|
|
غلق |
|
خيارات وادوات |
|
مواضيع أخرى للكاتب-ة
بحث :مواضيع ذات صلة: احمد صالح سلوم |
ما التحديات التي تطرحها وثيقة ترامب الاستراتيجية على محور المقاومة ؟
من الممكن تصنيف وثيقة استراتيجية الأمن القومي الأمريكية لعام 2025 الصادرة في الرابع من ديسمبر على أنها فرصة تاريخية لقوى المقاومة في المنطقة لفك الارتباط (الدلينكينج) عن منطق التراكم الرأسمالي العالمي، خاصة في سياق القضية الفلسطينية التي تعتبر مظهراً للاستعمار الاستيطاني الذي يخدم الإمبريالية الأمريكية. في هذه المادة، سنستعرض ما يترتب على قوى المقاومة – من غزة إلى جنوب لبنان، ومن إيران إلى صنعاء والحشد الشعبي – أن تفعله كرد على هذه الاستراتيجية الحالية، معتمدين على الإطار النظري التقدمي الذي يدعو إلى الانفصال الاستراتيجي عن التبعية الإمبريالية لإعادة بناء اقتصاد وطني مستقل يخضع لقوانين شعبية وليس لقوانين السوق العالمية والاحتكارات. الوثيقة تُعلن تحولاً جذرياً في السياسة الأمريكية، حيث يُصبح الشرق الأوسط ليس "مسرحاً رئيسياً للمنافسة بين القوى العظمى"، بل مصدراً للاستثمارات في الطاقة النووية والذكاء الاصطناعي، مع نقل الأعباء الأمنية إلى الشركاء الإقليميين ورفض "الحروب الأبدية". هذا التحول، كما كان سيفسره الفكر التقدمي، ليس تنازلاً طوعياً، بل نتيجة لأزمة الرأسمالية العالمية التي أدت إلى إهدار الموارد في تدخلات فاشلة مثل العراق وأفغانستان واليمن وغزة ، مما يُضعف القدرة على الحفاظ على الهيمنة الدائمة. في سياق القضية الفلسطينية، التي تعتبر جزءاً من النضال ضد الاستعمار الاستيطاني الذي يُمارس "الأبارتهايد" لصالح الثالوث الإمبريالي، تُكشف الوثيقة عن تقليل الالتزام العسكري الأمريكي، حيث يُشيد بإنهاء "الحرب في غزة" عبر التفاوض على وقف إطلاق النار وإعادة الاسرى الصهاينة ، مع "تدهور نفوذ دعاة حماس الرئيسيين". هذا النهج "الجراحي"، الذي يرفض "بناء الأمم الفاشل"، يُعزز العزلة الإقليمية للمقاومة الفلسطينية، لكنه في الوقت نفسه يُكشف عن ضعف المركز الإمبريالي، مما يفتح باباً لقوى المقاومة لتحويل فك الارتباط إلى واقع عملي. أن الدلينكينج ليس عزلة، بل خضوع الاقتصاد الوطني لمنطق التنمية الداخلية الشعبية، وفي المنطقة يعني ذلك بناء تكامل إقليمي يجمع بين غزة والضفة وجنوب لبنان وصنعاء ودمشق وبغداد، بعيداً عن سلاسل التوريد الإمبريالية. بالنسبة لقوى المقاومة في فلسطين، يترتب عليها استغلال هذه الشقوق لإعادة بناء اقتصاد مقاوم يعتمد على الاكتفاء الذاتي، حيث يُصبح الدلينكينج أداة لتحرير الأرض من خلال تحرير الاقتصاد. في غزة، التي شهدت "حرب العامين" (2023-2025) وأدت إلى خسائر إنسانية هائلة تجاوزت 68 ألف قتيل، يجب على الفصائل الفلسطينية تحويل المقاومة العسكرية إلى نموذج تنموي مستقل، معتمدين على الزراعة المحلية والطاقة المتجددة والصناعات الصغيرة لتجاوز الاعتماد على المساعدات الإمبريالية عبر محمياتها الخليجية الصهيو أمريكية أو التنسيق الأمني مع إسرائيل. ان هذا الدلينكينج يتطلب رفض أي صفقة تُعزز التبعية، مثل تلك المبنية على "اتفاقيات أبراهام" التي تُوسعها الوثيقة لتعزيز العزلة الاقتصادية عن الفلسطينيين، واستبدالها بتحالفات جنوبية مع دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية لتوثيق الجرائم الإسرائيلية وتعزيز الضغط العالمي. في جنوب لبنان، يترتب على حزب الله بناء جبهة موحدة مع الفلسطينيين لإجبار إسرائيل على التراجع، مع الاستثمار في " فك الارتباط الإقليمي" من خلال تعزيز الروابط الاقتصادية مع إيران و العراق واليمن لتجاوز العقوبات الأمريكية، حيث يُصبح الاقتصاد المقاوم نموذجاً يجمع بين الدفاع والتعليم والصحة، مستفيداً من تراجع الالتزام الأمريكي في المنطقة كما تُكشفه الوثيقة. أن هذا يمكن اعتباره فرصة لتحويل المقاومة إلى حركة اجتماعية شاملة، ترفض "القبول كما هي" للدول التابعة وتبني تكاملاً إقليمياً يعتمد على تبادل الغذاء والأدوية خارج الدولار. أما في إيران، فإن الوثيقة تُكشف عن إضعاف دراماتيكي لبرنامجها النووي عبر "عملية مطرقة منتصف الليل"، مما يُمثل محاولة إمبريالية للحفاظ على السيطرة، لكن يترتب على طهران تحويل هذا الإضعاف إلى قوة داخلية من خلال إعادة بناء البرنامج كأداة ردع مدني، مع الدلينكينج الاقتصادي عبر تحالفات مع الصين وروسيا لتعويض الخسائر في الطاقة والتكنولوجيا. أن إيران، كقوة انتقالية في الجنوب، يجب أن تدعم المقاومات مالياً و تكنولوجياً، مع تعزيز الدبلوماسية الجنوبية لعزل إسرائيل دولياً، مستفيدةً من رفض الوثيقة لـ"الحروب الأبدية" كدليل على ضعف المركز. في صنعاء، يترتب على الحكومة استغلال ضعف الوجود الأمريكي في اليمن كما تُشيره الوثيقة، التي تُبرز "تدهور نفوذ الوكلاء "، لتعزيز السيطرة على الموانئ وبناء اقتصاد مستقل يعتمد على "رؤية يمنية" للزراعة والتجارة الإقليمية، مع التنسيق مع إيران لتحويل الردع البحري إلى أداة ضغط اقتصادي تُكسر التبعية على مضيق هرمز. أن هذا يمثل أيضا فرصة لتحويل المقاومة إلى نموذج تنموي يجمع بين الدفاع عن السيادة والاكتفاء الذاتي، رفضاً لأي صفقة تُعيد اليمن إلى دائرة الاستغلال الإمبريالي. أما الحشد الشعبي في العراق، فإن الوثيقة تُكشف عن تراجع الالتزام الأمريكي في المنطقة، مما يترتب عليه تعزيز الوحدة الشعبية لمواجهة التدخلات، مع الدلينكينج من خلال إعادة بناء الصناعة المحلية وتعزيز الروابط مع إيران وسوريا القادمة ما بعد الجولاني لتجاوز العقوبات. أن الحشد يجب أن يتحول إلى حركة اجتماعية تجمع بين الدفاع والتنمية، مستفيداً من أزمة الإمبريالية لإثبات أن الجنوب يمكنه الاستقلال دون الخضوع لمنطق السوق العالمي. في سياق القضية الفلسطينية تحديداً، التي تعتبر مفتاحاً لفهم الإمبريالية كآلية عنصرية، تُقدم الوثيقة فرصة لقوى المقاومة لتحويل الدلينكينج إلى استراتيجية تحرر شاملة، حيث يُصبح رفض "السلام الجراحي" الأمريكي باباً لإعادة بناء الوحدة الفلسطينية بعيداً عن التبعية، مع الاستثمار في اقتصاد مقاوم يجعل غزة نموذجاً للجنوب المقاوم. من الممكن التحذير من أن هذه الفرص ليست تلقائية، بل تتطلب نضالاً موحداً يجمع بين المسلح والاقتصادي، لتحقيق "الخروج من الرأسمالية" كمشروع تاريخي ينهي الهيمنة الإمبريالية في المنطقة. الوثيقة، بتركيزها على "نقل الأعباء" و"المنافسة المسؤولة" مع الصين وروسيا، تُكشف عن تفكك الثالوث الإمبريالي، حيث يُصبح الجنوب قادراً على بناء تحالفات مستقلة، لكن ذلك يتطلب من قوى المقاومة رفض أي تنازلات تُعزز التبعية، وتحويل الدلينكينج إلى واقع عملي يجمع بين السيادة الاقتصادية والنضال التحرري. في النهاية، إن الاستراتيجية الأمريكية الحالية، كما يُفسرها البناء النظري التقدمي، ليست نهاية للإمبريالية، بل مرحلة انتقالية تفتح أبواباً للجنوب ليصبح فاعلاً في تاريخه، شرط أن تتحد قوى المقاومة في مشروع دلينكينج ( فك ارتباط ) شامل يبدأ من فلسطين ويمتد إلى المنطقة بأكملها.
|
|
||||
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
نسخ
- Copy
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
اضافة موضوع جديد
|
اضافة خبر
|
|
|||
|
نسخة قابلة للطباعة
|
الحوار المتمدن
|
قواعد النشر
|
ابرز كتاب / كاتبات الحوار المتمدن
|
قواعد نظام التعليقات والتصويت في الحوار المتمدن |
|
|
||
| المواضيع المنشورة لا تمثل بالضرورة رأي الحوار المتمدن ، و إنما تمثل وجهة نظر كاتبيها. ولن يتحمل الحوار المتمدن اي تبعة قانونية من جراء نشرها | |||