أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابتسام يوسف الطاهر - ابنتي والعراق والشاعر سعدي يوسف















المزيد.....

ابنتي والعراق والشاعر سعدي يوسف


ابتسام يوسف الطاهر

الحوار المتمدن-العدد: 1988 - 2007 / 7 / 26 - 10:28
المحور: الادب والفن
    


الى شاعر العراق مع التحيات

مازلت اذكر اول مرة التقيت بها الشاعر سعدي يوسف، كنت في سنة اولى جامعة، أزور اتحاد الادباء لاول مرة حيث لفيف من الفنانين والشعراء ، قرأت لبعضهم او سمعت عنهم من اهلي المهتمين بالادب والشعر والسياسة. كان هناك شابا صغيرا صامتا وسط صخب (المثقفين)، لكني فوجئت بانطلاقته بعد الكأس الاول، كطير اطلق سراحه، راح يغرد باشعار وقصائد للشاعر سعدي يوسف لم اسمعها من قبل فغبطته قدرته على حفظ الشعر الحديث.. كنت اكثر مجالسيه اصغاءا ، لم يكن ذلك بسبب شعوري بالوحدة فقد كنت الوحيدة لم اشارك الباقين الشرب، لكن لاني احببت تلك القصائد. فاجأني اخي وقتها بالسؤال "هل تحبي ان تسلمي على سعدي يوسف ..انه هنا في القاعة" كان يعرف اعجابي وتقديري لشاعرنا، لكني ارتبكت وقتها وترددت بالرغم من الفرح الذي شعرته " كيف، لابد ان هناك طريقة تختلف لتحية شعراء بمنزلة سعدي يوسف، الذي يحكي عن قضيتنا، العراق، عن وجع العراق وحلمنا بالعراق".
تخرجت فوضعت اولى الخطوات بطريق الشتات، الذي صار مزمنا. وتزداد عذاباتي وانا ارى ابنتي تتعلق يوم بعد اخر بالحلم، العراق، بازدياد نهارات انتظار عودتها للوطن. كنت اسمعها تحدث صاحباتها بلكنتها الطفولية، وهي لاتتجاوز الرابعة من عمرها عن العراق الذي كل شئ به جميل ويشبه الحلم . وحين صارت تقرأ وتكتب صار ابوها يقرأ لها بعض قصائد شاعرنا ويختار من تشبه النشيد لتحفظها، فاول قصيدة حفظتها كانت (وطني) لشاعرنا سعدي يوسف.
بعد سنوات من عمر التغرب بالمنافي او الموانئ، تصفحت دفترها الذي كتبت به قصائدا بريئة لها وقصص صغيرة مع رسائل لصديقاتها، وجدتها قد دونت بينها تلك القصيدة او النشيد:
وطني كأن الحرف يهمس باسمك الغالي ويزأر
يامنية الرايات، يا افقا على الرايات اخضر
ياموكبا اعلى واغلى من مواكبنا واكبر

يابيت احبابي وصحراء نلمسها فتندى
ياقمة خضراء تلبس في الثلوج البرد بردا
سنظل نمنحك الوفاء المحض اغنية ووقدا

وطني ونهر الشمس يغسل كل بيت كل شارع
ابدا ستبقى مجد اغنية مدوية المقاطع
يامولد التاريخ يانجما عريق النور ساطع

تلك القصيدة التي اتمنى لو تلحن لتكون هي النشيد الوطني للعراق، لتزرع الحب والوفاء بين نفوس العراقيين وتغسل قلوب الحاقدين الغادرين بابنائه، وتعيد الحب بقلوب محبي العراق من ابنائه الذي اتعبتهم السنون وجعلت البعض منهم يتنكروا لحبيبهم العراق.
حين انتقل الشاعر من منفاه العربي الى لندن، استعدت فرحي باللقاء بالشاعر وانا احضر امسيته في قاعة الكوفة (المرحومة)، همست لابنتي التي تتردد من حضور تلك الفعاليات، انه الشاعر الذي حفظت قصيدته يوما. فذهبت معي وهي تحلم بما سيقوله الشاعر عن العراق وطنها المنتظر الذي رسمت له في مخيلتها احلى الصور. لم تهزها صور الدمار والشوارع الكئيبة، ولا صور فدائيي القائد من انصاف البشر وهم يلتهمون الكلاب والقطط وهي حية! ترى ماذا كتب الشاعر عن الشعب المحاصر، الصامد بوجه ذلك التدمير المتعمد لنخيله وروحه واماله. كانت القاعة تغص بالجمهور فايقنت انه لا أمل لي بتحية الشاعر وسط حشود المثقفين والرسامين والشعراء.
اتحفنا يومها برائعته القصيدة الحميمية عن شاعر العراق الجواهري، ثم قصيدة (قلعة حلب)، التي كانت طويلة، وقد ابتلعت املنا بسماع ماكنا نرجو او نتوقع! احمر خدا ابنتي وهي تهمس "اسفة لااقدر ان ابقى ساذهب.. تبعتها نجرجر خيوط الخيبة من سماع القصيدة التي انتظرناها.
بعدها بزمن قصير، في جلسة عائلية ضمت بعض المعارف الذين كانوا اصدقاء، كان العراق حاضرا كعادته في الجلسة، لم يسلم من انتقاص البعض منه فصاروا يتبارون بتعداد مساوئه لتبرير تناسيه او لحالة الهروب الجماعي منه.
تصدت لهم ابنتي حينها ، باكية غاضبة وهي التي تربت على احترام الضيف مهما خفت موازينه وثقل دمه: "وانتم ماذا قدمتم للعراق؟ اعجب كيف يطالب الناس الوطن ، وهم يهربون من حمايته تاركيه للكلاب تنهش به".
حين تبعتها لغرفتها لاهدئها ولابرر لها ما سمعت، وجدتها تخط بدفترها الصغير بعض من قصيدة السياب كما لو كانت ترسمها:
الريح تصرخ بي عراق - والموج يعول بي عراق - عراق ليس سوى عراق
البحر اوسع مايكون - وانت ابعد ماتكون - والبحر دونك ياعراق

بعد سقوط الاصنام وتكالب عبدة الاصنام على شعبنا، دعيت للاشتراك بالحديث عن الوضع بالعراق بدعوة من احدى المنظمات الانكليزية في ضواحي لندن، فوجئت بي اشارك شاعرنا سعدي يوسف المنصة! شعرت بفرح حينها وانا اشارك الحضور سماع بعض قصائده باللغة الانكليزية، وارتبكت وقتها وترددت، وعاودني الخجل اياه في قاعةاتحاد الادباء، وتعثرت الكلمات الانكليزية التي هيئتها جيدا وانا احكي عن وجع العراق والعراقيين وعن الخوف الذي يغلف خوفهم من القادم ويبعثر فرحهم بالخلاص من عصابة الغدر والخيانة التي جلبت كل ذاك وهذا الخراب لهم.
وحرمني ارتباكي ذاك من تحية شاعر العراق بالشكل الذي يستحقه.
بقيت اتابع بين الحين والاخر ما ينشر للشاعر بالصحف العربية خاصة تلك التي تتشفى بما يحصل للعراق بعد نهاية صنمهم! فانفجع وانا ارى الشاعر يقترب ببعض كتاباته من حاملي الشعارات العروبية الخاوية، وهو يعرف ان معظم العرب لم يرف لهم جفن مماحصل او يحصل للشعب العراقي! بل بعض العربان ينشرون كل مايمس وحدتنا والتزامنا بالوطن، تشفيا بمأساتنا. فينتابني خوف على شاعرنا كخوفي على العراق. ألمس من كتاباته تعبا واحباطا، تعب من السياسة وتجارها وقد ابعدوه عن الشعرالذي يريد، ويبعدوه اليوم عن العراق وشعب العراق، بل يبعدوه عن الكلمة الموضوعية التي يستحقها شعب العراق، وعن قصائد الحب للناس للحلم او للشوارع الجميلة التي يحن لها في باريس ولندن .
ولكن لم اتوقع ان يتعب شاعرنا من العراق ، كيف يتعب الانسان من وطنه؟ لاسيما العراق، الوطن الذي اتعبه ابنائه الجاحدين وتكاثرت عليه الخناجر الصدأة من كل حدب وصوب، واليوم يتخلى عنه بعض ابنائه الطيبين! كيف يتعب الشاعر من الوطن؟ هكذا تسائلت حين لمست ذلك من حوار للشاعر سعدي يوسف نشر في عدد قديم من الصحيفة المصرية اخبار الادب:

- .. أما في لندن فأنا أشعر فعلا بطمأنينة، وأدرك أنني سأقيم فيها طويلا بعد أن شطبت تماما على فكرة العراق والتعامل معه كوطن.
* ولكنه وطن ...؟
_ وطن ملغى، وليس وطنا كاملا. الوطن القائم لي الآن هو المملكة المتحدة، منذ زمن لم أعد أعتبر العراق وطنا.
* إذا لم يعد العراق وطنك... ماذا تسميه إذن؟
- مكان ميلادي الذي لم اختره، وأعتبر الأمر مسألة فنية استفيد منها أثناء عملية الكتابة، ولكن لم أعد أنظر إليه باعتباره وطنا.
* هل يغضبك إذن أن يتم تعريفك بـ(الشاعر العراقي)؟
- لا يغضبني، ولكنها لم تعد تسميه مناسبة لي، يمكن أن يقال (الشاعر) فقط.

بالرغم من الاذى الذي شعرته وانا اقرأ ذلك اللقاء، بالرغم من خيبة العراق المتعب الذي يتخلى عنه ابنائه الواحد بعد الاخر، بالوقت الذي يتسابق العربان للانتماء له، زيفا، لغرض الحصول على لجوء في اوربا او لمواصلة الاعمال الارهابية والجرائم في العراق او في اوربا ذاتها. تألمت للشاعر والعراق. تعاطفت مع شاعرنا وانا احس بعمق الاذى الذي يعانيه، فمن غير الممكن ان يكون رأيه ذاك هو نفس راي البعض من الذين يلبسون الاوطان قفطانا حسب الفصول! وهل الوطن فكرة، ممكن ان نغيرها او نلغيها ؟ هل ذكرياتنا واهلنا ، مجرد فكرة؟.
طويت تلك الصحيفة وركنتها خلفي في قطارالانفاق، لم اقدر ان اخذها معي للبيت وصرت اردد بعض ماعلق بذاكرتي من قصيدة السياب (غريب على الخليج) التي دونتها ابنتي في دفترها الصغير:

"ان هذا كل ماتبقى فاين هو العزاء؟
لو جئتِ في البلد الغريب اليّ، ماكمل اللقاء
الملتقى بك والعراق على يديّ.. هو اللقاء
شوق يخض دمي اليه.. وكأن كل دمي اشتهاء
جوع اليه.. كجوع كل دم الغريق الى الهواء
الشمس اجمل في بلادي من سواها.. والظلام
حتى الظلام هناك أجمل فهو يحتضن العراق.

1-7-2007



#ابتسام_يوسف_الطاهر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحرية التي ضحى الشعب العراقي من اجلها
- في ضرورة فصل الدين عن الدولة
- من يوقف انتشار خلايا السرطان ؟
- هل تستحق قناة الجزيرة ذلك الاهتمام؟
- بقادة مثل هؤلاء، لاعتب على الاعداء
- افشال الحكومة العراقية يعني بقاء الاحتلال
- أما لهذا الليل ان ينجلي
- عن الشاعر طه الطاهر ومسعود العمارتلي
- الحب مش حرفين, بل اكبر
- الارهاب يختطف مبدعا اخر, الكاتب د.عصام البغدادي
- بهائم مفخخة, ام الات مبرمجة للقتل
- العصر الصهيوني وسياسة التجويع
- ارض الضوء
- ..يا أمة ضحكت من جهلها الامم
- الحجاب بين السياسة والتقاليد
- لابد من التخلص من الافعى, لطرد الحاوي
- المكالمة السرية، بين العراب والقائد الشِفيّة
- البعث الصدامي: راس صدام لو راس الوطن
- الحزب الجمهوراطي والدكتاتورية الامريكية
- .... شر البلية


المزيد.....




- وفاة -عمدة الدراما المصرية- الممثل صلاح السعدني عن عمر ناهز ...
- موسكو.. افتتاح معرض عن العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا
- فنان مصري يكشف سبب وفاة صلاح السعدني ولحظاته الأخيرة
- بنتُ السراب
- مصر.. دفن صلاح السعدني بجانب فنان مشهور عاهده بالبقاء في جوا ...
- -الضربة المصرية لداعش في ليبيا-.. الإعلان عن موعد عرض فيلم - ...
- أردوغان يشكك بالروايات الإسرائيلية والإيرانية والأمريكية لهج ...
- الموت يغيب الفنان المصري صلاح السعدني
- وفاة الفنان صلاح السعدني عن عمر يناهز الـ 81 عام ….تعرف على ...
- البروفيسور منير السعيداني: واجبنا بناء علوم اجتماعية جديدة ل ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ابتسام يوسف الطاهر - ابنتي والعراق والشاعر سعدي يوسف