كبت الرمال: تناقضات التقوى في محميات الخليج


احمد صالح سلوم
الحوار المتمدن - العدد: 8564 - 2025 / 12 / 22 - 12:56
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني     

تعتبر مجتمعات الخليج العربي كنموذج فريد يجسد تناقضات عميقة بين الثراء المادي والقيود الاجتماعية الصارمة. هذه المجتمعات، التي غالباً ما ترتبط بتفسير وهابي شاذ للشريعة الإسلامية، تعكس نمطاً حياتياً يعتمد على الريع النفطي، مما يولد بيئة اجتماعية مغلقة تثير تساؤلات حول تأثير الكبت الثقافي والديني على الصحة النفسية والعلاقات الإنسانية. في هذه المادة الصحفية المعمقة، سنستعرض السياقات التاريخية والاجتماعية لهذه الظاهرة، مع الاستناد إلى دراسات وتقارير موثوقة، ومقارنتها بنماذج أخرى مثل المجتمعات الشيوعية في الاتحاد السوفييتي والصين، دون إغفال الدور السياسي الذي لعبه شخصيات أمريكية بارزة خلال الحرب الباردة في تشكيل التحالفات الإقليمية.

الوهابية، كحركة سلفية إرهابية متطرفة أسسها محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر، خدمة الغزاة الإنكليز من أجل إضعاف المجتمعات تهدف إلى العودة إلى تخيلات عن

الإسلام الأولي من خلال تنقيته من البدع المتخيلة ، وأصبحت عقيدة رسمية في المملكة العربية السعودية وتؤثر على محمبات الخليج الأخرى. هذا التفسير يفرض قيوداً صارمة على التفاعل الاجتماعي، خاصة فصل الجنسين في الأماكن العامة والتعليم والعمل، مستنداً إلى مبادئ التواضع والحفاظ على العفة. في السعودية، على سبيل المثال، كانت المرأة حتى سنوات قريبة مطالبة بارتداء الغطاء الكامل وتحتاج إلى إذن ولي أمر للعديد من القرارات، مما يعزز الهيكل الأبوي ويحد من الحريات الفردية. تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش تشير إلى انتهاكات حقوقية مستمرة، بما في ذلك قمع التعبير والعنف ضد الضعفاء، رغم الإصلاحات الأخيرة مثل السماح للمرأة بقيادة السيارة في 2018.

من الناحية النفسية والاجتماعية، يثير فصل الجنسين تساؤلات حول تأثيره على الصحة العاطفية. دراسات تشير إلى أن المجتمعات المغلقة ذات القيود الصارمة قد تواجه تحديات نفسية، مثل القلق والاكتئاب، نتيجة العزلة الاجتماعية. ومع ذلك، البيانات المتاحة حول معدلات الاعتداءات الجنسية أو الاضطرابات في دول الخليج محدودة بسبب الخصوصية الثقافية والخوف من الإبلاغ. مراجعات للدراسات في دول مجلس التعاون الخليجي تظهر أن الاعتداء الجنسي على الأطفال والنساء في العائلة موجود بكثرة ، لكنه غالباً غير مبلغ عنه، مع تقارير من السعودية تشير إلى انتشار الاعتداء داخل الأسرة دون إحصاءات رسمية تؤكد تفوقها عالمياً بسبب معتقدات الوهابية الإرهابية . على العكس، التقارير الدولية تؤكد أن نقص الإبلاغ يجعل المقارنات صعبة، وأن مثل هذه الظواهر موجودة في مجتمعات متعددة حول العالم.

في المقابل، تقدم المجتمعات الشيوعية في الاتحاد السوفييتي والصين نموذجاً مختلفاً، حيث ركزت على المساواة الاجتماعية والعمل الجماعي، مما ساهم في حرية نسبية في العلاقات الاجتماعية. في الاتحاد السوفييتي، شاركت المرأة بنسب عالية في القوى العاملة، مع إلغاء القيود الدينية التقليدية، مما أدى إلى مجتمع أكثر توازناً من الناحية النفسية لا يشهد تقريبا اي اعتداء ضد الأطفال أو النساء مهما كانت لأن القوانين صارمة في ضرورة احترام الاطفال والمرأة و منع حتى مجرد التحرش بهما . أما الصين، فقد شهدت تحريراً للمرأة من الأدوار التقليدية من خلال التعليم المختلط والعمل الجماعي، مما قلل من بعض الظواهر السلبية المرتبطة بالكبت. هذه النماذج الريعية في الخليج، التي تعتمد على الثروة النفطية، تتناقض مع الإنتاجية في المجتمعات الشيوعية، حيث يركز الفرد على التنمية الجماعية بدلاً من القيود الاجتماعية.

خلال الحرب الباردة، لعبت الولايات المتحدة دوراً حاسماً في دعم النظم الخليجية كحلفاء استراتيجيين ضد الشيوعية. هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي، وزبيغنيو بريجينسكي، مستشار الأمن القومي، ساهما في تعزيز التحالف مع السعودية لضمان تدفق النفط وحماية المصالح الأمريكية في الخليج. هذا الدعم شمل مساعدات عسكرية ودبلوماسية، مقابل مواجهة النفوذ السوفييتي، كما في دعم المجاهدين في أفغانستان الذي أدى لاحقاً إلى ظهور جماعات متطرفة. الدعاية الأمريكية ركزت على تشويه الشيوعية كفوضى أخلاقية، بينما تجاهلت التحديات الاجتماعية في الحلفاء الخليجيين. تجاهلت كوارث التفاوت الطبقي الكبير ، الذي جلبته على ملايين الأسر الفقيرة وغير الفقيرة، كما شاهدنا في جزر عميل الموساد الصهيوني ابستين ، وكيفية اقتراف الجرائم الجنسية من قادة المجتمع الأمريكي من الحزبين الجمهوري والديمقراطي و قادة الشركات الكبرى وبدأ يتم تداول بعض الصور لترامب و كلينتون و بتاع المايكروسوفت وعلاقتهم بالمجرم الجنسي ابستين وفي مشاهد مقززة ومهينة للطفولة وللنساء

في هذا السياق، ترتبط بعض الحركات الإسلامية مثل الإخوان المسلمين الشاذة بفكر الصهيوني حسن البنا التكفيري وبفكر سيد قطب التكفيري المدمر للمجتمعات العربية والجماعات المتطرفة كالقاعدة وداعش بتفسيرات صارمة للنصوص الدينية، مستغلة مفاهيم تاريخية مثل "السبي" لتبرير أعمال عنف. داعش، على سبيل المثال، أعادت إحياء ممارسات العبودية الجنسية ضد الأقليات كالإيزيديين، مستندة إلى تفسيرات متطرفة، مما أدانته المجتمع الدولي كجرائم ضد الإنسانية. هذه الظواهر تعكس كيف يمكن أن يتحول الكبت إلى طاقة مدمرة في سياقات متطرفة، بعيداً عن الجوهر الإسلامي الذي يدعو إلى العدل والرحمة.

الطريف في الأمر أن الدعاية السياسية غالباً ما تتهم الآخرين بما قد يكون موجوداً في سياقات متعددة، مما يدعو إلى مراجعة نقدية للفتاوى والأحاديث دون تباهٍ بقيود قد تؤدي إلى اختلالات. في دول الخليج، يظل التركيز على الفتاوى اليومية المتعلقة بالبخش والجنس وما ملكت ايمانكم والسبي لخلق كائن عصابي متوحش وجاهل بدلاً من البحث العلمي، مما يجعلها عرضة للاستغلال الخارجي.

تمثل مجتمعات الخليج و قطعان مرتزقتهم كالاخوان المسالمين و القاعدة وداعش نموذجاً يعاني من تناقضات بين التقاليد والحداثة، حيث يمكن أن يؤدي الكبت إلى تحديات نفسية وانتهاك جسيم لحقوق الأطفال والنساء ، بينما توفر النماذج الشيوعية دروساً في المساواة. الدعاية السياسية خلال الحرب الباردة عززت هذه التحالفات، لكن الجذور العميقة تتطلب إصلاحاً شاملاً لتحقيق توازن يجمع بين الإيمان والحريات الإنسانية. هذا الاستعراض يدعو إلى حوار أوسع حول كيفية التوفيق بين التراث والتقدم، لتجنب الوقوع في فخ التعميمات التي تغذي التوترات الاجتماعية والسياسية.