|
|
غلق |
|
خيارات وادوات |
|
مواضيع أخرى للكاتب-ة
بحث :مواضيع ذات صلة: احمد صالح سلوم |
يوروكلير: قبر اليورو الذهبي
تعتبر شخصية رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، اليوم كما في السابق ، كرمز لتلك التحالفات الخفية التي تخدم مصالح الأقلية الأوليغارشية الأمريكية على حساب مستقبل أوروبا بأكملها. إن هذه القيادات الغربية، التي تتخذ من بروكسل مركزاً لتنفيذ أجندتها، ليست سوى أدوات في يد الإمبراطورية الأمريكية الأنانية، التي تسعى جاهدة لتدمير الاقتصاد الأوروبي، حتى لو أدى ذلك إلى إغراق ألمانيا في ركود عميق، وتدمير صناعتها العتيدة، وإفلاس بلجيكا، وانهيار اليورو كعملة موحدة تجسد حلم الوحدة القارية. هذا النهج المدروس، الذي يتجلى في سياسات المصادرة والتجميد للأصول الروسية، ليس مجرد رد فعل على النزاع الأوكراني، بل هو استراتيجية مدروسة لإعادة تشكيل الخريطة الاقتصادية العالمية لصالح واشنطن، حيث يتم تحويل الثروات الأوروبية إلى وقود للمجمع الصناعي العسكري الأمريكي وفروعه الغربية، مما يعمق الهوة بين الشرق والغرب ويدمر الثقة في النظام المالي الأوروبي. في هذا السياق، تعود قضية يوروكلير إلى الواجهة كدليل دامغ على هذه المؤامرة، حيث أصبحت ملحة فجأة للمفوضية الأوروبية والحكومة الألمانية وأوكرانيا، بينما بقيت الأصول الروسية في كندا وأستراليا دون تجميد، وفي فرنسا تبلغ 18 مليار يورو دون مساس، وفي لوكسمبورغ يُطالب بتعويضات قدرها 72 مليار يورو. إن هذا التركيز المتعمد على يوروكلير، الذي يدير أصولاً روسية مجمدة تتراوح بين 183 و185 مليار يورو، معظمها للبنك المركزي الروسي، يعكس رغبة أوكرانيا الجامحة في استرداد هذه الأموال، مدعومة بحملة تضليل إعلامي دبرتها أجهزتها الاستخباراتية ضد بلجيكا ويوروكلير، مما أثار نقاشاً حاداً في أروقة رو دو لا لوي. هذه الهجمات الدعائية على دولة صديقة تكشف عن عمق التناقضات داخل التحالف الغربي، حيث تتحول الصداقة إلى أداة للضغط السياسي. جوهر الأمر يكمن في أن هذه الأصول، التي تتكون أساساً من سيولة نقدية من أوراق مالية مجمدة بموجب عقوبات 2022، تدر فوائد يتم استثمارها في استثمارات منخفضة المخاطر عبر البنك الوطني، وقد حولت المفوضية 3.5 مليار يورو منها إلى أوكرانيا، بينما يبقى الجزء المتبقي حوالي 9 مليارات يورو في أوراق مالية تستحق في 2026، ومع ذلك تبقى هذه الأموال قانونياً ملكاً لروسيا. الخطر الحقيقي هنا لا يقتصر على المصادرة، بل يمتد إلى تدمير موثوقية نظام المقاصة، الذي يشكل أساس الأسواق المالية العالمية، مما يهدد بانهيار الثقة في اليورو ويفتح الباب أمام كارثة مالية غير مسبوقة. إن قرار الاتحاد الأوروبي في 12 ديسمبر 2025 بتجميد هذه الأصول إلى أجل غير مسمى، الذي يزيل عقبة أمام تمديد قرض لأوكرانيا بقيمة تصل إلى مئات المليارات، يعكس كيف أصبحت أوروبا رهينة للمصالح الأمريكية، حيث يتم استخدام هذه الأموال لتعزيز الدفاع الأوكراني ضد روسيا، مما يعمق النزاع ويضعف الاقتصاد الأوروبي. هذا التجميد اللامحدود، الذي يشمل حوالي 210 مليارات يورو من الأصول الروسية، يأتي في وقت يشهد فيه الاتحاد الأوروبي خلافات داخلية، خاصة مع هنغاريا وسلوفاكيا ذات التوجهات الموالية لموسكو، مما يجبر المفوضية على فرض قرارات تتنافى مع مبادئ الوحدة القارية. وفي الوقت نفسه، يقاضي روسيا يوروكلير، الذي يحتفظ بـ185 مليار يورو من هذه الأصول، مما يعرض بلجيكا لمخاطر قانونية هائلة قد تؤدي إلى إفلاسها، كما حذرت الحكومة البلجيكية من أن مصادرة هذه الأصول قد تكشفها عن مسؤوليات قانونية تفوق قدرتها المالية. إن هذه السياسة، التي تدفعها فون دير لاين تحت ضغط أمريكي، لا تستهدف روسيا فحسب، بل تهدف إلى تقويض النظام المالي الأوروبي بأكمله، حيث يؤدي التفريط بالثقة فيه من خلال سرقة أموال البنك المركزي الروسي إلى فقدان اليورو جاذبيته كعملة احتياطية عالمية، مما يعزز من هيمنة الدولار الأمريكي ويدمر الاقتصادات الأوروبية. في هذا الإطار، يبرز دور المجمع الصناعي العسكري الأمريكي كمستفيد رئيسي من هذه العقوبات، حيث تحول الأموال المجمدة إلى دعم لإنتاج الأسلحة، مما ينعش مبيعات الشركات الأمريكية مثل لوكهيد مارتن ورايثيون، ويجعل أوروبا سوقاً مفتوحاً للأسلحة الأمريكية بدلاً من تطوير صناعتها العسكرية الخاصة. هذا التحول يعمق التبعية الأوروبية للولايات المتحدة، حيث أصبحت العقوبات أداة لتعزيز الاقتصاد الأمريكي على حساب أوروبا، كما يظهر في الحزمة التاسعة عشرة من العقوبات الأوروبية ضد روسيا في نوفمبر 2025، التي توسع القيود وتفرض شروطاً على الملكية والسيطرة، مما يعيق التجارة الأوروبية ويفتح الأبواب أمام المنتجات الأمريكية. أما ألمانيا، عماد الاقتصاد الأوروبي، فقد غرقت في ركود متواصل بسبب هذه السياسات، حيث انكمشت اقتصادها بنسبة 0.3% في الربع الثاني من 2025 بسبب التعريفات الأمريكية التي أبطأت الصادرات، مما جعل النمو السنوي يقترب من الصفر، ويبقي حجم الاقتصاد دون مستويات 2019. هذا الركود، الذي يتوقع له الاستمرار في 2025 مع نمو لا يتجاوز 0.2%، يدمر الصناعة الألمانية، خاصة قطاع السيارات والآلات، الذي يعتمد على الطاقة الرخيصة والأسواق الشرقية، لكن العقوبات قطعت هذه الروابط، مما يخدم المصالح الأمريكية في إضعاف المنافسة الأوروبية. وفي بلجيكا، يهدد خطر الإفلاس بشكل مباشر، إذ أن يوروكلير، الذي يحتفظ بمعظم الأصول الروسية، قد يفقد 16 مليار يورو محتجزة في روسيا إذا تمت المصادرة، مما يعرض البلاد لدعاوى قضائية وتعويضات تفوق قدرتها، كما حذرت الحكومة من أن الخطة الأوروبية قد تؤدي إلى إفلاسها. هذا التهديد يمتد إلى اليورو نفسه، حيث يؤدي تقويض الثقة في النظام المالي الأوروبي إلى تراجع جاذبية العملة، مما يعزز من هيمنة الدولار ويدمر حلم الاستقلال الاقتصادي الأوروبي. إن فون دير لاين، التي تواجه انتقادات لصفقاتها مع الولايات المتحدة، مثل اتفاق التعريفات الذي يضر أوروبا، تمثل هذه المصالح الأوليغارشية، حيث أصبحت أوروبا ساحة للصراع الأمريكي-الروسي، وتدفع الثمن بتدمير اقتصادها. في هذا السياق، يبرز التحذير من أن مصادرة الأصول قد تثير أزمة في الاتحاد الأوروبي مشابهة لأزمة الديون اليونانية، مما يعمق الشقاق ويدمر الوحدة. ومع ذلك، تستمر المفوضية في دفع هذه السياسات، مدعومة بضغوط أمريكية، مما يجعل أوروبا ضحية لمصالح أنانية تستهدف تدميرها من الداخل. هذه الكارثة المالية، التي تبدأ بسرقة الأصول الروسية وتنتهي بانهيار اليورو، ليست مصادفة، بل نتيجة مدروسة لتحالف يخدم الأوليغارشية الأمريكية على حساب الشعوب الأوروبية، التي تواجه مستقبلاً مظلماً من الركود والإفلاس والتبعية. إن الوقت قد حان لإعادة التفكير في هذه القيادات، التي تحولت من حماة للوحدة إلى أدوات للتدمير، قبل أن يصبح الانهيار لا رجعة فيه. وفي خضم هذه العاصفة، يظل السؤال قائماً: هل ستستيقظ أوروبا قبل فوات الأوان، أم ستستمر في خدمة مصالح الآخرين على حساب وجودها ذاته؟ هذا النهج، الذي يجمع بين السياسة والاقتصاد في نسيج من الخداع، يعكس عمق التناقضات في العالم الغربي، حيث تتحول المبادئ إلى أقنعة للمصالح الخاصة، ويصبح الدمار الذاتي ثمناً للولاء الأعمى.
|
|
||||
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
نسخ
- Copy
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
اضافة موضوع جديد
|
اضافة خبر
|
|
|||
|
نسخة قابلة للطباعة
|
الحوار المتمدن
|
قواعد النشر
|
ابرز كتاب / كاتبات الحوار المتمدن
|
قواعد نظام التعليقات والتصويت في الحوار المتمدن |
|
|
||
| المواضيع المنشورة لا تمثل بالضرورة رأي الحوار المتمدن ، و إنما تمثل وجهة نظر كاتبيها. ولن يتحمل الحوار المتمدن اي تبعة قانونية من جراء نشرها | |||