محمد سيد رصاص
الحوار المتمدن-العدد: 1812 - 2007 / 1 / 31 - 11:26
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
تضمنت سياسة"الإحتواء المزدوج"للعراق وايران,التي اتبعتها إدارة بوش الأب بعد حرب1991 ثم أعلنتها إدارة كلينتون سياسة رسمية لها,اتجاهاً إلى عدم تغيير البنية الاجتماعية الحاكمة في بغداد منذ تأسيس الدولة العراقية في عام1921,وقد ظهرت ملامح ذلك,بعد استسلام الجيش العراقي في"خيمة صفوان"بأيام قليلة,لما أغمضت الإدارة الأميركية عينيها عن سحق صدام حسين لانتفاضة الجنوب,التي اعتبرتها واشنطن امتداداً لايران واتجاهاً إلى تقويض الواقع التقليدي القائم في بغداد,فيما صرح وزير الدفاع الأميركي هارولد براون في آب1995, عقب انشقاق صهر الرئيس العراقي الفريق حسين كامل ولجوئه إلى عمان,بأن الولايات المتحدة تريد"بديلاً من داخل النظام ومن منطقة الوسط".
تغير ذلك مع إدارة بوش الإبن,الذي اتجه, وقبل(11أيلول),إلى سياسة التخلي عن"الإحتواء المزدوج"لصالح احتواء منفرد لبغداد عبر سياسة(العراق أولاً) التي تحولت,بعد ضرب البرجين,لاتجاه واضح نحو غزو العراق,وهو مابانت ملامحه الواضحة في (خطاب حالة الاتحاد) الذي ألقاه الرئيس الأميركي بالشهر الأول من عام 2002 بعد قليل من"نزهة أفغانستان":كانت الترجمة الفورية لذلك تقارباً ايرانياً-أميركياً علنياً,لم يقتصر على مظهر التلاقي الموضوعي,كما حصل بينهما تجاه كابول الطالبان في خريف2001,وإنما امتد إلى تلاقي الإرادات,وهو ماأظهرته صورة وفد المعارضة العراقية, الداخل إلى مبنى الخارجية الأميركية في أوائل شهر آب2002,بزعامة السيد عبد العزيز الحكيم,الذي صرحت مصادره بأنه قد أخذ الضوء الأخضر من"المرشد خامنئي" قبل حصول هذا اللقاء,وهو ماتكرر في مؤتمر لندن للمعارضة العراقية بالشهر الأخير من ذلك العام,والذي حضره السفير خليل زادة,حيث بانت طبيعة التركيبة الحاكمة المقبلة في بغداد من خلال الحاضرين في ذلك المؤتمر,الذي غلبت عليه التركيبة الشيعية-الكردية.
كان يوم 9نيسان2003 بدءاً لشهر عسل الزواج الايراني-الأميركي,وقد بانت ملامح ذلك عبر واقعة حصول حلفاء ايران التقليديين على الحصة الكبرى من كعكة(مجلس الحكم العراقي)الذي شكَله الحاكم الأميركي بول بريمر في تموز2003,بعد أن شكلوا الستارة المحلية الرئيسية للغزو,ثم للإحتلال,فيما أعطت طهران تقاربات لافتة حيال الولايات المتحدة مقابل ذلك,كما جرى في شهر الرئاسة الدورية لمجلس الحكم من قبل السيد جلال الطالباني,لما اعترفت طهران بمجلس الحكم وأعادت فتح سفارتها في بغداد,الشيء الذي ترافق بالشهر نفسه,أي تشرين الثاني2003,مع اعلان طهران عن وقف برنامج التخصيب النووي الايراني.
كان قرار السلطة الايرانية باستئناف برنامج التخصيب النووي في يوم8آب2005,بعد قليل من انتخاب المتشدد أحمدي نجاد وهو المدعوم من السيد خامنئي,اعلاناً عن حصول الإنشقاق الايراني-الأميركي بمبادرة من طهران,ويبدو أن الايرانيين قد درسو ملياً,في حركتهم الهجومية الاستباقية هذه, ماحصل لدمشق التي وُضعت في موقع دفاعي من قبل القطب الواحد الآتي بحضوره المباشر إلى الاقليم منذ يوم 9نيسان2003, والذي أراد بعد هذا الحضور إعادة النظر بالأدوار الاقليمية السابقة,وهو ماأدى إلى صدام مباشر مع دمشق,توضحت ملامحه منذ زيارة الوزير باول للعاصمة السورية بعد أسابيع من سقوط بغداد,ثم وضعت عناوينه وأجنداته مع (القرار1559)-2أيلول2004-.
لم يكن هذا القرار الايراني رد فعل على ماجرى عند شاطىء المتوسط,وإنما تعبيراً عن محصلة قوى رأت طهران أنها قد أصبحت تمتلكها,عقب أن أزالت الولايات المتحدة أعداء ايران في الشرق والغرب,والذين دفعت طهران مئات الآلاف من جنودها عبثاً لإزالة أحدهم عند حدودها الغربية,وبعد أن تحقق لطهران سلطة نفوذ في بلاد الرافدين(عبر مشهد شبيه بالذي عبر عنه كارل ماركس,تجاه ماقام به بسمارك من تحقيق للوحدة الألمانية في عام1871,بعبارة"إنه يقوم بجزء من عملنا",وهو مايستدعي الإنطباعات الداعية للتأمل حول الفرق بين العقليتين الإنكليزية والأميركية التي يمكن تلمس الفرق في استيعابهما للوضع العراقي من خلال مطالعة "اوراق"جيرتروود بيل التي أقنعت لندن بتبني الملك فيصل ملكاً على العراق في صيف1921 وقراءة مذكرات بول بريمر عن العام الذي قضاه في العراق) سعى إليها حكام بلاد فارس خلال الخمسة قرون الفاصلة منذ نشوء الدولة الصفوية-1502-,ليضاف ذلك إلى ما تملكه طهران من أوراق قوة امتدادية في لبنان ,وفي فلسطين,حيث أصبحت ايران,عبر قوى محلية فيهما,لاعباً رئيسياً في"الصراع العربي الاسرائيلي".
ربما ,لن يكون هناك الكثير من المغالاة في القول أن هناك بداية تنازع نفوذ,بين طهران وواشنطن,على العراق,الآن,حيث يوجد للثانية الجيوش,فيماتملك الأولى الإمتداد السياسي المحلي ويملك الموالون لها الكتلة البرلمانية الأقوى ومفاصل السلطة والمراكز الكبرى:تعطي المسافة المتزايدة,باطراد منذ أشهربين واشنطن والقوى الشيعية العراقية,مؤشرات على ذلك,والتي لاتقتصر على صدامات واحتكاكات مع(الصدريين)وإنما امتدت إلى حدود حرب كلامية علنية بين بوش والمالكي,فيما توحي استراتجية بوش الجديدة,والتي فيها الكثير من إدارة الظهر لتوصيات تقرير بيكر-هاميلتون,بأن ايران في مرمى النظر الأميركي,وبأن هناك اتجاهاً عند الرئيس بوش لعدم الوصول إلى حلول وسطى مع طهران,بخلاف الفترة الفاصلة بين نيسان والعشرة أيام الأولى من تموز الماضيين بعد أن اقترح السيد الحكيم محادثات ايرانية-أميركية حول العراق وماتزامن مع ذلك من مفاوضات بين سولانا ولاريجاني حول البرنامج النووي الايراني وصلت إلى الفشل في ذلك التاريخ من شهر تموز الماضي.
هنا,كان حديث الوزيرة رايس عن"معتدلين في مواجهة متشددين"بالمنطقة,في أثناء زيارتها لها بتشرين الأول الماضي,مؤشراً أولياً على الاتجاه نحو تبني هذه الاستراتيجية الجديدة,بماتعنيه من انشاء حلف اقليمي ضد طهران برعاية واشنطن,بكل ما يحويه ذلك من اتجاه أميركي مستعاد لإعادة الاعتماد على العديد من الأنظمة العربية القائمة,ومايعنيه هذا من التخلي عن اتجاه الدمقرطة الذي تبنته الإدارة الأميركية عبر(مشروع الشرق الأوسط الكبير)-13شباط2004-.هذا,أيضاً,يترافق مع ملامح أولية عند واشنطن للتخلي عن السياسة التي اتبعتها,منذ تولي بوش الإبن للأمور,بوضع عملية(التسوية)للصراع العربي الاسرائيلي في البراد,ربما للإ تجاه نحومحاولة تجفيف ينابيع الامتداد الايراني إلى شرق المتوسط عبر البؤر المتفجرة في هذا الصراع,تمهيداً للمجابهة الكبرى مع طهران خلال السنتين الفاصلتين عن موعد خروج الرئيس الأميركي من مبنى البيت الأبيض.
من الواضح ,الآن,بأن المنطقة, الممتدة بين أفغانستان وساحل شرق المتوسط ,قد أصبحت ساحة للمجابهة بين القوتين الأعظمين في الشرق الأوسط الراهن,أي واشنطن وطهران,وبأن كل القوى,من سلطات وقوى سياسية ,تتحدد مواقعها,بشكل أوبآخر,ضمن هذين المدارين,وبأن الموقع الثالث إما معدوم أوضعيف:إلى أين سيقود كل ذلك؟...............
#محمد_سيد_رصاص (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟