكثر سلاسة ، لتنفيذ هذا المشروع عبلر القول بحقوق قومية لاقلية مضطهدة. يعرف العالم كله وفي مقدمتها بلدان" الوعد القومي" ، من ارتكب جرائم الافران والمبيدات السامة والتجارب الكيماوية ، وكل فنون الجريمة ، بحق المدنيين الابرياء من اليهود، والتي تمت تحت يافطات التفوق العرقي ، او يافطة التخفيف او التخلص من منافسة او سيطرة راس المال( الاجنبي ـ عرقا، ولكنه الوطني قانونا).
راس المال يكذب هنا حتى في ادعائه محاولة التكفير عن تلك الجرائم ، الخطايا والاثام. فالحاجة الى مناطق استثمار واسواق ونفوذ جديدة، كانت في الماضي وستبقى ، السبب الحقيقي وراء الانحياز، للمشروع العنصري الاسرائيلي ، التوسعي الاستعماري المتشابك مصلحيا مع راس المال الغربي ، الدولي ،النافذ والمتقدم. هنا كانت جاحته في اسرئيل . وهنا سر انحيازه له ودعمه له واحتياجه في المستقبل.
وخصوصا لتلك الدولة، ذات المهمة الخاصة في المنطقة ، والتي لم تقبل حتى الان، ان تعامل بمنطق التكافوء والمساواة ، في العيش او العلاقة مع الاخر، وحتى بعد ان خفت صوت التطرف، منذ زمن . واضمحل، تقريبا، رصيد هلوسة رؤى متطرفة، قبل ان يوقضها، تمادي تلك الدولة ، اوتحفزه جرائهما . تلك الدولة التي يريدنا البعض التعود على تجنب ذكر اسمها، خوفا وابتزازا.

ان محاولة اعادة انتاج نموذج تلك الدولة، واستلهام وسائلها ، في الجدران العزلة، والتهجير، والقتل العنصري، والافراط بالقوة العسكرية، ضد المدن والقرى ، وقصف بيوت المدنيين بالطائرات الحديثة، وهدم المنازل على رؤس اصحابها، وتدمير مدن باكملها، على مرآى ومسمع العالم كله، وسياسة الهروب من الازمات ، والتملص من المسؤليات ومن عدم الرغبة اوالجدية في حلها ، بالحديث عن كل ما لايمكن تحقيقه، واخفاء الاجندة الحقيقية بافتعال ازمات ، هي معالم السياسة التي مورست على العراقيين ، والمستوحاة من تجربة الماساة الفلسطيينية وسياسة كيلها في المنطقة، التي لازالت فصولها تجري حتى هذه اللحظة.
ملايين اللاجئين الفلسطينيين ، المسجلون لدى الامم المتحدة ، لم يعد يراود ، وبعد قرابة الستين عاما، احد منهم، او من العرب او اي من دول العالم ، اي امل (حتى ولو توهما) بعودة لاجيء فلسطيني واحد. ولم يعد احدا معنيا، بجريمة الازاحة والطرد التي تمت، لسكان بلد ، وحرمانهم حتى من فرصة البقاء او حق العودة. ان لسير التجربة العراقية على خطى التجربة الفلسطينية ـ اسباب ودواعي، باتت معروفة منذ زمن، تتخطى التاويل القومي او العنصري. وولادة الشرق الاوسط الجديد، كجزء حيوي من العالم الجديد ، الذي تريد اقامته زعيمة الامبريالية اليوم، هو الصيغة الملموسة للسبب الاقوى والاعمق وراء كل تلك العدوانية والجريمة والحروب وفي الحروب ذاتها.

شرق اوسط جديد لا يكون، وضع الحليف الستراتيجي، فيه نموذجا شاذا في، ظروف نشأته( كدولة قامت على الازاحة والتهجير والجرائم المروعة ،التي اجبرت الناس، على ترك وطنهم، والفرار بحياتهم) وهذا ما يجري اعادة انتاجه حرفيا اليوم، في النموذج العراقي، مساهمة منه في فك العزلة ، وازالة وشم التفرد، بالوحشية والجريمة واحتقارالقانون الدولي وقوانين حقوق الانسان . او في الممارسة (اقامة الدولة العنصرية والتي تغطي الجريمة ضد الاخر المختلف عرقا او دينا، والتمييز بين مواطنيها تبعا لذلك) .
وفي ظل محيط من اقوام وقبائل وطوائف، متناحرة ضعيفة، يكون وضعه الكيان الوحيد الذي يعتمد نظاما ديموقراطيا حقيقيا يقوم على اساس المواطنة الحقة، يحترم الانسان وحقوقه المدنية والعصرية. كيانا يضفي نوعا من الشرعية على ادعاء التفوق العنصري ، الذي هو الاخر، في الحقيقة، لايعني وصييه او يعنيه هو ذاته، الا بقدرنجاحه، في اخفاء او تحقيق اجندة راس المال، الباحث عن السيطرة على الاسواق والتوسع، تحت اي ذيعة كانت. فهذه الذريعة ما كان بالامكان، استخدامها في محيط منافس علميا او اقتصاديا او ماليا، في اي مكان اخر كاوربا. واستخدام الميثولوجيا الدينية ، لم يتم اللجوء اليه الا لانها، اوسع وسيلة لتعبئة ، اكبر قطاع ممكن، وجعله يتحرك باجندة ، تمنعه الخرافة او التعصب او الايمان ، من ان يرى الحقيقة فيها.
شرق اوسط جديد تكون فيه كل الكيانات الاخرى العربية والايرانية والتركية، والكردية اضعف من واقعها الحالي، معتمدة الى حد بعيد ، على تلك الدولة ، التي يكون من السهل فيه على الجميع ، التعامل مع دولة تعتمد، العلم والثقافة والتقدم، وتحترم مواطنيها وحقوقهم، التي يصونها قانون عصري، يستند الى قوانين الامم المتحدة.
وللاسف ، وكما تشير كل المؤشرات على الاغلب لن تسلك التجربة العراقية،المسار ذاته ، بل ليس امامها فرصة حقيقية فللسير فيه ، الا اذا باتت جزء ثانويا ، هامشيا ، او مكملا ، لمشروع ووظيفة تلك الدولة.
او تحاشيا لايقاعنا في مصيدة معاداة السامية اوالعنصرية ـ الذي احسن راس المال القومي المتزاوج مع الراسمال العالمي، في اهم مراكز المال والاسواق والانتاج، استثماره في العلاقات والسياسة الدولية. ولمصلحة ثقل ومهام هذا المخفر الامامي، الفعال في الازمات ، واليد الضاربة القادرة والمطلوبة من اجل الاحتفاظ بعدم التوازن او بالتوازن اللا متوازن، الذي يراد له ان يبقى قائما في المنطقة، ليس باهداف حماية طرف ضعيف تتهدده، عنصرية وتعصبية الاغلبية في المحيط، ادعاء يستهدف اخفاء دورهذا الوكيل الاستعماري، والوريث الوحيد، المعتمد والمعترف به دوما، بالضد من مصلحة الاغلبية البائسة، من شعوب هذه المنطقة ، المغلوب على امرها، والتي منعت دوما من تحقيق اي مشروع تنموي مستقل يمنحها القدرة فيما بعد على تحقيق التوازن في المصالح بين دول وشعوب المنطقة،.

وكيل قوي مجهز بكل عناصر القوة والدعم اللامحدود ، الذي يمكنه من التعويض، عن الغياب القسري للمستعمرين الاسياد ، واللذين اجبروا عليه، يريدون لدول المنطقة ان تبقى توابع منزوعة الحقوق والكرامة، محكومة بعلاقة التابع الذليل، القانع بفضلات اوهام حضارة ، لم تنتجها معاناة شعوبنا، ولم تشارك فيها ثقافتنا ، ، وليس مسموحا لنا باي دور غيلر دور المتلقي الجاهل الخامل ، المعتمد كليا على آخر لايريد منا الا الاكتفاء بالانبهار، ومواصلة نهج استقالة العقل المنتج ، الجماعي قبل الفردي. واذا صادف ان تمكن عقل ما جماعي او فردي ، ان يجد له مكانا في عالم العلم والعمل ، فسيكون ذلك مقبولا ومسموحا به ، شؤيطة ان يكون تحت سقف او مظلة اسياد راس المال العالمي ،وحوش العصر . حضارة المستبد ، لصالح المدلل، الشقي، الذي لايريد منه معلمه، ممارسة آداب الاستماع، التي علمه اياها ، من ان يمارسها مع غيره، او ان يخضع لاحد سواه.
ومنطق احترام واعادة حقوق الغيرلا يوجد مايستدعيه في ظروف الغير حتى الان. رغم بعض الاختراقات التي حصلت في تاريخ صراعه مع البعض من جيرانه. والمصالح المترابطة بنيويا على كافة الاصعدة ، لازالت اقوى من اية مصالح اخرى . وهذا امر من المعروف انه قد كتب عنه كثيرون ، وقيل فيه الاكثر. ولهذا سيكون من العبث افراد مساحة ما ، للحديث عنه او الاستطراد فيه. وان التنوية الى بعض معطياته ، انما تفرضها ضرورات سياقات الكلام، التي تمسه من قريب او بعيد. والا فسيكون الكلام، اجترارا لحقائق معروفة.

لم تعد هناك لاي طرف في المنطقة قوة [ سياسية او اقتصادية او ثقافية دع عنك القوة العسكرية]، يمكنها ان تضطر سيد عالم اليوم او يده الضاربة، الى المراوغة والتضليل، اوتجبره على اخفاء النوايا والمشاريع، او ترغمه على مراعاة حقوق ومصالح، اوعلى اقل تقدير، مشاعر الطرف الاخر. ان هشاشة مرتكزات الاستقرار والتوازن، وملامح العصرنة والحرية ونظام الادارة اللامركزية ، في دول الاقليم ، واهتزاز الجبهات الداخلية لتلك الدول، بسبب وجود مظالم قومية ، طائفية ، سياسية ، لم يجري بحثها او حلها على اسس حقيقية لاوهمية ، بعيدة عن اي تذاكي او احتواء او استعلاء او حتى ادعاء اولويات "" وطنية"" مزعومة. هناك ضرورة لذلك.

اسوأ مفارقات تلك السياسات ، هو وقاحة، التاويل او الزعم بان هؤلاء الناس، بغض النظر عن حقيقة تاريخهم وخيارهم ، ينتمون الى القومية الحاكمة [ وفقا لقراءة قومية تعصبية، لا تعتمد التاريخ حجتها، قدر ما تعتمد المغالطة]، فالاكراد في الثقافة، هم عرب في العالم العربي، وايرانيون في ايران ، واتراك في تركيا، مثلما العرب في الثقافة فرس في ايران ، واتراك في تركيا... مثلما التركمان في الثقافة، عرب في البلدان العربية وفرس في ايران، واتراك في تركيا.
هذه رؤى وتأويلات ليست في صالح اي مشروع قومي تحرري ، اذا ماراد الاحتفاظ، بمكانة وتقييم ايجابي، ومضمون ديموقراطي، يستهدف العدل والمساواة ، في الحقوق والواجبات.. في السلطة والمسؤلية. وهي معايير مشروعية اي مشروع وميادين اختبار مضمونه.

والمفارقة الاخرى السيئة هي ان تكرر القومية المضطهدة تعصب وظلم القومية التي اضطهدتها . ليس بالضرورة ان تكون قد امتلكت السلطة او التاثير على حياة الاقوام الاخرى ، التي تتعايش معها او الى جوارها. انما ايضا حتى في مرحلة العمل من اجل نول الحقوق القومية. حينما تطغى ثقافة التعصب والرؤى العنصرية المعاكسة، ردا على قومية عنصرية للاخر، امعانا في الانغلاق على الذات، اعتقادا وتوهما بكونها وسيلة دفاعية ، ضد سطوة ثقافة الاخراو خوفا من تأثر بثقافة منتصرة او سائدة . بهذا يتحول المشروع القومي الى مشروع فاقد للخصائص التي تمنحه ملامح التحرر والديموقراطية والعدل ، والتي بامكانها ان تجعله جزءا من مشروع التحرر الانساني العام ، ومشروع الحضارة الانسانية المنفتحة على غنى تجارب كل الاقوام والامم.

مفارقة سيئة اخرى هي القول الزاعم بوجود اولويات وطنية تتطلب سلب حقوق الغيرالقومية، او اعتماد معيارية قيمية، فكرية وسياسية، غاية في النقاق والا زدواجية.
فالاتراك يقرون حقوق الشعب العربي الفلسطيني، ويخوضون دفاعا متحمسا عن حقوقه ، على المستوى الرسمي والشعبي، الا ان هذه الرؤية لامكان لها حينما يتعلق الامر ، بالاسكندرونة العربي او الاعتراف بابسط حقوق الشعب الكردي القومية، الثقافية والسياسية ، التي ياتي في مقدمتها الحق في تقرير المصير.

وعند اكثر العرب، وخصوصا الدول، الازدواجية ذاتها، حقوقهم القومية وارضهم المغتصبة وفلسطين حقوق معترف بها وشرعية تستوجب النضال والدعم من كل دول العالم من اجل الحصول عليها. الا ان حقوق الشعب الكردي او اي قومية اخرى، حتى وان جرى الاعتراف بها ، لايجب ان تعني حق الاستقلال المطلوب لكل الدول العربية. الا ان العرب رغم ذلك فان بينهم دولا قومية تعاملت مع مشاريع القوميات الاخرى وحقوقها، بتفهم فاق تعامل جوارهم الاقليمي، مبدئيا وحقوقيا، بل وفي التجربة العراقية حتى سياسيا، كما هو حاصل في التجربة الحالية ل " العملية السياسية" او حتى في تجربة الحكم الذاتي ، للنظام السابق ،[ رغم الجرائم التي ارتكبت ، بغض النظر عن حجم القسم الحقيقي وغير الحقيقي منها، او ظروف ومسؤلية الاطراف فيها].

ويبدو النموذج الايراني، اشد ازدواجية من كل هذه النماذج. ففي حين يظهر حماسة لامثيل لها،( تبقى حتى بمستواها الافتراضي اوالتوظيفي، اذا ماجرى استبعاد بعض التصريحات اللاواقعية في السياسة، محط احترام اي انسان، يحترم قضية الحرية والعدل والمساواة، بين البشر في القيمة والحقوق)، وعداء شديدا للظلم الاسرائيلي للشعب الفلسطيني، ونهب الحقوق العربية، واستعدادا للدفاع عنها ، يفوق حماسة واستعداد العديد من الانظمة العربية ذاتها ، كما هو الحال في النموذج اللبناني والفلسطيني والسوري ، وحتى عن الحقوق الكردية التي سلبت في العراق على يد النظام السابق.
الا انه لايعترف بوجود قوميات اخرى تتجاوز في تعدادها نصف سكان البلد. وهو لازال غير مستعد حتى للاعتراف بوجود مشكل قومي.

هذه النماذج عينة واضحة لاحدى تجليات التناقض والازدواجية في الثقافة السياسية ، السائدة في حياة تلك الشعوب والنظم. دع عنك كونه تناقضا صارخا مع قيم ومنطلقات اية ايديولوجية،( علمانية ، ليبرالية ، اشتراكية ، قومية ، دينية)، تنطلق من او تتحرك ضمن فضاء ومضمون انساني، لايمكنه قبول اي تبرير او سلب، لحقوق الكرد والتركمان والعرب والافغان...او غيرهم، ولا اي غمط لحقهم في الحرية القومية، مادامت تلك الحرية، متاحا سياسيا واخلاقيا ومبدئيا لكل الامم... وما دامت في اطار تحقيق العدل والحرية للجميع ضمن مشروع ديموقراطي.

ان الامم التي تستعبد امة اخرى لايمكنها ان تكون حرة . فالحرية خيار لايمكنه ان يتجلى بانتقائية سياسية او ثقافية ، تمنح فيها ذاتها ما تحرم الاخر منه، كان تريد الحرية والاستقلال التام ، في حين تنكر على القوميات الاخرى الحق في بلوغ ذات الاهداف. او ان اترفض لنفسها ماتقبله لغيرها. فرفض التهجير والاضطهاد والقتل ، وسياسة احتواء ثقافتها القومية او محاصرتها ، او فرض القومية الاكبر لثقافتها على القومية الاصغر، كالتعريب والتتريك والتفريس..وغيره، لايجب ان ينتهي تكريدا لبعض المناطق والسياسات، وان تقع في ذات الفخ ، وممارسة فخ اضطهاد الاخر، الاقوى او الاضعف ، الكبير او الصغير ، الشريك في الوطن الان او البعيد ..الخ.

والا لكان الامر براغماتية لا اسس قيميية واضحة، ودليلا على ضيق الافق اوعدم الجدية ، او الالتزام والصدق حتى في الاعتبارات القومية المدعاة. ان تلك الاولويات لاحاجة لها حينما يتعلق الامر بمشاعر القومية الحاكمة [ ليس بالضرورة ان تكون تمثل الاكثرية المطلقة ـ النموذج الايراني، التركي خصوصا] ولايجري تذكرها الا حينما يكون الامر متعلقا ، بحقوق تلك الاقليات، الثقافية والسياسية وفي المقدمة منها ، حق تقرير المصير[ الاقرار بالحق في الانفصال قبل الحق في الاتحاد[ لاحظ المثال العراقي سابقا وحاليا].
اغلب الدول العربية فشل نظامها السياسي في موضوعة الحرية ، تحديدا، في تمثيل مصالح شعوبه او الدفاع عنها، واستثنائية تخلف مؤشرات التنمية الاجتماعية والاقتصادية والسياسية فيها، بالقياس حتى بتجارب محيطها الاقليمي، الغني اوالفقير منه...تخلفت حتى في اقامة هامش ديموقراطي او تداول للسلطة ينافس مثيله في دول كتركيا وايران دع عنك اسرائيل. الامر الذي اضعف ممكنات التطور الحقيقية لتلك المجتمعات، وجعلها فريسة سهلة، لاستغلال وتنافس الدول الاستعمارية، والمشاريع الاقليمية الطامعة او الطامحة، على الثروة والنفط والنفوذ، ومن جهة اخرى ، وتحويلها لحقل صراع وساحة معركة كل قوى التطرف السياسي والفكري ، التكفيرية والعنصرية والطائفية وغيرها. ساحة يختطف فيها الشعب، ويرتهن فيها البلد، ويصفي عليها الكل حساباته مع الكل، اخذين معهم البلد الى محرقة وجنان التطرف والحقد والكراهية ، والتحرر من قيم الانسانية العامة التي تفرض نفسها في كل المجتمعات والتي باتت ، علامة تمايز التحضر في البلدان، والتطور الاجتماعي للمجتمعات.

فنظم الحكم فيها لازالت تعتمد ، معايير قيميية وثقافية وسياسية وانماط ادارة للدولة ، هي في الاعم الاغلب، اقرب الى بنى وثقافات القرون الوسطى ، تصلح لمجتمعات ماقبل الدولة، والمدنية والتحضر. بنى وثقافة العشيرة والقبيلة والشيخ والسيد والامام واية الله ، والسلطان اوالملك الذي يحتكر وينفرد بكل السلطات، او بسلكة لاتقبل بسلطة فوقها حتى لو كانت سلطة القضاء . حكام وسلاطين لا ينزعهم عن السلطة الا الموت . وهم سلاطين غير مطالبين باي درجة من المعرفة الكفاءة ، لا يشعرون باي حرج في فرص التخلف على بلدانهم بمثيله احسن تمثيلا في احاديثهم وعلاقاتهم السياسية باحزاب وقوى شعبهم او بعلاقتهم الدولية والدولية وامير المؤمنين انها واحات غير طبيعية ، لم يقمها اهلها ، وانما اقامها صاحبها الصناعي المتمدن ، التاجر والصناعي والمثقف والجنرال والعالم والعامل والمهني والطبيب وكل مختص في مجال من مجالات الحياة ، ولكنه هناك ..ابن تلك البيئة ، وثمرة ذاك الجهد ، ومنتج ذاك التطور، الغريب عنا ، الذي لم نساهم في صنعه حاظرا ، رغم ان مساهمة اجدادنا كانت هي الاكبر والاضح حضورا.



#ثائر_سالم (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الوطن..صناعة تاريخ ام ارادة جماعة
- قراءة هادئة في... قانون تقسيم العراق
- الانسان والاوطان في سياسة الامريكان
- المواطنة العراقية ..هوية محاصرة ام مهزومة
- استحقاقات صداقة غير متكافئة
- خلط اوراق ام تقاطع اجندات
- كالمستجير من الرمضاء بالنار
- الاحتلال الامريكي للعراق ...عواقب ومخاطر
- وجاهة تبرير ...ةمعنى له
- ضربة موجعة
- مغامرة باهضة الثمن
- قراءات الايديولوجية ام تحريف الايديولوجية
- حينما تكون الهزيمة نصرا
- العراق هوية وطن ام وطن بلا هوية
- فشل الفوضى الخلاقة ام تقاطع الاجندات
- المثقف والاختيار
- قطار الديموقراطية
- لعراق الجديد ..الحقيقة والوهم


المزيد.....




- قصر باكنغهام: الملك تشارلز الثالث يستأنف واجباته العامة الأس ...
- جُرفت وتحولت إلى حطام.. شاهد ما حدث للبيوت في كينيا بسبب فيض ...
- في اليوم العالمي لحقوق الملكية الفكرية: كيف ننتهكها في حياتن ...
- فضّ الاحتجاجات الطلابية المنتقدة لإسرائيل في الجامعات الأمري ...
- حريق يأتي على رصيف أوشنسايد في سان دييغو
- التسلُّح في أوروبا.. ألمانيا وفرنسا توقِّعان لأجل تصنيع دباب ...
- إصابة بن غفير بحادث سير بعد اجتيازه الإشارة الحمراء في الرمل ...
- انقلبت سيارته - إصابة الوزير الإسرائيلي بن غفير في حادث سير ...
- بلجيكا: سنزود أوكرانيا بطائرات -إف-16- وأنظمة الدفاع الجوي ب ...
- بايدن يبدى استعدادا لمناظرة ترامب


المزيد.....

- في يوم العمَّال العالمي! / ادم عربي
- الفصل الثالث: في باطن الأرض من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الموجود والمفقود من عوامل الثورة في الربيع العربي / رسلان جادالله عامر
- 7 تشرين الأول وحرب الإبادة الصهيونية على مستعمًرة قطاع غزة / زهير الصباغ
- العراق وإيران: من العصر الإخميني إلى العصر الخميني / حميد الكفائي
- جريدة طريق الثورة، العدد 72، سبتمبر-أكتوبر 2022 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 73، أفريل-ماي 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 74، جوان-جويلية 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 75، أوت-سبتمبر 2023 / حزب الكادحين
- جريدة طريق الثورة، العدد 76، أكتوبر-نوفمبر 2023 / حزب الكادحين


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - ثائر سالم - قراءة هادئة ..في مشروع تقسيم العراق