أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل سوداني - هل مازال العراق يلتهم شعراءه















المزيد.....

هل مازال العراق يلتهم شعراءه


فاضل سوداني

الحوار المتمدن-العدد: 1992 - 2007 / 7 / 30 - 04:51
المحور: الادب والفن
    


(استذكارا متأخرا لروح الشاعرة نازك الملائكة )

بوفاة رائدة الشعر الحر وشاعرة الرومانسية العراقية نازك الملائكة (عن 84 عاما ، شيعت ودفنت بمقبرة للعائلة غربي القاهرة .) والتي عانت طويلا من الإهمال والنسيان العراقي والعربي ، يكون العراق قد أنكر مبدع آخر من مبدعية (بالرغم من الحرب الأهلية التي يعانيها) وتكون المؤسسات الثقافية العربية قد تناست وأهملت لسنوات طويلة شاعرة وصاحبة مشروع حداثي في الشعر . والمتتبع لحياة ومشروع الملائكة الشعري يعرف بأنها امتلكت منذ بدايتها إذناً حساسة تميز الموسيقى الشعرية ومحيطا عائليا ثقافيا فكتبت اول قصيدة وهي في العاشرة من عمرها .
وساعدها على ذلك الجو العائلي الهادئ ـ المثقف مما ادى بالجيران ان يطلقوا صفة الملائكة على سكنة البيت إضافة الى ان الوالدة كانت تنشر الشعر وكذلك ابوها الذي كان يتذوق الشعر وينظمه ، وقد كتب موسوعة ضخمة ( موسوعة الناس) بمجلدات عدة ، وإهتمامه على تنشئتها ثقافيا مما شجعها وساعدها على ان تمتلك أدواتها الشعرية الحديثة ، فبدأت تنظم وتلقي الشعر اثناء دراستها في دار المعلمن العالية .
وفي عام 1947 أصدرت لها اول مجموعة شعرية، تحت عنوان "عاشقة الليل" . ومنذ البدايات دلل هذا على أن لليل همسه الخاص ومكانته قي تكامل رومانسية الشاعرة .
إلا ان قصيدتها الكوليرا عن الوباء الذي استفحل في مصر عام 1947 كانت هي الحاسمة في مستقبلها الشعري الحديث والتي جعلت منها رائدة الشعر الحر الجديد :
( سكن الليل /اصغ، الى وقع صدى الانات /في عمق الظلمة، تحت الصمت، على الاموات
صَرخَاتٌ تعلو، تضطربُ
......................
الموتُ الموتُ الموتْ /يا حُزْنَ النيلِ الصارخِ مما فعلَ الموتْ .)
عندها شعرت بان هذا النوع من الشعر يمنحها الحرية والإحساس بتعاظم إيقاع القصيدة مما يترك أثرا في القار ئ فيدفعه على أن يقبل على هذا النوع من الشعر ، بل أن هذا الأسلوب منح القصيدة رحابة جعلها ترتاد آفاق جديد ة وديناميكية في التأثير , وهذا واضح من تكرار الكلمة أو الجملة وإيقاعها كما في القصيدة السالفة .
الا ان مجموعة (شظايا ورماد) التي صدرت في بغداد عام 1949 ومقدمتها التي كتبتها الشاعرة عن اكتشافها الشعري الجديد فساعدها أن تضع يدها على جوهر الشعر الحر الذي بدى وكأنه شرارة لسعت شعراء العراق و الوطن العربي .
ولكن باكتشافها للشعر الحر ( بعيدا عن الجدل في أولويتها أم أولوية السياب ) بدأت عزلة الشاعرة الحقيقة مع الليل ورمانسية الحياة، والابتعاد عن تجمعات المثقفين وثرثرات الصالونات الادبية ،حتى موتها الذي مهدت له بهذه العزلة الحياتية والثقافية بالرغم من مواصلة تحقيق مشروعها الشعري . و لأنها تعيش في مجتمع ذكوري تكون المرأة فيه تابعة للرجل مما جعل قضية ريادة الشعر الحر حتى هذه اللحظة لم تحسم بشكل جذري .
كانت الملائكة بالتأكيد واعية لمشروعها الشعري والنقدي ومن أجل هذا اصدرت اول كتاب في النقد الادبي هو (قضايا الشعر المعاصر). وكذلك مجموعتها (شجرة القمر) وصدرت مطولتها الشعرية (مأساة الحياة وأغنية للانسان) عن دار العودة ببيروت ، ودواوينها المعروفة الأخرى .
ومنذ ديوانها (قرارة الموجة ) في بيروت تميز ت الشاعرة باهتمامها بالفلسفة مما اثر في فكرها وشعرها ،و الفلسفة ساعدت الشاعرة على أن يمتلأ شعرها بالأسئلة الحياتية والوجودية والتي تعكس المشاعر النافرة في الذات الواحدة مما تجعل هذه الأسئلة من الذات الواحدة ، ذوات متعددة .كما في التالي:

( أُحب وأكره ماذا أُحبُّ / وأكره ؟ أي شعور ٍ عجيب ْ ؟ / وأبكي وأضحك ماذا ترى /يثير بكائي وضحكي الغريب ْ ؟ ) .. الخ
لقد دفعتها أسالتها الى محاولة اكتشاف سر الكون والانسان شعريا لهذا فان الكثير من قصائدها تنحصر على جدلية الحياة والمتناقضات التي تشكل وجود وموت الإنسان :
الحب الكرة الحياة والموت الحركة والسكون الليل والنهار الصمت ..الخ .
وبالرغم من أن الرومانسين العظام فكروا برومانسية الموت ، إلا أن حساسية الملائكة ازاء جمال الحياة يجعلها تُنهض الطبيعة وكائناتها من جديد في شعرها .
ان الاحسا س الشعري وبالتالي و عيها بان الانسان وبالرغم من قوة الموت القادرة على نفيه من الحياة وتحويله الى عدم الا انه كذات شعرية يستطيع ان جعل منها سر القلق وصمت المتمرد فلا القرون الماضية تفهمها ولا الريح تعرف كنه الشعر والشاعر . لذا فان تفرد الذات هو سر الريح وديناميكية الحركة في الوجود ، وبالرغم من هذا فإنها تؤكد بأن الشقاء لا ينتهي ابدا . هذا هو التناقض الجميل بين قدرة الانسان على الهيمنة على الوجود وسر شقاءه غير المفهوم :
( الليل يسأل من أنا /انا سره القلق العميق الأسودُ / أنا صمته ُ المتمردُ )... الخ
بالتاكيد ان الفلسفة اثرت على شعر الملائكة بحيث يبدو شعرا متشائما برومانسية واعية ، وهذا منحها صدى لشعرها بين الشباب من الجنسين فكان الكثير منهم ليس في العراق فقط وانما في الوطن العربي يحفظون قصائدها عن ظهر قلب .

الشعرية عند الملائكة
ان تفكيك قصائد الشاعرة يؤكد لنا بانها كانت تعتمد على الصور الواقعية الدقيقة ،لأن صورها الشعرية تعبر بدقة عن تفصيلات الواقع المرموز او الرومانسي ، كما هو الحال في لوحات رسام كلاسيكي مبدع . وهذا بالتأكيد يشمل جميع شعرها . ولكن كان هذا واضحا في قصيدتها (مر القطار ) وبالرغم من انها تبدو كونها قصيدة تصور حدثا واقعيا وصورا يمكن ان يراها أي انسان في المحطات والسفر وتكرار صور المسافرين وسأمهم من طول المسافة بينهم وبين الوصول الى المحطة الأخرى . وبالتأكيد لابد أن يكون من بين هؤلاء عاشق او شاعر ينتظر الوصول الى حبيبته او ينتظر إلهامه ، إضافة الى تلك الظلال التي نرها عندما يخطف القطار غير مباليا في محطات نائية . والشاعرة في مكان ما تنظر مجئ حبيبها الغائب ... الخ من الصور الكثير ة . أقول بالرغم من ان كل يبدو واقعيا لكن طبيعة جو القصيدة وبعدها الرمزي يجعنا نفكر بان القطار هو الزمن الذي يمر ولا يتوقف ، وان هؤلاء البشر هم الذين يسحقهم الزمن وان السأم والأنتظار هو الذي يجعل من الحياة غير محتملة ، مادامت المحطات نائية ومجهولة . ويعتبر هذا جزءا من قدرة الشاعرة على ان تمنح شعرها الرومانسي ابعاد جدية وقدرة على طرح سؤالها الفلسفي والوجودي والمصيري احيانا ، إضافة الى البعد الدرامي الذي يجعل من القصيدة مشاهد قريبة من روح المسرح .

وعندما نسيت الملائكة وأهملت عراقيا وعربيا فانها صمتت احتجاجا ، وصمت الشاعر لعنة حقيقة على وطنه ، فاين كانت الحكومة العراقية من احترام شاعرة الريادة وهي تعاني مرضها السرطاني الذي استمر طويلا حتى ينبرى رئيس الوزراء العراقي المالكي لنقل جثمانها ودفنها في العراق ( على حسابه الخاص ، وكأن شاعرة مثل الملائكة ليست عراقية وليس لها حصة في نفطه الذي يسرق الآن من المليشيات الحزبية والدول التي تتدخل وتقرر مصير العراق ).
أن إهمال شاعرة مثل الملائكة لسنوات طويلة يذكرنا بمأساة وغربة السياب والذي لم يحزن لموته سوى المطر،ويذكرنا أيضا بان النظام العراقي السابق اسقط الجنسية عن الجواهري والبياتي وكان سببا في نفي الكثيرين من المبدعين من الشعراء والفنانين والمبدعين العراقيين ، وأن نظام الطوائف والكره القومي وبلد الحرب الاهلية غير المعلنة يكره ويحارب كل ما هو إبداع وفن وفي مقدمتهم القاتل والمتهم الهرب وزير الثقافة .
ولهذا فإنني اهمس حزني لعائلة الملائكة وادعوهم أن يعملوا على ان يبقى جثمان الشاعرة مدفون في حاضنة المبدعين القاهرة حتى اللحظة التي يكف فيها ساسة العراق ومؤسساته وبرلمانه عن إلغاء دور المثقف والمبدع العراقي ، ووقف التحارب وقتل العراقيين والصمت الملغوم على تدخل دول الجوار بالشأن العراقي ، وحتى تضل شاهدة قبر الملائكة تشير إلى وحشية التهام العراق الدائم لمبدعيه ، وحتى تكتمل قصيدة وحدتها وعزلتها التي عانت منها كشاعرة مبدعة في حياتها و موتها .

كوبنهاكن



#فاضل_سوداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الفردوس المفقود في لوحات الفنان العراقي عباس الكاظم
- تحولات الاشياء في فن المنفى
- خمس ساعات فقط في ظهيرة الزمن
- لورنا سليم زهرة الأسرار تتألق في الشمس العراقية
- د. سوداني :بيان حول ذاكرة الجسد في المسرح البصري
- ظهيرة الخروج
- سرية الإبداع بين المخرج والمؤلف في المسرح العربي
- شكسبير و الوجه القبيح للطاغية (ريتشارد الثالث وصدام حسين ) ...
- الضفة الأخرى من الجريمة والعقاب
- همس الليالي البيضاء في العرض المسرحي البصري
- المفكرون العرب لا يمتلكون الاحساس بالزمن
- المخرج المسرحي العراقي د.فاضل سوداني .....الحضارة الشرقية غن ...
- خيال الظل العربي الاسلامي
- الدلالات السميولوجية في فضاء العرض المسرحي
- جلجامش …….. والبعد السميولوجيي للنص البصري المعاصر
- فان كوخ يعرض طقسا مسرحيا
- النقد المزدوج وغربة المسرح العربي
- الفنان العراقي عوني كرومي وبرتولد برخت
- العراق والسياسة والمنفى والغرب ومسرح الصورة
- جحيم الحرية والتباس الحقيقة الذاتية


المزيد.....




- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...
- العلاقة الوثيقة بين مهرجان كان السينمائي وعالم الموضة
- -من داخل غزة-.. يشارك في السوق الدولية للفيلم الوثائقي
- فوز -بنات ألفة- بجائزة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة
- باريس تعلق على حكم الإعدام ضد مغني الراب الإيراني توماج صالح ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل سوداني - هل مازال العراق يلتهم شعراءه