أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد سيد رصاص - كانط:تأسيس نظرة فلسفية جديدة لعلاقة الذات والموضوع-















المزيد.....

كانط:تأسيس نظرة فلسفية جديدة لعلاقة الذات والموضوع-


محمد سيد رصاص

الحوار المتمدن-العدد: 1979 - 2007 / 7 / 17 - 10:53
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


اعتبر عمانوئيل كانط(1724-1804)أن التجربة تبدأ من صورتي الحدس الحسي،المتمثلتان في الزمان والمكان،واللتان مع مقولات الفهم(=العلة-التأثير المتبادل-الوحدة الجوهرية)ومُثُل العقل،تشكل الشروط القَبلية لإمكانية حصول التجربة.ومجموع هذه الأطر القَبلية تكون أساساً لعمليات وملكات ذهنية،كالتخيل والفهم،موجودة في بنية الذهن البشري ،حيث يدعوها كانط ب(الإدراك الواعي الترانسندنتالي)الذي يقوم بتوحيد المدركات الحسية في كل نَسَقي واحد،مايعني أن(الترانسندنتالي)عند كانط ليس هو المتعالي بالنسبة للتجربة-كماكان الأمر عند من سبقوه من الفلاسفة-بل القَبلي عنها،والأساس الذي تقوم عليه.
هذا يعني –عند كانط- أن تفاعل( الذات) مع الحس يؤدي إلى حصول (الموضوع),الذي هومحصور ضمن نطاق المحسوسات بشكل محض ومحدد،حيث يؤدي توجه الإدراكات الحسية نحوها-=المحسوسات-إلى تكون الفهم والمفهومات،ليقوم الذهن،هنا،بعملية توحيد العمليات الحسية في تجربة نسقية من خلال استعمال المقولات التي تنظم التجربة في أطر وصور عقلية،حيث تكون هذه المقولات جزءأً من بنية الذات العارفة،وهي غير مرتبطة بأي حالة حسية ،بل يمكن القول أنها حالة باطنية في الذات ,وموجودة قَبلياً بها.
من هنا،يكون تصور الذات العارفة للموضوع قائماً على أساس صورتها وبناها الذاتية,فتقوم بتشكيل الموضوع على نفس صورتها الذاتية,حيث تقوم بإلباسها على الموضوع.لهذا،لايمكن لهذه الذات أن تقوم بإدراك سوى الموضوعات الحسية ،التي تكون في وضع كثرة,ليقوم الفهم بوضع وحدة مركبة لها في إطار يضعه الذهن لها,حيث لايعتبر كانط أن هذه الوحدة(للموضوع)موجودة في حال استقلال عن وجود الذات العارفة التي هي خالقة هذا التركيب المتصوَر للأشياء من خلال مَلكة(التمثل) التي هي أساس عملية الفهم.
هذا يقود كانط إلى اعتبار(الذات)و(الموضوع)في حالة وحدة لاانفصام فيها،مكونة من طبيعتهما الحسية المحضة ،حيث يتجه الذهن إلى انشاء نسق متصل ضروري يقوم بالتوحيد الذهني التركيبي للكثرة الحسية،فيضع روابط للأشياء،بشكل واع أوغير واع،من خلال فعل التركيب الذهني,وبالتالي فإن الوحدة المركبة والعلائقية للكثرة ليست موجودة فيها,بل من صنع(الذات)العارفة.
هذا يعني,كانطياً,أن لاخارجية موضوعية للأشياء.ثم يعني أن لاامكانية لكل معرفة لماوراء المحسوسات,الشي الذي أدى بكانط إلى نقض أي أساس للميتافيزيقا،معتبراً أنها تتركب على صورة البنى الذهنية للذات العارفة,ومن خلالها,وبشكل محدد بها تماماً.
لذلك،رأيناه،بناءً على ماسبق,يقوم في كتابه"نقد العقل المحض"-1781-بتفكيك معرفي لكافة الأدلة المستخدمة من أجل اثبات وجود الله,نافياً صلاحيتها وجدواها في انتاج أي فعل معرفي حقيقي لهذا الموضوع.فهو يعتبرأن المتافيزيقا قد تكونت نتيجة للطبيعة القادرة على التركيب الموجودة في البنية الذهنية البشرية,مما يجعلها قادرة على تصور وبناء حالات ماوراء حسية-على مثال أوبالتضاد مع بُناها الحسية-بدون أن يعني هذا أنها موجودة فعلاً في الواقع:فهي يمكن أن تبني الميتافيزيقا,ولكن بدون أن تستطيع اثباتها معرفياً.
والملفت للنظر,أن توحيد كانط للوجود الحسي في"وحدة وجود"شاملة لبعديه (=الذات والموضوع)ضمن إطار مركب عضوي يعبر عنه فعل(الإدراك الواعي الترانسندنتالي) قد جعله يرفض نظرية ديكارت(1596-1650)في (الإمتداد)التي يعبر عنها مبدأ الكوجيتو(=الأناأفكر),وهذا شيء لايشمل فقط امتدادات الذات المعرفية نحو الماوراء الحسي وإنما أيضاً يضع موضع الشك المعرفي استقلالية وجود الموضوع الحسي عن وجود الذات العارفة,حيث نلمس عند كانط استحالة نشوء أي خارجية للموضوع عن الذات،حيث يعتبرهما في حالة تلازم نسقي ثابت وواحد.
وقد أدى رفض الوجود الموضوعي المستقل عن الذات,هذا،بكانط إلى رفض كل نزعة تاريخية,وهذا أمر طبيعي،فالتاريخ هو ميدان تفاعل الذات مع الموضوع،سواء أكان طبيعياً,أوماورائياً،أواجتماعياً،كماأنه هو الإطار الذي تتحقق وتتموضع فيه الذات العارفة,كماأدى ذلك بكانط إلى رفض امكانية الوصول إلى أي تركيب يمكن أن يعبر عنه(المطلق)أوالله,أوأي هدفية تاريخية يكون هدفها انشاء وحدة تتجاوز ثنائية الوجود المتمثلة في تناقض المادة والفكر.صحيح أن كانط قد أنشأ وحدة لهما ،في إطار شبيه ب(بيركلي)-1685-1753-,إلاأنه قد حطم كل تركيبة معرفية أوهدفية،وساهم في وضع الأساس الفلسفي للنزعة الوضعية التي ترفض أي تصور تركيبي للوجود،مقتصرة على التصوير الوصفي للأجزاء ،من منطلق أنها تعبير عن حالات منعزلة لارابط بينها,وأن الوجود لايقوم على أي رابط موحد لأجزائه،الشي الذي دفع بالفلسفة الوضعية مع(أوغست كونت)-1798-1857-إلى نزعة تجزيئية لاتقتصر فقط على الوصف الظاهري للشيء ورفض أي تعمق في كنهه،وإنما إلى اعتباره شيئاً جامداً قائماً في ذاته,وبالتالي إلى نفي الحاجة لدراسة روابطه وحركيته اللتان يكون التاريخ ميدانهما.
فالتناقض الذي أقامه كانط بين(الظاهرة)و(الجوهر)لم يدفعه فقط إلى رفض امكانية كل دراسة لجوهر الشيء أوالظاهرة,وبالتالي لتأكيد الوصف المعرفي ضد التأمل الميتافيزيقي،وإنما أيضاً إلى وضع (نظرية المعرفة),التي اعتبرها كانط كالميدان الرئيسي للبحث الفلسفي، في حالة تناقض مع البحث التاريخي.
لذلك لم يكن التحطيم الكانطي للميتافيزيقا نقضاً لنزعة تركيبية ماورائية لصالح نزعة تركيبية حسية ،وإنما من أجل تثبيت تصور تجزيئي نسبوي للوجود,يرفض تحديد أي غاية له,ولايعتبر الحركة أداة للوصول إليها من خلال التاريخ،وإنما يعتبر أن الذات الفردية العارفة هي التي تعطي أثناء فعل المعرفة الذاتي الوحدة والمعنى للموضوع,وبدونها لايكون الموضوع شيئاً.وبالتالي،فمادامت الذوات الفردية محكومة بالتنوع,ومادامت الأشياء لاتملك وحدة خارجية بمعزل عن هذه الذوات التي هي بدورها غير موحدة أيضاً,لذلك فالوجود الانساني محكوم بالكثرة المتناقضة والمتنوعة،ولايملك أي هدف أووحدة مركبة لأجزائه الفردية أوالشيئية.
كان هذا تأسيساً فلسفياً جديداً لنسبية المعرفة وتعدديتهاوفرديتها,من قبل الذوات الانسانية المحكومة بالتعدد المنظوري،ماشكل الأساس الفلسفي لمفهوم الديموقراطية,مثلما كان تشكيل كانط لنقض المعرفة الميتافيزيقية مؤدياً به لاعتبار الشعور الديني من غير الممكن بناؤه على المعرفة بل باعتباره شعوراً أخلاقياً –جوانياً تجاه أوحيال فكرة أو مثال أعلى,تماماً مثل اللاتدين,حيث لايملك المتدين واللامتدين المشروعية المعرفية لكي يطغى أويسود أحدهما,باعتبارهما حالتان فرديتان وشخصانيتان من حيث نشوء حالتهما(انظر كتاب كانط:"نقد العقل العملي"-1788-.
ربما أعطى كانط في كتابه الثاني هذا الغطاءالفلسفي للعلمنة من حيث كونها تعايشاً بين الدين واللادين،إلاأنه في كتابه الأول قد أسس للنزعة اللاأدرية التي ترفض اثبات أونفي أي شيء ,نافية أي غاية أوهدف عام،ومعتبرة الوجود لاشيء سوى التجربة من قبل الذات،الشيء الذي وجد تعبيره الأكمل لاحقاً مع(فلسفة الحياة)التي اعتبرت الوجود هو التجربة المعاشة,مذوتةً التاريخ في السيرة الذاتية التي تلخص الذات والموضوع والفكروالمادة في(الحياة)نافية أي هدفية موضوعية أوجمعية أوكونية.
كماأن تحطيم كانط لكل نظرة تركيبية شمولية للوجود قد استتبع كنتيجة تقليص مجالات الفلسفة نفسها,التي كانت تحاول سابقاً تأطيركل ميادين المعرفة الانسانية ضمن بناء فلسفي ناظم لجوانبها المختلفة,حيث اعتبر كانط أن مجال الفلسفة هو في ميدان (نظرية المعرفة)حصراً.وهذا ماشكل مدخلاً لنشوء العلوم الانسانية المختلفة،التي كانت ميادينها خاضعة لسلطة الفلسفة لتصبح علوماً مستقلة عن الفلسفة وعن بعضها البعض,في إطار من الاختصاص الميداني القائم على تصور تجزيئي-وصفي للظاهرات,كما نرى مثلاً في(علم الاجتماع) الذي وضع أسسه أوغست كونت.,فيماأدت الكانطية,من جهة أخرى,إلى انشاء انقسامات ثنائية معرفية لمجالات الفكر الانساني ك(الحرية-الطبيعة)و(الفهم-العاطفة)و(الله-العالم)و(الظاهر-الجوهر)و(الحياة-التاريخ).وهذا أدى إلى انشاء حالة ترفض الرؤى التركيبية,وكل رؤية كلية للوجود ,حتى تلك التي تشمل ميدان المتناهي وليس الماوراء أواللامتناهي,حيث أن كانط لم يساهم فقط في تهديم معرفي لكل موضوعية مستقلة وخارجية للأشياء,وإنما وضع الشكوك حول الموضوعية المتجاوزة لحدود(الأنا)في فعل المعرفة,حيث وضع الشك المعرفي حول وجود الموضوع ذاته كشيء مستقل موضوعياً ومتخارج عن الذات,كما طرح شكوكاً حول امكانية معرفة(الأنا)لذاتها,من خلال استحالة تحول هذه الذات إلى موضوع لها,من حيث أن ذلك يتطلب انشاء مسافة بين الذات والموضوع,الشيء الذي لايمكن أن يتطابق مع المفهوم الكانطي لطبيعة(الأناأفكر)والمستند إلى نظريته حول (التجربة)و(قَبلياتها).
..................................................
كان هذا طريقاً جديداً للفلسفة الحديثة اختطه عمانوئيل كانط ,لتتبعه فلسفات على نفس الطريق(الوضعية-فلسفة الحياة-الهوسرلية.-البنيوية......إلخ),فيما قدمت الهيغلية,برؤاها الكلية التركيببة-الجدلية-التاريخية,ومعها وبعدها الماركسية,طريقاً فلسفياً آخر.



#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هل العرب والمسلمون مستهدفون؟
- تركيا:لاتلازم العلمانية والديموقراطية
- فشل عملية(فلسطنة)الصراع
- علم الكلام:مشكلة التوسط بينالمتعاليوالعالم المحسوس
- من بغداد2003إلى طهران2007
- تراجع(الأصولية)أمام(الجهادية)و(السلفية الجهادية)-
- تفجيرات الجزائر:هل انتهى عهد (السلم والمصالحة)؟
- المسار العربي الصعب - 23تموز1952-9نيسان2003
- هل يمكن تحييد دولة يعيش مجتمعها حالة من اللااندماج؟
- مفاهيم عربية متعددة حول السياسة
- عودة التعبيرات القديمة:ردَة للوراء أم شيء آخر؟
- استقطابات خارجية حول الصومال
- الشرق الأوسط:ديناميات - الدولي - و- الإقليمي
- هل منسوب الوطنية عند اليساريين العرب أقل من القوميين والاسلا ...
- رحيل ذلك الماركسي المختلف
- الديكتاتورية والبنية الإجتماعية
- عندما تُكبَر الأدوار الإقليمية لبعض الدول.........
- من سيدفع فاتورة فشل مراهنات النزعة الأميركانية العربية؟....
- لماذا أتت أميركا إلى العراق؟
- الإنشقاق الايراني-الأميركي


المزيد.....




- إماراتي يرصد أحد أشهر المعالم السياحية بدبي من زاوية ساحرة
- قيمتها 95 مليار دولار.. كم بلغت حزمة المساعدات لإسرائيل وأوك ...
- سريلانكا تخطط للانضمام إلى مجموعة -بريكس+-
- الولايات المتحدة توقف الهجوم الإسرائيلي على إيران لتبدأ تصعي ...
- الاتحاد الأوروبي يقرر منح مواطني دول الخليج تأشيرة شينغن متع ...
- شاهد: كاميرات المراقبة ترصد لحظة إنهيار المباني جراء زلازل ه ...
- بعد تأخير لشهور -الشيوخ الأمريكي- يقر المساعدة العسكرية لإسر ...
- -حريت-: أنقرة لم تتلق معلومات حول إلغاء محادثات أردوغان مع ب ...
- زاخاروفا تتهم اليونسكو بالتقاعس المتعمد بعد مقتل المراسل الع ...
- مجلس الاتحاد الروسي يتوجه للجنة التحقيق بشأن الأطفال الأوكرا ...


المزيد.....

- فيلسوف من الرعيل الأول للمذهب الإنساني لفظه تاريخ الفلسفة ال ... / إدريس ولد القابلة
- المجتمع الإنساني بين مفهومي الحضارة والمدنيّة عند موريس جنزب ... / حسام الدين فياض
- القهر الاجتماعي عند حسن حنفي؛ قراءة في الوضع الراهن للواقع ا ... / حسام الدين فياض
- فلسفة الدين والأسئلة الكبرى، روبرت نيفيل / محمد عبد الكريم يوسف
- يوميات على هامش الحلم / عماد زولي
- نقض هيجل / هيبت بافي حلبجة
- العدالة الجنائية للأحداث الجانحين؛ الخريطة البنيوية للأطفال ... / بلال عوض سلامة
- المسار الكرونولوجي لمشكلة المعرفة عبر مجرى تاريخ الفكر الفلس ... / حبطيش وعلي
- الإنسان في النظرية الماركسية. لوسيان سيف 1974 / فصل تمفصل عل ... / سعيد العليمى
- أهمية العلوم الاجتماعية في وقتنا الحاضر- البحث في علم الاجتم ... / سعيد زيوش


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - محمد سيد رصاص - كانط:تأسيس نظرة فلسفية جديدة لعلاقة الذات والموضوع-