أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابتسام يوسف الطاهر - في يوم مشمس















المزيد.....

في يوم مشمس


ابتسام يوسف الطاهر

الحوار المتمدن-العدد: 2025 - 2007 / 9 / 1 - 11:27
المحور: الادب والفن
    


قصة قصيرة

مرت ساعات وأنا لا اعرف لماذا أنا هنا؟ ما الذي فعلته لاستحق سحبي بمثل تلك الطريقة الغير انسانية.
زمن وأنا لم اقترب منها..مرت أيام مثل الشهور ودقائق حسبتها لن تمض، وأنا اقضم شوقي لرؤيتهم واضع يدي على فم الألم لئلا يصرح.
لم أتخيل يوما انها بهذه القسوة لتحرمني من ابنتي ! "هذا ما كان يجب أن تفكر به قبل الاقدام على تلك الخطوة والارتباط بمن لا تفهم طبيعة مشاعرك، ولا القيم التي تربيت عليها..إنها من عالم آخر". سخرت منه قبلها حين حاول أن يثنيني عن قراري، بل حسبته يغار مني. قلت له إنها تفهمني أكثر من أي امرأة اخرى، أكثر من أمي حتى..ما يربطنا أكثر من اللغة واكبر من الجغرافية والتاريخ..الحب الذي لا يعرف حدود مثل الموسيقى لغتها القلب والمشاعر.
لا اعتقد ان لها دخل بما جرى اليوم، فانا بعيد عنها بأميال، ثم لم افعل شيئا يثير غضبها، تجنبتها لعلي اقدر أن استعيد ثقتها وارى ابنتي ولو مرة واحدة.

الصباح كان مشمسا بنسائم عذبة كأنها غسلت روحي من عذاب الكوابيس التي عشتها ليلا..ارتشفت قهوتي سريعا لانطلق خارجا لآخذ شحنة من الشمس التي تدعو الجميع ليسرعوا وليخزنوا بعض دفئها قبل أن تهاجمها الريح والغيوم المتربصة لها. أسرعت لقطار الأنفاق لازور صديقي وننطلق معا للحديقة القريبة من بيته لأنها اكبر وتعطي انطباع أننا في غابة طبيعية.
ارتحت وأنا أرى عربات القطار أقل ازدحاما من كل يوم..انها بركات الشمس، حيث يسرع الجميع للحدائق والباركات التي تتفتح بها الأجساد تفترش حشائشها كما الورود.
أركنت الصحيفة خلفي بعد تطلع سريع وخلعت نظارتي. فوجئت بها تتطلع لي بعينين تشبهان عينا الصقر بحدتهما وذكائهما..ابتسمت لها فأدارت وجهها لأمها التي تجلس بجانبها. لبست ثوب ابنتي في تلك اللحظة، وتلبسني الشوق لنوارة. فرحت حين اختارت ذلك الاسم من بين الأسماء التي أقترحت يوم ولادتها. اعتصر الحنين فؤادي لدرجة شعرت بألم يضغط على أحشائي.

انتظرتها ذلك اليوم لتضم رأسي لصدرها لتهدأ الوحش الذي احتل كياني..وكان سيرتكب جريمة من خلالي، كاد ان يستخدمني لضرب رأسها، حين أصرت على ضرورة إسدال الستار على حياتنا مع بعض! صرختُ بأعلى صوتي وقد شعرت باختناق "إنها ليست مسرحية..أنها ..". غابت الكلمات كلها وأهاجت الوحش أكثر بصرختها: "انت متخلف.. لا تفهم أن الحياة تتغير"..لا اذكر سوى أني قلت ما لم أفكر بقوله يوما. فأخرجت هي حقيبة ملابسي التي يبدو أنها جهزتها مسبقا ورمتها أمامي.
ربما هي أيضا كانت مثلي بتلك اللحظة، تلبسها وحش الغضب والحماقة..فتراخت كل المشاعر الأخرى وصارت جمهورا لمسرحية صراع الوحشان اللذان لم يهدآ لولاها..أطلت مذعورة تفرك عينيها.. ارتعب كلانا وهرب الوحشان فجأة ، فركضنا لها نضمها ونهدئ من روعها ونعتذر لها. أسرعت هي قبلي، أزاحتني وحملتها وركضت بها للغرفة وأغلقت الباب بالمفتاح .

أشحت بوجهي عن تلك الصغيرة وصرت أتأمل قدميها الصغيرتين وهي تؤرجحهما. حاولت كبح جماح دموعا تسارعت وكادت أن تفضح مشاعري. مسحت على وجهي بكفي كما لو كنت امسح تلك الصور من ذهني. عاودت ابتسامتي لها، تمنيت لو أعانقها لتخفف من شوقي لنوارة مددت يدي لجيبي وأخرجت علبة صغيرة معدنية بورود صغيرة أعجبتني فاشتريتها معتقدا انها علبة لحفظ بعض الحلي، لكني اكتشفت ضاحكا أنها لحفظ حبات النعناع. مددت يدي باسما لأعطيها لتلك الصغيرة لأودعها بعض من ذلك الشوق لعلي أتخفف منه. تطلعت لامها التي سحبت يد ابنتها وتطلعت لي بابتسامة مفتعلة لم تنجح بإخفاء غضب لم اعرف سببه "شكرا .." وراحت تهمس بإذن صاحبتها.
"هل هي تعرف زوجتي!؟..التي ربما بالغت بتشويه صورتي لتبرر علاقتها بالآخر". سحبت يدي واعتذرت بابتسامة حزينة. وأخذت الصحيفة لأشغل نفسي بالتطلع لها مرة أخرى. حين نزلن لمحت أنهن كن ينظرن لي بطريقة غريبة "ما الذي فعلته لاستحق كل ذلك".
تلاشى فرحي بالشمس بسبب ذلك الموقف، ولأني لمحتها تصارع الغيوم، حين صار القطار فوق الأرض. فكرت أن أغيّر رأيي ولا اذهب لصاحبي فقد تغير مزاجي وصرت كتلة من حزن وألم.. لكني حسمت الأمر أن اذهب له ليساعدني لعله يقنعها لأزور ابنتي متى شئت ولو لدقائق. أمدتني تلك الفكرة ببعض من الحماس وشئ من الفرح وأنا أتخيل نوارة قد كبرت وصارت أجمل من قبل.

تدافعت مع بعض الركاب لأنزل بسرعة قبل أن تتركني تلك الفكرة، لمحت الشرطة على الرصيف لم أبال لهم حتى وهم يتجهون نحوي، فأسرعت لأريهم تذكرة القطار التي اشتريتها صباحا. فاذا بهم يمسكون يدي بقوة ويضعون القيود الحديدية بها " لابد أنكم مخطئين..ما الحكاية؟" حاولت أن ابتسم لكنهم لم يسمعوني بل لم يتطلعوا لي.
"تعال معنا بلا ضجيج..هناك ستفهم ومن حقك أن تطلب محامي" قال احدهم بحزم.
تطلعت للوجوه التي توقفت تتأملني بخوف وفضول، ابتسمت لهم بشفاه جففها القلق والحيرة.
ها أنا منذ ساعات هنا كأنها دهور، وآلاف القصص الغير منطقية مرت ببالي من التي دفعتهم ليقبضوا علي، كلها لم تقنعني. أن تكون هي، لماذا؟ وأنا عملت برغبتها وابتعدت أميال. أن أكون إرهابي!!!؟ كان يجب أن يراقبوني ليتأكدوا أني أكثر منهم حقدا على الإرهابيين، ومنذ زمن لم التق الاّ بالقليل من الأصدقاء!.
لم اسرق، حتى الفواتير احرص على دفعها بالوقت المحدد حتى لو بقيت بلا طعام لأيام! وان حصل تأخير، عادة ما يبعثوا تنبيه او إنذار ثم إشعار من المحكمة.. لا..مستحيل أن تكون انتقلت لهم عدوى بلداننا التي فيها المواطن مشروع لممارسة الظلم بحقه من قبل أي شرطي أو أي مسؤول حزبي، ويعتقل لأي سبب تافه وبدون مبرر وبأي وقت يشاءون.
دخل اثنان فوقفت "الحمد لله أتاك الفرج".
-هل تعرف سبب مجيئك الى هنا؟
تنفست الصعداء وقلت بصوت مرهق "لا.. لم اعرف فقد فوجئت بذلك.. لم اخرج من البيت كثيرا ولكن شمس اليوم.." أسكتني الآخر بإشارة من يده.
صعقت من تفسيره..
-هناك شكوى ضدك ، انك تحرشت بطفلة لا يتجاوز عمرها الست سنوات!؟
دارت بي الأرض حتى كاد يغمى علي، شعرت أن هناك لا وحشا واحدا بل وحوش للغضب والقهر والسخرية . بقيت تتصارع بداخلي وأنا مذهول، انعقد لساني، فلو فتحت فمي لانهالت تلك الوحوش ضربا على هؤلاء الأغبياء.
فضحكت..وضحكت ولم اقدر أن أسيطر على حالة الضحك التي انتابتني.

تموز 2007

نشرت في صحيفة النهار البيروتية



#ابتسام_يوسف_الطاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هدية اسود الرافدين لشعبهم، شئ من الفرح
- التهديد الامريكي بفوضى بلا حدود
- ابنتي والعراق والشاعر سعدي يوسف
- الحرية التي ضحى الشعب العراقي من اجلها
- في ضرورة فصل الدين عن الدولة
- من يوقف انتشار خلايا السرطان ؟
- هل تستحق قناة الجزيرة ذلك الاهتمام؟
- بقادة مثل هؤلاء، لاعتب على الاعداء
- افشال الحكومة العراقية يعني بقاء الاحتلال
- أما لهذا الليل ان ينجلي
- عن الشاعر طه الطاهر ومسعود العمارتلي
- الحب مش حرفين, بل اكبر
- الارهاب يختطف مبدعا اخر, الكاتب د.عصام البغدادي
- بهائم مفخخة, ام الات مبرمجة للقتل
- العصر الصهيوني وسياسة التجويع
- ارض الضوء
- ..يا أمة ضحكت من جهلها الامم
- الحجاب بين السياسة والتقاليد
- لابد من التخلص من الافعى, لطرد الحاوي
- المكالمة السرية، بين العراب والقائد الشِفيّة


المزيد.....




- باتيلي يستقيل من منصب الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحد ...
- تونس.. افتتاح المنتدى العالمي لمدرسي اللغة الروسية ويجمع مخت ...
- مقدمات استعمارية.. الحفريات الأثرية في القدس خلال العهد العث ...
- تونس خامس دولة في العالم معرضة لمخاطر التغير المناخي
- تحويل مسلسل -الحشاشين- إلى فيلم سينمائي عالمي
- تردد القنوات الناقلة لمسلسل قيامة عثمان الحلقة 156 Kurulus O ...
- ناجٍ من الهجوم على حفل نوفا في 7 أكتوبر يكشف أمام الكنيست: 5 ...
- افتتاح أسبوع السينما الروسية في بكين
- -لحظة التجلي-.. مخرج -تاج- يتحدث عن أسرار المشهد الأخير المؤ ...
- تونس تحتضن فعاليات منتدى Terra Rusistica لمعلمي اللغة والآدا ...


المزيد.....

- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو
- الهجرة إلى الجحيم. رواية / محمود شاهين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابتسام يوسف الطاهر - في يوم مشمس