أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزيز الدفاعي - من اعدم الزعيم عبد الكريم قاسم؟*















المزيد.....


من اعدم الزعيم عبد الكريم قاسم؟*


عزيز الدفاعي

الحوار المتمدن-العدد: 1976 - 2007 / 7 / 14 - 12:27
المحور: دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
    


عام واحد فقط ويكون عمر حركة 14من تموز1958نصف قرن، وهي بحسابات الماضي القريب ومعطياته... والحاضر وانتكاساته... أكبر من كل الأوسمة والنياشين. فقد بتنا اليوم وسط مخاض التحول الدموي الذي يعصف بالعراق نحو حافة الهاوية بأمس الحاجة لاعادة تقييم تلك الفترة من التحول الوطني الديمقراطي بعيدا عن الولاء أو العداء بعد أن كشف شكل الصراع الحالي بعض دوافع وأسباب أجهاض تلك التجربة الوطنية الفريدة.. وأزيحت الغشاوة عن مسرح الأحداث المتلاطمة بعد عام 1963على يد دعاة (المشروع القومي الوحدوي) التي هتكت تباعا عذريتنا السياسية وتاريخنا العراقي ومستقبلنا حين أنهال (الاشاوس) بوقاحة سافرة وحقد دفين على عشق جواد سليم،وأجهزوا بمزاميليهم و سواطيرهم ومناشيرهم الطائفية المتسترة ببرقع العروبة على جسد بغداد فاغتصبوها قبل" قدس النواب".
بعد مايقارب من نصف قرن بتنا نتطلع مشدوهين إلى حي الجهاد الشعب والدورة والاعظمية ومدينة الصدر التي تحولت إلى كانتونات، و(بغداد شرقية) و (أخرى غربية) وإلى خارطة غير قابلة للقسمة جزئت الى مثلثات ودوائر طائفية ,و مواطنين جمعتهم (ساحة الأمة)في ظل جمهورية الزعيم قبل عقود وفرقتهم (ساحة الفردوس)بعد سقوط جمهورية صدام حسين...
وتمزقت (هوية الأحوال المدينة) إلى ثلاثة أوصال لا يكمل بعضها الأخر، بعد أن كان الوطن في ظل الجمهورية الأولى وطنا بحق تعشعش فيه الأحلام وحمامات السلام البيضاء على سقوف الكادحين والمثقفين ...
كنا نهزج بصوت وضمير واحد (هربجي كردوعرب رمز النضال). لكن تيار الردة الذي تأمر على الدولة الإسلامية الشرعية قبل أربعة عشر قرنا هجريا أجهزكعادته على أحلام الفقراء هذه المرة وأعدم الزعيم ليلة الرابع عشر من رمضان بقدرية تشابه كثيرأ ماحل بإمام المتقين علي ابن ابي طالب(ع) الذي أغتيل في محرابه في رمضان. ربما لأن المقربين من الزعيم في غرفته المتواضعة في وزارة الدفاع قدعلموا أنه كتب في وصيته بعد محاولة اغتياله في شارع الرشيد أن يصلي على جسده بعد موته السيد محسن الحكيم رغم أن الأخير كان قد أصدر قبل فترة وجيزة فتوى يحرم فيها الانتماء إلى الحزب الشيوعي الظهير الأكبر للجمهورية الأولى وقيل ان كبار الاقطاعيين قد ظللوا الحكيم بصورتعذيب الجزائريين على ايدي الفرنسيين واقسموا له انها مجازر ارتكبها الشيوعيون.ومثلما فعل الحكيم اصدر الشهيد محمد باقر الصدربعد سنوات فتوى يحرم فيها الانتماء لحزب البعث. وهنا تكمن المفارقة التي تؤكد دور العامل الديني في رسم الكثير من مسارات وتطورات الاحداث السياسية في العراق المعاصر منذ نشاة اول حزب سياسي في النجف وهو جمعية النهضة عشية الغزو البرطاني للعراق مطلع القرن الماضي وحتى اليوم.
أفل ذلك الزمن أو هكذا أراد له الإقطاعيون و كمبرادورية الشورجة وأزلام حلف بغداد و شركة نقط العراق وأقطاب العهد الملكي ومن بعدهم الجنرالات الذين قادوا الانقلابات ضد القوى الوطنية، والذين تناغموا مع مدرسة نجيب السراج في سوريا الذي أشرف على تقطيع جسد فرج الله الحلو حيا و ألقوا بجسده في التيزاب، وهي المدرسة الفكرية الأولى لناظم كزار ومن بعده العفالقة والزرقاويون عبر سلسلة الانقلابات و التصفيات الدموية التي تعرضت لها القوىالوطنية المعارضة لنظام الحزب العشائري الذي اختزل حزب البعث في قرية العوجة واختزل العراق كله في احلام صدام حسين ومغامراته بينما يرفض ورثته حتى الآن رغم تغير قواعد اللعبة التخلي عن كرسي السلطة لتستعين بهم مؤسسة الدولة اليوم من أجل تحقيق المصالحة الوطنية بإحياء دور العشيرة الذي ينتمي لمرحلة ما قبل نشوء الدولة الحديثة.

هل كان قاسم راضيا عن لقب الزعيم الاوحد؟

لم يكن قائد حركة تموز عبد الكريم قاسم نموذجا بونابارتيا ولم يكن أيضا كبيسمارك الذي افتتن به المشروع القومي لساطع الحصري الذي خلق نماذج لزعامات وقف خلفها الأمريكيون منذ بدء الحرب الباردة أمثال عبد الناصر وبن بلا والقذافي والأسد وصدام داعمين إياها لقمع قوى التحرر الوطني والحيلولة دون أي تقارب مع الكتلة الاشتراكية مثل ما دعموا نظام المشايخ والأمراء وعروش الملوك ونفخوا بعاصفة الإسلام السياسي في المنطقة ولا زالوا رغم تغير قواعد اللعبة و خرائطها .
و لعل قاسم هو أول قائد عراقي يتحسس عراقيته وانتماءه التاريخي الذي يمتد لحوالي 4375 سنة عندما رسم (سرجون الأكدي) حدود الخارطة العراقية الراهنة مدركا أهمية منابع النهرين بالنسبة لوسط و جنوب البلاد.
وسعى الزعيم"أو هكذا خيل له"جمع القوى الوطنية للمشاركة في تنفيذ مشروعه غير المؤدلج لتحقيق المنجزات الشعبية التي كرست صورته كبطل أسطوري في أذهان الكادحين و لم يكن بحاجة للقب الزعيم الأوحد الذي ابتدعه مثقفوا الإعلام اليساري الذين استوحوا مفاهم الفيلسوف الروسي (بليخانوف) حول دور الفرد في صناعة التاريخ وتطلب الأمر توضيحا للتفسير الماركسي اللينيني للعملية التاريخية، مما كان مؤشرا على طبيعة الوعي السائد آنذاك.ان هؤلاء يردون على انفسهم هذه التهمة مؤكدين ان ذلك الوصف للزعيم كان ردا ضمنيا على توجهات عبد السلام عارف الذي تجاهل في خطبه الاشارة لقائد الحركة وكان متطلعا الى الوحدة الفورية مع مصر الناصرية فرد عليه الشيوعيون بشعار الوحدة الفدرالية والصداقة مع الاتحاد السوفيتي وتذكيره بان للثورة قائد واحد هو الزعيم قاسم.
وربما ساهمت براغماتية القيادة الشيوعية وما كانت تشعر به من مخاطر وتحديات ومسؤوليات بعد انفرادها في الساحة السياسية من حاجة الإضفاء دور البطل المنقذ على الزعيم الأوحد.ولقد لعبت لجان صيانة الجمهورية والمقاومة الشعبية دورا كبيرا في الدفاع عن الثورة وسياساتها حتى اخر لحظة . والثابت أنه منذ الدخول العربي أرض الرافيدين لم يحكم العراق قائد من أبنائه يحمل تلك الكارزمية والعفوية والرغبة الصادقة في صناعة التاريخ الوطني خارج إطار الايدولوجيا وبعيدا عن القدرية الإغريقية التي تجعل الأحداث وكأنها تنفيذا لسيناريوهات سماوية أو روى و مغامرات على مسارح لندن أو موسكو.
كما لم يكن عبد الكريم قاسم تجسيدا لميكافيلية في التعاطي مع الوقائع في تلك المرحلة مثل ما يتصور البعض ممن كتب سيرة حياته مهملين أحيانا الظروف التاريخية التي بدأت فيها ملامح الزعيم تترسخ في وجدان شعبي صعب المراس في ظل التداعيات الإقليمية والدولية في فترة الحرب الباردة والصراع على النفوذ وحلف بغداد والمشروع الوحدوي الناصري.
لقد كانت محاولة سياسية جرئية إقدام القوى اليسارية العراقية على كسر هياكيل الاقطاع والبورجوازية بحرق مراحلها لكن ذلك تم دون حساب دقيق لنتائجها وتشابكاتها الطائفية والعشائرية وارتباطاتها والسعي نحو زجها في الطريق صوب الاشتراكية قسرا بعد سلسلة الانقلابات التي شهدها العراق منذ انقلاب بكر صدقي.
وكان واضحا ذلك الخلط التحليلي بين( المشروع الوطني) و(أدواته التنفيذية) لدى أغلب الزعامات السياسية في العراق حتى اليوم والذي اتخذ أحيانا أشكالا قومية وأخرى وطنية ملكية وجمهورية علمانية أو دينية إلا أنها جميعا عكست الوجه الظاهري للصراع وليس الصراع الحقيقي بين القوى وعلاقات الانتاج. ذلك أن البرجوازية الوطنية وملاك الأرض الكبار قد عجزوا عن القيام بدورهم في عملية التحديث والإمساك بسلطة الدولة واستخدامها لتحقيق نمو معرفي واقتصادي بعد قرون من الاستلاب . وقد انتهت محاولات النظام الملكي تحقيق الوئام بين الطوائف والقوميات عام 1941 عندما وقفت إلى جانب المحتل البريطاني عقب حركة رشيد علي الكيلاني الذي كان ورفاقه الضباط متأثرا بالدعوة القومية في المانيا النازية .
من هنا كان لا بد من اللجوء للمؤسسة العسكرية لإحداث عملية التغير، فنوري السعيد كان يرى بواقعية (أن الاستقلال التقليدي لا وجود له وانه لا بد من التحالف مع بديل في مواجهة الخطر الشيوعي وضمان انسحاب بريطانيا من العراق أن نبحث عن صيغة أخرى)أي انه كان يدرك بذكاء اهمية ودورالتوازن بين القوى العضمى انذاك على مستقبل العراق لكن قاسم لم يعي هذا الدرس و راهن على الخيار الأخر بصلابة دفع ثمنها لاحقا ربما لعدم قدرته على أحداث التوازن بين القوي الخارجيةأو ربما دفع ثمن رهان الحزب الشيوعي العراقي على موسكو،على حساب الغرب خاصة وانه خلال فترة حكمه وانكفائه لمواجهة المشاكل الداخلية لم يعطي العامل الخارجي الدور الذي يستحقه ولم يكن محاطا بمستشارين في شؤون السياسة الخارجية من غير المسيسين.
لقد ساهم القدر في منبت الزعيم في بناء بعض من أسباب القبول الجمهوري كونه كان ثمرة طبيعية لمصاهرة طائفية فهو من أب سني وأم شيعية تشير بعض المصادر إلى أنها من الأكراد الأفيلية. وساهمت بساطة الحياة المتقشفة النزيهة للزعيم وصلاته بالفقراء والكادحين والمثقفين في أعطاء شخصيته صوره رومانسية للقائد المنقذ الذي لم يكن سليل الملوك او من العوائل الغنية في بغداد مما زرع شخصيته في قلوب الملايين من الكادحين عززتها سلسلة القوانين التي صدرت في تلك الفترة والتي مثلت نقلة نوعية في واقع العراق السياسي والاقتصادي والثقافي (الإصلاح الزراعي، تقليص نفوذ شركات النفط الأجنبية وإنشاء الأوبك، بدء الصناعات الخفيفة، المزارع والتعاونيات، إنشاء وتوسيع النقابات، الخروج من كتلة الإسترليني، البنية التحتية،التعليم ،الصحة ،السعي لحل القضية الكردية...الخ) مما تسبب في بدء عملية التنمية الشاملة وفي ذات الوقت تفتيت الملكيات وزيادة عدد الملاك الصغار ونمو دور البورجوازية الوطنية الصغيرة و بدء الصدام مع كبار الملاك والتجار الذين ألقوا بثقلهم في التيار القومي الطائفي بقيادة تلك النخب. وكان للعامل الخارجي الدور الحاسم في الصدام اللاحق مع الزعيم واليسار العراقي. أن من بين ما أفرزته تلك المرحلة في المحصلة تصحيح الخلل في الهيكل الطائفي في العراق.
فخلال الفترة(1963-1958) حصل الشيعة على مواقع وزارية سيادية كثيرة تليق بنسبتهم السكانية ووصلوا إلى مواقع هامة في قيادتي كل من الحزب الشيوعي وحزب البعث(أنظرحنا بطاطو( impulse Islamic). دون آن يعني ذلك اي موقف طائفي للجمهورية تجاه اي مواطن .

وإذا كانت المسألة الوطنية تمثل جوهر مشروع الجمهورية الأولى فان الزعيم لم يكن بعيدا عن التوجه القومي حتى اكتشاف محاولة الشواف الانقلابية بدعم من عبد الناصر رغم أن كلا الزعيمين كانا من أشد حلفاء موسكو آنذاك، وجاء موقف القاهرة المعارض لسياسة الزعيم قاسم ضم الكويت لتدفع بالسياسة العراقية إلى الضفة الأخرى من المشروع الناصري لاختلاف أجندتهما وإدراكهما لدور العامل الخارجي. وربما دفع قاسم حياته ثمنا لحلم استعادت الكويت مثلما حصل مع من سلفه وخلفه!!!
لقد ساندت الجمهورية الاولى الثورة الجزائرية بكل ثقلها واصدرت قرار انشاء جيش التحرير الفلسطيني ودعم العراق جميع المشاريع العربية وتوجهات حركة عدم الانحياز وكانت بغداد اول من استضافت المؤتمر التأسيسي لمنظمة الاوبك.
وبعيدا عن الخرافة السائدة في أن قاسم كان مشروعا سوفيتيا أو أنه ثمرة تفاهم بريطاني في مواجهه المصالح الأمريكية التي أشار إليها علي صالح السعدي في كشف دور السفارة الأمريكية في بغداد في انقلاب 14 رمضان 1963. فان الزعيم لم يكن سوئ نموذج للقائد العسكري وابن لهذه المؤسسة الوطنية قبل أن يكون قائد ثورة أو حركة حاولت قلب موازين القوى والنفوذ في المنطقة وقد قادت إلى هيمنة الجيش على القرار السياسي ونجح في أن يوازن ثقل الضباط وحلفائهم القوميين بالثقل المضاد لقوى الشيوعيين.


أين الخطأ؟


أن التفسير المتحمس للتغيير في تلك الحقبة المضطرية أدى إلى اضعاف دور مؤسسات المجتمع المدني وانفراط جبهة للاتحاد الوطني ناهيك عن عدم وجود كوادر كافية من ذوي الخبرة في ادارة شؤون الدولة بل كوادر سياسية وطنية متحمسة لم تراعي احيانا تأثيرات الإطار الإقليمي والدولي.
وبرزت موثرات التبعية السياسية والتورط بمضاعفاتها واستخدام العنف الثوري غير المبرر احيانا ضد القوى الأخرى وتجاوز الكثير من الخطوط الحمراء التي رسمها العامل الخارجي والفئات المتنفذة داخليا التي استغلت أخطاء اليسار العراقي سابقا في تعامله مع النظام العشائري والتجار والمؤسسة الدينية وقادة الجيش في الإجهازعلى تلك التجربة .
ان تفسير الية السقوط السريع لتلك التجربة الثورية الرائدة بعد خمس سنوات هو موضوع لم يحضى بلكثير من البحث والواضح لنا بعد نصف قرن ان الخلاف داخل الحزب الشيوعي العراقي نفسه بشان طبيعة العلاقة مع عبد الكريم قاسم الذي كشف عنه قياديون بارزون في الحزب قد يلقي بالمزيد من الضوء على طبيعة تلك المرحلة واسباب الاجهاض على الثورة وما اعقبها لاحقا من انشقاقات وتيارات .فبعد ان رفع الشيوعيون شعار المشاركة في السلطة عام 1959 اضظروا للتخلي عنه بضغط من الكرملين ورفضت اللجنة المركزية ازاحة قاسم وابعاده بالقوة بعد محاولة اغتياله وكان هناك تيار داخل الحزب يرى ان التبعية للزعيم ستهلك الاثنين معا ومن بين هؤلاء جلال الاوقاتي فيما اقترح خزعل السعدي وهو ضابط شيوعي على قيادة سلام عادل تطويق الزعيم ومنعه من ضرب الاكراد فرفضها عادل الذي كان الاكثر حرصا على استقلالية الشيوعيين عن الزعيم . وكاد الصدام ان يقع لاكثر من مرة بين الزعيم والشيوعيين .
ويؤكد عزيز الحاج في كتابه (شهادة للتاريخ) ان تخبط سياسات الحزب الشيوعي في سنوات الثورة يحمله مسؤلية خاصة عما الت اليه الاوضاع ولحد يومنا هذا .ويضيف ان جميع القوى السياسية الوطنية الاخرى عدى جناح محمد حديد قد اخطأت بحق الزعيم وقدمت صراعاتها وقناعاتها وطموحاتها الخاصة على ماكانت تستلزمه المرحلة من العمل سوية لاقامة دولة المؤسسات الدستورية والحياة الديمقراطية .اما بشأن العنف الثوري فيشير الحاج الى الانتهاكات في الموصل عند قيام حركة الشواف ويتسال لماذا كان اصرارنا على تنظيم المظاهرة في الموصل هل لكشف مؤامرة مبيتة كانت اجهزة قاسم على علما بها ولماذا تصرفنا كأننا السلطة الى حد تنظيم المحاكم الصورية وهدر الدماء ولماذا رفضنا طلب الشواف مقابلة الزعيم للوصول الى حل لحقن الدماء خاصة وانه كان متعاطفا مع الشيوعيين وماحركه ضد قاسم هو احساسه بالغبن السياسي .غير اننا عندما نطالع ماكتبه المرحوم زكي خيري وعامر عبد الله نجد اختلافا وتباينا واضحا في تقييم اسباب سقوط الجمهورية الاولى وهي على اية حال مغايرة الى حد كبير عن مواقف واراء القادة الناصريين والعثيين في العراق .
ولعل اكثر مااتهم به الزعيم ظلما هو الشعوبية نتيجة لموقفه العقلاني ومن خلفه بعض القوى الوطنية تجاه دعوات الوحدة الاندماجية مع مصر التي طرحها البعثيون والناصريون والتي جاءت بعد فترة وجيزة من فشل مشروع الوحدة السورية المصرية وقد ثبت لاحقا ان عارف قد استخدم هذا الشعار للمزايدة والانفراد بالسلطة لا غير .
ان قرار الزعيم الخاطىء بتجميد الاحزاب وعدم اقدامه على تشكيل حزب سياسي او تكتل يضم القوى الداعمة للجمهورية وعدم وضوح الرؤيا السياسية لديه وتخليه عن اجراء انتخابات برلمانية وافتقار اغلب القوى السياسية العراقية انذاك للنضج والعقلانية وغياب دور فعال لدولة القانون والمؤسسات وعدم نقد التجربة وتقييمها ماجعل الزعيم يبدوا احيانا وكأنه يتخبط دون اي خارطة لبلوغ اهدافه الوطنية النبيلة .

أن استخدام أدوات الفيلسوف (أنتونيو غرامشي) في تحليلة لكتاب(لأمير) لنيكولا ميكافيلي في تجاوزه لمقولة أنها مجرد وصايا للحكام كتبت في القرن الرابع عشر إلى أدراك مكامن القوى المحركة لمواقف الطبقات الاجتماعية قد يعيننا كثيرا في تفسير مجريات أحداث تلك الحقية الهامة من تاريخنا.
ورغم ما يراه البعض من أخطاء و(خطايا) أحيانا أرتكبها اليسار العراقي ودفع هو والزعيم ثمنها في منازله لاتختلف في الكثير من فصولها عما يحدث الآن في العراق فأنها لا تعدوا كونها إجتهادات في أول طريق لبناء دولة المؤسسات عبر مركزية السلطة على انقاض نموذج معقد من الاستبداد الشرقي لم تسع فيها النخبة نحو صياغة حلول محلية للتغيير، بل سقطت في جب الاستنساخ الكاربوني للتجربة السوفيتية في بلد عريق في تقاليد الدكتاتورية والتخلف والعشائرية وهيمنة مؤسسات ما قبل الحداثة، ولم يتخلص من أشكال النظم القمعية كالفاشية والموقف غير الواقعي من الأقليات والدين لم يكن قاسم وحده المسؤول عنها ، دفعت الجمهورية في بعض المنعطفات إلى الأوليغارشية سافرة تصاعدت قوتها مع شدة الصدام لتحسمها مطرقة الزعيم المهداوي في محكمته الثورية.
ومثلما كانت بداية الثورة دموية قاسية بدون مبرر فأنها انتهت هي الأخرى نفس النهاية التراجيدية. لقد خسر الحزب الشيوعي قيادته وعلى رأسها سلام عادل وجمال الحيدري ونافع يونس وابا العيس ورحيم شريف ومحمد العبلي وطالب عبد الجبار وجلال الاوقاتي وعدنان البراك وعشرات غيرهم وسقط في المواجهات بين الانقلابيين ومؤيدي الجمهورية اكثر من 2000 شهيد في حرب شوراع غير متكافأة واعدم العشرات من الضباط في حركة انقلابية فاشلة دبرها مؤيدوا الزعيم في معسكر الرشيد في حزيران 1963 ونقل المئات منهم لاحقا في قطار الموت المعروف الى السماوة وتعرض الالاف للتعذيب الوحشي وتم جمع قسم من المعتقلين ودفنوا احياء في منطقة الحصوة ولم تكن الحفرة الجماعية عميقة فنهشت الكلاب اغلب الجثث وكان ذلك بعض ماحققته (عروس الثورات )وارتكبته يد عارف والبكر والراوي مستغليين الفتاوى الدينية لارتكاب اول مجزرة سياسية في تأريخ العراق الحديث

العصر الذهبي للإبداع

رغم كل ما كتب وقيل وما سيكتب مستقبلا عن جمهورية (الزعيم الاوحد) إلا أننا عشنا مرحلة مميزة من الوفاق لاجتماعي والوئام الوطني لارائحة للطائفية فيها تجاوزت وكسرت قوالب النظام المشوه لمثلت (الأنسة بيل، الحصري، النقيب) وشهدت بداية لعصر الحداثة وانحسار التصورات التقليدية وفقا لمقولات( ماكس فيبر) التي تتوزع على المجال المعرفي، والقانوني،و الجمالي، ومثلت أول حالة نهوض منذ سقوط بغداد على يد المغول. وكانت خطوتها الأولى الدستور الموقت للقانوني المبدع حسين جميل. كان العراق برمته فخورا بعبد الجبار عبد الله تلميذ اينشتاين ولم يتساءل أحد عن أصل رئيس جامعة بغداد أهو صابئي أم مسلم أم مسيحي ، احتضن الزعيم الطفل المعجزة عادل الشعلان الذي كان يجمع الارقام أسرع من الحاسوب. ولم يشعر الزعيم بالامتعاض عندما أصغى جواد سليم لنصائح كامل الجادرجي رائد الليبرالية بان يتخلى عن فكرة تجسيد الزعيم وسط جداريته في ساحة الأمة لان الجادرجي أراد أن يمنحها الخلود ويجنبها الدمار.
وصفق الوطن برمته للجواهري الخالد، والبياتي، والحصيري، ونازك الملائكة والنواب، وسعدى يوسف، والسياب، وحسين مردان، وبرزت أسماء لامعة في كل الأداب والفنون والعلوم مثل الوتري والبستاني والشيخلى والسباك الذين لم يعرفوا إلا كعراقيين مبدعين لم يتساءل احد أهم سنة أم شيعة... عرب أم صفيون أم أكراد!!
كنا نقصد مسرح العاني وفرقة 14 تموز لنصفق لزينب وغائب طعمة فرمان ونقف مبهورين أمام نصب رفعت الجادرجي وجداريه فائق حسن. كان الوطن هو الهوية أما الطائفية والعشائرية فقد انحسرت وظننا أنها قبرت مع إلغاء قانون دعاوي العشائر... ويا للأسف كنا واهمين فقد استيقض الغول النائم الذي غذي بالحقد والضغينة لينهش الوطن والشعب المظلوم .
فقد أفقنا صبيحة14 من رمضان على بداية مرحلة سوداء قادها سماسرة القضية القومية واصطفاف يمثل القوى المضادة لحركة الجماهير أدت إلى ارتفاع صرح دولة متوحشة ينخرها السوس الطائفي والدكتاتوري الذي ساعد على قوته البطش وثورة النفط معا لتنشب أظفارها في جسد الوطن والشعب ودول الجوار، ولم تنهض من فوقه إلا بفعل العامل الخارجي بعد أن عجزت جميع القوى الوطنية الاطاحة بالنظام العفلقي الصدامي رغم ألاف الشهداء، في اللحظة التي انتقلت فيها واشنطن لبدء مرحلة جديدة من العلاقة المباشرة مع العراق لتسعى نحو بناء دولة جديدة لم تراعي كثيرا معطيات الواقع والتاريخ والمنطق في سيناريو مغاير تماما لما حصل في شرق أوروبا بعد سقوط جدار برلين .لازالت ملامحها وتداعياتها تثير الكثير من التساؤلات والشكوك في حقبة العراق الامريكي بعد ان انحسر دور القوى العلمانية لصالح المؤسسة الدينية

تحية لكل شهداء ورجال 14 من تموز وضحايا الردة الغادرة. وسلاما لصلابة الكبرياء فيها وبمناضليها... والرحمة للزعيم المعذور الذي عشقه الشعب بصدق وإنسانية وصفاء للمنقذ الذي لم يصدق ابناء شعبة الشرفاء حين أعدمه العفالقة في الصالحية في تلك الأمسية الرمضانية التي افطروا فيها حزنا وظنوا انه لم يعدم بل شبة لقاتلية بينما لا يزال يطل على قمر الرافدين أو زائرا أضرحة أولياء الله الصالحين قبل أن يلحقها الخراب الطائفي على يد نفس الزمر التي تامرت على ثورة 14 من تموز.
السلام عليك يازعيم العراق المغدور بلا قبر ولا كفن وعلى شهداء رمضان المصلوبين في شوارع بغداد أبدا، ولأولئك الذين يعشون في المنافي البعيدة.
المجد للعراق الحرالموحد شعبا ووطنا وترابا....الذي يولد وسط الدماء والحزائب والاشلاء والموامرات لكنه يحلم بالحب في ثلاجات الموتى.. زهرة جوري في اليد وغصة في القلب حتى قيام الساعة.

*(نشر هذا المقال العام الماضي وقد ارتأينا اجراء بعض التعديلات عليه في ضوء ماتلقيناه من ملاحضات واراء قيمة من قبل عدد من الشخصيات العراقية التي عاصرة احداث تلك الفترة والتي نتقدم لها بجزيل الشكر والتقدير )



#عزيز_الدفاعي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- ولا عزاء للشعراء... !!
- عائد الى كربلاء
- في الطريق الى سامراء
- صيف كردستان.. الدامي!!!
- الاستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق
- الخليج من فصاحة الطالباني ...الى مفاجئات نجاد
- نيران زرادشت ...وأحلام رجوي!!
- العلاقات العراقية-السورية
- هل يكفي ان يكون الحق مع الحسين........؟
- هل تخلى (المهدي المنتظر) عن( جند السماء)؟
- حكومة المالكي في مواجهة مؤامرات المماليك!!!


المزيد.....




- تحويل الرحلات القادمة إلى مطار دبي مؤقتًا بعد تعليق العمليات ...
- مجلة فورين بوليسي تستعرض ثلاث طرق يمكن لإسرائيل من خلالها ال ...
- محققون أمميون يتهمون إسرائيل -بعرقلة- الوصول إلى ضحايا هجوم ...
- الرئيس الإيراني: أقل عمل ضد مصالح إيران سيقابل برد هائل وواس ...
- RT ترصد الدمار في جامعة الأقصى بغزة
- زيلنسكي: أوكرانيا لم تعد تملك صواريخ للدفاع عن محطة أساسية ل ...
- زخاروفا تعليقا على قانون التعبئة الأوكراني: زيلينسكي سيبيد ا ...
- -حزب الله- يشن عمليات بمسيرات انقضاضية وصواريخ مختلفة وأسلحة ...
- تحذير هام من ظاهرة تضرب مصر خلال ساعات وتهدد الصحة
- الدنمارك تعلن أنها ستغلق سفارتها في العراق


المزيد.....

- تاريخ البشرية القديم / مالك ابوعليا
- تراث بحزاني النسخة الاخيرة / ممتاز حسين خلو
- فى الأسطورة العرقية اليهودية / سعيد العليمى
- غورباتشوف والانهيار السوفيتي / دلير زنكنة
- الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة / نايف سلوم
- الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية / زينب محمد عبد الرحيم
- عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر / أحمد رباص
- آراء سيبويه النحوية في شرح المكودي على ألفية ابن مالك - دراس ... / سجاد حسن عواد
- معرفة الله مفتاح تحقيق العبادة / حسني البشبيشي
- علم الآثار الإسلامي: البدايات والتبعات / محمود الصباغ


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات - عزيز الدفاعي - من اعدم الزعيم عبد الكريم قاسم؟*