أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - نائل الطوخي - الناقدة ماري تريز عبد المسيح: اليسار العربي على طريقة أحمدي نجاد















المزيد.....


الناقدة ماري تريز عبد المسيح: اليسار العربي على طريقة أحمدي نجاد


نائل الطوخي

الحوار المتمدن-العدد: 2070 - 2007 / 10 / 16 - 11:42
المحور: مقابلات و حوارات
    


تبرر د.ماري تريز عبد المسيح قلة كتبها بالانشغال الأكاديمي الذي لايدع لها الفرصة لإنجاز عملها الخاص. لكن هذا التبرير ليس السبب الوحيد، إذ يبدو للمتابع أن لديها مفهوماً خاصاً لما ينبغي أن يكون عليه الكتاب والكتابة، لذلك يحظى ما تكتبه من دراسات باهتمام خاص، سواء صدر في كتاب أو في مجلات متخصصة مثل مجلة "ألف".
أحدث كتب ماري تريز عبدالمسيح "الثقافة القومية بين العالمية والعولمة" يطرح أسئلة جديدة حول المواطنة، العولمة، والمقاومة، كما يقدم مفهوماً للنقد بوصفهنتاجاً لعمل دؤوب واحترافي. وإذا كان المبدعون استطاعوا الإفلات من هذا الدأب بالتركيز على فكرة "الوحي" والإلهام، التي ترفضها بقوة، فإن هذا لا يجوز بالنسبة للناقد.
أسئلة الناقدة في كتابها كانت تستحق منا أسئلة أخرى.

*هناك إشكالية نواجهها في الكتاب وهي الربط بين المقاومة والنزعة القومية، هل كل مقاومة للإمبريالية أو للمشروع الغربي لابد أن تعبر عن نزعة قومية؟
ـ هذا يتوقف على أي نوع من المقاومة تقصده؟ المقاومة التي اقصدها في كتابي هي مقاومة على المستوى المحلي. لا يمكنك أن تبدأ بمقاومة الآخر قبل أن تقاوم السلبي في نفسك. ما يعجز ذاتك. هذا على المستوى الفردي والمحلي، أنا مع مفهوم الدولة القومية ومع مفهوم أن الحل الوحيد للخروج من أزمة العولمة هو النهوض بالدولة، ولكنها ليست الدولة بالمفهوم الستيني، ليست الدولة المهيمنة التي تفترض الزعامة والكاريزما والشعارات الرنانة وإنما الدولة المبنية على مؤسسات تشجع التنوع وتقبل الاختلاف، التي لا تقسم الأدب إلى فولكلور وأدب أقاليم وما إلى ذلك.
مقاومة المستعمر أو المغتصب مشكلتها الآن أنها لابد أن ترتبط بالزعامة وبزعيم يخوض حربا تحريرية. هذا يتضمن مخاطرة لأنك لا تستطيع معرفة ما الذي ستصبح عليه القوة المحاربة، لديك مثال على ذلك في إيران. جميعنا كان يشجع فكرة أن إيران تواجه الولايات المتحدة، لكن ما الذي تريده إيران الآن، هل هي تساند حركات التحرر بالفعل أم تتطلع إلى السيطرة على المنطقة؟ هناك دائما تخوف من أن يستخدم مفهوم المقاومة ضد السلطة الخارجية لتشييد سلطة أخرى، من هنا فخطاب المقاومة هو خطاب معكوس، ينزع سلطة لكي يضع مكانها سلطة أخرى.
* هذا حدث في سائر الدول العربية أيضا؟
ـ بالطبع. كانت هذه مشكلة جميع حكومات ما بعد الاستقلال في العالم الثالث، في أمريكا اللاتينية وأفريقيا والدول العربية ونحن شاهدون على هذا. ينبغي عندما نتحدث عن المقاومة أن ندرك أنها لا تعني استبدال قوة بأخرى وإنما مقاومة أي عنصر يبغي الهيمنة، ربما يكون كلامي مطلقا الآن، لكن يمكنك أن ترى هذا الأمر في تاريخ أوروبا التي خاضت حروبا كثيرة على مدار أجيال. لو أعدت قراءة التاريخ الأوروبي بعد الحرب العالمية الثانية وكل الحركات الفنية التي قامت منذ الدادائية والسريالية فستجد أنها كانت ضد فكرة الزعامة لانها رأت أنها لا تعني إلا استبدال قوى بأخرى على حساب الشعوب. مثلا فقد استغرق الأمر مراحل عديدة حتى تتمكن شعوب أوروبا من التأثير على حكوماتها لكي تهب الشعوب المستعمرة الاستقلال. ما أريد قوله أن المقاومة ليست بالسلاح فقط. مقاومة السلاح ليست مقاومة. إنها عنف. المقاومة هي على جميع الأصعدة وهذا يتطلب نظاما سياسيا منفتحا فكريا بدون رقابة.
*هذا يجرنا لمأزق أن تكون المقاومة في المطلق، أن تكون فكرة وليست حدثا مادياً ضد جماعة أو طبقة بعينها؟
ـ لابد أن نكون في حالة مقاومة دائمة وإلا سوف نقع تحت سيطرة طبقة بعينها. حركة المقاومة الدائمة تحدث في جميع المجتمعات المتقدمة وليس الغربية فقط متمثلة في شكل تغيير مستمر للحكومات والمكاشفة والشفافية. هذه هي المقاومة. عندما يخطئ رئيس حكومة أو يقوم بحرب يتم الوقوف ضده وتمارس الأحزاب بل وجماعات الضغط عليه ضغوطا حتى تجعله يعيد النظر في قراراته، هذا ليس مفهوما مطلقا. انت تعتبره مفهوما مطلقا لأننا في مجتمعاتنا مفلسين في الممارسة السياسية، من منا يمارس السياسة؟ هذه هي الفجوة الناشئة بين المثقف والعامة، وهي الفجوة بين المثقف والسلطة الحاكمة.
* قلت أنك تؤمنين بالدولة القومية. ما هي ملامح الدولة التي تقترحينها؟
ـ لنعد مرة أخرى لفكرة الخوف من العولمة التي تكمن في الانجراف وراء سياسة السوق وفقد مشروعنا الخاص، مشروعنا كمصريين وكجزء من ثقافة عربية. ليس هناك مفهوم "عالمي" يمكننا تبنيه وإنما ثقافتنا تنطوي على مفاهيم عالمية مثل جميع الثقافات الأخرى، هذا هو ما يجب أن نكتشفه وهو يختلف عن قولك إن هذا مفهوم عالمي ولابد أن افعل مثله. السير وراء متطلبات السوق هو ما يجب أن نحمي ثقافتنا منه. ما دور الدولة هنا؟ ان تقف محايدة امام جميع التيارات الفنية الموجودة مثلما كانت في الماضي، في الفنون التشكيلية وفي صناعة السينما. عليها أن تدعم السينمائيين الجدد حتى يخرجوا بفن جيد وجميل، هذا في حد ذاته استثمار، هذا الاستثمار للثقافة نما في اقتصاد الدول الغربية واليابان والهند واستراليا. صحيح أن الثقافة رأسمال غير عيني ولكنه رأس مال يحيل لأشياء أخرى. الدولة دورها ان ترعى القدرات الجديدة. هكذا أسست إنجلترا المعهد البريطاني بعد الحرب العالمية فوريا وفي فرنسا حدث نفس الشيء.
* الدولة القومية قد تحتاج إلى تصور واضح عن الهوية، ألا ترين أن مفهوم الهوية هش، فهل نحن مصريون مثلا أم عرب أم بحر متوسطيون؟
ـ مفهوم الهوية مطاط، وهذا لاننا لم ندرس تاريخنا. كم مصري يعرف شيئا عن تاريخه؟ التاريخ الآن انفردت به المؤسسات الدينية، وفي العهد الستيني انفردت القوى العسكرية بكتابة التاريخ، هل هذه كتابة تاريخية؟ إذا كنا لم نقرأ التاريخ المصري فهل قرأنا التاريخ العربي؟ هل تعرف عن تاريخ سوريا أو المغرب شيئا كثيرا؟ أبدا. مفهوم الهوية مشوش عندنا لاننا لم نقرأ تاريخنا حق القراءة. كم مصري يدرك قيمة الآثار، هل تقابل سائحين عربا عندما تزور المواقع الأثرية؟. أنا لا اعرف شيئا عن الآثار أو المخلفات القديمة في السعودية أو الخليج إلا نادرا وبالصدفة. تريد أن تضعني في خندق البحر المتوسط؟ أنا ارفض، أنا امتلك حضارة ترجع إلى 7 آلاف سنة امتزجت فيها ثقافات من كل عالم ومع ذلك استطعنا تكوين خصوصية لا ندركها الآن سواء كمصريين أو كعرب، لا يمكنك إنكار ثقافة الإسكندرية، ولا آثار الفيوم. في نفس الوقت لن تستطيع تجاهل القاهرة الفاطمية ولا الأقصر ولا الصعيد، نحن لا نعرف أن ثقافتنا هي في منتهى الثراء، فقط ما نعرفه عن نفسنا كمصريين هو أن لدينا سماحة، ولا نعرف ان هذه السماحة تعني تقبل الآخر الذي نرفضه.

* تشيرين في الكتاب إلى أن ما بعد الحداثة هي نوع مستتر من الامبريالية؟
ـ أشرت إلى ان سياسة السوق استفادت مما بعد الحداثة. ما بعد الحداثة مفادها ضرورة قبول الاختلاف. في أوائل القرن العشرين اخذت الحداثة مسارين، الماركسي الذي اراد استبدال سلطة بأخرى. ومسار قام في أوروبا الغربية وحاول تأسيس ثقافة عالمية من المنظور الاوروبي. ما بعد الحداثة قالت ان هذين المسارين ينفيان وجود الاختلاف، وكشفت عن أن الذات تحتوي على الآخر بداخلها، ومن ثم فعلينا القبول بالاختلاف، وألا ندعي أن الثقافة الغربية هي النسق العالمي الوحيد كما طمح لتحقيقه ت. إس اليوت وانما علينا تقبل ثقافات أخرى، السوق استفاد من هذا لانه يحاول استثمار الاختلاف. المطاعم الكبرى مثلا استقطبت المنتجات الشعبية إليها وأصبحت تسوقها.
* في الكتاب تركيز على القومية والأمة بوصفهما الشكل المضاد للعولمة، أعتقد أن هذا واضح في عالمنا العربي والاسلامي ولكنه لا يحدث في امريكا اللاتينية مثلا. ليس لديهم التصورات المثالية التي لدينا عن الأمة؟
_ شعوب أمريكا اللاتينية نجحت في اختراق العولمة، بالإضافة إلى أن لديهم مساحة حرية ليست لدينا، وبرغم أن عندهم ديكتاتوريات إلا أنهم عرفوا كيف يزلزلوها.
* وما السبب؟
ـ هم متلاحمون مع الغرب اكثر منا. نحن ابتداء من الحقبة الستينية بدأنا ننظر للغرب نظرة عدائية، ترتب عليها عدم الترجمة واهمال اللغات ومحاربة اي شيء مقترن بالغرب، وبالتالي فقد نما بداخلنا احساس بالانفصال التام وهذا لم يحدث هناك، حتى الكنيسة في أمريكا اللاتينية استفادت من الماركسية. معظم حركات التحرر كانت تقوم بها الكنيسة على اساس ماركسي. اعتقد ان الكنيسة البروتستانتية في البرازيل بدأ يكون لها دور قوي في التقرب من الفقراء.
*تقولين أن شعوب أمريكا اللاتينية نجحت في اختراق العولمة، كيف حدث هذا؟
ـ هم عرفوا كيف يصعدون بفنونهم على الساحة العالمية، مثل التانجو والصالصا والواقعية السحرية. لاحظ أيضا سهولة الترجمة، وهي مشكلة ازلية عندنا. لا تنس أيضا أن الشيكانو وهم مهاجرو أمريكا اللاتينية في الولايات المتحدة حافظوا على الثقافة اللاتينية وروجوها، هناك تشابهات كثيرة بيننا وبين أمريكا اللاتينية ولكننا هناك اختلافات جمة أيضا. لدينا تفاقم للأزمة الاقتصادية وهجرة أعداد غفيرة للخليج. كل هذا كان لهذا اثر سلبي على فكرنا، وهذا ادى الى تفاقم القطيعة المعرفية مع تاريخنا. في بدايات القرن، عندما بدأوا في اكتشاف الآثار، كان رفاعة الطهطاوي اول من أشاد بالتاريخ وبآثار مصر، بل وقد ترجم قصيدة عن شاعر فرنسي كتبها في تمجيد الآثار، كما بدأ محمود سعيد ومختار في اكتشاف الهوية المصرية وحضارتها، حدث هذا بالتحديد بعد قراءة حجر رشيد، كنا نسير بخطى ثابتة نحو التعرف على ذواتنا وتاريخنا. الآن أقابل مثقفين مصريين يقولون لي أنهم منقطعون عن تراثنا القديم، وهذا يحزنني.
* تظهر في كتابك فكرة طريفة بعض الشيء، حيث عبر البعض عن أن الأصولية برفضها للحداثة هي حليف بشكل ما لما بعد الحداثة وما بعد الاستعمار لأن كليهما قام على نقض الحداثة!؟
ـ هناك فعلا من يطرحون هذا. يقولون إن الاصولية هي نوع من ما بعد الحداثة لان الحداثة تقوم على فكرة مركزية الغرب، فيما ما بعد الحداثة تدعو للامركزية. الأصولية تنبذ هذه المركزية ولكنها تقيم مركزا آخر. ليس هذا فقط، فما بعد الحداثة تؤدي أيضا وبشكل ما إلى اقتصاد السوق المبني على اللامركزية. ليس لديك بنك وطني واحد، كل البنوك الان متعددة القوميات، معظم المؤسسات الصناعية متعددة القوميات. كذلك الأصوليون لديهم نفس الفكرة، فكرة الأمة متعددة القوميات.
* من هنا أصل إلى الثورة الايرانية، قيل في الكتاب أنها اول ثورة ما بعد حداثية لرفضها شروط السوق الدولية. حسنا ولكن اليسار دائما ما كان يرفض شروط هذه السوق؟
ـ طبعا هناك حركات يسار قوية اليوم في العالم ولكنني غير متأكدة ان اليسار في مصر اليوم على اتصال بهذه الحركات التي يوجد نوع من التنسيق بينها، ليس تنسيقا لقتال السوق ولكن لمحاولة ايجاد طريق يحمينا بقدر الامكان من الانسياق وراء سياسة السوق. نحن أصبحنا في زمن يصعب فيه للغاية الجري وراء أحلام القتال والانتصار على اية قوة. ببساطة وسيلة اتصالنا اليوم بيننا وبين الشعوب الأخرى تتم عن طريق التكنولوجيا وهي نتاج لسياسة السوق. انت اليوم ككاتب هل يمكنك الحياة بدون الكمبيوتر وبدون تحديثه يوميا؟ في أوائل القرن كان الانفاق المادي غير كبير. كنت تحتاج ورقا وقلما وبقرش ورقة بوسطة لأجل إرسال رسالة بريدية، وهذا كان يعيق التواصل. نحن شئنا أم أبينا رهن سياسة السوق، فقط يجب ألا يتم تخديرنا بهذه السياسة. هذا ما يصنعه اليسار اليوم. اخشى مما اراه احيانا ان يكون اليسار عندنا مرتبطا بمفهوم القومية المنغلق، ان يكون مازال هو اليسار الذي يصبو الى الزعامة وفكرة الزعيم القومي المقاتل.
* تقصدين نمطا من الزعامة مثل كاسترو او شافيز؟
ـ هناك على مستوى الشرق الاوسط محمود أحمدي نجاد.
*ولكنه لا ينتمي إلى اليسار.
"معلهش". وهناك حسن نصر الله، واسماعيل هنية، هم ليسوا يسارا ولكنني ارى ان معظم التيارات اليسارية منقادة لفكرة الزعامة التي تمثلها هذه الشخصيات. فكرة الكاريزما لا تزال تهيمن علينا، لان الخطاب الذي لازلنا واقعين في أسره هو خطاب الاحادية والحقيقة والكلمة، لاننا لم ننتج فكرا فلسفيا يتداول مع هذه الافكار التي نتوارثها من الستيينات.
*وكيف يمكننا تجاوز هذا؟ كيف نكون بالداخل والخارج معا؟ كيف نؤمن بفكرة معينة ونكون قادرين على نقدها أيضا؟
ـ "تضحك" لا يمكنك ان تعيش بالخارج فقط. لا يمكنك الانفصال عن التاريخ. هناك مثلا من لا يرغب بشراء موبايل، ولكن عندهم تليفون في البيت، وعندهم انترنت. واذا استغنوا عن الموبايل لن يستطيعوا الاستغناء عن الانترنت. لا مفر. وهذا يدل على انه ليس هناك تضاد، ان تقول انا ضد هذا. كل واحد منا يحتوي على الآخر وعلى الاختلاف بداخله، سواء شئنا ام ابينا، حتى على المستوى النفسي، لا يمكنك التعرف على الشيء لو لم يكن بداخلك. مجرد قولك انك لست شريرا فهذا يدل على انك تعرف ما هو الشر.
* ترى الاخر في مرآتك؟
ـ بالضبط. لاكان هو من اكتشف ان اللحظة الفاصلة في حياة الطفل هي عندما يتعرف على نفسه في المرآة، عندما يكتشف لاول مرة أنه آخر. وعندما تشاهد نفسك في المرآة ألا تسال نفسك احيانا من هذا الشخص؟ قالت رضوى عاشور في احدى رواياتها انها دوما ترى نفسها في المرآة الفتاة العشرينية ذات الشعر الأسود.
* تصفين في الكتاب القضية الفلسطينية بوصفها نزاعا على الارض في ظل خطاب متعدد القوميات لا يعترف بفكرة الأرض أساسا؟
ـ كنت أتحدث عن خطاب ما بعد الكولونيالية. منظرو خطاب ما بعد الاستعمار هم من مثقفي العالم الثالث المقيمين في المنفي ودائما ما لا ينظر إليهم مواطنوهم المقيمون في بلادهم بتقدير بالغ. يرد هؤلاء المثقفون على مواطنيهم بأن كل البلاد تعرضت لغزوات وانزياحات وكل العالم مختلط ببعضه، ففي رأي هؤلاء مفهوم الهوية هو مفهوم مراوغ. أنا أقول أن رأيهم هذا لو طبق على القضية الفلسطينية سيضيع حقوق الفلسطينيين. سيعني أن هذه الأرض لا تحق لهم فهناك ناس أتوا وعرفوا كيف يقيمون دولة. لماذا إذن ينازعهم الفلسطينيون؟ ولماذا يريد فلسطينيو الخارج العودة بينما تم تجنيسهم. إذن فلو سلمنا أن مفهوم الهوية غير صحيح فهذا قد يؤدي بنا إلى نتيجة مفادها أنه ليس للفلسطينيين حقا في الأرض. يجب ألا نسلم بعدم نقاء أي هوية، وفي نفس الوقت لا يجب ان يدفعنا هذا إلى التسليم بان القضية الفلسطينية هي قضية فارغة، فدائما ما تظل هناك حقوق معينة للشعوب وللناس على الأرض. لن تستطيع مهما ادعيت بوجود ثقافة متجاوزة للقوميات ان تمحو فكرة الأوطان، لان فكرة الأوطان، إذا قرأتها سيميوطيقيا، سوف تجدها نموذجا للاختلاف الجميل بين البشر.
* وماذا سيكون معنى الوطن لو خلصناه من الأصالة المرتبطة بهويته؟
ـ "تفكر طويلا" جماعة متآلفة لديها مشروع مستقبلي مبني على تصور للماضي تحاول أن تحققه.
* ويرتبط بأرض أم لا؟
ـ "تضحك" هو مرتبط بفضاء. قد يكون هذا الفضاء أرضا ولكن قد يكون أيضا فضاء افتراضيا مثل جماعات الانترنت.
* الإنترنت وطن؟
ـ المتعاملون مع الإنترنت بدأوا الآن يقيمون جماعات ويطرحون تصورات. لا يمكن تجاهل هذه الجماعات. إذا فهذا الفضاء جغرافيا او افتراضيا يكون مشروعا مشترك بالنسبة لساكنيه.
* تصفين مشهدا في الكتاب رأى فيه الخديو محمد علي أن المصور الذي يلتقط صورا لحريمه إنما ينتهك خصوصيات بيته. هل تعتقدين معي أن الصورة لا يمكن أن تكون حيادية وأنها دائما، منذ نشأتها، تعمل لغرض ما؟
ـ بالطبع. عين الكاميرا لا تعمل، عين المصور هي التي تشغل عين الكاميرا. بودريار يقول هذا في كتابه "حرب العراق لم تحدث" ويتحدث عن صور تم تلفيقها بينما نحن لا نعرف الحقيقة عن حرب العراق. طبعا لا يمكن للصورة ان تكون حيادية. هذه الإشكالية موجودة من بدايات القرن العشرين. كتب عنها الفيلسوف الألماني فالتر بنيامين قائلا أن الصورة تجعلنا نرى الجمالي في القبح وبالتالي تقوم بإلغاء ما هو سياسي.
* وما الذي تعتقدين أنه أصبح وظيفة الصورة اليوم، كما يبدو لك من الحروب مثلا؟
ـ اعتقد أن الصورة كرست سياسة العنف. في الأخبار مثلا هناك دائما التركيز على الدماء بشكل غير هادف أحيانا. لماذا يتم انتقاء مشاهد العنف؟ هل هو نوع من الرؤية الكولونيالية التي تظهر الشعوب الأخرى وكأنها كلها صراعات ودماء؟ هناك كاريكاتير أمريكي عن شخص مسن وزوجته يجلسان أمام التليفزيون ويسألها أي حرب تفضلين مشاهدتها اليوم؟ هذا يكرس لفكرة أن الدول المتقدمة تعيش في الرخاء وكل الشعوب الأخرى عبارة عن مسلسلات تليفزيونية. تؤدي الصورة كذلك إلى انفصالك عن الحدث. عندما تتعود على مشاهد العنف يحدث لك نوع من التبلد وبالتالي تفقد رغبتك في المشاركة السياسية.
*من هذه النقطة إلى الفن التشكيلي. كيف نؤسس لثقافة للصورة. خاصة أنه يتضح من الكتاب أن لديك آراء سلبية كثيرة عن الحركة التشكيلية عندنا؟
ـ أنت تعرف طبعا أنهم كانوا يريدون إلغاء مادة الرسم من المدارس الابتدائية. "تضحك" هذا يشرح كل شيء. هناك احتقار للرسم، والمفارقة أن هذا يحدث في ظل مجتمع تسوده الصورة، مثل الإعلان والتليفزيون الذي يخترق اي مكان من المقهى للبيت والمدرسة والشارع لوسائل المواصلات. الناس لا يدركون بشاعة الصور التي يشاهدونها ولو أدركوها لأمكنهم إدراك بشاعة العمارات والشوارع القذرة والألوان المتنافرة. ليس هناك حلول. علينا أن نعرف في البداية إلى أي مدى أصبحنا رهن ثقافة الصورة. لو فهمنا هذا لم نكن لنمنع الرسم من المدارس الابتدائية ولم نكن لنستبدل حصة الرسم بتدريبات رياضية. احترام الرسم واللغة العربية متلازمان. إذا تحدثنا عن الهوية فلابد من اقتران اللغة البصرية والمكتوبة، بالإضافة إلى الموسيقى طبعا. ما ينبغي البداية بمنعه هو مناخ انعدام للحرية الفكرية الذي يؤدي لتحريم الرسم أو التفكير أو الكتابة. أنا لا أفهم كيف تتم إباحة الخلاعة والمجون والجنس الفاضح في الفضائيات وتحريمه في الكتابة الجادة والدراسة. اعتقد أن هذا الخطاب قد يؤدي بنا إلى منع دراسة التشريح في كلية الطب وإلى جعل الشباب يدرسون الجسم الذكوري والفتيات يدرسن الجسم الأنثوي. إذا أدخلت سكين الحرام فمن الممكن إمساكها على أي رأس.
منذ سنوات بدأ الكتاب يتحول لسلعة رأسمالية مع ظهور الكتب الأعلى مبيعا وظهرت طبقة جديدة من القراء، ألا يمكن ان يتم هذا مع الفن التشكيلي؟
هذا سؤال جيد جدا، حسنا. انت علمت الناس قراءة الكلمة، وعندنا طبقة من قراء الكتب، ولكن هل عندنا طبقة من قراء الصورة؟ لا. لأن الناس لم يتعلموا قراءتها أو رسمها. وبالمناسبة، هناك طبقة برجوازية تتردد على الجاليريات في أحياء القاهرة المميزة وتشتري اللوحات، هذا هو التناقض في الفن الآن. بدلا من أن يكون الفن للتثوير أصبح مجالا للكسب واكتناز الثروة. في نفس الوقت لا أريد التعميم والقول بأن كل رواد الجاليريات من الطبقة البرجوازية. نحن نزور الجاليريات فعلا لكن هل نستطيع شراء لوحات؟ حتى الثمانينيات كنت أستطيع الادخار وشراء لوحة لكنني الآن لا أستطيع. ما أقصده ان الجاليريات لا يتوقف عملها علينا، فهي لا تفتتح وتدفع آلاف الجنيهات في الزمالك ومصر الجديدة او المعادي من أجلي ومن أجلك، ولكن لمن سيشترون. لا أريد الحكم على مقتني اللوحات فقد يكونوا استطاعوا فعلا اكتساب ثقافة تشكيلية معينة، ولكن ما يثير شكوكي هو أن بعض الجاليريات تعرض أعمالا فنية دون القيمة لكن اصحابها عرفوا من خلال صلتهم بالإعلام أن يكونوا اسما ويبيعوا بأرقام خيالية بينما هناك فنانون ممتازون لا يستطيعون تسويق أعمالهم.

من هذه النقطة نعود إلى الأدب مرة ثانية. جائزة البوكر وحلم العالمية لدى الكتاب الشباب. طبعا تابعت المشاكل التي حدثت أثناء ترشيح الكتاب للمشاركة في المسابقة. لأي شيء ترجعي هذا المناخ؟
لم يحدث هذا إلا في مصر. لم يحدث في اي بلد عربي آخر. في رأيي أن هذا لم يسبب ازمة وإنما فجرها. الازمة كانت موجودة. ولم يكن أحد يتكلم لأنه لم تكن لها آثار خارجية. الآن اتضحت هذه الآثار لأن تكتل الكتاب في دار نشر واحدة أدى لمنافسة فظيعة، ولكن يمكننا القول أن هذا الوضع نفسه موجود في بيروت في دور نشر مثل رياض الريس والآداب. في رأيي أن أهم شيء في هذه المسائل هي السرية التامة. معظم دور النشر في الدول العربية طالبت بالسرية. ونحن كمجلس أمناء لم نعرف من الذي تقدم ولا العدد الكلي للمتقدمين. لو كانت هناك سرية فلن يغضب أحد عندما يعرف أن هذا الناشر اختار فلانا ولم يختره هو. من جهة ثانية أرى أن الكتاب ينظرون للموضوع من وجهة نظر فردية. هم يعتقدون أنهم لو حققوا العالمية فسوف يحققوها لأنفسهم، بينما يجب التفكير في أن العالمية لو أخذها فلان فسوف تمثل ثقافة مصر كاملة. رولان بارت تحدث عن موت الكاتب، وبالفعل ففكرة الكاتب الخالق انمحت. الكاتب الآن هو نتاج ثقافته، وثقافته هي من ستفوز في نهاية الأمر. ثم هل معنى فوز الكتاب بالجائزة أن هذا هو الكتاب الوحيد؟ هذا الفوز يمثل رأي النقاد وتفاعلهم مع كتب تقدمت لها بالصدفة. الصدفوية تلعب دورا هنا.
* ولماذا جعل الاختيار في يد دور النشر؟
ـ لان الناشر بالتأكيد يريد تقديم أفضل ما عنده. الخوف الوحيد يكمن في أن تكون هناك موالسة بين الناشر والتحكيم، ولكننا حاولنا ان تكون كل المسائل سرية حتى لا يكون هناك مكان للشبهات. لجنة التحكيم سرية وستظل سرية الى أن تعلن الجائزة. أنا لا أتوقع أن تكون النتائج مبهرة، ولكن ما يسعدني ان العمل سوف يترجم للغات عدة وقد تسهل مشاركة جهات اجنبية من الاحتكاك بالناشرين والإعلام الغربي، وهو أكثر ما يروج للكتاب. نحن نريد محو فكرة الإرهابي العربي وتقديم بدائل وإثبات أن لدينا ثقافة وناس يفكرون. هل ننسى كل هذا من أجل الشجار على من سيذهب ومن لن يذهب؟
قيل أيضا ضد الجائزة أنها تكرس للتبعية عبر الاستعانة بالغربي لكي يضفي الشرعية على ثقافتنا؟
نحن لم نستعن بالغربي. تم اقتراح الجائزة في اجتماع للناشرين من كل العالم. ألا نحضر الاجتماع بصفتنا مصريين، ونعبر عن راينا حتى لا نكون أتباعا؟ إبراهيم المعلم رئيس اتحاد الناشرين العرب شكا من أن الكتاب العربي غير مترجم، فقيل له أنه غير مترجم لأنه إعلاميا بلا تأثير. بعض الموجودين المهتمين بالثقافة العربية قالوا لنا أنهم سوف يساعدوننا بنشر الثقافة. أين التبعية هنا؟ هل نقول لهم لا سوف نصل بدونكم. ولماذا لم نصل إذن حتى الآن؟ هي مجرد محاولة وحتى الان الدعم المادي كله من الإمارات. البوكر لا تقدم دعما ماديا. كما أن المحكمين كلهم عرب باستثناء مستعرب واحد في كل لجنة. يجب أن نستعين بشخص من خارج ذائقتنا لكي نعرف ما الذي يفضله في أدبنا.





#نائل_الطوخي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ماذا يعرف العالم عن الأدب الإسرائيلي؟
- انفراد: حوار مع الكافر الأخير من كفار قريش
- بلاكووتر.. بيزنس الموت الأمريكي في العراق
- في البحث عن معنى لكس امك
- محمود درويش في حوار لهاآرتس: أنتظر ثورة في وعي الإسرائيليين
- خمس وعشرون عاما من الترجمة في المركز الثقافي الفرنسي
- ماري تريز عبد المسيح: المثقفون هم بروليتاريا العصر الحديث
- مهمة سوسن وأخواتها في تحدي النشر التقليدي
- الأدب فاكهة شهور الظمأ المحرمة: المكتبة العامة، جنة القراء ا ...
- هجوم الجزائري ياسمينة خضرة في شوارع تل أبيب: ضريبة إسماع الص ...
- في وصف التعذيب وما وراءه
- بطرس غالي وشيمون بيريز في شهادات للتاريخ: الصراع كما يرويه ا ...
- المفتي.. الأب الروحي للعصر الحديث
- شاعر إسرائيلي يدافع عن حماس: نحن عنصريون ازاء كل من لا يحمل ...
- ايلان بابيه والتغيير المستحيل من الداخل.. موسم الهجرة من اسر ...
- عبد الناصر سعى لعقد سلام مع اسرائيل قبل عام سبعة وستين
- ادباء اسرائيل يحتجون. الفنانون يتذمرون والاوتوبيسات تسخر، ان ...
- سبعة أسباب تجعلني أعشق التراب الذي تمشي عليه حماس
- وزير الثقافة الاسرائيلي، غالب مجادلة: دولتي تحارب شعبي
- في مديح أهل النار


المزيد.....




- صدمة في الولايات المتحدة.. رجل يضرم النار في جسده أمام محكمة ...
- صلاح السعدني .. رحيل -عمدة الفن المصري-
- وفاة مراسل حربي في دونيتسك متعاون مع وكالة -سبوتنيك- الروسية ...
- -بلومبيرغ-: ألمانيا تعتزم شراء 4 منظومات باتريوت إضافية مقاب ...
- قناة ABC الأمريكية تتحدث عن استهداف إسرائيل منشأة نووية إيرا ...
- بالفيديو.. مدافع -د-30- الروسية تدمر منظومة حرب إلكترونية في ...
- وزير خارجية إيران: المسيرات الإسرائيلية لم تسبب خسائر مادية ...
- هيئة رقابة بريطانية: بوريس جونسون ينتهك قواعد الحكومة
- غزيون يصفون الهجمات الإسرائيلية الإيرانية المتبادلة بأنها ضر ...
- أسطول الحرية يستعد للإبحار من تركيا إلى غزة


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - نائل الطوخي - الناقدة ماري تريز عبد المسيح: اليسار العربي على طريقة أحمدي نجاد