أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل سوداني - جحيم الحرية والتباس الحقيقة الذاتية














المزيد.....

جحيم الحرية والتباس الحقيقة الذاتية


فاضل سوداني

الحوار المتمدن-العدد: 1949 - 2007 / 6 / 17 - 07:41
المحور: الادب والفن
    


ضمن التلامس الحضاري وبتأثير ديناميكية الوعي الأسطوري والملحمي للحضارات العراقية القديمة توجه المؤلف المسرحي المبدع عادل كاظم إلى الأساطير والملاحم التي تخلق التفاعل المعاصر من أجل منح المسرح ذلك القلق الذي لا يؤثر على وعي المشاهد فحسب بل يخلق في داخله تلك الدهشة الضرورية لتحقيق الوعي الذي يفرضه مسرح برشت والمسرح المعاصر .
لذلك فان عادل كاظم ومن أجل أن يحقق مشاكسته الفكرية إزاء ظواهر وجودنا المعاصر ، أعني حرية الإنسان (كذات ) وعلاقته بالنظام التسلطي والاستغلالي متمثلا بجبرية الدكتاتور المنفذ للإستغلال الطبقي ، أومن أجل أن يخلق معادلة صيرورة (الذات ) القلقة المتفانية في صراعها مع ( الآخر ) كتب مسرحيته الأولى الطوفان مستغلا الجو والخصائص الدرامية لملحمة جلجامش القديمة ( وتعتبر المسرحية تفسيراً معاصراً للملحمة والتي أخرجها إبراهيم جلال بعدة رؤى إخراجية مختلفة وبوعي ملحمي بريشتي )
وبالرغم من أن المسرحية لم تخرج عن إطار الكتابة التقليدية المتقنة الصنع في بنائها ، إلا أن المؤلف بحساسيته الدرامية والفلسفية ولغته التي تهوم في فضاءات الشعرية والجدل الفلسفي ، إمتلك القدرة على صياغة الحدث والفعل الدرامي الذي يتأسس على التناقض الضدي في المفاهيم والأفكار أوحتى في الجملة الواحدة . لذا فإن لغته الدرامية في عموم مسرحياته تتجوهر وتتكثف بتعبيريتها ذات الطابع الفكري ، إضافة إلى توهجها الشعري ، فمن خلالها يعبر عن شيزوفرينية وتوهان الذات العراقية القلقة دائما والمستفزة بمشاكلها المعقدة التي هي جزء من مشاكل الإنسان العربي المعاصر .
فتحتل موضوعة علاقة الذات بغموض وتعقيد الظاهرات الاجتماعية والكونية والمشاكل المعقدة الأخرى ، جوهر مؤلفات عادل كاظم ، فهو دائما ـ وبعناد لامثيل له يضع بطله في زاوية ضيقة كأنها ثقب الابرة ويدفعه نحو المجهول بغية تحقيق عنفوان الذات البطولي الخادع أو علاقتها المحكومة بجحيمية الآخر ، مستهديا بقصوره في فهم واستيعاب العالم الضبابي المحيط به عندما يتجاسر للولوج فيه ، بالرغم من رحابة عقله ووعيه . من هذا المنطلق فأن بطل عادل كاظم يبدو في الكثير من الأحيان قَلِقاً ، مضطرباً ، ملتاثاً ، نتيجة لمحاولته الوصول إلى حصانة فكرية وهدوء نفسي أزاء العالم الاكثر جنوناً الذي يعيش فيه .
فالإنسان بالنسبة للمؤلف مختنق بمشاكل مادية وميتافيزيقية في الآن ذاته ، تشغله دائما حد القلق الوجودي ، بدون ان يجد مبرراً أو تفسيراً . لهذا فأنه يتخبط وسط شبكة الواقع المادي المعقد بمجانيته ، أو الميتافيزيقي الغامض نتيجة لإلتباساته . وضمن هذا المفهوم فان أبطاله يلامسون جذر وحقيقة المشكلة ، لكنهم لايحيطون بها كليا او يمتلكونها .
إن مشكلة الحرية هي مشكلة دائمة في طروحات المؤلف ، وتعتبر موضوعته الأساسية فتشكل هوسه الابداعي . ولكن عندما يبدأ أبطاله التفكير العملي والتجريبي بحريتهم أو الثورة على الواقع السلبي كونه وجوداً ملتبساً ، أوعندما يعمدون لملامسة الظاهرات ذات الطابع الفلسفي ، فأنهم ينكفئون على ذواتهم ، فتصبح مفاهيمهم حول الحرية والثورة والعلاقة بالآخر وغيرها ( والتي تشكل الوجود الذاتي للبطل ) مقولات وظاهرات معقدة وخالية من مضامينها وجوهرها وخاصة في مجتمع محكوم مسبقا بالحرمان منها ، وهذا يخلق التصادم بين البطل ومحيطه ، بين الذات كوجود في صيرورة الفعل وبين الوجود الآ خر ( الواقع أو الذات الأخرى ) وقد يؤدي هذا إلى السكونية والسلبية .
إن مثل هؤلاء الأبطال وعلى نطاق محاولة الخروج من أنانيتهم الفردية وسلبيتهم الوجودية يلجأون إلى قوة خارجية ليست ذاتية في تحقيق فعلهم الوجودي ، ولهذا السبب فانهم دائما عاجزون عن فعل التحقق الذاتي فتضج أرواحهم بصراخ لا يسمعه أحد غيرهم : " العالم أعطى .. والعالم أخذ" كما فعل بطل مسرحيه "تموز يقرع الناقوس "
إن عجزهم في تحقيق ذواتهم بعيداً عن الآخر يدفعهم إلى الانتماء إلى المجتمع من جديد ، لتحقيق فعلهم الحياتي للتكامل مع تلك النار المستعرة في دواخلهم أو ذلك الطموح لملامسة تلك الجوهرة الجحيمية المسماة الحرية والتي تظهر للبطل كشهاب ناري تغريه بشعاعها اللاهب فيتبعها بإصرار لا مثيل له ، ولكن بلا بصيرة أحيانا ، وبدون التأكد من قدراته الذاتية في مواجهة مصيره التراجيدي ، إنه مشتت ولاهٍ بالرغم من أنه ينحدر إلى الأعماق السحيقة لجحيم الخراب ، وإن بدا متشبثاً في كل شيء ، لكنه يترآى في غشاوة الوجود هامساً بفحيح مأساوي بعد أن يعي حجم خرابه الذاتي ، كما فعل البطل في المسرحية السابقة :
(ها أنذا أحمل حملا ثقيلا / متوجه نحو القمة / ويجب ألا أسقط )
وهنا يبدأ تأثير برشت فكريا وملحميا وتغريبيا ، حيث أن البطل يتخلى عن ذاتيته لينتمي إلى الآخر . وهذه هي الميزة التي اكتشفها إبراهيم جلال ـ المنتمي إلى برشت في معالجة المشاكل الاجتماعية على المسرح ـ في أبطال عادل كاظم وحاول دائما تطويرها من أجل أن يخلق العرض الشعبي المبني على إفهومة برشت في المتعة والتعليم وما يضفي عليها فكر عادل كاظم المهوس بالأساطير والمقولات الفلسفية ، وكذلك العقل المسرحي المفكر والرؤى الإخراجية لمفهوم ابراهيم جلال للمسرح المركب .
والجانب الاخر من روح وموقف بطل عادل كاظم الخارج من قدسية الأساطير والملاحم البابلية يلامس ذاتيته لكنه لا يستطيع تحقيقها إلا بالتخلي عن هذه الذاتية ، عندها يصبح هشاً وقناعاً غير معبر ، لأنه يجتاز منطقة الخطر وامتحان الذات اضطراراً ، فينحدر إلى هوة الهامشية والتماهي ، ليتحول إلى بطل بائس ، متكيف مع خراب روحه فيصبح جزءاً من التاريخ الإستثنائي قياسا لدوره في تغير ذاته وواقعه . وعادل كاظم عندما يقوم باستغلال التراث البابلي ، يحاول انتقاء تلك المقولات والأفكار التي لها علاقة بمشاكل عصرنا الراهنة ويبني عليها مفاهيمه المسرحية مما يضفي تفرداً لسمات ذلك المسرح الذي مازال يجهد ببنائه منذ الستينات من القرن الماضي .



#فاضل_سوداني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بصريات الجسد في الطقس المسرحي
- ذكرى عنادل العمارة ( ميسان) المهاجرة
- رسائل تشيخوف يقرأها المخرج بيتر بروك دراميا
- عروض مسرحية عن همس الحواس و ذاكرة الاشياء
- عرض مسرحية حدّ ث ودلالات الفكر الاخراجي في المسرح
- فن التشكيل البصري في زمن العولمة
- البعد الرابع لغة فن التشكيل البصري
- البعد الرابع لغة الفن البصري
- الممثل في مسرح البعد الرابع البصري
- هل مازال العراق يلتهم أبناؤه
- الموسيقى ومجزرة حلبجه
- زهور المدينة المدللة في الزمن الهني
- فان كوخ .... رحلة ضوئية باللون والجسد للتطهير من العنف
- طنجة .... برزخ الابداع والمنفى
- أسطورة النار المقدسة في الأزمنة المنسية
- الجسد والحضور الميتافيزيقي للشعر البصري
- عبد الرزاق المطلبي واحلام كانت مرمية في الطريق) سر التجسد)
- تعاويذ الحب وتوهج الجسد في بهو النساء
- الحضور الابداعي للكتابة عن المسرح
- باشلار و ظاهراتية الصورة الشعرية


المزيد.....




- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو
- نجم مسلسل -فريندز- يهاجم احتجاجات مؤيدة لفلسطين في جامعات أم ...
- هل يشكل الحراك الطلابي الداعم لغزة تحولا في الثقافة السياسية ...
- بالإحداثيات.. تردد قناة بطوط الجديد 2024 Batoot Kids على الن ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - فاضل سوداني - جحيم الحرية والتباس الحقيقة الذاتية