جريس الهامس
الحوار المتمدن-العدد: 2006 - 2007 / 8 / 13 - 11:06
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
يمر صيف تموز واّب كل عام ليعيد لنا ذكريات مجيدة في تاريخنا المعاصر وضع فيها شهداؤنا بسواعدهم وفكرهم ودمائهم وغيرتهم الوطنية النبيلة أحجار الصوى على طريق المستقبل الحر أمامنا لمتابعة الطريق وصون الأمانة ... لكن الإستبداد والعمالة لعقود طويلة حطم أحجار الصوى ودمر الطريق كله وأخفى معالمه بل دمر كل أوابد شعبنا وعطاءاته واغتال بدم بارد كل مايمت للإنسان بصلة ....
في شهري تموز واّب تعيدنا الذكرى وجيعة وعجلى إلى ميسلون ويوسفها وشهداؤها – إلى ثورة الشمال وهنانو – إلى بناء جيشنا الوطني في الأول من اّب 1945 ليكون حامياً للوطن والشعب وخياراته الوطنية الديمقراطية .. لاحارساً ومنتجاً للإستبداد واللصوصية وحاميا ًلكراسيه المخلّعة فوق أشلاء بقايا وطن ...- إلى ذكرى بطولات شعبنا وجيشنا ضد الإحتلال الخارجي والداخلي – إلى ذكرى شهيدي الثورة الفلسطينية المتميزين غسان كنفاني وناجي العلي – مع احترامنا لجميع الشهداء – إلى استشهاد رفيقنا الطيار البطل موسى جربندا ---إلى ذكرى الشهداء الشيوعيين العرب في الأول من اّب 1975 --
إلى ذكرى المناضل الوطني السوري – عثمان صبري – مؤسس أول حركة يسارية ديمقراطية كردية في سورية في 5 اّب 1965 . كجزء لايتجزأ من النضال الطبقي والوطني الديمقراطي العام --- وفي تموز انتصرت مقاومة الشعب اللبناني كله على الصهاينة الغزاة وأحلامهم العنصرية التوسعية المستمرة ضد الديمقراطية اللبنانية على وجه الخصوص ---
هذا غيض من فيض مما حملته هذه الذكريات . أما الثمار المرّة بل والبلاستيكية المزيفة أحياناّ فستأتي في سياق كل منها وفي حصيلة حصادها المر في هذه الأيام الزاحفة دون توقف نحو المزيد من الإنحطاط والإستبداد والتشرذم والإستسلام مع الأسف .... أما الذين اعتادوا الغناء أمام نعش الميت . وتسمية القرد غزالاً ودعوتهم الطوباوية لمصالحة الذئاب والقطيع بعد إلباس الذئاب جلود الخراف .. فلهم شأنهم ليتعلموا من أمثالهم المنافقين في القديم والحديث ..
1 – ميسلون . الدرس الأول :
من ميسلون تطل يا وطني ... صدق الشاعر الكبير سعيد عقل وخلّدها صوت فيروزالملائكي وموسيقا الرحابنة الخالدة ...
في ميسلون ولدت الوطنية السورية على صهوة جواد يوسف العظمة ومن فوهة مسدسه الصغير يهتف بالجموع الفقيرة للعدّة والعدد حتى استشهاده في مواجهة جيش غورو الغازي المدجج بأحدث الأسلحة والفيالق الإستعمارية ....
بعد قبول الملك فيصل إنذار غورو الإستعماري تنفيذاً لمعاهدة ( سايكس بيكو ) وحل الجيش السوري وفراره إلى أحضان أسياده الإنكليز في حيفا عن طريق درعا ... انتفضت جماهير دمشق تقودها الجمعيات العربية التي ناضلت ضد الإحتلال التركي وقدمت شهداء السادس من أيار 1916 واستولت على مخازن الأسلحة القديمة في قلعة دمشق .. بعد أن أمر الأمير زيد شقيق فيصل الهارب بإطلاق النار على الجماهير الثائرة وسقط منها عشرات الشهداء أثناء اقتحام القلعة للحصول على السلاح وفرار زيد من الباب الخلفي ليلحق بفيصل ....طافت الجماهير شوارع دمشق داعية للمقاومة وهاتفة – يسقط الخائن فيصل .....
استجاب وزير الدفاع يوسف العظمة للجماهير الثائرة وجمع مجلس الوزراء قائلاً لهم : لئلا يسجل التاريخ أن قوات الإستعمار الفرنسي دخلت دمشق دون مقاومة إسمحوا لي أن أذهب لأموت ,أوصاهم بابنته الوحيدة – ليلى - ( راجع يوم ميسلون – لساطع الحصري – ومعركة ميسلون لإحسان هندي )
... سارت أفواج الجماهير الفقيرة الوطنية التي تفتقر للسلاح والتدريب مشياً على الأقدام إلى ميسلون خلف يوسف للدفاع عن أرض الوطن مهما كان الثمن والنتيجة رغم أن يوسف العسكري الكبير كان يعلم النتيجة مسبقاً .. أبى شرفه الوطني والعسكري إلا أن يكون ملتزماً بالدفاع عن الوطن حتى الموت ...
جمع شتات الجيش المنحل ومقاتلي الجماهير الثاءرة في التشكيلات التالية :
لواء مشاة واحد بأسلحة قديمة وذخيرة قليلة مع بطاريتي مدفعيةصغيرة تجرها الخيول من عيار 70 مم مع ثلاث أو أربع قذائف لكل منها مع كوكبتي خيّالة وهجّانة مع أعداد من الجماهير غير المنظمة .... دامت المعركة عدة ساعات فقط انتهت باستشهاد يوسف في 21 تموز 1920 ... وفي اليوم التالي احتل الجيش الفرنسي بقيادة ( غوابية ) تلال المزة المشرفة على دمشق التي دخلها ( غورو ) في 25 تموز ليجد من يستقبله ويرفع سيارته على الأكتاف من التجار والمرتزقة مع الأسف أصحاب مبدأ ( الذي يغتصب أمنا نسمّيه عمنا ) .. هؤلاء أنفسهم الذين كانوا دعامة الإستبداد العثماني أربعة قرون والإستعمار الفرنسي بعده وأحفادهم الذين دعموا وما زالوا الإحتلال والإستبداد الأسدي وعلّموه كيف يستعبد وينهب واقتسموا معه الأسلاب .. وسيتخلون عنه ويبيعوه بأرخص الأثمان كما فعلوا مع غيره .... وهؤلاء وطنهم جيوبهم وبطونهم لايمثلون شعبنا ولا ينتمون إليه ولو وضعهم نظام الإستبداد في الواجهة ....
بقي شهداء ميسلون وفي مقدمتهم الشهيد يوسف العظمة وزير دفاع الجيش العربي منارة الثورة السورية وزيت نارها الذي لاينضب حتى جلاء اّخر جندي فرنسي عن أرض الوطن في 17 نيسان 1946 .... كما بقي حافزاً ومدرسة لجميع العسكريين السوريين الوطنيين الشرفاء بعد الإستقلال للذود عن الوطن وحماية نظامه الجمهوري الديمقراطي وخيارات شعبنا الوطنية الديمقراطية ضد الأحلاف الإستعمارية والمخططات الصهيونية والتبعية .... حتى جاءت الإنقلابات العسكرية التي فبرك معظمها في مطابخ واشنطن ولندن وتل أبيب لاغتيال الحريات العامة وحقوق الإنسان وتمزيق وحدة المجتمع وتخريب المجتمع المدني ومؤسساته الديمقراطية ... وتحويل الجيش الوطني إلى أداة لاغتصاب السلطة من الشعب وحماية هذا الديكتاتور وذاك والإنشغال عن تحرير الأرض المغتصبة وحماية الوطن إلى الإسهام في النهب والسلب وحماية المافيات التي أنتجها النظام العسكري وكان اّخرها نظام المافيا الأسدية
بقيادة وزيرالدفاع حافظ الأسد . الذي خان أمانة ميسلون وألقى مشعل رايتها في مستنقع الخيانة والرغام والإستسلام بعد اغتصابه السلطة وتدميرالبلاد
و تسليم الجولان للعدو الصهيوني دون قتال في خيانة حزيران 1967 وقفزه للرئاسة عام 1970 وتحويل الجمهورية السورية إلى ملكية وراثية عام 2000 ومستمر في التربع على رقاب الشعب بالقمع والإرهاب ينهب ويدمّر ويعتقل ويغتال خيرة الوطنيين والأحرار في سورية ولبنان الشقيق دون حسيب أو رقيب حتى الاّن ....
بطل ميسلون وجميع شهداء جيشنا وشعبنا يهتفون بالجموع المخدّرة والمقموعة منذ عقود الاّن وقبل فوات الأوان أن يضيئوا شعلة ميسلون وينقلوها من يد إلى يد كالشعلة الأولومبية لتخليص الوطن من هذه الثمار المرة بل والمتعفنة التي علقها الطغاة عنوة على أغصان مؤسستنا العسكرية الوطنية وشوّهوا دورها ... لينام يوسف وجميع الشهداء في أضرحتهم مطمئنين تحرسهم مهج وسواعد الأحرار ...الأحرار .....
في الشمال السوري المناضل حمل هنانو ورفيقه يوسف السعدون مشعل ميسلون إلى جبل الزاوية وكفر تخاريم وإدلب وحلب ليعلن الثورة على الإستعمار الفرنسي وانتقلت من أيديهم النظيفة إلى الساحل ليحملها الشيخ صالح العلي ورفاقه ضد المحتل ومخطط التمزيق الطائفي .. وحمل سلطان الأطرش ورفيقه وكاتب بيانات الثورة الأولى ( عقلة القطامي ) مشعل ميسلون من جديد مع سائر الجنود المجهولين في التاريخ الذي أغفلهم لأنه كتب للخاصة والحكام في كل المراحل .... لتنتقل إلى دمشق وغوطتها والقلمون والجولان بسواعد الثوّ ار حسن الخراط ونسيب البكري ومحمد الأشمر وأحمد مريود وغيرهم ... وانتقل المشعل الثوري من جيل إلى جيل حتى اغتيل وأطفئ على أيدي هذه المافيا الأسدية الوقحة .. ولكن إلى حين . سيعود شعبنا وجيشنا إلى ميسلون ثانية ليضيْ الشعلة من جديد ليطوف بها أرجاء الوطن المتعطش للنور والماء والحرية ...
وتمر ذكرى تأسيس جيشنا السورى في الأول من اّب 1945 ليكون حامياّ للوطن ونظامه الجمهوري الديمقراطي الذي اختاره وارتضاه شعبنا قبل الإستقلال الوطني وبعده . لتكون حافزاً للوطنيين الغيورين الصادقين والمجرَبين . لتوحيد صفوفهم حول برنا مج واضح وجذري للإنقاذ ...
#جريس_الهامس (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟