أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - الطريق الشاق نحو الكتابة














المزيد.....

الطريق الشاق نحو الكتابة


أحمد الخميسي

الحوار المتمدن-العدد: 1971 - 2007 / 7 / 9 - 11:14
المحور: الادب والفن
    



أحيانا يرسل لي بعض الكتاب من الشباب محاولاتهم الروائية والقصصية الأولى ، وفي كل مرة أتناول فيها نصا من تلك النصوص أقرأه ممتلئا بالشعور بأن أحلام وعقل وروح شخص ما أمانة بين يدي ولو للحظة قصيرة. ومن هذا المنطلق أتحدث إلي الكاتب الذي غالبا ما يفاجئني بأنه لا يتوقع سوى النجاح ، وسماع قصيدة طويلة في امتداح العمل تخلو من أية ملاحظات جدية بشأن الموضوع أو الطريقة أو اللغة. ولا شك أن كل كاتب بحاجة ماسة إلي الإطراء والمديح، أو كما قال لنا يوسف إدريس ذات مرة : الكاتب مثل المقرئ إذا لم يسمع في الصوان من يقول له : الله يا مولانا الله ، فتر صوته وباخ وصار قبيحا ! لكن الكاتب في الوقت ذاته بحاجة ماسة أيضا إلي كل كلمة صادقة. وعادة فإن الذين يتوقعون نجاحا سريعا لا يثيرون في نفسي سوى الشك في أصالة مواهبهم . تكفي نظرة على حياة كبار الكتاب لنعرف مدى الفشل الذي تدربوا عليه عبورا إلي الكتابة . إن ما نذكره الآن عن سرفانتس أنه كاتب عظيم فحسب ، ترك عملا خالدا هو " دون كيشوت " ، لكننا لا نتذكر طريقه الشاق إلي الكتابة ، وأنه قبل دون كيشوت كتب ونشر مجموعة من القصائد تعد من أردأ ما عرف الأدب الأسباني من شعر مكسور‍‍، حتى أن لوب دي فيجا وكان من كبار كتاب المسرح أشار في خطاب له إلي أنه " ليس في أسبانيا شاعر أسوأ من سرفانتس " ! وبعد فشله في الشعر اتجه سرفانتس إلي المسرح ، فكتب أكثر من عشرين مسرحية لم يكتب لواحدة ‍منها النجاح ، وأخيرا حاول أن يكتب قصة من قصص الرعاة ، فلاقت الفشل أيضا . وحين بلغ سرفانتس عامه الثامن والخمسين كان رجلا محطما خائب الأمل ، وبدأ يكتب دون كيشوت َ‍! لم يحظى سرفانتس بذلك النجاح السريع الذي يتوقعه بإلحاح كتابنا من الشباب ، لكنه تدرب على فشل طويل نحو الكتابة . أما أونوري دي بلزاك صاحب الملهاة الإنسانية وغيرها من الروائع ، فلم يسمع حين قدم أول مسرحية له إلي أحد أساتذة الأكاديمية الفرنسية سوى العبارة التالية : " قم بأي شيء في المستقبل ما عدا الكتابة الأدبية " ، وفي غضون ثلاث سنوات ألف واحدا وثلاثين كتابا من قصص المغامرات وظل مجهول الاسم ومحاطا بالديون وهو يناهز الأربعين ! اسكندر ديماس الأب كتب عشرات المسرحيات والقصص التي لم تر واحدة منها النور . وكان كلما رفض ناشر أن يقابله يكتفي بالابتسام للسكرتيرة قائلا : " شكرا يا آنستي لست ممن تخور عزائمهم بسهولة ، سأمر ثانية ". وعندما كتب الأديب الفرنسي العظيم جوستاف فلوبير روايته الرائعة " مدام بوفاري " لم يلق أي إعجاب ، وعلى العكس من ذلك وصفه النقاد في حينه بأنه خطر على المجتمع والأخلاق ، وألقت الحكومة الفرنسية القبض عليه بتهمة ترويج الأدب الخليع ، وحاكمته ، ثم حكمت ببرائته . لكن النجاح السريع لم يكن من بين أهدافه . وقد تبقت من الروائي ناثانيال هوثورن رواية واحدة هي " الحرف الأحمر " التي صور فيها خطيئة الحب ضد العرف الإجتماعي ، وخطيئة العرف الإجتماعي ضد الحب ، لكنه لم يكتب تلك الرواية إلا بعد أن قطع طريقا طويلا من الفشل ، واجتياز الفشل ، نحو الكتابة ، حتى أنه عندما بلغ الثامنة والثلاثين لم يكن سوى : " شخص عديم الجدوى إلي درجة تبعث على الرثاء " . هذه القصص وغيرها عن معاناة الكتاب العظام ستجدها في كتاب " أعلام الفن القصصي " الصادر عن سلسلة ذاكرة الكتابة بالهيئة العامة ، ترجمه وراجعه أستاذان كبيران هما عثمان نوية ، ومحمد بدران ، وهو كتاب من الستينات يعاد طبعه . وليس القصد من كل تلك الحكايات أن النجاح السريع مستحيل ، فقد سطع نجم يوسف إدريس ماأن نشر مجموعته القصصية الأولى " أرخص ليالي " ، وهناك حالات كثيرة مماثلة ، لكن تلك تظل حالات استثنائية ، أما القاعدة العامة فهي أن الكتابة تحتاج إلي صبر وتواضع ورغبة حقيقية في التعرف إلي النواقص وإرهاف السمع إلي كل ملاحظة ، كما تحتاج إلي إنجاز أكبر قدر ممكن من الفشل ، لكي ينجح جزء ما من الكتابة ويظل مقروءا . أما تعجل الثناء وكلمات الإعجاب فإنه لا يثير سوى القلق بشأن أصالة الموهبة .

أحمد الخميسي . كاتب مصري
[email protected]



#أحمد_الخميسي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- جون شتاينبك ومنطق بيلون
- تحرير متبادل بين حماس وفتح
- تعذيب العقل
- أين أنت أيها التنوير ؟
- أهمية أن تكون من كندا
- لينين والقضية الفلسطينية
- عندنا ما فيش قتل .. فيه منع بس
- حماس لتحرير الحكومة أم فلسطين ؟
- الحركة الثقافية وحياة خليل كلفت
- رسالة بهاء طاهر إلي المعارضة المصرية
- عن أي حجاب يدور الحديث في مصر؟
- الناس يصعدون إلي السماء
- بلاغ ضد الشعب
- الإمبراطورية الأمريكية تحكم الرقابة على العالم
- د. رشاد الشامي .. رحيل عالم كبير
- المسلسلات المصرية
- غزة تفطر على مدافع الاحتلال
- قوات الديمقراطية الأمريكية والصحافة العراقية
- إسرائيل عدو الثقافة الأول
- نجيب محفوظ لحظة وداع


المزيد.....




- الضحكة كلها على قناة واحدة.. استقبل الان قناة سبيس تون الجدي ...
- مازال هناك غد: الفيلم الذي قهر باربي في صالات إيطاليا
- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - أحمد الخميسي - الطريق الشاق نحو الكتابة